اتفاق لندن – بروكسل "التاريخي" يُغضب "المحافظين" البريطانيين

المحافظون يصفون الاتفاق بـ"الاستسلام المذل"

أ.ف.ب
أ.ف.ب
رئيس الوزراء البريطاني السير كير ستارمر ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بعد مؤتمر صحافي مشترك خلال قمة المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي في لانكستر هاوس في لندن في 19

اتفاق لندن – بروكسل "التاريخي" يُغضب "المحافظين" البريطانيين

بعد مرور عقد من الزمن تقريبا على تصويت المملكة المتحدة لصالح خروجها من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، يُنظر إلى اتفاقية التجارة الجديدة التي عرض تفاصيلها رئيس الوزراء البريطاني السير كير ستارمر على أنها محاولة مثيرة للجدل لإصلاح العلاقات مع الاتحاد الأوروبي.

ومن البديهي أن تكون العلاقات بين لندن وبروكسل متوترة منذ أن صوّت البريطانيون بأغلبية ضئيلة على الخروج من الاتحاد الأوروبي، هذه الكتلة التجارية التي انضمت إليها المملكة المتحدة أول مرة عام 1975، وكانت تسمى حينها "السوق المشتركة".

وكانت الرغبة في احتفاظ المملكة المتحدة بالسيطرة على سيادتها- التي ادعى مؤيدو "بريكست" أن بيروقراطيي بروكسل يقوضونها، يضاف إليها المخاوف من الارتفاع المتزايد في معدلات الهجرة- هي العوامل الرئيسة في اتخاذ القرار بإنهاء عضوية المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي التي استمرت أربعة عقود.

لكن حتى مع ادعاء أبرز دعاة الخروج البريطاني، كرئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون، أن المملكة المتحدة سوف تزدهر على الساحة العالمية كنتيجة لخروجها من "الاتحاد"، فإن الكثير من الناخبين البريطانيين ظلوا متشككين في فوائد هذا الخروج.

علاوة على ذلك، اشتدت الرغبة في تحسين علاقات المملكة المتحدة مع بروكسل منذ أن فاز حزب "العمال" بزعامة ستارمر بأغلبية كبيرة في الانتخابات العامة العام الماضي، التي تكبدت فيها الإدارة المحافظة بقيادة ريشي سوناك، هزيمة ثقيلة في صناديق الاقتراع، وهي التي واصلت دعمها لـ"بريكست".

وليس مستغربا أن تحرص حكومة حزب "العمال" الجديدة منذ توليها السلطة، على التفاوض مع الاتحاد الأوروبي على اتفاقية تجارية جديدة، لأن الكثير من كبار السياسيين في حزب "العمال"، ومنهم ستارمر، عارضوا الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي معارضة تامة.

حرص ستارمر على التأكيد على الفوائد الكبيرة التي سيوفرها الاتفاق، بما في ذلك توفير طعام أرخص في المتاجر الكبرى، وإنهاء طوابير انتظار جوازات السفر في المطارات الأوروبية

ومع أن ستارمر يصر على أنه لا ينوي معارضة رغبات الشعب البريطاني وإلغاء "بريكست"، فإن اتفاقية التجارة الجديدة بين المملكة المتحدة وبروكسل التي عرض تفاصيلها هذا الأسبوع، شجعت النشطاء المناهضين لبريكست على الاعتقاد بأن المملكة المتحدة تقترب من أوروبا، بينما أثارت غضب مؤيديها الذين يعتقدون أن حكومة ستارمر مصرة في نهاية المطاف على إعادة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

وقد أعلن ستارمر عن اتفاقية التجارة الجديدة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي هذا الأسبوع، وأصر على أنها ستوفر الغذاء والطاقة للشعب البريطاني بسعر أرخص، ووصف الاتفاق بأنه "مربح للجانبين" في نظر المملكة المتحدة.

وقال ستارمر بعد أن صافح أورسولا فون ديرلاين، رئيسة المفوضية الأوروبية: "عادت بريطانيا إلى الساحة العالمية. فهذا الاتفاق يمنحنا وصولا غير مسبوق إلى سوق الاتحاد الأوروبي، وأفضل من وصول أي دولة أخرى إلى هذه السوق".

وأكد ستارمر أن اتفاق إزالة القيود التجارية على الأغذية والزراعة سيدعم الاقتصاد البريطاني بـتسعة مليارات جنيه إسترليني، ولو أن حزب "المحافظين" المعارض شكك في هذا الرقم. كما أن الأرقام الواردة في وثيقة إحاطة حكومية ادعت أن الاتفاق سيُعوّض انخفاض الصادرات بنسبة 21 في المئة وانخفاض الواردات بنسبة 7 في المئة، هذا الانخفاض الذي شهدته المملكة المتحدة منذ خروجها من الاتحاد الأوروبي.

