ما أهمية عقوبات أميركا المحتملة على وحدات عسكرية إسرائيلية؟

الولايات المتحدة تستطيع أن تُنهي ثقافة الإفلات من العقاب في إسرائيل

أ.ف.ب
أ.ف.ب
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ووزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت يدليان بتصريحات صحفية في تل أبيب

ما أهمية عقوبات أميركا المحتملة على وحدات عسكرية إسرائيلية؟

أفادت تقارير بأن واشنطن تدرس فرض عقوبات على الوحدات العسكرية الإسرائيلية المتورطة في انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في تعاملها مع الفلسطينيين. وسوف يستند تنفيذ هذه العقوبات على قانون ليهي، الذي يمنع تقديم المساعدة العسكرية لوحدات قوى الأمن أو للأفراد الذين يرتكبون انتهاكات جسيمة ولم يقدموا للعدالة.

وقد أثارت هذه الخطوة غير المسبوقة رد فعل قويا من القيادة الإسرائيلية، التي عارضت بشدة العقوبات المتوقعة ومارست ضغوطا كبيرة على إدارة بايدن لثنيها عن تنفيذ مثل هذه الإجراءات. ويبدو أن هذه المعارضة الشديدة قد أثرت على موقف الإدارة، مما أدى إلى سحب العقوبات المحتملة ضد أربع من وحدات جيش الدفاع الإسرائيلي الخمس التي كانت مستهدفة في البداية وتأجيل اتخاذ القرار بشأن الوحدة الخامسة في انتظار معلومات إضافية.

وإذا أقدمت الحكومة الأميركية على تنفيذ هذه العقوبات، فسيكون ذلك إجراء غير مسبوق ضد قطاعات من جيش الدفاع الإسرائيلي. وهذا ما أثار رد فعل قويا لدى شخصيات إسرائيلية رفيعة المستوى، انتقدت العقوبات المنتظرة بشدة وحثت إدارة بايدن على عدم تنفيذها.

ومع ذلك، فليس متوقعا أن يكون لهذه العقوبات المتوقعة، في حال تنفيذها، إلا أثر محدود من الناحية العملية، على الرغم من أهميتها الرمزية. ولن تؤثر على الدعم العسكري الأميركي الكبير لإسرائيل، هذا الدعم الذي يشكل الرافعة الرئيسة التي تملكها واشنطن لإنهاء ثقافة الإفلات من العقاب التي يتمتع بها منتهكو حقوق الإنسان الإسرائيليون، إذا أرادت.

كان السيناتور السابق باتريك ليهي، الذي يحمل القانون اسمه، قد انتقد الولايات المتحدة لمعاملتها إسرائيل على نحو مغاير عن معاملتها للدول الأخرى

تصاعد أعمال العنف يحث على الفعل

يستشهد المشرعون الأميركيون الذين ينتقدون تصرفات إسرائيل بقانون ليهي كثيرا، ويعدونه الأساس الذي ينبغي اعتماده لإعادة النظر في المساعدات الأميركية غير المشروطة لإسرائيل. وكان السيناتور السابق باتريك ليهي، الذي يحمل القانون اسمه، قد انتقد الولايات المتحدة لمعاملتها إسرائيل على نحو مغاير عن معاملتها للدول الأخرى عندما يتعلق الأمر بإنفاذ هذا القانون.

ووثقت وزارة الخارجية في السنوات الأخيرة، انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي، فأثار ذلك جدلا بين صناع القرار والمشرعين الأميركيين حول طريقة الرد. إلا أن تصاعد أعمال العنف الأخيرة في كل من غزة والضفة الغربية دفع المسؤولين الأميركيين إلى اتخاذ إجراءات بناء على النتائج التي توصلوا إليها.

أ.ب
مركبات مدرعة إسرائيلية في منطقة مجاورة للحدود بين إسرائيل وغزة، كما يظهر من جنوب إسرائيل، الخميس، 25 أبريل/نيسان 2024.

وقد كشف مسؤولون أميركيون، على نحو غير رسمي، أن وزارة الخارجية تجري تحقيقات في ممارسات عدة وحدات أمنية إسرائيلية، بما في ذلك الشرطة والجيش، بشأن انتهاكات محتملة وقعت قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول. ووفقا لهذه المصادر، فقد حققت لجنة تابعة لوزارة الخارجية الأميركية في ديسمبر/كانون الأول في انتهاكات حقوق الإنسان في الضفة الغربية، وأوصت بفرض عقوبات على بعض وحدات الجيش والشرطة الإسرائيلية.

إلا أن وزير الخارجية أنتوني بلينكن أرجأ العمل بتوصية اللجنة خشية تداعياتها السياسية كما يبدو. وأكد بلينكن هذه التقارير الأسبوع الماضي، وأقر بأنه توصل إلى قرار بشأن الانتهاكات الإسرائيلية لقانون ليهي، وذكر أن هذا القرار سيعلن عنه قريبا.

