ما مستقبل الحكم في إيران بعد الحرب؟

السيناريو الأفضل بالنسبة إلى إسرائيل والولايات المتحدة هو استسلام النظام

ما مستقبل الحكم في إيران بعد الحرب؟

استمع إلى المقال دقيقة

استوعب الحكم في إيران الضربة الإسرائيلية الأولى المفاجئة، وتمكن من إحلال أكثر من 20 قائدا عسكريا وأمنيا مكان قادة اغتيلوا خلالها في وقت قياسي. كما استطاع مجاراة إسرائيل والرد على هجماتها باستخدام الصواريخ الباليستية والمسيرات محلية الصنع رغم الفرق الكبير في ميزان القوة الشاملة بين الطرفين. لكن هذا الفرق لا يمكن إلا أن يكون له أثره ليس في نتيجة الحرب فقط، بل في إضعاف النظام الإيراني أيضا، وخاصة بعد انضمام الولايات المتحدة إلى إسرائيل ومهاجمة منشآت نووية في إيران.

ولعل هذا هو ما يضع السؤال عن مستقبل إيران ونظام الحكم فيها ضمن الأسئلة الأساسية المطروحة بشأن النتائج التي ستسفر عنها الحرب. وهذا سؤال كبير يتجاوز الوضع في إيران في اليوم التالي للحرب لأنه يؤثر في مجمل التفاعلات الإقليمية والأدوار الدولية في منطقة الشرق الأوسط. وفي محاولة الإجابة عن هذا السؤال نجد سيناريوهات عدة متفاوتة من حيث احتمال تحقق كل منها.

يوجد، أولا، السيناريو الأفضل بالنسبة إلى إيران وهو استئناف المفاوضات التي أوقفها الهجوم الإسرائيلي من النقطة التي انتهت إليها. كان مقررا أن يسلم الوفد الإيراني رده على مقترح أميركي لم يُفصَح عن تفاصيله، ولكن فُهم أنه يتضمن منع طهران من تخصيب اليورانيوم داخل أراضيها وإقامة مجمع إقليمي لهذا التخصيب تشارك فيه مع دول أخرى، وترتيبات بشأن برنامجها الصاروخي، وأخرى تقيد قدرتها على تمويل حلفائها أو أذرعها في المنطقة. وما يمكن توقعه في حالة استئناف المفاوضات أن يسعى الوفد الإيراني إلى اتفاق يتضمن السماح لطهران بتخصيب اليورانيوم بنسبة نقاء منخفضة للغاية حتى إذا كانت واحدا في المئة لحفظ ماء الوجه من ناحية، والإبقاء على نواة لبرنامج نووى قابل للتطوير في مرحلة لاحقة.

ويبدو أن احتمال تحقق هذا السيناريو منخفض في ظل المعطيات الراهنة، ولكنه قد يزداد في حالة انتهاء الحرب دون تدمير القدرات النووية الإيرانية بشكل كامل.

ونجد، ثانيا، السيناريو الأفضل بالنسبة إلى إسرائيل والولايات المتحدة ودول غربية أخرى وهو استسلام النظام الإيراني وقبوله التخلي عن البرنامج النووي وفق الشروط الإسرائيلية والأميركية. وليس معروفا بعد هل كان الرئيس دونالد ترمب يراهن على هذا السيناريو عندما قال في تصريحات يوم 18 يونيو/حزيران ما معناه إن مكان المرشد الإيراني على خامنئي معروف، ولكن اغتياله ليس على الطاولة الآن. ولعله تطلع حينها إلى إعادة إنتاج مشهد قريب من إعلان الإمبراطور الياباني هيروهيتو في 15 أغسطس/آب 1945 الاستسلام في خطاب إذاعي وجهه إلى شعبه والعالم بعد أيام من استهداف هيروشيما ونجازاكي بقنبلتين ذريتين. وربما أراد ترمب أن يكون خامنئي هو من يعلن تجرع السم وقبول الشروط الإسرائيلية-الأميركية، وفضّل من ثم أن يدخره لهذا الدور.

