"جائزة ابن بطوطة" تواصل من الرباط رحلتها في الآفاق

راكمت مكتبة متخصصة تجاوزت 300 كتاب

الفائزون بجائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة – الدورة 23

"جائزة ابن بطوطة" تواصل من الرباط رحلتها في الآفاق

يواصل ابن بطوطة رحلته في الآفاق من خلال "الجائزة العربية لأدب الرحلة"، أكبر جائزة عربية تحمل اسمه وتخلد ذكراه وآثاره وآثار الرحالين من قبله وبعده، والتي أطلقها المركز العربي للأدب الجغرافي من العاصمة المغربية الرباط سنة 2003، وها هي تعود إلى الرباط في ربيع هذا العام، حيث أعلنت، قبل أيام، الفائزين بالجائزة في دورتها الثالثة والعشرين، في اختتام المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط.

تدعونا جائزة ابن بطوطة إلى رحلة أخرى بين رفوف أكبر مكتبة عربية خاصة بأدب الرحلة، بعدما أصدر المركز العربي للأدب الجغرافي حتى يومنا هذا أكثر من 300 كتاب، وفي صدارتها الكتب الفائزة بالجائزة في مختلف فروعها. فثمة فرع خاص بالرحلات المحققة، وآخر خاص بالدراسات، وثالث خاص بالرحلة المترجمة، ورابع خاص بالرحلة المعاصرة، وخامس مخصص لليوميات. وقد جاءت حصيلة هذه السنة جديرة بالتأمل، كما قال وزير الثقافة المغربي محمد المهدي بنسعيد في افتتاح حفل الجائزة، ضمن فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب في الرباط، مؤكدا أنها "جديرة بالتأمل كونها كشفت المكانة الأثيرة التي يحظى بها أدب الرحلة وما يتصل به من فروع لدى المؤلفين بالعربية، والمغاربة منهم على وجه الخصوص".

حوار الذات والآخر

والحال أن خلاصة هذه الجائزة كونها "حوار الذات والآخر"، كما يصفها راعيها الشاعر محمد أحمد السويدي، معتبرا أن أدب الرحلة تحول بفضل كوكبة متعاظمة من الدارسين والمحققين والكتاب المتحلقين حول مشروع "ارتياد الآفاق" وجائزته مغربا ومشرقا إلى "خزانة عامرة بالنصوص الكلاسيكية والوسيطية في هذا الجنس الأدبي العريق، والدراسات التي تناولته بالبحث، إلى جانب الاحتفاء بكتابات الرحالين المعاصرين"، الأمر الذي يبرهن، في نظر راعي الجائزة والمؤمنين بالمشروع، على أن "ميل العربي نحو السفر وتدوين الرحلة، يعبر عن نزوع أصيل لدى الثقافة العربية نحو التواصل والتعرف والحوار مع الآخر بوصفه شريكا حضاريا".

وكان وصل إلى لجنة تحكيم الجائزة هذه السنة نحو خمسين مخطوطا في مختلف الفروع والمجالات، بينما غطت الأعمال الفائزة في هذه الدورة "مساحة واسعة من السفر شرقا وغربا"، كما يوضح مدير عام المركز العربي للأدب الجغرافي ومدير جائزة ابن بطوطة الشاعر السوري نوري الجراح، يقينا منه أن "الرحلة مغامرة فكرية وروحية تعكس تفاعل الذات مع الآخر من منظور فكري وأدبي يكرس صورة الرحالة العربي شاعرا وأديبا".

ميل العربي نحو السفر وتدوين الرحلة، يعبر عن نزوع أصيل لدى الثقافة العربية نحو التواصل والتعرف والحوار مع الآخر بوصفه شريكا حضاريا

محمد خليفة السويدي

وباسم لجنة التحكيم، أكد الأكاديمي المغربي عبد النبي ذاكر أن "ما ميز هذه الدورة هو استكشاف نصوص رحلية غميسة من القرن السادس عشر والثامن عشر والتاسع عشر، تطبع لأول مرة"، كما عرفت هذه الدورة منعطفا جديدا في انفتاح الرحلة المعاصرة واليوميات على جغرافيات غير مألوفة، في الوقت الذي انفتحت فيه نصوص أخرى على أساليب غير مسبوقة في كتابة الآخر، واستغوار جغرافيات الذات، وما تنوء به مما تحمله معها من حياة وأفكار وتصورات ومعايشة للآخر في فضاءات المغايرة.