أثارت التقارير عن فرض عقوبات وشيكة ضد كتيبة في الجيش الإسرائيلي ردود فعل قوية من شخصيات إسرائيلية رفيعة

كتيبة "نيتسح يهودا"

مع أن خمس وحدات إسرائيلية خضعت للتحقيق، فإن وحدة واحدة– كتيبة "نيتسح يهودا"– فقط هي التي ستواجه العقوبات في الوقت الحالي كما تشير المعلومات المسربة. فقد اختارت إدارة بايدن، ووفقا لأحد المسؤولين الأميركيين، أن تستهدف فقط الفصيل الذي ارتكب أكبر قدر من الانتهاكات، وذلك للتخفيف من ردود الفعل العنيفة المتوقعة من المسؤولين الإسرائيليين.

يذكر أن السفارة الأميركية في إسرائيل بدأت تحقيقها في ممارسات كتيبة "نيتسح يهودا" عام 2022، مما مكنها من جمع ملف مفصل عن انتهاكاتها.

وقد تأسست "نيتسح يهودا " عام 1999 كوحدة خاصة للجنود المتشددين، وتضم أيضا مستوطنين يمينيين متطرفين رفضتهم الوحدات القتالية الأخرى في جيش الدفاع الإسرائيلي. ولذا فهي الكتيبة الوحيدة في جيش الدفاع الإسرائيلي التي لا تضم نساء في صفوفها.

وتكثف التدقيق الأميركي على هذه الكتيبة بعد وفاة الفلسطيني الأميركي عمر أسعد، البالغ من العمر 80 عاما، بسبب ظروف اعتقاله القاسية، على يد جنود من هذه الكتيبة، رغم تقدمه في السن وحالته الصحية. ومع أن الجيش الإسرائيلي اعترف بارتكاب مخالفات، فإنه لم يوجه اتهاما لأي جندي بسبب الحادث.

كانت "نيتساح يهودا" تتمركز على نحو دائم في الضفة الغربية حتى ديسمبر 2022، وكان لها علاقات مثيرة للجدل بالتطرف اليميني وتورطت في حالات من العنف ضد الفلسطينيين. وفي وقت لاحق، نقلت وحدة المشاة هذه من الضفة الغربية إلى مرتفعات الجولان، على الرغم من أن تل أبيب نفت أن يكون نقلها ذلك بسبب سلوك الجنود. بعد 7 أكتوبر، نشرت الكتيبة في قطاع غزة للمشاركة في القتال ضد "حماس".

رد الفعل الإسرائيلي

وقد أثارت التقارير عن فرض عقوبات وشيكة ضد كتيبة في الجيش الإسرائيلي ردود فعل قوية من شخصيات إسرائيلية رفيعة المستوى. وندد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بهذه النية ووصفها بأنها "سخيفة" ومستهجنة أخلاقيا. وتعهد باتخاذ كافة التدابير اللازمة لمواجهة إجراء كهذا. كما وصف وزير المالية بتسلئيل سموتريتش قرار فرض عقوبات على الجيش الإسرائيلي في خضم كفاح إسرائيل من أجل البقاء بأنه "جنون مطلق".

وأعرب وزير الدفاع يوآف غالانت عن توقعه أن تتراجع الإدارة الأميركية عن خطط العقوبات، محذرا من أن خطوة كهذه ستشكل سابقة خطيرة وتلقي بظلالها على تصرفات الجيش الإسرائيلي، وستضر بالتالي بالمؤسسة الأمنية بأكملها.

وبالمثل، نقل عضو مجلس الحرب، بيني غانتس، مخاوفه إلى وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن ومسؤولين أميركيين آخرين، وحثهم على إعادة النظر في العقوبات التي تتحدث عنها التقارير لأنها يمكن أن تقوض شرعية إسرائيل في زمن الحرب. وحتى رئيس الوزراء السابق يائير لابيد، رئيس المعارضة، عارض العقوبات المتوقعة، ووصفها بأنها خطأ ينبغي تصحيحه.

 وبالتالي، هناك خطر من أن الضغوط الكبيرة التي يمارسها السياسيون الإسرائيليون وجماعات الضغط الداعمة لإسرائيل قد تجبر الولايات المتحدة على التراجع عن إصدار العقوبات أو تأجيلها مؤقتا.

