هل يصمد الاتفاق على خطة ترمب؟

هل يصمد الاتفاق على خطة ترمب؟

استمع إلى المقال دقيقة

يبدو الاتفاق على خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الأكثر هشاشة بين التسويات التي تمكّن من إبرامها منذ تنصيبه في 20 يناير/كانون الثاني الماضي. ويحتاج استمرار العمل بهذا الاتفاق إلى جهود متواصلة لتجنب استئناف الحرب. وربما ما كان له أن يصمد حتى الآن، مع كل عثراته، لولا أن ترمب يخشى أن يؤدي انهياره إلى إضعاف فرصته الباقية للحصول على جائزة نوبل للسلام عام 2026 بعد أن تعذر عليه نيلها في 2025.

فالخطة التي اتُفق عليها مليئة بالثغرات رغم أنها، وربما لأنها، الأكثر تفصيلا مقارنة بالمقترحات والمشاريع التي طُرحت منذ بداية العام لإنجاز صفقة تتضمن تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار. ويجمع بين هذه المقترحات والمشاريع وجود ثلاث مراحل يُفترض أن تمر بها الصفقة علاوة على تشابه بعض- وأحيانا كثير- من نقاطها أو بنودها.

وعلى سبيل المثال قدمت مصر في مارس/آذار الماضي مقترحا يهدف إلى التوصل لاتفاق يتضمن جدولا زمنيا للإفراج عن جميع الأسرى، وثان لانسحاب كامل للقوات الإسرائيلية من قطاع غزة مع ضمانات أميركية. وفي أول يوليو/تموز أسفرت تحركات المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف عن مقترح تضمن في مرحلته الأولى وقف إطلاق النار لمدة شهرين وبدء تسليم الأسرى الموجودين في قطاع غزة، وإعادة انتشار الجيش الإسرائيلي في مناطق محددة، وإدخال المساعدات الإنسانية. كما نص ذلك المقترح على أن تبدأ مفاوضات المرحلة الثانية برعاية الوسطاء مع بداية تنفيذ المرحلة الأولى بهدف التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار توطئة للانتقال إلى مرحلة ثالثة يُصار فيها إلى الاتفاق على ترتيبات ما بعد انتهاء الحرب أو اليوم التالي لها.

وفي هذين المقترحين، كما في غيرهما، كان التعنت الإسرائيلي هو السبب الأول وراء إخفاق الجهود التي بُذلت، دون أن يعني ذلك إعفاء حركة "حماس" من مسؤولية جزئية عن هذا الإخفاق. وظهر دور إسرائيل هذا بدرجة أكبر في سلوكها الذي أعقب طرح ترمب في 7 سبتمبر/أيلول مقترحا لتسليم الأسرى الإسرائيليين ووقف إطلاق النار. فلم تمض 48 ساعة على نشر ذلك المقترح حتى شن سلاح الجو الإسرائيلي هجوما على منطقة إقامة وفد "حماس" المفاوض في الدوحة.

وقد أعاد ترمب طرح مقترحه ذاك في آخر سبتمبر الماضي في صورة أكثر تفصيلا مع إظهار عزم أكبر من ذي قبل على العمل لتنفيذه وإزالة العقبات التي تواجهه. ولا تختلف خطة ترمب، التي دخلت حيز التنفيذ في 11 أكتوبر/تشرين الأول، عن الاتجاه العام في المقترحات التي سبقتها، ولكنها حوت جديدا في سبعة جوانب. أولها وجود نص واضح على إنهاء الحرب وليس فقط إبرام هدنة مؤقتة: "إذا وافق الطرفان على هذا المقترح ستنتهي الحرب فورا"، كما ورد في البند الثالث. والجديد الثاني نص واضح أيضا على انسحاب إسرائيلي تدريجي. والثالث استئناف إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة بكميات وُصفت بأنها "كاملة" وتوزيعها من خلال الأمم المتحدة ومنظماتها والهلال الأحمر، وليس عن طريق الجيش الإسرائيلي أو ما أُطلق عليها "مؤسسة غزة الخيرية"، وكذلك إعادة تأهيل البنى التحتية المدمرة. والجديد الرابع تأكيد عدم احتلال إسرائيل قطاع غزة: "لن تحتل إسرائيل قطاع غزة أو تضمه إليها"، كما ورد في البند السادس عشر.