راعي الجائزة الشاعر محمد السويدي

الكلام والغرام

كثيرا ما يستبد الغرام بالرحالين العرب، خصوصا في الرحلات الحجازية والمكية، لما يشتد الشوق لزيارة ذلك المقام. وهذا ما أعلنه الرحالون في مقدمة الكتب المحققة الفائزة بجوائز هذه الدورة. ومنها كتاب "شفاء الغرام في حج بيت الله الحرام وزيارة قبر المصطفى عليه الصلاة والسلام"، للعالم والصوفي المغربي محمد بن محمد بن الحسن الحجوجي الدمناتي، المتوفي سنة 1911، حيث آلت الجائزة لمحققة الكتاب المغربية حرية الريفي. هذه الباحثة تؤكد لـ "المجلة" أن "شفاء الغرام" إنما هي رحلة حجازية تمت سنة 1911، وبذلك فهي ترسم صورة عن أداء فريضة الحج في الفترة الكولونيالية، لتكشف مدى تحكم الأجانب حينها في إجراءات الحج. هي عمل أدبي يرقى إلى الوثيقة التاريخية، حررها "رجل على قدر كبير من العلم والمعرفة. هو من خريجي جامعة القرويين، وقد تتلمذ على كبار الشيوخ وتتلمذ عليه الكبار أيضا، فانعكس ذلك على مؤلفه شفاء الغرام الذي جاء على قدر كبير من الجودة والأهمية العلمية". ويكفي أن نعرف بأن صاحب "شفاء الغرام" هو شيخ المختار السوسي، صاحب كتاب "المعسول"، أهم موسوعات الثقافة المغربية في عشرين مجلدا. تحكي الريفي رحلتها في البحث عن مخطوطة هذه الرحلة، حيث لم تكن تتوفر سوى على نسخة رقمية، فلما اتصلت بأحفاد الحجوجي اكتشفت أن لا علم لهم بكون جدهم كتب رحلة ما، بينما تضم خزانته الكثير من المؤلفات والكتب والتصانيف. ليتبين في النهاية أن الحجوجي كتب الرحلة على مدى 18 عاما، وأهداها لأحد أصدقائه من وجهاء منطقة دمنات، عند السفح الشمالي للأطلس الكبير.  

"شفاء الغرام في حج بيت الله الحرام"

والظاهر أن الحجوجي سلك في تأليف رحلته مسلك أسلافه من الرحالين المغاربة وغيرهم إلى مكة والحجاز، على غرار أبي سالم العياشي والناصري والحضيكي، ثم الهشتوكي صاحب رحلة "هداية الملك العلام إلى حج بيت الله الحرام"، حيث فاز محقق الرحلة الباحث المغربي عبد الهادي الكديوي بالجائزة في فرع التحقيق، إلى جانب حرية الريفي، رفقة الباحثين طه الشاذلي علي من مصر، ومحمد الأندلسي من المغرب.

الرحلة مغامرة فكرية وروحية تعكس تفاعل الذات مع الآخر من منظور فكري وأدبي يكرس صورة الرحالة العربي شاعرا وأديبا

