بعدما تناولت الحلقة الأولى تفاصيل تفكيك "العقدة الروسية" ودور الدبلوماسية في صياغة رؤية سوريا الجديدة، نصل في هذه الحلقة الثانية والأخيرة في الحوار الشامل الذي أجرته "المجلة" مع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى المنعطف الحاسم في مسار دمشق الدبلوماسي، الانتقال من المقاربة الأميركية الحذرة إلى التعاون السياسي المباشر.
اقرأ الحلقة الأولى: أسعد الشيباني لـ"المجلة": رؤيتنا لسوريا كانت واضحة لدينا قبل إسقاط الأسد... وهكذا فككنا "العقدة الروسية"
قبل مايو، كانت واشنطن تمارس ما يسميه الشيباني: "مقاربة شرطية وحذرة... تراقب ولا تنفتح." التقته أولا باربرا ليف مساعدة وزير الخارجية الأميركي بعد أسبوعين على سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024. ثم زميلتها ناتاشا فرانشيسكي في بروكسل، وقدمت لائحة مطالب واضحة. كانت الولايات المتحدة "تختبر" الحكومة السورية، لكنها لا تفتح أبوابها. العقوبات قائمة. التطبيع مجمّد. الحذر سيّد الموقف.
لكن كل ذلك تغيّر في يوم واحد. يوم اجتمع الرئيس أحمد الشرع مع الرئيس دونالد ترمب في الرياض في 14 مايو/أيار، بدعوة ورعاية مباشرة من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. يقول الشيباني بوضوح: "النقلة الكبرى كانت اللقاء في السعودية. الأمير محمد استخدم رصيده كمملكة ورصيده الشخصي لدعم سوريا." ثم يكشف: "دعا ترمب لإزالة العقوبات... ودعا ترمب للقاء الرئيس أحمد الشرع".

كان لقاء الشرع مع ترمب وولي العهد السعودي، وشارك الرئيس رجب طيب أردوغان عبر الهاتف. ويقول الشيباني: "في ذلك اللقاء، كان الأمير محمد بن سلمان يزكّي سوريا. وكان أردوغان أيضا يزكّي سوريا".
النتيجة كانت فورية: "ترمب لديه علاقة جيدة جدا مع تركيا والسعودية... ومع هذا الدعم أصبح لديه انطباع إيجابي عن سوريا".
ومن هنا تغيّر الموقف الأميركي: من اختبار إلى تبنٍ. من التحفظ إلى الدعم. من الحذر إلى التعاون.
ثم جاءت اللحظة التاريخية، زيارة الشرع إلى البيت الأبيض. ولأول مرة في تاريخ سوريا، يدخل رئيس سوري المكتب البيضاوي. وهناك، انضمت سوريا إلى التحالف الدولي ضد "داعش" وحصلت دمشق على ثلاثة تعهدات أميركية: "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، إسرائيل، "قانون قيصر".
وعن الاتفاق مع "قوات سوريا الديمقراطية"، يقول الشيباني: "نحن قدمنا كل شيء لـ"قسد": اتفاقا، احتراما، حقوقا كاملة، تمثيلا، وحتى وساطة مع تركيا. ماذا يمكن أن نفعل أكثر؟ هذه ليست حلولا مؤقتة، بل شراكة حقيقية. لأول مرة، تركيا والولايات المتحدة اتفقتا على مقاربة واحدة... ونحن في قلبها." ويتابع: "لم نطلب منهم الاستسلام ولا الذوبان. قلنا: تعالوا، اندمجوا، احصلوا على ضمانات، واحفظوا حقوقكم. هذه ليست تنازلات، هذه صيغة دولة".
وعن إسرائيل، يكشف: "نحن لا نذهب إلى سلام بأي ثمن. لن نوقّع أي اتفاق بينما تُحتل أرضنا. الشرط واضح: انسحاب كامل إلى خط 7 ديسمبر 2024. إن أرادوا اتفاقا، فليعودوا إلى الحدود. غير ذلك لا يوجد اتفاق... ولا تنازل".
وعندما يُسأل عن موقع بلاده في خريطة المحاور، يجيب بجملة لا تقل وضوحا: "نحن لا نؤمن بالمحاور. نحن مثل الهوائي... أين تكون مصلحة سوريا نوجّه الإشارة".
أما عن الصورة الجديدة لسوريا في الداخل والخارج، فيلخصها الشيباني بجملة واحدة حملت الدلالات كلها: "نحن السوريين... رأسنا كبير. سوريا تليق بالسوريين".
جرى الحوار مع الوزير الشيباني في مقر اقامته في لندن في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2025.

وهنا نص الحلقة الثانية والأخيرة:
* ننتقل إلى أميركا. أنا تحدثت مع باربرا ليف، قبل أيام وأجريت معها حوارا باعتبارها أول مسؤول أميركي يلتقي الرئيس الشرع ويلتقي بكم. كما تذكرون التقت بكم ونقلت رسائل، ثم التقيتَ ناتاشا فرانشيسكي نائبة مساعد وزير الخارجية الأميركي لاحقا في بروكسل وأعطوكم لائحة مطالب. كانت هناك مقاربة أميركية يمكن أن نقول عنها شرطية أو حذرة حتى مايو/أيار، ثم يذهب الرئيس الشرع وتذهب حضرتك إلى الرياض وتلتقون ترمب ويحدث انقلاب كامل فتصبح العلاقة بدل أن تكون شرطية يكون هناك دعم الحكم الحالي هل هذه القراءة صحيحة؟
- إدارة ترمب هي إدارة تقتنص الفرص وإدارة جريئة أكثر من الإدارات الأميركية السابقة، فالتغيير الذي حصل في سوريا كما تحدثنا فاجأ الكل. فاليوم أنا كأميركا أرى أن هناك فرصة تغيير كبيرة جدا في هذا المكان وهذا النظام الجديد منفتح على أميركا بالتالي إذا لم أستفد منهم فهذا يعني أنني لا أفهم شيئا بالسياسة. وبالتالي كان هناك انفتاح صراحة.
وكان موقف الولايات المتحدة هو دعم للثورة السورية، صحيح أنه ترنح وتحجّم وازداد وما إلى ذلك كثير من الأمور، لكن كان لا يزال يحافظ على بعض الأمور، خاصة موضوع العقوبات وعدم إزالتها ومسألة التطبيع مع النظام، كان يضبط نفسه لغاية التحرير، فهو لا يريد أن يذعن لهذا النظام ولا يريد أن يفتح الباب معه على مصراعيه. وحدث تغيير في المنطقة يمكن أن يغير شكل المنطقة بالعموم أيضا، وهذا الأمر مرتبط بوجود أميركي في سوريا.