لدى إيران حدود طويلة مع سبع دول هي: أفغانستان وباكستان والعراق وتركيا وأذربيجان وأرمينيا وتركمانستان. ويبلغ طول هذه الحدود في مجملها نحو 6000 كم، علاوة على حدود بحرية طولها نحو 2700 كم

ويبدو هذا السيناريو ضعيفا للغاية، لأن الفرق كبير بين إيران 2025 واليابان 1945. لم تكن لدى النظام الياباني قدرة على الصمود بعد ضربتي هيروشيما ونجازاكي، بخلاف النظام الإيراني الذي قد يستطيع الاستمرار حتى بعد أن تدخلت الولايات المتحدة في الحرب بشكل مباشر، اعتمادا على قاعدته الشعبية شبه العسكرية المنظمة التي تحركها أجهزة أمنية سياسية مثل "الحرس الثوري" وجهاز تعبئة المستضعفين (الباسيج) ومنظمات عدة محلية في معظم المحافظات. كما أن الطابع العقائدي المتشدد للنظام الإيراني يُمكّنه من التماسك بخلاف النظام الياباني في نهاية الحرب العالمية الثانية. كما أن وقع مفاجأة ضرب هيروشيما ونجازاكي كان ثقيلا جدا على النظام الياباني، إذ فعل فيه فعل الصدمة التي يتعذر امتصاصها، بخلاف الوضع في الحرب الراهنة. فبعد مفاجأة الضربة الأولى لم تعد هناك مفاجآت أو هذا ما يبدو حتى الآن. وحتى التدخل العسكري الأميركي المباشر كان متوقعا، ومحسوبا بالتالي حسابه أو هذا هو المفترض.
وهناك، ثالثا، سيناريو تخلخل النظام الإيراني وانهياره تدريجيا حسب ما تطمح إليه إسرائيل وتسعى إليه، وفقا لما يكرره رئيس حكومتها وغيره من قادتها في أحاديثهم عن أن إسقاطه ليس من أهداف الحرب، ولكنه قد يحدث كنتيجة أو محصلة لها بفعل الآثار المترتبة عليها. ويتطلب هذا السيناريو وجود تنسيق بين إسرائيل وجماعات إيرانية معارضة في الخارج لاستغلال الارتباك الذي قد يصيب النظام إذا طال أمد الحرب وازدادت المشاركة العسكرية الأميركية فيها. فإذا أصاب هذا الارتباك أجهزة النظام الأمنية والسياسية المركزية والمحلية بأضرار كبيرة ربما تقل قدرتها على السيطرة على الأوضاع، وخاصة في الأطراف. فلدى إيران حدود طويلة جدا مع سبع دول هي أفغانستان وباكستان في الشرق، والعراق وتركيا في الغرب، وأذربيجان وأرمينيا وتركمانستان في الشمال. ويبلغ طول هذه الحدود في مجملها ما يقرب من 6000 كم، علاوة على حدود بحرية طولها نحو 2700 كم.

وفي حالة تخلخل النظام وفقده السيطرة على الأطراف، تستطيع قوات تابعة لمنظمات معارضة إيرانية التحرك وخاصة تلك التي توجد لها أجنحة عسكرية وتعرف البلد جيدا مثل منظمة "مجاهدي خلق" الأطول عمرا من النظام الإيراني، إذ يعود تأسيسها إلى عام 1965. وكانت هي القوة المعارضة الرئيسة لنظام الشاه قبل أن يشتد عود المنظمات والشخصيات الإسلامية التي جنت ثمار الثورة على هذا النظام عام 1979 فانفردت بالسلطة واستبعدت من شاركوها السعي إلى التغيير. ولكن هذا سيناريو حرب أهلية طويلة، وليس سيناريو انهيار تدريجي للنظام. ورغم صعوبة استبعاده كليا فهو يظل ضعيفا ما لم يكن هناك إعداد طويل له من قبل أن تشن إسرائيل الحرب بشهور أو سنوات.
وهكذا يبدو أن سيناريو إسقاط النظام الإيراني أو سقوطه كمحصلة للحرب أضعف من سيناريو استمراره في حالة أوهن مما كان عليها في أي وقت منذ مطلع الألفية عندما بدأ مشروعه النووي ودوره الإقليمي في الظهور. وفي كل الأحوال لا بد من إدراك أن انهيار النظام الإيراني، إن حدث وهو احتمال ضعيف، دون وجود بديل جاهز لاستلام السلطة بشكلٍ سلس يعني حدوث فوضى لا مصلحة لأحد فيها.

font change