نوري الجراح

كما ينبهنا محقق الرحلة إلى قيمتها وفائدتها من حيث الجوانب الاقتصادية والزراعية والتجارية، فهي تصف لنا جغرافيا العالم العربي، وطرائق الزراعة وفنونها على امتداد العالم العربي الإسلامي. مثلما تقدم لنا الرحلة معرفة وافية وموسعة بالنشاط السياحي لمواكب الحج وركب الحجاج في القرون الماضية. فكان الحجاج يمارسون التجارة لتمويل رحلتهم، نقدا ومقايضة، كما حصل مع الهشتوكي نفسه. أما الباحث المصري طه الشاذلي فيقترح علينا نصا طريفا من القرن الثامن عشر، وهو كتاب "سياحة البلدان"، لمصطفى بن الحسين الحموي الدمشقي الشافعي، المعروف باللطيفي. يتعلق الأمر برحلة مفتوحة على فضاءات وثقافات متعددة. فصاحبنا، كما يحكي لنا الشاذلي، يذرع البلدان والأوطان، و"يتنقل بين المدن والأقاليم مشرقا ومغربا، إذ ليست عنده خريطة طريق أو خطة أو وجهة محددة". وإذا كان الشاعر الإسباني أنطونيو ماتشادو يؤكد في قصيدته الشهيرة أنه "لا وجود للطريق، الخطى هي التي تصنع الطريق"، على أساس أن ما يهم هو السعي نحو الهدف، لا الوصول إليه، فإن اللطيفي يحكي المسألة بطريقة لطيفة وطريفة، في أكثر من موقع وموضع من رحلته، ومنها قوله: "وتوجهت إلى حمص فأقمت بها يومين، ثم توجهت منها إلى أن دخلت الشام، ولم أدر أين أتوجه". بينما يقول في سياق آخر: "وسرت قاصدا لا أعرف أين أتوجه". وحين نعرف أننا أمام صوفي زاهد، وعابر زاهد، ندرك أن صاحبنا لا يكاد يغادر مقام الحيرة وهو السالك في الأرضين. و"السياحة" التي تتصدر عنوان رحلته، إنما كانت نشاطا صوفيا معروفا يمارسه المتصوفة، جماعات ووحدانا، وهم يقصدون البلدان القصية من أجل زيارة الأولياء والصالحين، والاتصال بهم، أو زيارة أضرحتهم ومعانقة مقاماتهم.

نوري الجراح

ومن رحلات المغاربة والأندلسيين الأوائل نصل إلى الرحالين الأواخر، ومنهم أحمد بن العياشي السكيرج، الرحلة التي حققها الباحث المغربي محمد الأندلسي، وأكمل بها قائمة الفائزين في فرع التحقيق. واللقاء بالأندلسي المغربي لا يقل متعة عن اللقاء برحلة السكيرج، الأندلسي المغربي هو الآخر. وها هو محقق الرحلة يؤكد لنا أننا أمام رحلة خاضها وكتبها متصوف من المتصوفة الأعيان ومن أهم النخب المخزنية في الشمال المغربي. وهي "رحلة تستوعب رحلات، إلى الجزائر، كما إلى فرنسا، ثم إلى الحجاز، رحلة تستوعب الشرق والغرب. لذلك كان خطاب المقارنة والمفاضلة واضحا جليا". فنحن أمام رحلة اتسعت وجهاتها فاتسعت صفحاتها وقد جاوزت 600 صفحة، على أن ما يميزها هو السياق التاريخي المرتبط بظروف الحرب العالمية الأولى.

السياحة التي تتصدر عنوان رحلته إنما كانت نشاطا صوفيا معروفا يمارسه المتصوفة، جماعات ووحدانا، وهم يقصدون البلدان القصية من أجل زيارة الأولياء والصالحين

إنها رحلة متوسطية تمخر عباب المتوسط شمالا وشرقا وجمالا وشوقا إلى الحجاز. وعبر هذه الجهات والوجهات أرخ الرحالة السكيرج للبحرية في مطالع القرن العشرين، وحدثنا عن التهديدات الأولى للغواصات الألمانية وهي تعترض سبل السفن والرحلات التجارية. وعلى أديم هذه الخطوط التجارية وضعنا المؤلف أمام الأصول الجغرافية لمكة بوصفها مدينة تجارية، وملتقى للسلع ومنتهى للثقافات ومجمعا للحضارات منذ تشكلها الأول في زمن ما قبل الإسلام وحينه وبعده.

رحلات معاصرة

وجهت الثقافة العربية آلاف الرحلات إلى ضفاف العالم الممتدة، مشرقا ومغربا، عبر قرون من السفر برا وبحرا، ومن الحوار الثقافي والاكتشاف الحضاري. وعلى منوال المتقدمين وترحال السابقين، يخوض عرب اليوم رحلات كثيرة وهجرات شتى إلى سائر الوجهات والمنافي. ولا يزال الكثير منهم يدونون هذه الرحلات ويسجلون مشاهداتها ويخوضون غمارها.

