المواطنة هي الحل

المواطنة هي الحل

استمع إلى المقال دقيقة

في خطابه الأول بعد تنصيبه رئيساً للجمهورية دعا الرئيس أحمد الشرع جميع السوريين إلى التكاتف والعمل المشترك من أجل "بناء سوريا جديدة قائمة على الحرية والعدالة والمواطنة".

ووفقاً للتسريبات سابقاً، فقد قال الشرع خلال اجتماعه مع شخصيات من الساحل السوري قبل أسابيع عندما قام بزيارة لكل من اللاذقية وطرطوس، أنه يجب النظر إلى السوريين بوصفهم مواطنين سوريين لا بوصفهم أبناء طوائف وأعراق.

تكرار حديث الشرع عن "المواطنة" كان أمراً ملفتاً، ولكن من الواضح أن الطريق طويل وشاق للوصول إلى دولة المواطنة، وإن كانت سلطة الشرع تتحمل مسؤولية التأخر بالانطلاق نحو المواطنة فإنها من المؤكد لا تتحمل المسؤولية وحدها.

نحن أمام مجتمع مهشم مارس نظام الأسدين كل الوسائل الممكنة وغير الممكنة لتشويهه، ليس ذلك وحسب، فسوريا الدولة الحديثة نسبياً لم تعرف حقاً تجربة الهوية الوطنية، بعيداً عن رومانسية البعض بالتعاطي مع التاريخ، وعبارة سوريا أولاً بحد ذاتها ثورة فكرية لمن يتبناها، فلطالما كان السوريون مسلمون أولاً وعرباً أولاً وأكراداً أولاً ودروز ومسيحيون وعلويون والقائمة تطول في ظل التنوع السوري. والحديث عن الانقسامات السورية لا يعني بأي حال من الأحوال أن دولة المواطنة حلم، بل المقصود به القول أن دولة المواطنة هي هدف يجب أن يجمع عليه السوريون ليتمكنوا من تحقيقه.

نحن أمام مجتمع مهشم مارس نظام الأسدين كل الوسائل الممكنة وغير الممكنة لتشويهه

ذكرت قبل شهر على صفحات المجلة أن المشكلة الطائفية متجذرة في سوريا، ولكن الملفت للمراقبين خلال الشهور القليلة التي مرت على سقوط بشار الأسد هو تبني من كانوا يتبنون مفهوم المواطنة لسنوات طويلة لخطابات طائفية وتكريسهم للانقسام المجتمعي بذريعة "أين هي دولة المواطنة التي تحدث عنها الشرع"، وكأن الانتقال من حالة التشظي السورية  إلى دولة المواطنة يتم بين ليلة وضحاها، وخصوصاً بعد 14 عام من حرب شنها الأسد وحلفائه على السوريين، حرباً لم تخلوا هي نفسها من الطائفية ضد السوريين وتخويف الدول الاقليمية والعالم من وصول الأكثرية "السنية" إلى الحكم. والشيء بالشيء يذكر، قبل يومين كانت الذكرى الثانية عشر لمجزرة البيضا في بانياس، يومها قُتل مئات المدنيين حرقاً وذبحاً، أطفالاً ونساء وشيوخاً، لا بسبب موقفهم السياسي بل بسبب انتمائهم المذهبي، وعمل الأسد يومها على توثيق جريمته تلك بالصوت والصورة ليزيد من الانقسامات المذهبية في البلد.

أن يكون قد مر 5 شهور على سقوط الأسد، فهذا لا يعني ان ذاكرة السوريين قد مُحيت، وأنهم لا يذكرون ما حل بهم خلال ال14 عام السابقة، ولا خلال ال54 عاماً من حكم الأسدين.

بناء دولة المواطنة يبدأ بالمصارحة، والسلم الأهلي يبدأ بالعدالة الانتقالية، هذا ما كررناه منذ الثامن من ديسمبر/ كانون الأول لحظة هروب بشار الأسد، وسنكرره إلى أن يتحقق.

الدعوات إلى تجريم الطائفية محقة وواجبة ولكنها ليست كافية

الدعوات إلى تجريم الطائفية محقة وواجبة ولكنها ليست كافية، فما الفائدة المرجوة من تجريم من يُعلن عن طائفيته ويحرض على الطوائف الأخرى إن لم تُعالج المشكلة من جذورها؟

اليوم السلطة في دمشق مسؤولة عن البدء بخطوات عملية لإنقاذ سوريا من الوقوع في المحظور، تشكيل الجيش على أسس وطنية لا يكون فقط بإعلان انضواء الفصائل تحت سلطة وزارة الدفاع بتركيبتهم الفصائلية، وعذر العناصر غير المنضبطة في كل مرة لم يعد مقنعاً. تجريم الخطاب المذهبي والطائفي والعرقي يجب أن يبدأ بين صفوف القوات المسلحة وجميع المسؤولين والعاملين في الدولة، فدولة المواطنة التي تحدث عنها الشرع أكثر من مرة لا يمكن أن تقوم لها قائمة إن كان بعض من في الدولة ينظر لنفسه ك"سني" أولاً، سني متسامح مع الآخرين أم ناقم عليهم لا فرق جوهري بين الحالتين.

نعلم أن انتهاكات وجرائم ارتكبت في الساحل في الأسابيع الماضية، ولكننا نعلم أيضاً أن طرفاً ثالثاً دخل على خط الأزمة وعمل على التجيش والتحريض لا خوفاً على "العلويين" بل لغاية سياسية مرتبطة بدول إقليمية.

ونعلم أن انتهاكات ارتكبت بحق الموحدين الدروز في الأيام الأخيرة، ولكن الدعوات الاسرائيلية والدعوات لاسرائيل لحماية "الأقلية الدرزية" ليس ذات صلة، فيكفي أن نتذكر أن الموحدين الدروز الذين يحملون الجنسية الاسرائيلية هم حسب القانون مواطنون درجة ثانية في الدولة اليهودية.

القضية اليوم ليست أحمد الشرع وسلطته في دمشق، القضية اليوم هي سوريا، سوريا أولاً، فهل يجلس السوريون حول طاولة مستديرة يتصارح الجميع واضعين نصب أعينهم اعلاء صوت المواطنة في ظل السعار الطائفي، فيكون الجميع شريكاً ببناء مجتمع ودولة على أسس العدالة والمواطنة، بدل من اعتبار أن تشظي الأرض السورية فرصة لبعض الخارج أدواتها بعض من الداخل.

font change