الساحل السوري... أربعة توجهات حول المستقبلhttps://www.majalla.com/node/325277/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A7%D8%AD%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A-%D8%A3%D8%B1%D8%A8%D8%B9%D8%A9-%D8%AA%D9%88%D8%AC%D9%87%D8%A7%D8%AA-%D8%AD%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%AA%D9%82%D8%A8%D9%84
بعد أكثر من شهر على أحداث الساحل السوري الدامية، التي راح ضحيتها المئات من عناصر الأمن السوري والمدنيين، والواقع الأمني ما زال خارج إطار السيطرة التامة، فالكمائن ضد القوات الحكومية مستمرة وسط مداهمات ينفذها الأمن العام ضد عناصر النظام السابقين الذين يحملون السلاح، أو المرتبطين بالهجوم المنظم على قوات الأمن العام مطلع مارس/آذار الماضي. التوتر الأمني في المنطقة التي كانت تُعد البنية الصلبة للنظام السوري وملاذَ كثير من الضباط المتورطين في قتل السوريين خلال السنوات الماضية، ألقى ظلاله على مزاج المدنيين، وشكل توجهات غير متناسقة لدى أبناء المنطقة، فيما تحاول الحكومة السورية العمل على عدة مسارات يقول عنها مسؤول في الأمن العام، خلال حديثه مع "المجلة"، إنها "ركيزة في تأمين منطقة الساحل: طمأنة المدنيين وتأمينهم، ومنع فلول النظام من امتلاك القدرة على تنفيذ محاولة انقلاب جديدة بحق إرادة السوريين".
بدأت أحداث الساحل من قرية بيت عانا في ريف محافظة اللاذقية حين أطلق مجهولون النار على عناصر الأمن العام لمنعهم من اعتقال متورطين بجرائم، تبعتها سلسلة هجمات وكمائن منظمة ضد الأمن العام على الطرق الرئيسة بريف منطقة جبلة القريبة من اللاذقية في توقيت واحد. وكردة فعل زحفت مختلف القوى الحكومية وغير الحكومية السورية إلى الساحل لردع بقايا النظام من توسيع دائرة نفوذهم وعملياتهم، ما سبب حالة من الفلتان الأمني وعمليات قتل عشوائية خارجة عن السيطرة بحق المدنيين.
الثقة في الأمن العام وقدرات الدولة على ضبط الأمن تشوبها مخاوف عند شريحة من المدنيين
الرئيس السوري أحمد الشرع أكد وجود تجاوزات بحق المدنيين، ووعد بمحاسبة المتورطين في قتل المدنيين، وأصدر يوم 9 مارس الماضي قرارا بتشكيل لجنتين، الأولى هي لجنة وطنية مستقلة للتحقيق في الانتهاكات التي حصلت بحق المدنيين، والثانية هي لجنة عليا للحفاظ على السلم الأهلي. يقول عضو اللجنة العليا، أنس عيروط، خلال حديثه مع "المجلة" إنه منذ تشكيل اللجنة وحتى اللحظة "تجاوزنا المراحل الصعبة ومراحل الخوف، وعاد الناس إلى قراهم وبيوتهم، وعادوا إلى وظائفهم. الناس تمارس يومها بشكل طبيعي"، مؤكدا أن اللجنة ما زالت "تعمل على الدعم الإغاثي للمتضررين من كل الطوائف، وجرت لقاءات هناك خلال العيد وبعده، واجتماعات تبادل فيها الكل المشاكل والحلول، هذه اللقاءات قاربت بين الطوائف، والحمد لله الأمور جيدة".
الاشتباكات وعمليات القتل التي شهدتها المنطقة قلت بشكل كبير، وسط وجود مكثف لقوى الحكومة السورية، إلا أن الخوف ما زال السيد في المنطقة، حيث التقت "المجلة" عددا من المدنيين في مناطق متفرقة من الساحل السوري، كاللاذقية وبانياس وطرطوس وجبلة والقرى الموجودة في فلك تلك المدن، اللقاءات كشفت أربعة توجهات تُشكل الرأي العام في المنطقة بعد أكثر من شهر على الأحداث، هذه التوجهات تحمل في طياتها عوامل خوف وانقسام، يمكن استغلالها- في حال عدم علاجها- من قبل قوى خارجية لا تريد لسوريا أن تستقر.
توجهان متداخلان
اتجاهان متداخلان بين المدنيين في سياق تقييم ما حصل ويحصل، الأول يرى أن الحكومة تبذل كل ممكناتها لتحقيق الأمن ومنع فلول النظام من تكرار هجماتهم المنظمة التي نفذوها خلال شهر مارس/آذار، في حين يرى الاتجاه الآخر أن جهود الحكومة غير كافية في الوقت الراهن، وأن خطر عودة سيناريو مارس موجود.
