بعد التوتر الذي ساد العلاقة بين العالم العربي وإدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، تأتي زيارة الرئيس دونالد ترمب إلى المنطقة هذا الأسبوع كمؤشر على بداية جديدة تهدف إلى ترميم العلاقات بين واشنطن والعالم العربي.
خلال سنوات بايدن الأربع في الحكم، ساد التوتر علاقات الولايات المتحدة مع الدول العربية، نتيجة تركيز إدارته على الانخراط في مفاوضات مع إيران بشأن برنامجها النووي، بدلا من توطيد العلاقات مع الحلفاء العرب التقليديين في المنطقة.
في المقابل، يشير قرار ترمب بالتركيز على إعادة بناء العلاقات مع الشرق الأوسط، بدءا من زيارته التاريخية إلى السعودية هذا الأسبوع، إلى عزم إدارته على تعزيز التعاون مع شركائها الرئيسين في المنطقة من أجل ترسيخ السلام والاستقرار.
وكما في ولايته الأولى، اختار ترمب السعودية لتكون وجهته الخارجية الأولى. وقد عكست القمة التي جمعته بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في الرياض رغبته الواضحة في تحسين العلاقات مع المملكة.
وقد تجلى التحول في العلاقات بين واشنطن والرياض من خلال الحفاوة التي استُقبل بها ترمب من قبل ولي العهد، الذي نظّم مراسم استقبال فخمة احتفاءً بوصوله، شملت بساطا بنفسجي اللون، فيما اختار ترمب ربطة عنق بنفسجية لتتناسب مع ألوان الزينة.
انطلقت مراسم الاستقبال الرسمية للرئيس ترمب قبل أن تطأ طائرته أرض المملكة، حيث حلّقت مقاتلات "إف-15" التابعة للقوات الجوية الملكية السعودية إلى جانب طائرة الرئاسة الأميركية، في تحية مهيبة لدى اقترابها من أجواء العاصمة.
البيت الأبيض: "الصفقات التي يجري الاحتفال بها هي صفقات تاريخية وستُحدِث نقلة نوعية لكلا البلدين، وتمثل حقبة ذهبية جديدة من الشراكة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية"
وعقب استقباله شخصيا على مدرج المطار، خصّ ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الرئيس ترمب بمراسم استثنائية، حيث وفّر حرس شرف من الخيول العربية الأصيلة لمرافقة موكب الليموزين الرئاسي في طريقه نحو العاصمة.
كما أعد المسؤولون السعوديون وحدة متنقلة من مطاعم ماكدونالدز بالقرب من الديوان الملكي لمرافقة ترمب خلال زيارته، نظرا إلى شغفه المعروف بسلسلة الوجبات السريعة هذه.
وفي أعقاب المحادثات بين الزعيمين، أعلن ترمب عن اتفاق تجاري ضخم بين البلدين، قال إنه سيؤدي إلى استثمارات سعودية في الولايات المتحدة بقيمة 600 مليار دولار، تشمل شراكات تكنولوجية وصفقة أسلحة بقيمة 142 مليار دولار. وقدّر ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أن حجم العلاقات التجارية بين البلدين قد يبلغ تريليون دولار في نهاية المطاف.
وقال ترمب في مستهل لقائه بولي العهد: "أعتقد حقا أننا نكن لبعضنا مشاعر طيبة".
وذكر بيان صادر عن البيت الأبيض أن الصفقة تشمل التعاون في مجالات الطاقة وتطوير المعادن، فيما مثّلت صفقة الأسلحة أكبر عملية من نوعها بين البلدين.
وقد دفعت أهمية هذه الصفقات عددا من أبرز رجال الأعمال الأميركيين إلى مرافقة ترمب في زيارته، من بينهم ملياردير التكنولوجيا إيلون ماسك، وسام ألتمان المدير التنفيذي لشركة "أوبن إيه آي".
وقال ماسك، الذي انسحب مؤخرا من المهمات الإدارية المباشرة، إن السعودية وافقت على استخدام شبكة "ستارلينك" في مجالات الملاحة البحرية والطيران داخل البلاد.
غير أن الجزء الأهم في الاتفاق كان في تحديث الجيش السعودي من خلال تزويده "بأحدث المعدات والخدمات القتالية من أكثر من اثنتي عشرة شركة دفاع أميركية"، وفقًا لبيان البيت الأبيض.
وأضاف البيان أن "الصفقات التي يجري الاحتفال بها اليوم هي صفقات تاريخية وستُحدِث نقلة نوعية لكلا البلدين، وتمثل حقبة ذهبية جديدة من الشراكة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية".
وتتضمن الاتفاقية أيضا خططا لاستثمار السعودية 20 مليار دولار في مشاريع البنية التحتية للطاقة ومراكز بيانات الذكاء الاصطناعي داخل الولايات المتحدة.
وفي تصريحاته خلال منتدى الاستثمار الأميركي-السعودي، قال ترمب إن "الولايات المتحدة لا تملك شريكا أقوى من السعودية"، مؤكدا أن العلاقة بين البلدين "أقوى من أي وقت مضى".
وشملت جولة ترمب في الشرق الأوسط زيارات إلى كل من قطر والإمارات العربية المتحدة، في إطار سعيه إلى ترويج رؤيته بأن التجارة وتنمية الاقتصاد هما الطريق الأفضل لتجاوز العنف والانقسام في المنطقة.
وفي هذا السياق، أكد ترمب استعداده لمواصلة السعي نحو اتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي، لكنه حذر طهران من أن العرض المطروح "لن يدوم إلى الأبد".
وقال ترمب في كلمته أمام المنتدى السعودي-الأميركي للاستثمار: "نحن نريد لهم أن يكونوا دولة ناجحة. نريد لهم أن يكونوا دولة رائعة وآمنة وعظيمة. لكن لا يمكنهم امتلاك سلاح نووي".
وتجلّت مساعي ترمب لدفع أجندة السلام في الشرق الأوسط من خلال قراره لقاء الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، رغم التحفظات المثارة بشأن ممارسات نظامه تجاه الأقليات مثل العلويين والدروز والمسيحيين.
وأعلن ترمب نيته رفع العقوبات المفروضة على سوريا، معتبرا أن الوقت قد حان لتتقدم البلاد إلى الأمام بعد 14 عاما من الحرب الأهلية، مشيرا إلى أن أمامها "فرصة لتكون عظيمة".
وكانت الولايات المتحدة، إلى جانب دول غربية أخرى، قد فرضت عقوبات على سوريا مع اندلاع الحرب الأهلية عام 2011، احتجاجا على الأساليب القمعية التي انتهجها الرئيس السابق بشار الأسد، الذي يقيم حاليا في المنفى بروسيا.
ويُعد لقاء ترمب بأحمد الشرع- الذي سبق أن عرضت الولايات المتحدة مكافأة بقيمة عشرة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى اعتقاله بسبب علاقاته المزعومة بجماعات إسلامية مسلحة- خطوة جريئة من إدارة ترمب تهدف إلى الإسهام في استقرار البلاد بعد أكثر من عقد من الصراع الدموي.
وإن كُتب لهذه الخطوة النجاح، فقد تترتب عليها آثار بعيدة المدى على مستقبل السلام والاستقرار في الشرق الأوسط.