أوراق اعتماد في تل أبيب

لا يمكن أن تغامر إيران بخسارة سوريا

أوراق اعتماد في تل أبيب

طرح الأستاذ عبدالرحمن الراشد في لقائه الإذاعي قبل أيام مع الأستاذ طارق الحميد في برنامج "وقت السياسة" مقاربة مختلفة حول صمت النظام السوري عما يحصل في غزة، إذ اعتبر الراشد أن النظام السوري لديه أمل في رفع العقوبات عنه، وتحديدا عقوبات "قانون قيصر"، ولهذا يحاول إظهار نوع من حسن السير والسلوك، لا سيما بعد المصالحات العربية معه.

وطرح الراشد فكرة التوصل إلى اتفاق سلام بين إسرائيل وسوريا، مقابل رفع العقوبات عن النظام السوري، والخروج الأميركي والتركي من سوريا، وغيرها من المطالب "السورية"، ولكنه ركز على أن الصعوبة في الأمر هي إقناع دولة حليفة لإيران بالتوصل إلى اتفاق سلام مع إسرائيل.

وما وصفه الراشد بـ"الصعب جدا"، أي إقناع دولة حليفة لإيران بتوقيع سلام مع إسرائيل، يبدو أشبه بالمستحيل إن كانت إيران خارجه.

وفي الحرب العراقية الإيرانية وقف الرئيس السوري آنذاك حافظ الأسد مع إيران ضد العراق رغم كل شعارات العروبة التي كان يتغنى بها، كان العالم كله يومها منقسما بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي. وفي حرب الخليج الأولى وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وقف الأسد الأب مع الولايات المتحدة بل وأرسل قوات سورية للمشاركة في حرب تحرير الكويت، وكان لبنان جائزة الترضية للنظام السوري. يومها قبلت سوريا بفكرة السلام "العادل والشامل" وشاركت في مؤتمر مدريد.

الوجود الإيراني في سوريا ليس مقتصرا على ميليشيات سيطالبها الأسد بالخروج فتخرج

جولات عدة من المفاوضات بين الطرفين كادت أن تصل إلى سلام في زمن رابين- الأسد، إلا أنها لم تصل، كذلك كادت سوريا أن تصل إلى اتفاق سلام في عهد الأسد الابن لكنها أيضا لم تصل.
قد يكون الطرح الأقل صعوبة اليوم فيما ذكره الراشد، إن تحدثنا عن مفاوضات سلام لا اتفاق سلام بين سوريا وإسرائيل، مفاوضات يناور من خلالها الأسد الابن (كما كان يناور الأب)، ومن خلفه إيران لتخفيف العقوبات وتعويمه ومساعدته في بسط سلطة نظامه على الأراضي السورية، مقابل الدخول في مفاوضات سلام مع إسرائيل.
كان حافظ الأسد حليفا مقربا من إيران، وكان تحالفهما يعرف حينها بالمحور السوري الإيراني، اليوم لم يعد هناك محور سوري إيراني، بل صارت سوريا النظام تدور في الفلك الإيراني، مثلها مثل جميع الميليشيات الممولة من إيران.
وصحيح ما ذكره الأستاذ عبدالرحمن أن سوريا دولة وكيان، أيا كان ما يمزقها، إلا أن هذه الدولة تخضع بالكامل للسيطرة الإيرانية، والوجود الإيراني في سوريا ليس مقتصرا على وجود ميليشيات تابعة لإيران، سيطالبها الأسد كما يتمنى البعض بالخروج فتخرج، بل باتت إيران موجودة داخل مؤسسات الدولة ومفاصل الحكم، في الزراعة والاقتصاد والأمن والتعليم وحتى السياحة، وأي اتفاق سلام سيتم لا يمكن أن تقبل إسرائيل فيه بكل هذا النفوذ الإيراني.
في المقابل، لا يمكن أن تغامر إيران بخسارة سوريا ونفوذها هناك، فسوريا هي صلة الوصل بين طهران وبغداد من جهة، وبيروت والمتوسط من جهة، كما أنها الطريق المؤدي للأردن، ولذلك فإن أي اتفاق لا يضمن بقاء بشار الأسد على رأس السلطة، لن توافق عليه إيران، لأن نفوذها في سوريا مرتبط إلى حد كبير بوجود بشار، وهي مستعدة لتقاسم نفوذها في سوريا مع إسرائيل، شريطة حصولها على ضمانات تتعلق ببرنامجها النووي وببقاء حلفائها في سدة الحكم في العراق وسوريا ولبنان.

تدرك إيران ومعها الأسد أن أي مغامرة قد يكون ثمنها النظام أو رأس النظام

صمت النظام السوري عما يحصل في غزة ليس بسبب عجزه فقط، فالنظام اللبناني عاجز ومع ذلك قرر "حزب الله" خوض معارك مع إسرائيل على الحدود وهو ما لم يحصل على الحدود السورية مع الجولان المحتلة، رغم أن إسرائيل لم تتوقف عن شن هجمات عسكرية على أهداف سورية وإيرانية واغتيال شخصيات إيرانية مهمة. تدرك إيران ومعها الأسد أن أي مغامرة من هذا النوع قد يكون ثمنها النظام أو رأس النظام، ولكن كما أنه لا حرب بين سوريا وإسرائيل، فلا سلام قبل تحقيق السلام الشامل، وليس المقصود بالسلام الشامل ما كان يكرره الأسد الأب عن سلام بين جميع الدول العربية وإسرائيل، بل أقصد التوصل لاتفاق أميركي- إيراني- إسرائيلي يرعى مصالح إيران في المنطقة ويضمن سلام وأمن إسرائيل، وهذه المعادلة قد تجد آذانا صاغية في كل من تل أبيب وواشنطن، ويبدو أن هذا هو ما تراهن عليه طهران وما يراهن عليه بشار الأسد الذي يرى أن حدث 7 أكتوبر/تشرين الأول وفر له فرصة لإعادة تقديم أوراق اعتماده عند أكثر من جهة.

font change