سيارات متضررة بسبب أحداث جبلة الدموية، سوريا في 12 مارس
يقول علاء ابن مدينة جبلة، إن الواقع الأمني اليوم "أفضل بكثير من الفترة التي شهدت الاشتباكات بين قوات الأمن العام وفلول النظام"، ويُضيف أن "كل أبناء الساحل يعلمون كميات السلاح الضخمة الموجود بين يدي فلولالنظام في المنطقةوالتي يمكن أن تسبب كوارث بحق المدنيين، نحن نرى الجهد الذي يبذله الأمن العام من أجل منع استخدام هذا السلاح لقتل المدنيين".
كما قالت ياسمين، من طرطوس: "اليوم لم يبقَ في الساحل إلا الأمن العام وقوات الدولة، وذلك بعد أن قامت الدولة بإخراج كل من لا ينتمي إليها والذين كانوا سبب القتل الذي حصل... لا يوجديوم إلا ونسمع أن الأمن العام صادر أسلحة كانت مخبأة في مكان ما، تخيل لو أن بقايا الأسد لديهم فرصة جديدة لاستخدامه!".
عمر ورائد، من مدينة اللاذقية، ذهبا أبعد من علاء وياسمين وعدا أن الوضع اليوم "أحسن" مما كان عليه زمن بشار الأسد، وقالا إنه في زمن الأسد كان الناس يُقتلون كل يوم دون أن يجرؤ أحد على السؤال عن السبب. ويُعقب رائد: "منطقة الساحة مرت بأحداث مؤسفة خلال شهر مارس، لكن اليوم الواقع أفضل والأمن عاد للمدينة".
وترى ليال أن الحكومة السورية "تبذل كل ما يُمكنها من أجل منع زعزعة الأمن من قبل فلول النظام أو الداعمين له من المدنيين"، واصفة ما حصل خلال شهر مارس بأنه "كبير"، وأنه "ينبغي علينا التعاون مع الحكومة وتفهم قدراتها، وإرساء السلم الأهلي والأمان مهمتنا جميعا، كل حسب مجال عمله. فلول النظام وداعموهم كروسيا وإيران لا يريدون لنا العيش بسلام، ولولا قيام بقايا النظام المدعومة من قبلهم بالهجوم على قوات الأمن العام ما كنا نتحدث اليوم عن الساحل وأحداثه".
في المقابل، الثقة في الأمن العام وقدرات الدولة على ضبط الأمن تشوبها مخاوف عند شريحة من المدنيين، حيث يقول خالد، من مدينة اللاذقية، إن الساحل "يمكن اعتباره أكبر مستودع أسلحة في سوريا"، مضيفا أن "النظام البائد عمل على تخزين كميات هائلة من السلاح في المنطقة الساحلية، كما قام بنقل كثير من الأسلحة بالتزامن مع سقوط المناطق بيد قوات ردع العدوان"، ويرى خالد أن "فلول النظام وداعميهم من الدول التي كانت سابقا مع بشار الأسد ما زالوا يملكون فرصا جديدة لتكرار هجمات شهر مارس، في حين أن عناصر الأمن العام يتحركون بحذر نتيجة عدم معرفتهم بالجغرافيا الساحلية، وقلة عددهم".
كثير من المدنيين على كامل الجغرافيا السورية امتنعوا عن تسليم سلاحهم، متذرعين بأن الواقع الأمني غير مستقر وأن الحاجة للسلاح ما زالت موجودة
راما، من مدينة جبلة، عدت أن "الوضع غير آمن، الخطف والنزعات الطائفية مستمرة، وحوادث القتل ما زلنا نسمع عنها". ووفق راما فإن كثيرا من المدنيين "لا يريدون أي حماية سواء من روسيا أو إيران أو غيرهما، ولكن ما نحتاج إليه وعود حقيقية وعمل أكثر من قبل الحكومة لنعيش بأمان"، وتابعت: "جهود الحكومة على الأرض ما زالت غير واضحة". راما ترى أن المدنيين لا يشكلون خطرا على السلم الأهلي في المنطقة بغض النظر عن طائفتهم وأن "غالبية المدنيين في جبلة هم من البسطاء الذين يبحثون عن الأمن، كانوا زمن النظام من المغلوبين على أمرهم كحال كل السوريين". من جهتها، قالت روان وهي من المدينة نفسها، إن "الخوف بين أبناء الطائفة العلوية ما زال موجودا، وكثيرون لا يخرجون من منازلهم إلا للضرورة، هؤلاء لا يريدون حماية من أي دولة خارجية، يريدون أن تبذل الدولة جهودا أكبر لترسيخ الأمن والأمان، ولوقف القتل والخطف".
