في كل مرة أعود فيها إلى قراءة قصة أو رواية للكاتب اليمني محمد أحمد عبد الولي (1939- 1973) أشعر أن هذا الكاتب لم ينل حقه من الاهتمام النقدي اليمني والعربي. صحيح أن هناك العديد من الدراسات والمقالات التي تناولت كتبه وحياته، وآخرها كتاب للروائي سامي الشاطبي، إلا أن هذا اليمني الذي ولد في أثيوبيا لأب يمني مهاجر وأمّ أثيوبية، ما زالت أعماله لم تصل إلى القارئ العربي، مع أن طبعاتها الأولى صدرت في دور نشر معروفة في بيروت. إضافة إلى ذلك، بقيت هذه الأعمال رهينة النشر العبثي وغير المحقق، فامتلأ معظمها بالأخطاء الطباعية، حتى إن بعض هذه الأخطاء طالت اسم الكاتب نفسه، حيث نشرت "دار الجمل" في بيروت طبعة جديدة من روايته "صنعاء مدينة مفتوحة" باسم محمد عبد المولى.
غرباء ونساء
بدأ عبد الولي في كتابة القصص في نهاية خمسينات القرن الماضي، لينشر مجموعته الأولى "الأرض يا سلمى" في بيروت عام 1966. وهي مجموعة تكشف عن اتجاه مبكر لدى الكاتب يتمثل في الكتابة عن المجتمعات والمواضيع المهمشة، فوجدناه يصور بلغة حديثة مشاكل اليمنيين الذين يهجرون أرضهم ويتركون زوجاتهم هناك يكددن في الزراعة وتربية الأولاد، فيما هم يرحلون ولا يعودون. كما يسرد قصص المهاجرين اليمنيين في إثيوبيا وعلاقتهم بالمكان اليمني، من خلال أشخاص يعملون بالتجارة البسيطة، في البيع بالدكاكين. ومعهم نقرأ جوانب من حياة الفقراء والأطفال، والمراهقين والرجال في جريهم وراء نساء الليل، في منحى سابق لسرديات لاحقة، منها كتابات المغربي محمد شكري.
هذا المنحى الجريء في كتابة عبد الولي نجده أيضا في روايته "يموتون غرباء" (1971)، وفي مجموعته القصصية "شيء اسمه الحنين" (1972)، إضافة إلى مجموعتين قصصيتين صدرتا بعد موته وهما "عمنا صالح العمراني" (1986) و"ريحانة" (2005). أما رواية "صنعاء مدينة مفتوحة" (1977) التي صدرت بعد وفاته، وتصنّف أنها الأقل صخبا بين أعماله، فقد أثارت، بعد إعادة نشرها في صحيفة "الثقافية" اليمنية، حفيظة المتطرفين المنتمين الى حزب "الإصلاح" (الإخوان المسلمين في اليمن)، فقاموا بمحاكمة رئيس تحرير الصحيفة سمير اليوسفي، وشُنّت حملة تشويه ضد الكاتب، مما اعتبره البعض محاكمة متأخرة لأحد أهم كتاب اليمن.
لون المطر
ومع انحياز الكاتب الراحل الى اليسار، إلا أنه بقي على مسافة من الخطاب السياسي المباشر، فاستطاع أن يوجه بعض النقد لغلو الخطاب الأيديولوجي، فنجده يكشف أولئك الذين يرددون نظريات لا تتطابق مع الواقع، كأن يعتبر أحد الأبناء أباه بورجوازيا لأنه يملك دكانا صغيرا.