القرار المحتمل لإدارة بايدن مهم، رغم أنه لا يعاقب جميع الوحدات الإسرائيلية المتورطة في انتهاكات حقوقية

أهمية قرار العقوبة المحتمل

سيكون القرار المحتمل لإدارة بايدن، في حال تنفيذه، أمرا مهما، على الرغم من أنه لا يعاقب جميع الوحدات الإسرائيلية المتورطة في انتهاكات حقوق الإنسان، كما يستبعد المتورطين في أحداث غزة بعد 7 أكتوبر. ومع ذلك، ستكون هذه هي المرة الأولى التي تتخذ فيها حكومة أميركية قرارا ضد وحدة معينة في جيش الدفاع الإسرائيلي. ويمكن أن تساعد هذه الخطوة في مكافحة حالة الإفلات من العقاب التي يتمتع بها الجنود الإسرائيليون الذين يرتكبون انتهاكات ضد المدنيين، بسبب انحياز نظام التحقيق في الجيش الإسرائيلي لصالح الجنود.

ويتوقع المدافعون عن حقوق الإنسان أن تؤدي هذه السابقة إلى إطلاق تحقيقات أكثر شمولا في الانتهاكات التي ترتكبها جميع الوحدات العسكرية والأمنية، لا تلك الموجودة في غزة والضفة الغربية فقط. فقد تزايدت الدعوات لإجراء تحقيقات مع الوحدات في غزة، بعد أن عززتها منشورات لجنود من الجيش الإسرائيلي على وسائل التواصل الاجتماعي يصورون فيها انتهاكاتهم لمدونة السلوك الخاصة بالجيش الإسرائيلي في أثناء قتالهم مع "حماس". وإذا نفذ هذا الإجراء بفعالية، فقد يؤدي إلى فرض عقوبات على المزيد من الوحدات العسكرية الإسرائيلية بسبب انتهاكاتها لحقوق الإنسان.

وأعرب دبلوماسي أوروبي عن تفاؤله بأن تحذو الدول الغربية الأخرى حذو أميركا قريبا، وتفرض عقوبات على وحدات الجيش الإسرائيلي التي تستهدف الفلسطينيين بوحشية. وأشار إلى أن العقوبات الأميركية التي استهدفت المستوطنين الإسرائيليين بسبب ما يمارسونه من عنف ضد الفلسطينيين، حفزت الاتحاد الأوروبي على اتخاذ إجراءات مماثلة ودفعت كندا إلى النظر في اتخاذ تدابير مماثلة. وأكد الدبلوماسي على أن الدول الغربية الأخرى، قد تركز أيضا على الوحدات المتورطة باستمرار في أعمال جائرة ضد الفلسطينيين، كما ركزت العقوبات الأميركية على المستوطنين العنيفين.

رويترز
فلسطيني ينظرمن منزل متضرر إثر غارة إسرائيلية في غزة

من المتوقع أن يكون للعقوبات المنتظرة تأثير محدود من الناحية العملية، على الرغم من أهميتها الرمزية. فهي ستمنع إسرائيل في المقام الأول من استخدام المساعدات أو المعدات العسكرية الأميركية لتسليح الكتيبة المعينة أو أي وحدات أخرى تواجه عقوبات مماثلة. كما سيمنع قادة الكتيبة وجنودها من المشاركة في التدريبات المشتركة مع الجيش الأميركي.

ويمكن لإسرائيل أن تتحايل على العقوبات، إذ يمكنها ببساطة أن تمول الكتيبة المتضررة وتشتري لها الأسلحة من مصادر أخرى، أو يمكنها أن تدمج الكتيبة في هياكل أخرى، كما اقترح إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي، قائلا إن "صفوف حرس الحدود مستعدة لاستقبال هذه الكتيبة المهمة" إذا أحجمت وزارة الدفاع الإسرائيلية عن دعمها.

كما يمكن للجيش الإسرائيلي أن يرفع العقوبات بأن يقدم إثباتا على تحسن سلوك الكتيبة أو بتكوين انطباع بتغيرها.

يمكن لإسرائيل أن تتحايل على العقوبات، إذ يمكنها ببساطة أن تمول الكتيبة المتضررة وتشتري لها الأسلحة من مصادر أخرى

والعقوبات في جوهرها، لن تعيق كثيرا ما تقدمه الولايات المتحدة من دعم عسكري كبير ومتواصل لإسرائيل، بما فيها حزمة المساعدات العسكرية الطارئة الأخيرة بقيمة 17 مليار دولار، والتي أقرها الكونغرس.

بكلام آخر، حتى لو نفذت هذه العقوبات المنتظرة، فليس مرجحا أن يكون لها تأثير كبير، وستفشل بالتالي في تحقيق هدفها في لجم الانتهاكات التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي ووحدات الأمن الإسرائيلية ضد الفلسطينيين.

ولذلك، ينبغي على الولايات المتحدة ومعها الجهات الفاعلة الأخرى، أن تواصل سعيها للحصول على أدوات أكثر فعالية لمكافحة هذه الانتهاكات ووضع حد لثقافة الإفلات من العقاب التي يتمتع بها منتهكو حقوق الإنسان الإسرائيليون منذ فترة طويلة.

font change

مقالات ذات صلة