تُقدم قناة الثقافية السعودية في هذه الأيام برنامجا أسبوعيا فلسفيا تولى إعداده وتقديمه الدكتور شايع الوقيان باقتدار تام، وقد حظي البرنامج بالتفات غير مسبوق في الوسط الاجتماعي خارج إطار عالم الفلاسفة والمثقفين والمهتمين بتطور الحركة النقدية. إحدى حلقات البرنامج تجاوز عدد متابعيها ثلاثة ملايين مشاهد، بحسب موقع القناة، ويمكن القول إنه من أعمق البرامج التي تناقش قضايا الفلسفة على مستوى العالم العربي.
ويبدو أن هناك أسبابا عدة تقف وراء ارتفاع عدد المشاهدين ونجاح هذا البرنامج، منها أن ثمة شعورا يتنامى بأهمية الفلسفة في مجالنا التداولي كأداة معرفية، وأن الناس بعد تجاربهم السيئة مع دعاة الإسلام السياسي الذين كانوا يكتسحون القنوات الفضائية في طول العالم العربي وعرضه وينشرون الخرافات بكل أنواعها، وارتفاع شعار "لم نعد نعرف الصادق من الكاذب" من نجوم القنوات، أصبحوا يشعرون بالرغبة في امتلاك أدوات تحميهم من الخديعة والاستغلال.
سريعا سيكتشف الناس أن الفلسفة صديقتهم التي تمحص النظريات والأفكار وتعطيها حجمها الحقيقي، إن نجح الطرفان في التأسيس للثقة. وهذا ما نجح فيه "الفيلسوف"، أن يمهد لأجواء من الصداقة بين الفلاسفة وبقية الناس، وأن ليس هناك ما يُخشى منه، فالفلاسفة يريدون من الناس أن يُحكموا عقولهم أولا ولا رغبة لديهم أبدا في خديعة أحد أو إلحاق الضرر بالغير، سواء على الصعيد الفردي أو الاجتماعي أو على مستوى الدولة. يريد لك الفيلسوف أن ترى الأشياء كما هي، ولا شيء وراء ذلك. ثمة عبارة يكررها سبينوزا كثيرا في كتابه "إثيكا": "الرجل الحُر هو من يحتكم إلى العقل وحده"، ولعل هذه العبارة تختصر كل ما تريده الفلسفة، الرؤية العقلانية التي تقود إلى الحياة السعيدة.