لعبت التسميات في التاريخ دورا في تشكيل الملكية، كي تصبح حقوق الملكية حجة وسبيلا للسيطرة، خاصة البحار، وهي بطبيعة الحال قضايا اقتصادية، ولكن إلى أي مدى؟ وهل الأعماق تدخل في تحديد الحدود البحرية لتصبح سلطة الدولة الساحلية شرعية؟ أم لتأخذ التسميات مستوى دوليا؟ يبقى السؤال مشروعا..
فعلى مستوى بحر الخليج العربي- وله اسم الخليج الفارسي كما نعلم- له أيضا تسميات أخرى تاريخية، لأذهب إلى وصف الجغرافي والرحالة الإصطخري صاحب كتاب "مسالك الممالك"، حول تسمية الخليج بالفارسي، وجدته يؤكد أن تسميته المنسوبة إلى اسم فارس ليس فيها ما يفيد التملك أو الاستيلاء. وإن عدت إلى الآشوريين في بلاد الرافدين، فالمعروف أنهم أطلقوا على بحر الخليج الذي تشرق منه الشمس عليهم، اسم نارو ماراتو، ونارو أي نهرُ، وماراتو المالح، إذن كان المسمى النهر المالح. وعلى الرغم من أن ماراتو ككلمة بحد ذاتها حسب القاموس تعني المستنقع، لكن الجملة في تركيبها غيرت المعنى.. أما عند السومريين والأكاديين، ولوقوع الخليج جنوب بلادهم بلاد الرافدين (العراق)، فتمت تسمية الخليج لديهم بأنه البحر التحتاني أو البحر الأسفل أو البحر الجنوبي، وفي المقابل أطلقوا على البحر المتوسط لوقوعه شمالهم، بالبحر الأعلى.
ولا بد من الإشارة إلى أنه لم يرد في الكتابات الفارسية القديمة اسم "الخليج الفارسي"، بل ذكر ياقوت الحموي في معجم البلدان، أن الفرس كانوا يسمون الخليج "خليج زراه كامسير"، وربما لأنها منطقة باتجاه عبادان، وقال إنهم كانوا يطلقون على الخليج أيضا اسم "زره أفونج" وأفونج ربما تعني الخليج، فالخليج كلمة عربية، من خَلَجَ يَخْلُج.
أما مَن نَسَبَ الخليج إلى الفرس، فهم اليونان لاتصالهم بهم، فالإغريق أكثر اتصالا بالفرس من العرب، فنسبوه إليهم، وليس في التسمية كما ذكرنا دلالة على تملك الفرس للخليج سوى في فترات معينة فقط.
وبطبيعة الحال انتقلت التسمية من اليونان إلى الرومان إلى الأقوام الأخرى، ومنهم العرب في القرن السابع الميلادي، باسم "بحر فارس" و"خليج فارس"، و"خليج العجم" أو "بحر العجم"، إلى "الخليج الفارسي"، وبالتالي تمت ترجمة التسمية إلى اللاتينية، لأنهم أخذوها من الكتب الجغرافية اليونانية ونقلوها.
خلاف البحر الأحمر، بقي "الخليج العربي" قبل الميلاد بعيدا عن الروم، وتحت نفوذ بلاد الرافدين، تبحر فيه وتتاجر فيه
لكن ماذا عن تحديد الحدود الجغرافية لشمال جزيرة العرب؟ وماذا عن الحدود البحرية لفارس، أي "الخليج العربي" لدى الجغرافيين المسلمين؟ فكما نعلم لم تكن معارف الروم عن الخليج واضحة كما معرفتهم بالبحر الأحمر مثلاً، والذي كان يُكتب لديهم باسم "أرابيكا سينوس"، أو "سينوس أرابيكا"، وكما أرى في ترجمة الاسم، أنه "بحر عرب سيناء"، أو "بحر سيناء العربي". ثم دخل مصطلح "مار إريثرايم"، والذي يعني البحر الأحمر أيضا، ولعل اسم "بحر عرب سيناء"، أتى حين كان مرتبطا بالأنباط وتجارتهم ومملكتهم الممتدة عبر هذا البحر حتى سيناء قبل الميلاد.. لتبقى نافلة القول كما ذكرت حول مشروعية السؤال وهو: من يملك البحار؟
وخلاف البحر الأحمر، بقي "الخليج العربي" قبل الميلاد بعيدا عن الروم، وتحت نفوذ بلاد الرافدين، تبحر فيه وتتاجر فيه.. إذن من أهم الأمور التي يمكن فعلها اليوم، هو بحثنا عن الوصف التضاريسي والبيئي، وطبقات الأرض للسواحل الواقعة على الخليج، ليلعب الفضاء الطبيعي والاجتماعي دورا، والذي أصبح قضائيا ومُسيسا بشكل متزايد، أمام مسرح تنوع الهدف في أعماق البحر وما فيه من أسماك ومعادن ونفط بحري، فضلا عن الأنشطة البشرية على البيئة والتنوع البيولوجي... هو بحث ضروري من أجل أن تدخل أصالة حقوق الملاحة والصيد بين الضفتين، مع قضية الأمن الملحّة، وهو موضوع يذكرنا بالسيادة على البحر المتوسط، وبالطبع هنا لا أعني الاسم بل الموارد، وهو بحر كان يوماً بمثابة اختبار لنظرية حرية البحار بين شمال أفريقيا والدول ودول جنوب أوروبا، وما مدى المعيار الدولي للانتقال والحق في الملاحة، حتى أبرمت أوروبا معاهدة السلام والتجارة للحدود النهائية...
فمن يملك البحار؟