يقول منتقدو خطة الرئيس دونالد ترمب بشأن قطاع غزة إنها لم تنه الحرب، ولم تحقق ما ورد في بندها الثالث الذي ينص على أنه "إذا وافق الطرفان على هذا المقترح ستنتهي الحرب فورا". كما أن هذا البند نفسه ملتبس. فعندما نمضي في قراءته نجد أنه يتضمن: "سيتم تعليق كل العمليات العسكرية، بما في ذلك القصف الجوي والمدفعي، وستبقى خطوط القتال ثابتة إلى أن يتم استيفاء شروط الانسحاب الكامل على مراحل". والفرق واضح بين إنهاء الحرب وتعليق العمليات العسكرية.
أما مؤيدو الخطة والمتفائلون بها ومن يتوقعون لها النجاح في إنهاء الحرب فيرون أنها حققت إنجازا كبيرا في وقت قياسي. وهم يدعون إلى إجراء مقارنة بين ما كان عليه الوضع في قطاع غزة قبل 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي وبعده. كما يتفاءلون بقرار مجلس الأمن الذي يؤيد خطة ترمب ويكملها عبر إنشاء مجلس سلام دولي وتحديد دوره، وتكوين قوة سلام دولية وتوضيح اختصاصاتها.
ولكن نظرة أوسع إلى الخطة كاملة ببنودها العشرين، وإلى الواقع على الأرض بعد أكثر من شهر من البدء في تنفيذها، ربما تقود إلى الشك في إمكان إنهاء الحرب بشكل كامل في المدى المنظور. ففي الخطة بنود لا ينكر أشد المتفائلين بالخطة أن تنفيذها صعب، بل بالغ الصعوبة، وخاصةً فيما يتعلق بنزع سلاح حركة "حماس" والفصائل الفلسطينية الأخرى وتجريد قطاع غزة من السلاح، وكذلك الانسحاب الإسرائيلي الكامل أو حتى شبه الكامل.
ففي البند الثالث عشر على سبيل المثال نص واضح وقاطع على نزع السلاح. فبعد الإشارة إلى التزام حركة "حماس" والفصائل الأخرى "بعدم أداء أي دور في حكم قطاع غزة بشكل مباشر أو غير مباشر" نقرأ أنه "سيتم تدمير كل البنى التحتية العسكرية الإرهابية، بما في ذلك الأنفاق ومنشآت إنتاج الأسلحة، ولن يُعاد بناؤها. وستكون هناك عملية لنزع السلاح من قطاع غزة تحت إشراف مراقبين مستقلين، وستكون غزة الجديدة ملتزمة بالكامل ببناء اقتصاد مزدهر والتعايش سلميا مع جيرانها". كما خوَّل قرار مجلس الأمن قوة الاستقرار الدولية مهمة نزع السلاح في قطاع غزة.
وفيما يتعلق بالانسحاب الإسرائيلي نجد في البند السادس عشر نصا واضحا على أنه انسحاب كامل. فبعد الإشارة إلى أن إسرائيل "لن تحتل غزة أو تضمها" يُنص فيه بوضوح على أنه "عندما تُرسي قوة الاستقرار الدولية السيطرة والاستقرار، سينسحب الجيش الإسرائيلي على أساس مراحل وجداول زمنية مرتبطة بنزع السلاح. ويتم الاتفاق على ذلك بين الجيش الإسرائيلي وقوة الاستقرار الدولية والضامنين بهدف ضمان أن تكون غزة آمنة ولا تشكل تهديدا لإسرائيل أو مصر أو مواطنيهما". ويأتي بعد ذلك النص على الانسحاب التدريجي: "ومن الناحية العملية سيسلم الجيش الإسرائيلي تدريجيا أراضي قطاع غزة التي يحتلها إلى قوة الاستقرار الدولية وفقا لاتفاقية يتم إبرامها مع السلطة الانتقالية إلى حين انسحابه الكامل من القطاع، باستثناء وجود أمني سيبقى إلى أن يتم تأمين غزة بشكل كامل من مخاطر أي تهديد إرهابي محتمل".
في الخطة بنود لا ينكر أشد المتفائلين بالخطة أن تنفيذها صعب، بل بالغ الصعوبة، وخاصةً فيما يتعلق بنزع سلاح حركة "حماس" والفصائل الفلسطينية الأخرى
والمشكلة في هذا البند أنه لا يحدد المدى الزمني للانسحاب الإسرائيلي. فهو واضح في أن هذا الانسحاب لا بد أن يحدث دون أن يحدد متى سيحدث ذلك وفي أي وقت سيكتمل. فهو يربط انسحاب جيش الاحتلال بنزع سلاح حركة "حماس" والفصائل الفلسطينية الأخرى، ويربط تحديد مداه الزمني باتفاق بين الجيش الإسرائيلي وقوة الاستقرار الدولية، واتفاق ثان بين هذه القوة والسلطة الانتقالية التي يُفهم من سياق النص والتحركات الدبلوماسية الهادفة إلى إكمال تنفيذ خطة ترمب أنها تتمثل فيما يُطلق عليه "مجلس السلام الدولي" الذي نص قرار مجلس الأمن الصادر في 17 نوفمبر/تشرين الثاني على إنشائه.
ومن نصوص الخطة إلى واقع الأمر نجد أن الفجوة بين مواقف حكومة نتنياهو وحركة "حماس" والفصائل الأخرى ما زالت واسعة للغاية، ولا يوجد ما يدل على أنها ستضيق وخاصةً فيما يتعلق بمسألتي الانسحاب ونزع السلاح.
والسؤال، هنا، هو ماذا إذا لم تنجح قوة الاستقرار هذه فيما أخفق فيه جيش الاحتلال الذي لم يستطع الوصول إلى المواقع التي توجد بها الأسلحة المطلوب نزعها، ولم يتمكن من معرفة أماكن 60 في المئة من أنفاق قطاع غزة وفقا لما قاله وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس؟ فليس مستبعدا، بل ربما يكون مرجحا، في هذه الحالة أن يستأنف الجيش الإسرائيلي الحرب تحت شعار نزع سلاح حركة "حماس" والفصائل الفلسطينية الأخرى، وتفكيك حركة "حماس" وحلفائها في قطاع غزة. وسيكون على إدارة ترمب في هذه الحالة التحرك لمنع استئناف الحرب بشكل كامل. ولن يحدث هذا دون مقابل يرجح أنه سيكون في صورة إعطاء إسرائيل الحق في توجيه ضربات موضعية ضد مواقع محددة دون العودة إلى القصف الواسع النطاق كما يحدث في لبنان.
ولهذا كله يبقى احتمال التعثر في إكمال تنفيذ خطة ترمب قائما ولا يمكن استبعاده. وإذا حدث ذلك سيكون هناك سيناريوهان. فإما انهيار الاتفاق على هذه الخطة ومن ثم العودة إلى الحرب، أو العمل بروح البند السابع عشر الذي ينص على أنه "إذا أخرت حركة (حماس) أو رفضت هذا المقترح سيتم تنفيذه في المناطق الخالية من الإرهاب، والتي يسلمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية". ويعني هذا السيناريو الثاني تجميد الحرب وليس إنهاءها، إذ ستواصل إسرائيل عملياتها ضد مواقع تشتبه في وجود عناصر تابعة لحركة "حماس" أو فصائل أخرى بها، فيما يعم السلام المناطق التى ستُسلم بموجب ذلك البند إلى قوة الاستقرار الدولية، وربما تبدأ عملية إعادة الإعمار فيها بغية تحويلها إلى نموذج لمستقبل قطاع غزة.