"باريس التي عشت"

من هنا، تنبهت إدارة جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة إلى ضرورة استحداث فرع مبتكر في هذه الجائزة، يختص بتكريم وتتويج الرحلات التي يكتبها الرحالة المعاصرون. وأما هذه السنة فكانت الجائزة في هذا الفرع من نصيب الشاعر اللبناني عيسى مخلوف، وهو يحكي لنا "باريس التي عشت"، على حد تعبيره، اقتناعا منه أن هذه الحياة، إنما "نعيشها لنرويها"، كما قال ماركيز في مذكراته. كان لنا لقاء معه هو الآخر، حين عاد بنا إلى فترة الثمانينات، لما التحق بباريس، طالبا في جامعة السوربون، هاربا من الحرب الأهلية اللبنانية، "في تلك الفترة كانت باريس تعيش أوج مشروعها الثقافي. وكانت تلك الرحلة نهاية الوميض الذي تركز في عصر الأنوار، منذ القرن السادس عشر". لكن، مع ظهور العولمة، صار لباريس منافسون في لندن وأميركا وألمانيا "وقد حاولت أن أرصد هذا الوميض الأخير الذي حدثتكم عنه من خلال 17 شخصية عربية وغربية عاشت في باريس. وكان لي حظ اللقاء بها والتعرف إليها ومناقشتها".

ومن باريس إلى إيطاليا وتشيكيا والمكسيك، حيث يدعونا الكاتب والطبيب المصري محمد سالم عبادة، في "الرحلة البوهيمية"، إلى ثلاث جغرافيات مختلفة ألوانها، تردد بينها المؤلف وعاش فيها. هكذا، يصف لنا عبادة هذه البلدان بعمرانها وطبيعتها وناسها، معرجا على أهم المواقع والمعالم فيها، متوقفا ومتجولا بنا في المكتبات التي زارها، وفي المسارح وأروقة الفن ومراكز الثقافة. وبينما يتعلق الأمر بطبيب حضر إلى هذه الدول من أجل المشاركة في المؤتمرات العلمية، التي وصفها لنا بدقة أدبية، إلا أنه سرعان ما يخرج من هذه اللقاءات الرسمية ليهيم على وجهه في المدن والشوارع والمعالم والعوالم، مثل بوهيمي يحاول القبض سدى على ذلك الوميض الأخير.

"على خطى كريستوف كولومبوس"

يوميات

من مرادفات الرحلة في الثقافة الإنسانية مصطلح "اليومية"، أو المذكرة التي يسجل فيها المسافر مشاهداته وانطباعاته. وهو ما جعل المركز العربي للأدب الجغرافي يقترح علينا، ضمن مشروع "ارتياد الآفاق"، هذا الفرع الخاص بأدب اليوميات، الذي دون لنا وسجل مشاهدات ورحلات الكثير من الكتاب العرب. لكن الكاتب والسفير والديبلوماسي المغربي السابق محمد الخطابي سيقودنا إلى أبعد مدى في يومياته "على وقع خطى كريستوفر كولومبوس في أميركا الجنوبية". وهذا بعد سنوات قضاها المؤلف في المكسيك والبيرو، حتى صار عميد الدبلوماسيين العرب. فضلا عن كونه كاتبا وشاعرا ومترجما مولعا بالثقافة الإسبانية والثقافة الأميركو- لاتينية.

كانت باريس تعيش أوج مشروعها الثقافي. وكانت تلك الرحلة نهاية الوميض الذي تركز في عصر الأنوار، منذ القرن السادس عشر

عيسى مخلوف

وانطلاقا من معرفة متمكنة واطلاع واسع لا تبدو يوميات الخطابي مجرد وصف للفضاءات وتوصيف للطباع والعادات بل هي رحلة يتصفح فيها الكاتب مئات المصادر النفيسة والمصادر الغميسة الخاصة بأميركا الجنوبية، انطلاقا من مكتبته الفسيحة وذاكرته المتدفقة.

