السلاح كاختزال للأزمة اللبنانية

السلاح كاختزال للأزمة اللبنانية

استمع إلى المقال دقيقة

يُصور تسليم "حزب الله" سلاحه إلى السلطة الشرعية اللبنانية، على أنه العنصر الوحيد الذي يحول دون دخول هذا البلد في مرحلة جديدة من السلم والازدهار تلوح في أفق الشرق الأوسط. وفي هذا اختزال مخل للواقع.

فمقابل الانقسام الطائفي–السياسي حول السلاح المذكور، إلا أن حجمه وفاعليته وقدرته على خدمة الهدف الذي جيء به من أجله، غير واضحة. الحرب الإسرائيلية على لبنان في 2024 دمرت منظومات كاملة من الجهاز العسكري الذي أعده "حزب الله" للدفاع عن إيران أولا ولخوض حروبها الإقليمية ثانيا. خرجت أسلحة الدفاع الجوي والبحري والحرب الإلكترونية من المعركة في الأيام الأولى للهجوم الإسرائيلي وظهر تخبط المنظومة الصاروخية وعدم فاعليتها طوال مدة الحرب في الوقت الذي بدت أجهزة "حزب الله" الأمنية غير قادرة على اللحاق بالإيقاع السريع للاختراقات الإسرائيلية البشرية والسيبرانية ومئات الاغتيالات والتصفيات التي لاحقت مسؤولي "الحزب" إلى منازلهم وأماكن لجوئهم.

وفي الهجمات التي شنتها إسرائيل على إيران في يونيو/حزيران الماضي، لم يستطع "الحزب" أن يؤدي المهمة الأساسية التي أنشئ من أجلها واستُثمرت فيه لأجلها مليارات الدولارات: حماية إيران وردع إسرائيل عن قصف المنشآت النووية الإيرانية.

اضمحلال قدرات "الحزب" العسكرية والانقسام الشديد على الساحة اللبنانية، حالا دون إطلاق أي صاروخ من لبنان على إسرائيل، خشية استدراج ردود فعل عنيفة تستهدف المناطق الشيعية المدمرة التي لم يفلح "حزب الله" بعد في الوفاء بوعوده بإعادة إعمارها ولا برفع الأنقاض منها.

سلاح "حزب الله" أصبح ورقة في يد بنيامين نتنياهو للمضي في تدمير لبنان وابتزاز الحكومة اللبنانية في حين أنه يعلم ضآلة القدرات القتالية لـ"الحزب"

تبقى المهمة الداخلية للسلاح، كأداة للهيمنة السياسية ضمن "العدة" التي يستخدمها ثنائي "أمل" و"حزب الله" للحفاظ على مواقعه في الدولة اللبنانية والسيطرة على الطائفة الشيعية وبالتالي احتلال دور مقرر وحاسم في أية وجهة يتجه إليها البلد. وفي الوقت الذي لا جدال في خروج "حزب الله" عسكريا فيه من الصراع مع إسرائيل بعد خسائره الفادحة وفشله القيادي والاستراتيجي في فهم عدوه والخطط الإسرائيلية، يبقى أن السلاح أصبح ورقة في يد بنيامين نتنياهو للمضي في تدمير لبنان وابتزاز الحكومة اللبنانية في حين أنه يعلم ضآلة القدرات القتالية لـ"الحزب". 
بيد أن المهمة الداخلية للسلاح هي ما يجري الدفاع عنه باستماتة وتشنج حيث لا يتورع المتحدثون باسم "الثنائي الشيعي" عن التلويح بتفجير الوضع الأمني من أجل الاحتفاظ بالسلاح. المقاربتان المتعلقتان بالمسألة هذه هما: الأولى، العمل على الوصول إلى حل تدريجي يجنب لبنان كأس الصدام الأهلي المرير وهو ما يبدو أنه لم يحقق تقدما يذكر في ما يتجاوز تسليم "حزب الله" بعض المواقع والأسلحة جنوب نهر الليطاني. والثانية، هي الضغط السياسي والعسكري من قبل الدولة اللبنانية على "الحزب" لطي ملف السلاح في أقرب وقت ومهما كان الثمن، نظرا إلى ارتباط ملفات إعادة الإعمار والإصلاح المالي والاقتصادي بالسلاح المذكور. 
ويمتزج في رفض "حزب الله" مجرد الحديث عن تسليم السلاح، عوامل الإنكار العميق للواقع الذي وصل إليه بعد تدمير ركائز قوته السابقة ورغبة في الظهور بمظهر من يحافظ بسيطرته على الحياة السياسية اللبنانية برمتها والخوف من أن تأتي الترتيبات الإقليمية على حسابه بعدما بات جزيرة معزولة عن خطوط إمداده التي قطعها سقوط حليفه بشار الأسد في سوريا. 
في المقابل، يقدم غلاة الداعين إلى تسليم سلاح "الحزب" الخطوة هذه كأن فيها خلاص لبنان من كل الأمراض التي تنهكه. وهذا تبسيط يدعو إلى الاستهزاء. ذلك أن لبنان ليس مؤهلا بعد "للالتحاق بركب السلام والعصر الجديد" في المنطقة. 

يبدو السجال حول "سلاح أو لا سلاح" سابقا لأوانه ما دام المجتمع والدولة في لبنان لم ينجزا فروضهما المنزلية بعد وما زالا عالقين في خصومات أشبه بخصومات وجهاء القرى والنجوع

إن بلدا انهار دخله الوطني من 81 مليار دولار إلى أقل من 20 مليارا أثناء الأزمة التي بدأت في 2019 ولم يستطع حتى الآن اتخاذ خطوة إصلاحية جدية واحدة، ليس لديه الكثير ليقدمه في الشراكات الاقتصادية والسياسية الكبرى التي تُرسم خطوطها في المنطقة التي قطعت أشواطا نحو اقتصاد المعرفة وتجاوزت أزماتٍ كان بعضها شديد الخطورة. 
بهذا المعنى، ليس للبنان مكان في الخطط تلك ولا يمتلك حتى رؤية للدور الذي يمكن أن يضمن له مقعدا فيها. 
ويجعل هذا من لبنان بلدا طرفيا، خصوصا أن سمات السلام المفترض وشكله لم يتحددا بعد وليس هناك ما يفيد عن الكيفية التي يمكن فيها التوفيق بين الشهية التوسعية والدموية لليمين المتطرف الإسرائيلي الحاكم المنتشي بانتصاراته في غزة ولبنان وإيران، وتحييده سوريا والعراق واليمن، وبين أي مشروع سلام في المنطقة قابل للعيش. 
عليه، يبدو السجال حول "سلاح أو لا سلاح" مفتقرا الى وجهة حقيقية ما دام المجتمع والدولة في لبنان لم ينجزا فروضهما المنزلية بعد وما زالا عالقين في خصومات أشبه بخصومات وجهاء القرى والنجوع.  

font change