ترمب و"نوبل"... وبينهما نتنياهو

ترمب و"نوبل"... وبينهما نتنياهو

استمع إلى المقال دقيقة

يتوق الرئيس الأميركي دونالد ترمب شوقا إلى جائزة نوبل للسلام. يفيدنا تحليل مضمون خطابه أن قضية السلام تأتي في مرتبة متقدمة بين القضايا التي يتناولها. كانت البداية مبكرة في خطاب تنصيبه رئيسا في 20 يناير/كانون الثاني الماضي. قال إنه سيعمل من أجل أن تكون صناعة السلام هي الإرث الذي يعتز به أكثر من أي شيء آخر.

لم يتوقف ترمب منذ ذلك الوقت عن تقديم نفسه بوصفه صانع سلام. لا يُفوّت فرصة للترويج لنفسه والحديث عن سعيه إلى وقف الحروب وتهدئة الصراعات في العالم. واقترن حديثه المتكرر عن السلام بسعي وتحرك لإنهاء حروب وحل صراعات في مناطق عدة. حقق ما يمكن اعتباره أول إنجاز في هذا المجال عندما تحرك إثر اندلاع القتال بين الهند وباكستان في أول مايو/أيار الماضي بسبب هجوم على سياح هنود في الجزء الخاضع لنيودلهي من إقليم كشمير المتنازع عليه بين الدولتين. ونجحت وساطته في وقف إطلاق النار، وإن استمر التوتر سائدا في العلاقة بين الدولتين.

وحقَّق ترمب إنجازا ثانيا في أفريقيا هذه المرة، إذ تحرك للبناء على ما حقَّقته وساطات أخرى لوقف إطلاق النار بين الكونغو الديمقراطية ورواندا، والتوصل إلى اتفاق على سحب القوات الرواندية من مناطق تحتلها في شرق الكونغو، وتحقيق تعاون اقتصادي وفتح الباب أمام الولايات المتحدة في منطقة تعد من أغنى مناطق العالم بالمعادن الاستراتيجية. واستثمر هذا الإنجاز خير استثمار عبر توقيع الاتفاق بين الدولتين في البيت الأبيض في 27 يونيو/حزيران الماضي، الأمر الذي سلَّط أضواء ساطعة على صراع بقي في الظل نحو ثلاثين عاما، إذ تعود بدايته الأولى إلى عام 1994. وحرص ترمب خلال الاحتفال الكبير بتوقيع ذلك الاتفاق على لفت الانتباه إلى أنه أنهى أطول الصراعات الدموية في أفريقيا.

ويبدي ترمب اهتماما، من هذه الزاوية، بالصراعات الأفريقية. فقد عيَّن مستشارا له لشؤون أفريقيا إلى جانب الشرق الأوسط. وأجرى هذا المستشار (مسعد بولس) اتصالات مع دول أفريقية عدة، وذهب إلى ليبيا في 23 يوليو/تموز الماضي للقاء أطراف الصراع أملا في تحريك المياه الراكدة فيه.

ليس مبالغا القول إن إنهاء الحرب على غزة بشكل كامل يُقرّب ترمب من الجائزة بالنظر إلى أن المأساة الإنسانية المُروّعة التي ترتبت عليها باتت تؤرق العالم كله

ورغم عدم إحراز تقدم باتجاه إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا، فقد تمكن من وضعها على الطاولة عبر اللقاءات التي عُقد ثلاثة منها في تركيا. واتفق الطرفان فيها على تبادل الأسرى الأحياء والأموات. حركت هذه اللقاءات قليلا من المياه الراكدة، وأعطت أملا في التوصل إلى وقف لإطلاق النار، أو هدنة طويلة، أو هُدن قصيرة في إحدى جولاتها المقبلة. وإذا حدث ذلك خلال أسابيع أو أشهر قليلة سيُدعّم مركز ترمب في التنافس على جائزة نوبل للسلام حتى إذا لم يتيسر التوصل إلى اتفاق سلام. فالحرب الروسية-الأوكرانية هي نقطة ضعفه الأساسية في هذا التنافس لأنه تعهد خلال حملته الانتخابية بإنهائها بشكل فوري، قبل أن يدرك أنها أكثر صعوبة وتعقيدا مما تصوره. ومع ذلك ربما يُحسب له، خلال مداولات اللجنة المانحة لجائزة نوبل للسلام، أنه لم يدخر جهدا في السعي إلى تحقيق ما تعهد به.
ولذا يبدو أن العائق الأساسي أمام سعيه لنيل جائزة نوبل للسلام هو سياسة الحكومة الإسرائيلية ورئيسها بنيامين نتنياهو في الشرق الأوسط، وتحديدا تجاه غزة وسوريا. فليس مبالغا القول إن إنهاء الحرب على غزة بشكل كامل يُقرّب ترمب من الجائزة بالنظر إلى أن المأساة الإنسانية المُروّعة التي ترتبت عليها باتت تؤرق العالم كله. ولكن إصرار نتنياهو على ما يسميه النصر المطلق يحرم ترمب من الإنجاز الذي قد يجعل الجائزة التي يشتهيها في متناوله، رغم أن الحرب استنفدت أغراضها، ولم يعد لدى الجيش الإسرائيلي أهداف عسكرية في الوقت الذي أُضعفت فيه حركة "حماس" ولم تعد تُمثل أي خطر على إسرائيل. ولا يستطيع ترمب إلا الاصطفاف مع نتنياهو بالنظر إلى التزامه الكامل بالوقوف مع إسرائيل في مختلف القضايا، علاوة على الطبيعة الخاصة جدا للعلاقة بين واشنطن وتل أبيب.

يبدو أن نتنياهو هو العائق الأهم الذي يعوق طريق ترمب نحو تحقيق حلمه في أن يكون خامس رئيس أميركي يحصل على جائزة نوبل للسلام

ومع ذلك تتسبب سياسة نتنياهو تجاه غزة في إحراج ترمب من وقت إلى آخر كما حدث عند قصف كنيسة دير اللاتين شرق مدينة غزة في 17 يوليو وقتل ثلاثة من بينهم الأب جبرائيل رومانيللي كاهن الرعية. فقد أعلن البيت الأبيض أن ترمب استاء بشدة من هذا القصف الذي أسرع نتنياهو إلى الاعتذار عنه. 
وقل مثل ذلك عن سوريا. فقد رفع ترمب العقوبات التي كانت مفروضة عليها، وتحدث مرات عما معناه أنه يريد أن يُحقّق لها سلاما يجعلها نموذجا لنجاح يُنسب إليه ويزيد رصيده في سعيه إلى نيل نوبل للسلام، وذلك بعد أكثر من ستة عقود من الفشل. ولكن سياسة نتنياهو تجاه سوريا يمكن أن تفسد ما يسعى إليه ترمب.
ولذا لم يُخف مبعوثه الخاص إلى سوريا توم باراك استياءه من التدخل العسكري الإسرائيلي في أحداث السويداء التي اندلعت في منتصف يوليو. فقد انتقد باراك هذا التدخل بشكل صريح، وهو أمر نادر في العلاقات الإسرائيلية-الأميركية، وقال إن واشنطن لم تُستشر بشأنه ولم تُبلغ به.
وهكذا يبدو أن نتنياهو هو العائق الأهم الذي يعوق طريق ترمب نحو تحقيق حلمه في أن يكون خامس رئيس أميركي يحصل على جائزة نوبل للسلام بعد تيودور روزفلت عام 1906، وودرو ويلسون عام 1919، وجيمي كارتر عام 2002، وباراك أوباما عام 2009. 

font change