إلى أين يتجه الوضع في لبنان في الشهور المقبلة، وهل يحدث صدام بين "حزب الله" والجيش فعلاً على خلفية قرار مجلس الوزراء حصر السلاح بيد الدولة وحدها؟ هذا هو السؤال الذي يثير اهتمامًا كبيرًا، ويُثار بشأنه جدل واسع منذ إعلان القرار الذي أمهل الجيش حتى نهاية أغسطس/آب لتقديم خطة تتيح تنفيذه قبل نهاية العام الجاري.
السؤال منطقي في ظل التناقض بين موقفي الدولة اللبنانية و"حزب الله" تجاه القرار المُشار إليه. تنطلق الدولة، في موقفها الذي عبر عنه قرار مجلس الوزراء، من أن حصر السلاح بيدها ضرورة وطنية باعتباره السبيل الوحيد لانسحاب إسرائيل من المواقع التي تحتلها في الجنوب، ووقف هجماتها التي لم تتوقف على مواقع أخرى منذ التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024. كما أنه السبيل أيضًا لتجنب اعتداء إسرائيلي أوسع نطاقًا.
ومنطق القرار، على هذا النحو، هو أن نزع سلاح "حزب الله" ينزع من إسرائيل الذريعة التي تتذرع بها لاستباحة أراضي لبنان وأجوائه بلا حسيب ولا رقيب. كما أنه الطريق الوحيد كذلك للحصول على دعم دولي للاقتصاد اللبناني المترنح، والبدء في عمليات إعمار المناطق التي دُمرت خلال الاعتداء الإسرائيلي الواسع في خريف العام الماضي. ويجادل أنصار قرار مجلس الوزراء بأن سلاح "حزب الله" لم يحمِ لبنان، بل لم يحل دون اغتيال معظم قادة الصفين الأول والثاني في "الحزب" نفسه.
ويجادل أنصار "حزب الله"، في المقابل، بأن سلاحه لا يزال يمثل قوة الردع الوحيدة في مواجهة إسرائيل، وأن نزعه يعني حرمان لبنان من القوة العسكرية الأساسية الموجودة لديه. ولكن بعد أن ضعفت هذه المجادلة نجدهم يُركزون أكثر على زعم بأن قرار مجلس الوزراء ليس إلا إذعانًا لضغوطٍ واستجابةً لإملاءاتٍ أميركية تحقق مصلحة إسرائيلية خالصة. ويلجأ بعضهم إلى الورقة الطائفية عبر الدفع بأن هذا القرار ينطوي على تصعيد يثير مخاوف الطائفة الشيعية التي يوفر لها السلاح المراد نزعه الشعور بالأمن والاطمئنان.
الموقفان، إذن، متناقضان على نحو يوحي بأن الصدام آت لا محالة عندما يتحرك الجيش لتنفيذ قرار مجلس الوزراء. ورغم أن توقع حدوث صدام من عدمه يتوقف على طبيعة الخطة التي كُلف الجيش بإعدادها وتقديمها إلى مجلس الوزراء، وما ستتضمنه من وسائل لتنفيذ قرار حصر السلاح، ربما لا يكون سيناريو الصدام هو الأرجح ليس فقط لأن لبنان لا يتحمل حربًا داخلية أو أهلية، ولكن أيضًا لعدم توافر المعطيات التي تقود إليه. فالسلاح المطلوب نزعه لا يوجد مع مقاتلين يمكن أن يصطدموا بقوات من الجيش. فهذا السلاح، وخاصةً الصواريخ بأنواعها المتعددة والطائرات المُسيرة بطُرُزها المتنوعة، موجود في مخازن مموهة، وقد يكون بعضها أو أكثرها في أنفاق، ولا تحرسها بالتالي قوات من "حزب الله".
في كل الأحوال لا يبدو أن تحرك الجيش اللبناني لتنفيذ مهمته يؤدي بالضرورة إلى احتكاك مباشر مع مقاتلين من "حزب الله"
وستكون مهمة الجيش الأولى هي السعي إلى معرفة أماكن هذه المخازن، وكذلك الورش التي تُستخدم في تصنيع بعض الأسلحة. وهي مهمة صعبة بدليل أن إسرائيل لم تستطع معرفة هذه الأماكن جميعها رغم كل ما لديها من قدرات استخباراتية هائلة مدعومة من الولايات المتحدة ودول غربية أخرى. فقد تمكنت إسرائيل من رصد بعض الأماكن التي يُخزن فيها سلاح "حزب الله" ودمّرتها خلال الاعتداء الواسع في الخريف الماضي، وبعده في الهجمات الجزئية المتوالية التي قُصف خلالها ما تقول مصادر إسرائيلية إنها بنية عسكرية تحتية لـ"حزب الله". ويعني هذا أن معرفة أماكن ما بقى من سلاح لدى "الحزب" تتطلب عمليات بحث ومراقبة مكثفة. وربما يكون الوصول إلى ورش لتصنيع الأسلحة أقل صعوبة لأن هناك من يذهبون إليها، بخلاف مخازن السلاح الذي لم يُستخدم منذ وقف إطلاق النار قبل أكثر من ثمانية شهور.
وفي كل الأحوال لا يبدو أن تحرك الجيش اللبناني لتنفيذ مهمته يؤدي بالضرورة إلى احتكاك مباشر مع مقاتلين من "حزب الله". فالطرفان لا يقف أحدهما في مواجهة الآخر بشكل مباشر، ولا يجمعهما ميدان أو مساحة معينة يمكن أن يتقاتلا فيها. كما أن وضع "حزب الله" بات صعبًا بعد اغتيال أبرز قادته، وتدمير جزء كبير من بنيته التحتية، وضرب حليفه الأكبر في طهران، وفقدان معظم حلفائه في الداخل وفى مقدمتهم "التيار الوطني الحُر" و"تيار المردة" اللذين أعلنا دعمهما قرار حصر السلاح بيد الدولة. وكذلك فعل السياسيون السُنة المستقلون الذين طالما دعموا "الحزب". لذا يصعب، من الناحية الموضوعية وبناء على المعطيات المتوافرة حتى الآن، تصور حدوث احتكاك يؤدي إلى اشتباكات بين الطرفين خلال سعي الجيش إلى تنفيذ المهمة المكلف بها ونجاحه في تحديد بعض أماكن مخازن السلاح وورش تصنيعه إلا إذا رد "حزب الله" باستهداف مواقع تابعة للجيش. وهذا احتمال غير مرجح لأنه ليس في مصلحة "الحزب". والأرجح منه أن لا يرد "الحزب" على مصادرة الجيش مخازن أسلحة تابعة له قياسًا على سلوكه تجاه مداهمة بعض هذه المخازن جنوب نهر الليطاني في الشهور الماضية.
ومع ذلك يجدر التنويه بأن ضعف احتمال حدوث صدام لا يلغيه تمامًا. وربما يكون هذا الاحتمال مرتبطًا بعاملين. أولهما المدى الذي سيبلغه نجاح الجيش في الوصول إلى أماكن المخازن والورش التابعة لـ"الحزب". فكلما كان عدد مخازن الأسلحة والورش التي يتمكن الجيش من معرفة أماكنها ويداهمها أكثر، ازداد احتمال الصدام، والعكس. والثاني سلوك قيادة "حزب الله" تجاه سيطرة الجيش على مخازن الأسلحة وهل تتوخى الحكمة وتعطي الأولوية لمصلحة لبنان العليا، أم ترتكب خطأ جديدًا يضاف إلى سلسلة أخطائها منذ قرار إسناد قطاع غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023.