ريما بالي: أخشى الوقوع في مطب التوثيق والتأريخ

روايتها "خاتم سليمي" ضمن قائمة "بوكر" القصيرة

Axel Rangel Garcia
Axel Rangel Garcia

ريما بالي: أخشى الوقوع في مطب التوثيق والتأريخ

غادرت الروائية السورية ريما بالي مسقط رأسها حلب، بعد ثلاث سنوات من نشوب الحرب هناك، وفي مكان إقامتها الجديد في مدريد في إسبانيا، استطاعت أن تحقق حلمها الروائي وأصدرت روايتها، "ميلاجرو"، التي تعني "المعجزة" عام 2016 ومن ثم "غدي الأزرق" و"خاتم سليمى" التي أهلتها للترشح للقائمة القصيرة في الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر)، وفيها تستحضر مدينة حلب التي غادرتها يوما، لكن حلب لا تزال تسكن في أفكارها وتتجلى بأكثر من طريقة في رواياتها. هنا حوار معها.

  • هل كنت تتوقعين ترشح روايتك "خاتم سُلَيمى" إلى القائمة القصيرة الجائزة العالمية للرواية العربية؟

كنت أحلم بذلك، لكنني لم أتوقعه في الحقيقة، لا أستطيع أن أشرح لماذا، بكل تأكيد ليس لأنني لا أثق بروايتي، بل ربما لأنني لا أعرف بأي عين سيقرأها المحكمون. استقبلت الخبر كصدمة جميلة، كنت في كندا آنذاك، وكان الوقت ليلا، أيقظتني تنبيهات الأصدقاء ومباركاتهم، فظننت لوهلة أنه مجرد حلم.

التنقيب في التاريخ

  • تستندين على الماضي الذي عشته في حلب وعلى حلب كمدينة في "خاتم سُليمى" وفي أعمالك عموما، فكيف تستثمرين روائيا هذا الماضي وهذه المدينة؟

في رواياتي استثمر عادة أي حدث قد أشهده أو أسمع به، فكيف لا أستثمر حياتي السابقة بكل ثراء تجاربها الجيدة والسيئة، ومدينة حلب بحد ذاتها تعد منجما لا ينضب لأحجار كريمة وثمينة، ولا يتوقف هذا المنجم عن إغراء وإبهار المهتمين بالتنقيب في التاريخ والفن والثقافات العريقة والطقوس المميزة.

حلب منجم لا يتوقف عن إغراء المهتمين بالتنقيب في التاريخ والفن والثقافات وإبهارهم

  • كيف لك كروائية أن تخرجي الأحداث من مسارها الآني لتحاكي الناس في أزمنة مقبلة؟

بنظرة فاحصة لدورة التاريخ، نجد كيف يعيد نفسه، وهذه دلالة أن الأحداث التي نشهدها اليوم والتي سبق أن جرت في الماضي السحيق، ستتكرّر في المستقبل، طبعا لست أتحدث عن ظواهر الأحداث فهي تتغير بتغير الزمن وأدواته وناسه، لكنني أقصد بواطنها وجواهرها، واستنادا إلى هذه الحقيقة، تعيش الرواية لأجيال كثيرة حتى وإن كانت تحاكي زمنا معينا مندثرا، وأستشهد بروايات كتبت منذ عصور ولا تزال تقرأ اليوم وتثري الفكر، كرواية "دون كيشوت" لثربانتس، وأستشهد أيضا بروائيين معاصرين يستقون من التاريخ لصياغة روايات ممتعة بمقاصدها الذكية وإسقاطاتها الثرية التي تحاكي العصر.

الحرب

  • ألا تعتقدين أن الحديث عن الحروب وآلامها قد يساهم في تعزيزها أكثر في الوعي الجمعي، فهناك الكثير الكثير من الروايات التي لم تخرج عن فكرة الحروب مع العلم أن الناس لا يزالون يعيشون تداعيات هذه الحروب؟

لا أحبّذ التفجع والبكائيات والندب، وإذ تحضر الحرب في أعمالي، فذلك لدلالة معينة، كما أنني أخشى دائما الوقوع في مطب التوثيق والتأريخ، وأسميه مطبا لأن الرواية في رأيي يجب أن تبقى عملا فنيا لا كتاب تأريخ أو ملفا وثائقيا، فذاك اختصاص له ناسه. أفضل أن أكتب عن الجانب الإنساني لآثار الحرب وتداعياتها، وأظن أن هذا ما يفعله كثير من الروائيين غيري، من تقولين عنهم إنهم لم يخرجوا عن دائرة الحرب، يشعرون بوطأتها الكبيرة، ولا أظن أنني وإياهم سنخرج قريبا، لكن المهارة تأتي في طريقة الطرح، التي تختلف بين كاتب وآخر، الفكرة التي يقصد الروائي أن يوصلها.

  • ما أهمية ترجمة أعمالك إلى الإسبانية خاصة أنك تعيشين في مدريد؟

جميل هو الشعور بأن قارئا من ثقافة أخرى يقرأ عملي ويشاركني مخاوفي وهمومي وتبهجه بهجتي، فأن أجده يقرأ حلب وسوريا ويتفاعل مع الأحداث ويطّلع على التفاصيل وينبهر بالطقوس والتقاليد والأفكار، لهو بالنسبة إليّ أسمى غاية غايات الأدب والفن، اللذين أؤمن بأنهما جسر يربط بين البشر ويصلح ما أفسده المدمرون ودعاة الكراهية.