وكان انطلق من هاجس أساس تصدر عنه الرحلة، وهو بيان الأثر العربي في هذه المجتمعات النائية، سواء تعلق الأمر بالمفردات العربية التي تنتظم في كلامهم اليومي والرسمي، أو في أسماء بعض الأسر والعائلات، أم تعلق الأمر بالطبخ، مثلا، كما تذوقه الكاتب السفير، ليكتشف أنه معد ببهارات مغربية. ثم سيقوده البحث إلى حقيقة ساطعة وهي أن المستكشفين الإسبان حين وصلوا إلى أميركا اللاتينية غزاة ومستعمرين، استقدموا معهم الرقيق الأبيض، ممثلا في نساء مغربيات مستعبدات ومغلوبات على أمرهن في مراحل تاريخية معينة، هن اللواتي نقلن مهاراتهن في الطبخ والغناء والصنائع اليدوية الكثيرة إلى أميركا الجنوبية. وبهذا تطلعنا يوميات الخطابي على امتداد الثقافة العربية إلى الجغرافيات السحيقة، ومساهمتها التاريخية في تلاقح الثقافات وبناء المشترك الإنساني الكبير.

"ما أحمله معي"

"المدن، كما القراءة، كما الكتب"، يكتب الشاعر السعودي مشعان المشعان في يومياته الفائزة هي الأخرى بجائزة "اليوميات" تحت مسمى "ما أحمله معي.. حياة وأسفار وتصورات أخرى". وكل ما يحمله معه هو دراجته الهوائية وكتبه والقهوة التي تنشط ذاكرته وتحفزه على كتابة وتدوين سائر ما تراءى وعن له.

لكن جمالية النصوص السردية لا تنحصر في ما تحكيه وترويه، بل غالبا ما تنشأ هذه الجمالية وتتحقق من خلال الصيغة السردية والقالب الذي يسكب ويبث فيه الكاتب نصوصه. ليختار المشعان تسجيل يومياته من خلال رسائل مفترضة يوجهها المؤلف إلى شخص آخر يقيم في بلد آخر. وهنا، ليس الكاتب وحده الذي يسافر ويرحل، وإنما رحلته أو يومياته، على الأصح، ترتحل هي الأخرى من بلد إلى بلد ومن يد إلى يد، ومن كاتب إلى قارئ نموذجي، بعبارة أمبرتو إيكو، قبل أن تستقر بين أيدينا نحن القراء.

بهذا تطلعنا يوميات الخطابي على امتداد الثقافة العربية إلى الجغرافيات السحيقة، ومساهمتها التاريخية في تلاقح الثقافات وبناء المشترك الإنساني الكبير

أما في فرع الترجمة، ففاز المترجم السوري عصام محمد شحادات من خلال ترجمة كتاب المستشرق والمفكر والرحالة الفرنسي قسطنطين فرنسوا فولني. يتعلق الأمر برحلة استمرت مدة سنتين ونصف السنة تقريبا، بدا فيها أن هذا المستكشف/ المستشرق ضالع في الإعداد للتدخل الفرنسي في المشرق العربي، وإن كان للرجل موقف خاص غير الذي آل إليه الوضع على المستوى العسكري. وقد شكلت المعلومات التي جمعها وسردها فولني في رحلته إلى الشام ومصر المادة الخام التي استند إليها الفرنسيون في بناء خطابهم الديبلوماسي في التعامل مع المشرق العربي، وصولا إلى مرحلة الغزو والاحتلال.

"رحلة فولني إلى مصر وسوريا"

دراسات

يتوقف عضو لجنة تحكيم الجائزة مفيد نجم، عند مسألة أساسية، وهي أن الجائزة بما راكمته من مئات النصوص، صارت مكتبة كاملة الأوصاف بالنسبة إلى الباحث في أدب الرحلة، وغدت تشكل غالبية المادة المصدرية التي يعتمدها الباحثون في دراساتهم، بينما كان الباحث أو المحقق يواجه ندرة المصادر وشح المراجع. الأمر الذي بات يحفز الباحثين على خوض دراسة أدب الرحلة وتحقيق نصوصه وترجمتها، مثلما يحرض الكتاب على تدوين يومياتهم ورحلاتهم المعاصرة، ولهم في مكتبة "ارتياد الآفاق" وحدها ما يشفي الغليل ويؤنس العليل.