تقول سلمى أيضا، وهي مقيمة في ناحية المزيرعة بريف اللاذقية، إن الخوف "ما زال مسيطرا"، وسط "غياب للحركة الاعتيادية بين الريف والمدينة وتجنب المرور من الطرقات التيفيها حواجز"، وتابعت: "هذا الخوف يظهر جليا بين الأهالي في الليل، فأي صوت يمكن أن يسبب حالة توتر، وسيارة تحمل لوحة أرقام غريبة عن المنطقة يمكن أن تُسبب هلعا بين الأهالي أيضا"، وعدت أن "الفصائل المنفلتة هي من يسيطر فعليا، والحكومة غير قادرة على ضبطها". ووفق ما تراه سلمى فإن الحل يمكن في "عودة القوى العسكرية لثكناتها، وإخراج القوى والعناصر الأجنبية من الساحل، وبناء المؤسسات وعلى رأسها الأمن العام وفق هوية وطنية غير طائفية، تشكيل شرطة محلية في الساحل السوري وتكون من أبناء المنطقة تراعي الخصوصية الثقافية لأهالي الساحل وتحترم حريتهم الدينية الفردية".
"نحن بحاجة لحماية خارجية"
منذ سقوط النظام في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي، بدأت تخرج أصوات في الساحل السوري تُطالب بحماية خارجية، تارة روسية، وأخرى فرنسية، وبعضها كان يطالب بحماية دولية، بحجة حماية الأقليات في سوريا. هذه الأصوات ازدادت وتيرتها مع بدءأحداث الساحل الدامية، وظهرت تجمعات أمام قاعدة حميميم الروسية في اللاذقية تنادي بعبارات تطالب بحماية منها "الشعب يريد حماية روسية"، كما أن مدنيين وعناصر من النظام السابق هربوا إلى قاعدة حميميم ونادوا بضرورة الحماية من داخل القاعدة. هذه الأصوات ما زالت موجودة، رغم أنها تناقصت تدريجيا مع تراجع حدة الاشتباكات الحاصلة في المنطقةالساحلية وبداية عودة الحياة الطبيعية.
مقاتلو المعارضة السورية أثناء تدفقهم إلى مدينة حماة التي تم الاستيلاء عليها سوريا في 6 ديسمبر 2024
يقول شادي، وهو من قرية قريبة من قاعدة حميميم، إن "كثيرا من الأهالي اليوم يحاولون الحصول على موافقة روسية للذهاب إلى روسيا عبر حميميم وتقديم طلب لجوء هناك، وذلك لأنهم يرون في روسيا طرفا حاميا لهم". وتابع: "لكن هناك آخرين يرون أن الحل في أن تستمر الأصوات المطالبة بدعم روسي وحماية روسية لمنطقة الساحل، وذلك في سبيل البحث عن حلول جماعية لا فردية". وعقب شادي أن "روسيا في النهاية يهمها تحقيق مكاسب سياسية، وستتخلى عن جميع من يظن أنها ستحميه في حال حصلت على ما تريد من الحكومة السورية الجديدة، هذا ما لا يُدركه الذين يتمنون وجود حماية روسية".
علياء، تعيش في مدينة اللاذقية، قالت إن بعض عناصر النظام السابقين، والذين لا يحملون سلاحا اليوم وقاموا بإجراء تسويات يتحدثون عن أن "روسيا يمكن أن تكون عامل حماية لهم من أي هجمات مستقبلية"، كما قالت سلمى إن بعض المدنيين في ناحية المزيرعة يرحبون بفكرة "الدعم الخارجي من باب الحماية"، في حين يرى آخرون أنه "لا ينبغي وجود تدخل خارجي، وأن القصة يجب حلها داخليا".
عماد، من ريف طرطوس، عد أن "الوضع الأمني ضعيف وسيئ وغير مريح"، ويرى أن جهود الحكومة ضعيفة في إطار بسط الأمن، وتابع: "لا أحب الدعم الخارجي، ونتمنى أن يكون هناك دعم داخلي، لكن إذا لم تستطع الدولة تقديم الدعم، فإن الدعم الخارجي لا بد منه".