والجديد الخامس هو تجاوز مسألة التهجير القسري من خلال النص على عدم إرغام أي مواطن على مغادرة القطاع وضمان حق العودة لمن يتركه طواعية. والسادس نص واضح على إعمار قطاع غزة وإنعاشه عبر تشكيل لجنة من الخبراء وُصفوا بأنهم "أسهموا في بناء بعض المدن الحديثة والمزدحمة في الشرق الأوسط"، ومن ثم "خلق فرص عمل وأمل لمستقبل غزة". أما الجديد السابع فهو المضي قدما في تنفيذ الخطة حتى إذا لم يتيسر ذلك بشكل كامل، إذ نصت على أنه إذا أصرت حركة "حماس" أو رفضت الخطة سيتم تنفيذ بنودها في المناطق التي وُصفت بأنها "خالية من الإرهاب" بعد أن يسلمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة استقرار دولية مؤقتة تُنشر في القطاع.

لا تختلف خطة ترمب، التي دخلت حيز التنفيذ في 11 أكتوبر/تشرين الأول، عن الاتجاه العام في المقترحات التي سبقتها، ولكنها حوت جديدا في سبعة جوانب

لكن هذه الخطة واجهتها، وما زالت، صعوبات كبيرة، إذ استغلت إسرائيل عموميتها الشديدة لمواصلة القصف الجوي والمدفعي على كل من يقترب من مناطق إعادة انتشار جيشها في المرحلة الأولى "الخط الأصفر". كما استثمرت قيام مجموعة فلسطينية مسلحة تبين أنها معزولة في منطقة رفح بعملية عسكرية في 19 أكتوبر/تشرين الأول لشن سلسلة غارات شديدة العنف طول ذلك اليوم، على نحو بدا معه وكأن الحرب استؤنفت بقوة وهو ما تكرر في 28 أكتوبر. ولكن التدخل الأميركي فرض على إسرائيل العودة إلى القصف الانتقائي المحدود، فيما يبدو أنها محاولة للاحتفاظ بحرية حركة للتدخل العسكري "عند الضرورة" كما فعلت، وما زالت، في لبنان عقب اتفاق وقف الأعمال العدائية.
ومع ذلك يظل استمرار خطة ترمب إنجازا في حد ذاته بالنظر إلى الأوضاع شديدة التعقيد التي تُطبق فيها، وكذلك الثغرات التي تعطي فرصا لخرقها. فما هذه الخطة إلا إطار عام يتعين على الأطراف أن تملأه عن طريق مفاوضات بالغة الصعوبة.
ولكن المشكلة الأساسية في هذه الخطة، ومن ثم في الاتفاق عليها، هي غموض الأفق السياسي لحل الصراع الذي أنتج الحرب الأخيرة على قطاع غزة، مثلما أدى إلى مختلف الحروب العربية-الإسرائيلية السابقة. فما ورد عن هذا الأفق السياسي في البندين الأخيرين (التاسع عشر والعشرين) عام وغائم سواء النص على إمكان "تهيئة الظروف لفتح مسار نحو تقرير المصير وإقامة دولة فلسطينية، وهو ما ندرك أن الشعب الفلسطيني يتطلع إليه"، أو النص على أن "الولايات المتحدة ستنظم حوارا بين إسرائيل والفلسطينيين للاتفاق على أفق سياسي لتعايش سلمي ومزدهر".
آفة خطة ترمب، إذن، أنها تظل مرحلية ولا تعالج جذور الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي وأسبابه، ولا تفتح بالتالي الباب أمام مفاوضات محددة في وقت بعينه لبناء سلام يقوم على حل الدولتين. ولذا سيكون نجاحا كبيرا للولايات المتحدة والوسطاء إذا صمد الاتفاق على هذه الخطة وأمكن تنفيذها بكل بنودها وصولا إلى إعمار قطاع غزة والتحرك باتجاه حل الدولتين.

font change