هل يواكب لبنان التغيرات في المنطقة؟

هل يواكب لبنان التغيرات في المنطقة؟

استمع إلى المقال دقيقة

في خضم الأحداث المتسارعة في المنطقة والتحولات الكبيرة، بعد السابع من أكتوبر وما تبعها من ارتدادات جعلت الانقسام داخل المجتمعات العربية أكثر وضوحا، بين من يريد الخراب المجمل بشعارات براقة ومن يدرك قدرة وإمكانيات دولته ويتبنى خطابا عقلانيا لا يتنازل عن الحقوق ولكن لا يرمي بالشعوب في التهلكة.

سقط نظام بشار الأسد وسقط المشروع الإيراني في المنطقة، الحدث الذي وصفه رئيس الوزراء اللبناني السابق فؤاد السنيورة بأنه مشابه لسقوط جدار برلين، فتغيرت الخرائط السياسية في المنطقة.

تنطلق سوريا بسرعة وثبات- وإن بحذر- نحو قيام دولة لا تشبه دولة الأسدين، لا بدورها ولا بتحالفاتها ولا بسياساتها، أقل من 6 أشهر على سقوط الأسد، رفعت العقوبات الأميركية والأوروبية عن سوريا، وصارت دمشق بقلب تحالف دول الاعتدال العربي. تبنى الرئيس أحمد الشرع خطابا عقلانيا واضحا في ما يتعلق بدور سوريا بالمنطقة والعالم، تحدث عن السلام وعن أولوية بناء سوريا لجميع السوريين، لاقى خطابه استحسانا عند المسؤولين في المنطقة والعالم، وكانت فترة 6 أشهر كافية ليعرف العالم أن الأقوال جدية رافقتها أفعال، ساعده في ذلك وساعد سوريا الجديدة احتضان عربي وخصوصا من قبل المملكة العربية السعودية وقطر وتركيا والأردن، رفعت العقوبات وانطلقت عجلة بناء الدولة، بناء المؤسسات وبناء الحجر، بعد أن دمرت سوريا بالكامل خلال عقود حكم الأسدين، والطريق ليس معبدا بالورود.

في خضم هذه التحولات، يبدو أن الجار الأقرب لسوريا- لبنان- لم يحسم أمره بعد، وإن كان قد حسمه لا يبدو حتى اللحظة أنه مستعد لاتخاذ خطوات عملية ترافق أقواله بالأفعال.

لبنان أيضا مر بتحولات كبيرة، فالحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان دمرت قدرات "حزب الله" واغتالت قياداته وتركت بنيته الميليشياوية العسكرية كالمريض الذي يعيش على الأجهزة، والقطار لن ينتظر كثيرا قبل أن يحسم اللبنانيون أمرهم، فمقولة أن سلاح "حزب الله" شأن داخلي سقطت يوم شارك "حزب الله" في قتل السوريين واليمنيين والعراقيين، ويوم درّب وسلّح من قام بعمليات إرهابية في المملكة العربية السعودية.

الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان دمرت قدرات "حزب الله" واغتالت قياداته وتركت بنيته الميليشياوية العسكرية كالمريض الذي يعيش على الأجهزة

في ملف العلاقات السورية-اللبنانية لا يبدو أيضا أن بعض لبنان قد استوعب التغير الحاصل في سوريا، إعلاميا وسياسيا لا يزال التحريض على سوريا الجديدة مستمرا، أما بخصوص الملفات بين البلدين وهي كثيرة، فهناك تجاهل متعمد لتجربة الـ14 عاما الأخيرة، فعلى سبيل المثال يطالب لبنان بملاحقة مرتكبي الجرائم من النظام الساقط بحق اللبنانيين وهو أمر مشروع وواجب، فقد أوغل نظام الأسدين في دماء اللبنانيين كما السوريين، ولكن إذا ما تحدث السوريون عن دور فريق لبناني ممثل في الحكومة ومجلس النواب بقتل السوريين، تجد خطابا تبريريا أو هروبا للأمام بدل تحمل الدولة مسؤولياتها.

يطالب لبنان بمعرفة مصير مفقوديه في سجون الأسد، وهذا حق وواجب، ولكن هناك عشرات المعتقلين على خلفية الثورة السورية بالسجون اللبنانية، والجميع يعرف كيف كانت توضع العراقيل أمام الكثير من الملفات القضائية والأمنية في زمن هيمنة "حزب الله" على الدولة، هؤلاء المعتقلون  تم الاتفاق على إطلاق سراحهم منذ زيارة الرئيس ميقاتي إلى سوريا بعد أيام من وصول الشرع إلى قصر الشعب، ولا يزال الأمر قيد البحث والإجراءات.

ماذا عن أموال المودعين السوريين في المصارف اللبنانية؟ ماذا عن التحريض الذي ينطلق شفهيا وعمليا من لبنان ضد سوريا؟

موضوع الحدود وترسيمها وضبطها بدأت المفاوضات بشأنه، فهل نحن بحاجة إلى رعاية لكل الملفات العالقة؟ أم صار بإمكان البلدين معالجة مشكلاتهم دون هيمنة من فريق على آخر وتدخل نظام في شؤون آخر؟

سوريا الجار الأقرب للبنان بدأت مرحلة جديدة على صعيد دورها الإقليمي والدولي، والجغرافيا بهذا المعنى ثابتة، المنطقة كلها تشهد اليوم مشروعا جديدا انطلاقا من دمشق، فهل تنضم بيروت لهذا المشروع، فالقطار لن ينتظر، والمبررات من جميع القوى السياسية لم تعد مقنعة لأحد، وخصوصا عندما تعطي هذه القوى جرعة أوكسجين لسلاح "حزب الله" بسبب ذرائع طائفية.

font change