وكان محمد جابر، قائد ميليشيا "صقور الصحراء"سابقا والتي كانت تتبع للنظام السوري، وهو يحمل الجنسية الروسية والسورية ويُقيم في روسيا، قال خلال حديث تلفزيوني مطلع شهر أبريل/نيسان الجاري إن هناك مجموعات مسلحة في الساحل السوري قاتلت تحت إشرافه في العمليات ضد الأمن العام خلال أحداث الساحل، وقال: "نعم أنا كنت أدير المعركة". هذا التصريح أعطى بعض المدنيين "شعورا" بأن "روسيا من الممكن أن تقدم مساعدة جديدة مستقبلا لأهالي الساحل"، بحسب ما قال شادي.
تسليم السلاح والتمسك به
فور استلام غرفة "عملية ردع العدوان" الحكم بعد هروب الأسد، بدأت وزارة الدفاع السورية الجديدة، بإنشاء مراكز تسوية في مختلف المناطق السورية لفتح الأبواب أمام عناصر جيش النظام السابقين والذين لم يتورطوابجرائم ضد الشعب السوري لتسليم سلاحهم والعودة إلى حياتهم، وشهدت هذه المراكز ازدحاما كبيرا، فكثير من أهالي الساحل السوري سلموا سلاحهم الفردي خوفا من ملاحقة قانونية لاحقة، وقام عناصر تابعون للنظام هناك بفعل الأمر نفسه وإجراء تسويات في المراكز المخصصة من قبل وزارة الدفاع.
في المقابل، كثير من المدنيين على كامل الجغرافيا السورية امتنعوا عن تسليم سلاحهم، متذرعين بأن الواقع الأمني غير مستقر وأن الحاجة للسلاح ما زالت موجودة، في حين قام آخرون- وللحصول على مكاسب مادية- ببيع سلاحهم والسلاح الذي حصلوا عليه من قطعات النظام في الساعات الأولى للسقوط، إضافة إلى ذلك ما زال "فلول النظام" لديهم وصول إلى مخازن سلاح ضخمة تركها النظام هناك، ولا تعلم عنها الدولة السورية الكثير.
يوم 25 مارس، سلم أهالي مدينة القرداحة في ريف اللاذقية كميات كبيرة من الطائرات المسيرة الانتحارية، وذلك عبر تفاهمات وجلسات عُقدت بين وجهاء في المدينة وأعضاء لجنة السلم الأهلي
أعادت وزارة الدفاع فتح الأبواب أمام المدنيين مرة أخرى بالتزامن مع أحداث الساحل وما بعدها، وعمل وجهاء المناطق الساحلية على لعب دور وسيط السلام بين الأهالي والأمن العام، من خلال تسهيل عمليات تسليم السلاح للأمن العام ووزارة الدفاع، وحققت هذه الوساطات إنجازا ملحوظا في كثير من القرى الساحلية.
تقليص قدرة عناصر النظام السابقين على الوصول إلى السلاح، وسحب السلاح الموجود في بيوت المدنيين هو حجر أساس في عمليات ضبط الأمن، إلا أن بعض المدنيين يرون أن هناك ضرورة لبقاء ولو قطعة سلاح واحدة في المنزل من أجل الدفاع عن أنفسهم في حال تكررت الاشتباكات في المنطقة الساحلية مجددا.
عماد يقول إن كل المقيمين حوله في المنطقة، بريف طرطوس، سلموا سلاحهم، وأن الحي بات تقريبا خاليا من السلاح الفردي، ويؤكد أن الحل اليوم لا ينبغي أن يكون عبر استخدام السلاح.
أما راما فقالت إن الحي الذي تقيم فيه بمدينة جبلة أصبح خاليا من السلاح، لكنها عقبت: "رغم أني لا أحب السلاح، لكنني أتمنى لو أن الناس احتفظت بشيء منه فقط لحماية أنفسهم في حال حصل أي توتر جديد في المنطقة".
وحول الموضوع نفسه أوضح شادي أن "هناك مزاجا ما زال موجودا بين المدنيين بأن السلاح الفردي ينبغي بقاؤه في كل بيت للحماية الشخصية".
يوم 25 مارس، سلم أهالي مدينة القرداحة في ريف اللاذقية كميات كبيرة من الطائرات المسيرة الانتحارية، وذلك عبر تفاهمات وجلسات عُقدت بين وجهاء في المدينة وأعضاء لجنة السلم الأهلي، وفي الفترة ذاتها أيضا قام أهالي ناحية الحميدية في ريف طرطوس بتسليم كميات من السلاح كانت لدى بعضهم كنتيجة لاتفاق بين الأهالي والأمن العام. كذلك شهد كثير من الأحياء والقرى في منطقة الساحل تفاهمات مشابهة سلم عبرها الأهاليالسلاح بشكل طوعي، كبادرة حسن نية لتحقيق السلم الأهلي. ووسط هذه الجهود المدنية لحل إشكالية السلاح الخارج عن سلطة الدولة يبقى السؤال اليوم عن حجمكمية السلاح الموجود في الساحل السوري وكيفية تكثيف الجهود الحكومية للسيطرة عليه قبل أن يُصبح أداة قاتلة مرة أخرى.