أ.ب
لافتات مؤيدة للاتحاد الأوروبي في ساحة البرلمان، في لندن، بريطانيا 21 مايو

وقد حرص ستارمر على التأكيد على الفوائد الكبيرة التي سيوفرها الاتفاق، بما في ذلك توفير طعام أرخص في المتاجر الكبرى، وإنهاء طوابير انتظار جوازات السفر في المطارات الأوروبية، وذلك بفضل اتفاق يسمح للمسافرين من المملكة المتحدة باستخدام البوابات الإلكترونية الأوروبية. وأعربت داونينغ ستريت (مقر رئاسة الحكومة البريطانية) عن أملها في أن تُطبق ترتيبات السفر الجديدة خلال عام.

كما يشتمل الاتفاق على جوانب أخرى تسمح للمملكة المتحدة بالعودة إلى برنامج "إيراسموس" للتبادل الجامعي، وإنشاء برنامج لتنقل الشباب يسمح لهم بالوصول إلى الاتحاد الأوروبي من أجل العمل والدراسة والسفر.

ويصر وزراء المملكة المتحدة على أن برنامج التنقل هذا سيكون لعدد مقنن ولمدة زمنية محددة، مثل الاتفاقيات المبرمة مع كل من أستراليا ونيوزيلندا. لكن مسؤولين قالوا إن هناك مفاوضات شاقة لم تُجرَ بعد، لتحديد هل ستفرض هذه الأعداد المحددة على الدول الأعضاء على نحو فردي أم على مستوى الاتحاد الأوروبي ككل.

في الوقت الذي يعتقد فيه ستارمر أن اتفاقه التجاري الجديد مع الاتحاد الأوروبي يشكل خطوة مهمة نحو تحسين العلاقات مع بروكسل، أثار هذا الاتفاق انتقادات شديدة من أنصار "بريكست" من اليمين البريطاني

وتعد اتفاقية التجارة الجديدة هذه مع الاتحاد الأوروبي ثالث اتفاقية تتفاوض عليها حكومة ستارمر هذا الشهر، بعد اتفاقيتين مع الهند والولايات المتحدة. ويُقال أيضا إن المفاوضات جارية على قدم وساق كي تعقد المملكة المتحدة اتفاقية تجارية جديدة مع منطقة الخليج.

ووصفت فون ديرلاين الاتفاق مع المملكة المتحدة بأنه "لحظة تاريخية... تفتح فصلا جديدا في علاقتنا الفريدة".

لكن في الوقت الذي يعتقد فيه ستارمر أن اتفاقه التجاري الجديد مع الاتحاد الأوروبي يشكل خطوة مهمة نحو تحسين العلاقات مع بروكسل، أثار هذا الاتفاق انتقادات شديدة من أنصار "بريكست" من اليمين البريطاني، حيث وصف زعيم حزب "المحافظين" كيمي بادينوخ محادثات ستارمر مع فون ديرلاين بأنها "قمة الاستسلام"، وتعهد بإلغاء الاتفاق إذا استعاد المحافظون السلطة.

أ.ب
متظاهر مؤيد للاتحاد الأوروبي يحمل لافتة خارج البرلمان في لندن، بريطانيا 21 مايو

وكررت وزيرة الخارجية في حكومة الظل بريتي باتيل القول إنها "قمة الاستسلام" في لندن، وقالت إن كير ستارمر "خان بريكست وخان 17 مليون شخص ممن صوتوا لاستعادة السيطرة على السيادة".

أما زعيم حزب "الإصلاح"، نايغل فاراج، وهو شخصية بارزة في حملة مؤيدي "بريكست"، فقد وصف اتفاق ستارمر بأنه "استسلام مذل"، مشيرا إلى أن إحدى القضايا الرئيسة في التصويت على "بريكست" كانت استعادة المملكة المتحدة سيطرتها على مياه الصيد الخاصة بها. ولكن نهج ستارمر، الذي يسمح للاتحاد الأوروبي بالوصول إلى مياه الصيد البريطانية، سيؤدي بدلا من ذلك إلى تحول المملكة المتحدة سريعا إلى جزيرة "ليس فيها صناعة تذكر لصيد الأسماك".

في هذا الوقت، سخر جونسون، الذي قاد الحملة من أجل "بريكست"، من الاتفاق بالقدر نفسه، ووصفه بأنه "بيع مروع" و"منحاز على نحو مثير لليأس، وضحى بمصالح المملكة المتحدة في مجال صيد الأسماك".

وإذا كان ستارمر يعتقد أنه، بموافقته على اتفاقية تجارية جديدة مع الاتحاد الأوروبي، يستطيع أخيرا إنهاء الجدل المرير حول "بريكست"، فقد يكون عليه أن يعيد التفكير في الأمر مرة ثانية.

font change