إيران والغرق في وهم القوة

إيران والغرق في وهم القوة

استمع إلى المقال دقيقة

مع العملية الإسرائيلية الأخيرة على إيران، نستطيع أن نعلن نهاية العصر الإيراني في المنطقة، نهاية زمن هيمنة دولة على دول وشعوب. نستطيع أن نعلن كذلك نهاية "مبدأ أوباما" الكارثي في المنطقة، الرجل الذي أراد أن يكون لطهران نفوذ وسلطة في هذه المنطقة ضاربا عرض الحائط بهوية المنطقة، ومصالح الدول الحليفة وغير الحليفة، ومتجاهلا إرادات الشعوب وأولهم الشعب السوري، تهاوى مشروعه اليوم، وتهاوت معه هذه النظرة الاستعمارية والاستعلائية المغلفة بخطاب حقوقي، ودعوات للانفتاح والتفهم والليبرالية، كما تهاوى حلم "الإمبراطورية الفارسية".

في الواقع انتهى "مبدأ أوباما"، وانتهى دور إيران التدميري في المنطقة، منذ الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، والإرهاب الذي ضرب الولايات المتحدة الأميركية، وبعده الحرب على أفغانستان وغزو العراق، وما تلاه، بدا واضحا أن التغول الإيراني في المنطقة كان يتم أحيانا بتواطؤ غربي إسرائيلي، وأحيانا بغض النظر عما ترتكبه إيران في سوريا ولبنان والعراق وحتى فلسطين.

نهبت إيران العراق، وبدلا من الانتهاء من عصر الديكتاتورية هناك، تحول العراق إلى ساحة نفوذ وفوضى لصالح سياسة إيران التوسعية، كان العراق هو منجم الذهب لطهران، وبينما كان العراقي محروما من أبسط حقوقه، ومن موارد دولته، كانت إيران تمد يدها وتغرف ما تشاء حين تشاء، مع وجود طبقة لا يصح القول إنها سياسية، بل طبقة من الطائفيين والموظفين، مهما علت رتبهم في خدمة إيران وجيوبهم. دخلت إلى سوريا لتشارك الأسد في جرائمه ضد السوريين، ولتلعب هي وميليشياتها دور عصابات الصهيونية، من تدمير وحرق وتهجير وقتل، أطلقت يدها في لبنان، حتى تآكلت الدولة لصالح الميليشيا.

قامت إيران بالمهمة على أكمل وجه، فما لم تستطع إسرائيل القيام به من تفتيت الدول من الداخل استطاعت إيران القيام به

قامت إيران بالمهمة على أكمل وجه، فما لم تستطع إسرائيل القيام به من تفتيت الدول من الداخل استطاعت إيران القيام به. اليوم أخطر ما في العملية الإسرائيلية على الجمهورية الإسلامية في إيران، هو حجم الخرق الاستخباراتي والعسكري الإسرائيلي، والتقدم التكنولوجي الهائل، ساعات قليلة كانت كافية لإخراج معظم القيادات العسكرية لـ"الحرس الثوري" من المشهد. ساعات قليلة كانت كفيلة بأن تظهر حجم الاهتراء في داخل المؤسسة الإيرانية، انشغلت إيران بالتوسع واحتلال دول عربية وبسط نفوذها على "عواصم عربية"، تباهى قادتها مرارا بالأمر وبعنجهية مستفزة، ولم تلتفت إلى الرفض العربي الواسع لها، ولا إلى هشاشة وضعها الداخلي.

الصفعة الأولى التي تلقاها مشروع "الإمبراطورية الإيرانية" كانت باغتيال قاسم سليماني، وتوالت الضربات والصفعات، من عملية البيجر واغتيال أمين عام "حزب الله" حسن نصرالله وإخراج "الحزب" عمليا من دائرة التأثير الإقليمي، إلى اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية، وهو في ضيافة طهران، إلى سقوط نظام بشار الأسد وانقطاع طريق الإمداد.

أُعطيت طهران فرصة بعد ذلك كله، دُعيت إلى التفاوض حول مشروعها النووي، لكنها لم تُحسن التصرف، ولا فهم اللحظة، ولم تدرك أن مشروعها انتهى، وسيعلن عن وفاته إما على الطاولة أو في ساحة المعركة.

أُعطيت طهران فرصة بعد ذلك كله، دُعيت إلى التفاوض حول مشروعها النووي، لكنها لم تُحسن التصرف ولا فهم اللحظة

اليوم طالت الحرب أم قصرت نتيجتها معروفة، ستتجرع طهران كأس السم، ستعود إيران إلى الداخل الإيراني، وهذا كفيل مع الوقت بأن ينهي هذا النظام الهجين، ولكن الكلمة للشعب الإيراني.

كان الخوف في السنوات الأخيرة من "سايكس بيكو" جديد، إلا أن كل ما يحصل اليوم هو العودة إلى حدود "سايكس بيكو"، وإنهاء زمن الحدود المفتوحة أمام الميليشيات المسلحة، ننتقل اليوم بحذر إلى مفهوم الدولة الوطنية، ولكن هذا الانتقال لن يتم إذا تجاهل العالم فلسطين.

الحل لا يكمن فقط بإنهاء المشروع الاستعماري الإيراني، ونهاية زمن الميليشيات لصالح الدولة، الحل لا يمكن أن ينجح إلا بقيام دولة فلسطينية، وعاجلا أم آجلا، سيدرك نتنياهو أن سياسة الهروب إلى الأمام، لا يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية، وستدرك إسرائيل أن بقاءها كدولة تسير ضد القانون الدولي، وضد حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، اعتمادا على قوتها العسكرية الجبارة فقط، لن يجلب لها الأمن والاستقرار، ففائض القوة ينقلب على صاحبه، عندما تنتهي المعارك الكبرى، وعندما تفتقد هذه القوة للحد الأدنى من الإنصاف والالتزام بالقانون.

font change