الحكومة السورية ومساراتها في الساحل
تعمل الحكومة السورية على مسارات عدة لمنع أي سيناريو في الساحل السوري يُشبه ما حصل خلال شهر مارس؛ مسار تعزيز السلم الأهلي عبر اللجنة العليا للحفاظ على السلم الأهلي، ومسار تطمين الأهالي من خلال ملاحقة كل من ارتكب جرائم بحقهم وذلك عبر اللجنة الوطنية المستقلة للتحقيق في الانتهاكات، والاعتقالات التي تتم لكل من ثبت ارتكابه لجرائم بحق الأهالي، إضافة إلى المسار الأمني من خلال تكثيف عمل جهاز الأمن العام لملاحقة بقايا النظام الذين يمكن أن يكونوا جزءا في زعزعة الاستقرار.
الحكومة السورية الجديدة يتوسطها الرئيس أحمد الشرع في القصر الرئاسي يوم السبت 29 مارس 2025
عضو اللجنة العليا للحفاظ على السلم الأهلي، الدكتور أنس عيروط، قال خلال حديثه مع "المجلة": "ننصح الطوائف جميعا أن يتنبهوا إلى أن البلد بلدهم جميعا، وأن يتعايشوا مع الطوائف بما يناسب واقعهم، وتحت سقف الدولة والقانون، نحن أمام قانون الكل متساوٍ فيه، يُحاسب فيه المعتدي والمسيء والمجرم أيا كان انتماؤه".
وأضاف أن لجنة السلم الأهلي تعمل "على نبذ الخطاب الطائفي ونبذ التحريض الطائفي، وننصح أن يدخل الجميع للعمل لصالح الدولة والتعاون مع الدولة وجهاز الأمن والشرطة"، وأشار إلى ضرورة "اللقاءات والحوارات بين الطوائف، فإن هذه الحوارات تقطع الألسن"، وأكد أنه "بالنسبة للأطراف الخارجية التي تعمل على زرع الفتنة بين الطوائف، وإثارة الفوضى والنعرات، نقول لا تلتفتوا إلى هذه الأصوات، فهي مستمرة في ذلك وما يُرضيها هو أن تبقى البلد في فوضى وفي نزاع".
جهود بسط الأمن وبناء الثقة بين السوريين هي مهمة شاقة، سيما أن نظام الأسد عمل على مدار عقود على ترسيخ الخوف بين مكونات الشعب السوري من بعضها البعض
في الوقت الذي كتب فيه هذا التقرير، كانت اللجنة الوطنية المستقلة للتحقيق في الانتهاكات تُجري لقاءات مكثفة مع الأهالي في المناطق التي شهدت انتهاكات في بانياس، بحسب ما علمت "المجلة"، وتعمل على جمع الأدلة ودراسة معمقة للشهادات هناك. وكان رئيس الجمهورية أحمد الشرع قد أصدر قرارا يوم 10أبريل/نيسان مدد فيه عمل لجنة تقصي الحقائق لثلاثة أشهر أخرى، وذلك بعد أن قدمت تقريرا أوليا، وبحسب عضو اللجنة ياسر الفرحان فإن إعلان اللجنة عن نتائجها مُناط بالتوصل إلى قناعات مدعومة بالحجج والأدلة.
وزير الداخلية السوري، أنس خطاب، قال عبر منصة "إكس" يوم الأربعاء 16أبريل الجاري إنه تم إنهاء "مشروع انقلاب تم التحضير له على يد مجموعة من ضباط النظام الساقط وأصبح من الماضي وذلك بجهود قواتنا وشعبنا".
مما لا شك فيه أن جهود بسط الأمن وبناء الثقة بين السوريين هي مهمة شاقة، سيما أن نظام الأسد عمل على مدار عقود على ترسيخ الخوف بين مكونات الشعب السوري من بعضها البعض، ونزع عامل الثقة بينهم بأنهم قادرون على بناء سوريا التي يسود فيها الأمن والتساوي، وتهميش ممنهج للصوت المدني على حساب الصوت الأمني والعسكري. يُضاف إلى ذلك وجود قوى خارجية- كانت حليفة للأسد- تريد إبقاء الفوضى في سوريا، لأن الاستقرار يعني فشل مشاريعها التي بذلت من أجلها سنوات طوال، ودفعت لتحقيقها مئات ملايين الدولارات.