عوالم جديدة

  • كتبت أول رواية حين كنت في العشرين، لكنها لم ترَ النور، متى قررت أن تكوني روائية وكيف طورتِ من عملك الروائي؟

عندما وجدت نفسي وحيدة في منفى غريب، بعيدة عن عائلتي ووطني وعملي الذي أنفقت نصف عمري تائهة في مداراته، أدركت أنه لم يبق لي إلا ذاتي، وعليّ أن أعمل على تمكين علاقتي بها، والإصغاء إليها، فسمعتها تناشدني لكي أحقق حلمها وشغفها الأول والأخير وأن أكرس الصورة التي طالما شاهدتها في مرآتها عن نفسها، فأطعتها، وقررت أن الأوان قد آن لأكون ما أحب، كاتبة، ولا شيء إلا كاتبة، كاتبة جيدة أو سيئة لا يهم، المهم أن أخلص لذاتي وأحقق وجودها كما هي.

  الرواية يجب أن تبقى عملا فنيا لا كتاب تأريخ أو ملفا وثائقيا، فذاك اختصاص له ناسه

  • قلت في أحد الحوارات "بعد نشر روايتي الأولى "ميلاجرو" أدركت أنني ظلمتها، لم أكن صبورة ومثابرة كفاية لصياغتها بالشكل الأمثل". كيف تعاملت مع رواياتك التي جاءت بعدها لتتجنبي هفوات "ميلاجرو"؟  

عندما كتبت "ميلاجرو"، ركزت على صوتي الداخلي وشغفي ولهفتي، وأهملت أصوات الأصدقاء وملاحظاتهم لإعادة النظر والتأني، كانت لديّ أسبابي، ولست نادمة، بالعكس أنا ممتنة للتجربة التي علمتني التأني والصبر، والعمل وإعادة العمل، كما أثمّن عاليا تجربتي في نوادي القراءة التي أشارك فيها كقارئة، وأتبادل مع غيري وجهات نظر وآراء حول روايات نتناولها صورة دورية، إصغائي للآراء التي يطرحها القراء في تلك الجلسات كانت ولا تزال بمثابة ورشات كتابة إبداعية بالنسبة لي، ثقفتني وعلمتني وهذبت موهبتي، واستعنت بها لصياغة رواياتي الجديدة فلمست تطور أدواتي في الواحدة تلو الأخرى وصولا إلى "ناي في التخت الغربي". 

  • متى تتخذين القرار بأنه عليك نشر الرواية ولم تعد تحتمل التأجيل؟

القرار بأن الرواية اكتملت لا يستقر أبدا، كلما اتخذته أتراجع عنه بعد فكرة تعبر خيالي قبل النوم وأستحسن إضافتها، تدخل الرواية المطبعة وتخرج منها وتتوزع في المكتبات وتقرأ، من دون أن تتوقف الأفكار الجديدة لإضافة سطر هنا وحذف كلمة هناك، وتحسين صياغة جملة هنا واختصار مقطع هنالك، دوامة بلا نهاية، لا تتوقف إلا حين أنخرط في عوالم رواية جديدة.

الأدب مزيج من واقع وخيال، من فكر وفن، بغض النظر عن جنس الكاتب

  • هل تعتقدين أن هناك ما يميز الأدب الأنثوي؟  

أنا ضد التصنيفات التي تفرز الأدب إلى أنثوي وذكوري ونظيف وغير نظيف. الأدب مزيج من واقع وخيال، من فكر وفن، بغض النظر عن جنس الكاتب، ومع ذلك، لا نستطيع إنكار أن الأنثى وحسب طبيعتها الفيزيولوجية تختلف عن الرجل في ردود الفعل والاهتمامات وطريقة التعبير، قد تنعكس هذه الاختلافات على الأعمال الأدبية التي تنجزها، فنجد مثلا رؤية مغايرة للقضية نفسها ومن زاوية مختلفة لم يتناولها الرجل، ولكنني بالرغم مما ذكرت، لا أجد الاختلاف في الأسلوب هائلا إلى درجة تجعلنا نبوبه ضمن جنس أدبي خاص.

ريما بالي

  • ما الذي تريدين تحقيقه من خلال الكتابة الروائية وما رسالتك التي كثيرا ما تحضر في كل أعمالك؟

أحب أن أخلق عوالم جديدة صغيرة ومختلفة لألقي بها في هذا العالم العتيق الكبير كنوع من التحدي والانتقام من الباطل والشر والقبح، وفي الوقت نفسه كنوع من العرفان بالجميل ورد الاعتبار الى الحق والخير والجمال، رسالتي صغيرة، تتلخص بأن أرضي نفسي أولا، وأن أشعر أنني أقوم بما يترتّب عليّ في هذه الحياة، ومن ثم، كل رواية تحمل رسالتها بنفسها، وكل الرسائل غايتها الإنسان.

font change

مقالات ذات صلة