وكانت الجائزة في فرع الدراسات من نصيب ثلاثة باحثين، منهم الباحث المغربي عبد العزيز جدير، من خلال كتابه "الرحلة الأميركية إلى الديار الطنجية". وإذا كان شيخ الرحالين العرب ابن بطوطة اللواتي، الذي تحمل اسمه، خرج من طنجة في رحلته الشهيرة، فإن هذه الدراسة تجعل من طنجة مقصدا للرحلات الآتية من الغرب، ومن أميركا تحديدا، من خلال الكتاب الذين صنعوا المجد الدولي لطنجة الدولية.

"الرحلة الأميركية إلى الديار الطنجية"

ويؤكد جدير في لقاء مع "المجلة" أن طنجة "سحرت كتابا من مختلف جهات العالم. ولذلك تعددت أوصافها: ثاني أقدم مدينة في العالم، المدينة الخارجة من رحم الأسطورة، ملتقى البحرين، وملهمة المبدعين..."، بينما تنصرف دراسته إلى الاهتمام بالكتاب الأميركيين الذين زاروا المدينة منذ أواخر القرن التاسع عشر إلى نهاية العقد الثاني من هذا القرن. ومن هؤلاء مارك توين وجون دوس باسوس وبول بولز وزوجته الكاتبة جين وترومان كابوتي وتينيسي وليامز وغور فيدال وجاك كيرواك، ووليام بوروز، وغيرهم. وقد جمع الكتاب بين الحوارات الشخصية التي أجراها المؤلف مع بعض هؤلاء الكتاب، وترجمة نصوص رحلتهم، وقراءة بعض نصوصهم، وخصائص كتاباتهم.

استطاع الرحالة المغاربة أن ينظروا إلى الآخر انطلاقا مما تمليه المنفعة، سواء أكانت هذه المنفعة مرتبطة بذواتهم أو بوطنهم

محمد النظام

أما الباحث المغربي الآخر، وهو محمد النظام، فدرس مستويات التقاطع والاختلاف في كتابه "الرحالون المغاربة وفرنسا في عصر الحماية"، حيث قام الكاتب بمقاربة موضوع الأنا والآخر، من خلال تمثلات الرحالين المغاربة فرنسا خلال فترة الحماية، حيث قدم صورة عن عناصر الإشكالية العامة التي طرحها. وقد تمكن الباحث من إبراز مختلف العناصر الذهنية والنفسية والتاريخية التي تفاعلت لإنتاج الصورة التي ارتسمت لدى الذات عن الآخر خلال الفترة الممتدة من سنة 1912 إلى 1956.

المغربي محمد النظام يفوز بجائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة

ويخلص النظام في حديث على هامش الجائزة إلى أن الرحالين المغاربة خلال فترة الحماية "استطاعوا أن ينظروا إلى الآخر وتحديدا فرنسا، انطلاقا مما تمليه المنفعة، سواء أكانت هذه المنفعة مرتبطة بذواتهم أو بوطنهم. ومن ثمة، فإن تمثلهم للآخر استند إلى هذا الاعتبار دون غيره، بل يمكن القول، إن مختلف التمثلات السلبية التي كانت سائدة لدى رحالي القرن التاسع عشر وما قبله، تلاشت بشكل واضح في النصوص الرحلية التي خلفها رحالو عهد الحماية، لتحل محلها عبارات الإطراء والإشادة والترحاب، بل وحتى التعاون مع الآخر الذي بات يسيطر على البلاد والعباد".

"صدى المشاهد"

وكانت جائزة الدراسات من نصيب مغربي ثالث هو الباحث عبد الرحمن التمارة، عن كتابه "صدى المشاهد.. تشكل المشاعر في الرحلة المعاصرة". ولئن كانت كل رحلة مليئة بالمشاعر الشخصية، والأهواء، بغرض الشفاء من الغرام والولع بزيارة هذا المقام أو ذاك، فقد تصدى التمارة إلى محاولة البحث في "كيفية كشفها وبناء أبعادها"، كما يقول، وذلك انطلاقا من الوعي بأهمية استكشاف هذا البعد في أدب الرحلة العربي المعاصر. هكذا، "تبحث هذه الدراسة في تأثر الذات الإنسانية للرحالة بمشاهد متنوعة متصلة بالرحلة، وتعمل على تحليل مظاهر ارتباط الرحلة بالمشاعر، وذلك من خلال تفكيك وقراءة نصوص رحلة معاصرة".

font change

مقالات ذات صلة