يحتفل عشاق الموسيقى اليوم بـ"اليوم العالمي للجاز" الذي أعلنته منظمة "يونسكو"، منذ عام 2011، ليقام في الثلاثين من أبريل/ نيسان، احتفاء بدور هذا اللون الموسيقي في إقامة جسر تواصل بين الشعوب.
لم يكن المهاجرون المنتزعون من بلدانهم في وسط أفريقيا، المجبرون على الزراعة والعمل بالسخرة لتأسيس المجتمع الأميركي الجديد، يعرفون أن الدندنات، أو شبه الأغنيات التي يؤدونها وهم يشقَون في مزارع القطن، في التماس نوع من السلوان الذاتي، وتشبث بكل ما بقي لهم من هوية محلية، سوف تساهم لاحقا في خلق ما اصطلح على تسميته بفن الجاز، ذلك اللون الموسيقي الذي سيستعمر سلميا هذا المجتمع الجديد، ويمتد تأثيره خارج الحدود الأميركية إلى الثقافات الأخرى، حتى يتحول مع الوقت إلى محفز على مزاج شعوري ووجودي خاص، يتسلل نجاحه من صالات الغناء إلى قاعات السينما.
يشير الفيلم التسجيلي "الجاز: أنغام الحرية" Jazz: Rhythms of Freedom (2008) إلى أن موسيقى الجاز التي يتجاوز عمرها المائة عام، كانت أكثر من تقنية أو أسلوب في الموسيقى، بل كانت تحريرا للمستعبدين من السود الذين تحللت روابطهم الاجتماعية جراء اقتلاعهم من وسط أهاليهم، وإجبارهم على تبني لغة جديدة وحصرية للتواصل في ما بينهم، هي اللغة الإنكليزية. هكذا صارت الموسيقى لغة بديلة، للتواصل والبقاء على قيد الحياة. حين اندلعت الحرب الأهلية الأميركية (1861-1865)، وحصل الأميركيون من أصول أفريقية على حرية أكبر نسبيا في التنقل، صحب كل شخص هذا الإرث الفني معه إلى المدن والمناطق الجديدة التي انتقل إليها، مضيفا بصمته الخاصة، ليمسي فن الجاز من بعد قائما بصورة أساسية على الارتجال، ويسمح لفنانيه المتأثرين بألوان أخرى من الموسيقى، ومنها مثلا الكلاسيكية، بمزج الأنواع والخروج بتجربة موسيقية محررة للموسيقى من طرف، كما كانت محررة لموسيقييها ضد عسف الاستعباد والعنصرية، من طرف آخر.
الجاز فاتح شهية السينما
السينما التي عاشت ميلادها مع بدايات القرن الفائت، وتحضرت خلال العشرينات لكي تتحدث بعد مرحلتها الصامتة، لم تفوت فرصة توظيف موسيقى الجاز، لجذب جمهور كان واقعا في هوى الموسيقى الجديدة، لكن لا تزال خطواته مترددة في الذهاب إلى السينما. نتحدث هنا عن السينما الأميركية في المقام الأول، سواء استعان فنانوها بالجاز في عناوين الأفلام، أو لاحقا في الموسيقى المصاحبة للأحداث، أو في حالة الأفلام التي تروي سيرة بعض الموسيقيين، وصراعاتهم مع العنصرية في المجتمع الأميركي. صحيح أن الجاز ينتمي في الأساس إلى المجتمع الأفريقي الأميركي، إلا أن هذا لم يمنع سينمات أخرى من الاستعانة به لخلق مزاج سينمائي ووجودي معين، كالسينما الفرنسية وبعض صناع السينما العرب كذلك.