الحد الفاصل بين الحياة والموت في "متجر الضوء"

شاب يترجل من حافلة، يصادف أمامه امرأة جالسة تحت المطر على مقعد انتظار في المحطة، يتكرر الحدث مرارا إلى أن يحدثها الشاب ذات مرة، ويسألها إن كانت في حاجة إلى مساعدة، فتسأله باستغراب ألم يعرفها؟ وتطلب منه مرافقته إلى منزله.

طالبة تسير مع زميلاتها نحو منزلها، وعليها أن تمر بذلك الزقاق المظلم، وتقابل في كل مرة غريبا ما. المرأة في المحطة يصطحبها الشاب الى منزله ليكتشف أمرا غريبا. والطالبة تدخل في كل مرة ذلك المتجر في الزقاق لتشتري لمبة إضاءة لوالدتها. ونرى شابة تسكن شقة قديمة في ذلك الزقاق ترتب أغراضها، ومرارا تنطفئ مصابيح الشقة، ويتناهى إلى سمعها صوت أقدام تركض وغناء شاب مفزوع، يركض فيرى امرأة تتجول بحذاء ذي كعب عال، والمطر ينهمر، فيعرض عليها مشاركته مظلته، ليصطدم بقامتها وقد بلغت طول البناية أمامه، يهرع مفزوعا فتلتوي ساقاه ويجد نفسه عاجزا عن الحركة.

هكذا، تتوالى الشخصيات: غرباء يتجولون على غير هدى، يهتدي بعضهم إلى المتجر، يتأملون الإضاءة والمصابيح ويعاودون الخروج إلى الزقاق المظلم.  تتنقل الأحداث من ذلك الزقاق، إلى داخل قسم العناية المركزة في مستشفى، وقد كتب على مدخل القسم ممنوع دخول الغرباء، وخلف الأبواب مجموعة أشخاص في حالة غيبوية لا نتعرف الى شخصياتهم إلا بعد حلقات عدة. فمن أجواء الزقاق حيث الغموض والرعب، إن جاز وصف العمل بهذا الوصف، إلى حركة الأطباء والممرضات النابض بالحياة، الذي يكسر مزاج الرعب، نظل في حالة من الحيرة لما يحدث وما حكاية هؤلاء الغرباء.

الوعي الإنساني

في قسم العناية المركزة، بين المرضى الغارقين في الغيبوبة، ممرضة وحيدة تستطيع رؤية الغرباء، بسبب مرورها بتجربة الغيبوبة قبل سنوات، وعيشها أحداثا مشابهة لأولئك الذين يبقون في ذلك الفاصل الزمني بين الحياة والموت، ليظل ذلك الشهر من زمنها المستقطع حافزا لها لتبقى بين من يخوضون رحلة الانقطاع عن الحياة. ترى رجلا بملابس متربة يتجول في غرف العناية، ويسأل عن طريق المشرحة ويختفي فجأة، وآخر بملابس مبللة يقف بجانبها في المصعد الكهربائي، وأصواتا تلاحقها، ولكنها تعرف من أين يأتون، فقد اخترقت ذلك الحاجز الزمني لتدرك معاناة من يتجولون.

في بنية سينمائية تجمع خيوط الأحداث، يضعنا المسلسل أمام فلسفة المكان والزمان، من خلال تلك الشخصيات وعلاقة بعضها ببعض، ويبث التساؤلات حول الوعي الإنساني والجسد: ما الذي يحدث حين يصاب الجسد بخلل في وظائفه الحيوية، ويبقى الوعي وينتقل الى بعد آخر يختفي فيه معنى الزمن الأرضي، فهل يتأثر الوعي بطبيعة البعد الآخر المختلف عن البعد الذي نحياه؟

ينطلق الخيال السينمائي، ليحمل تلك الشخصيات الذين تعرضت حافلة النقل العام التي كانت تقلهم إلى حادث مروري، إلى ذلك الفاصل الزمني بين الحياة والموت، لتتقابل هناك دون أن يتعرف بعضها الى بعض، ويظل السائق المتسبب الرئيس في تلك الحادثة المأسوية بفعل إهماله، في رحلة بحث في الأزقة المظلمة عن الركاب الذين كانوا معه، لينقذهم من غيبوبتهم، رغم إدراكه حقيقة موته، إلا أنه يأبى مغادرة ذاك الفاصل الوجودي والانتقال إلى مكانه في الآخرة دون أن يأخذ بيد من لا يزالون في الغيبوبة، ليدلهم إلى متجر الضوء، حيث يمكن كل واحد منهم العثور على نوره الهادي.

اجتماع الغرباء

تجتمع الشخصيات في أحد أقوى مشاهد العمل، وهو مشهد حادث الحافلة التي تهوي في النهر، لنعرف حكاية أولئك كل الغرباء الذين يتجولون في تلك الشوارع المظلمة. استُخدمت في هذا المشهد رموز سينمائية ولغة بصرية عالية تجسد الانتقال إلى البعد الموازي. إضاءة واهنة، ليل لا ينتهي، أمطار متواصلة، وملابس مبللة، كل هذا يشير إلى الليلة الماطرة التي وقع فيها الحادث، كما وظف المسلسل البعد الشعبي والأسطوري لفكرة الموت والحرص على إبقاء الميت ثلاثة أيام قبل دفنه. وقد أدى المونتاج المتقن ضبط الوقت والإيقاع من خلال التركيب البصري والصوتي للمَشاهد التي تعكس المشاعر المختلفة.

في النهاية حفل المسلسل بقيمة فنية عالية على المستوى البصري والفلسفي أيضا، ونجح في خوض غمار تلك التجربة الغامضة التي يمر بها البشر، حيث تختلط العوالم الخفية التي يعجز الإنسان عن تفسيرها، مع الواقع، في مزج بين العلم والخيال يطرح فكرة إرادة الإنسان وضرورة بحثه لإيجاد ضوئه والاستمرار في حياته.

الجدير ذكره أن مؤلف العمل كانغ فول بدأ حياته العملية كرسام كاريكاتور في عام 1997، وكان ينشر مراجعات حول القصص المصورة، وهو من أوائل فناني "الويبتون" في كوريا الجنوبية، واقتبست أعماله في عدد من الأفلام والمسلسلات. أما المخرج كيم هي وون، فيعرفه عشاق الدراما الكورية ممثلا من خلال مسلسلات مثل "الأم الغاضبة"، و"حياة غير مكتملة"، و"لنقاتل أيها الشبح"، و"خلف لمستك"، وربما كان دوره في مسلسل "موفينغ" هو ما قاده إلى تجربة الإخراج.