سلاح "حزب الله" المطروح على مجلس الوزراء اللبناني وإيجاد حل له، واحد من مظاهر تعثر مشروع وفكرة الدولة في لبنان، قبل أن يكون تسليمه أو نزعه مطلبا محليا أو دوليا.
تراكم السلاح المذكور منذ ثمانينات القرن الماضي واكتسب وظائف عدة، منها مقاومة الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان وأداء دور الحارس للمشروع النووي الإيراني من خلال ترسانة صاروخية ضخمة وقوات قادرة– كما قيل– على اجتياح الجليل في حال تعرضت إيران لهجوم إسرائيلي. وقبل ذلك وبعده، فرض مسار سياسي موائم لسياسات "محور المقاومة" الذي كان يمتد من شواطئ بيروت إلى طهران مرورا بدمشق وبغداد مع فرع في اليمن.
نهاية الحرب الإسرائيلية على لبنان و"الحزب" في 24 نوفمبر/تشرين الثاني بعد تدمير القدرة القتالية وتحييد القوة الصاروخية لـ"حزب الله" واغتيال قياداته وقسم كبير من عناصر النخبة، لم يجر الاعتراف بها كهزيمة كاملة تفرض تغييرا في سلوك "الحزب". بل جرى الاكتفاء بالتسليم بنهاية الدور العسكري الذي كانت تؤديه الجماعة المسلحة ضد إسرائيل والتمسك الشديد بكل الميزات التي راكمتها في الداخل، خصوصا بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا الذي كان يشكل الرئة التي يتنفس "حزب الله" منها.
هذه مقدمة للمشكلة الحالية التي وصلت ذروتها مع قرار الحكومة اللبنانية تخصيص جلسة لمسألة مصير سلاح "الحزب". ورُبطت الدعوة بالمطالب الأميركية والإسرائيلية ضمنا، لإنهاء كل الجهاز العسكري الذي أنشأه "حزب الله" على مرّ العقود الماضية. وعلى الرغم من بعض التمايز بين "الحزب" وحليفه (الوحيد حاليا) رئيس مجلس النواب وزعيم حركة "أمل" نبيه بري في مقاربة موضوع السلاح، إلا أن "الحزب والحركة" اللذين يشكلان معا "الثنائي الشيعي"– النسخة اللبنانية من "الإطار التنسيقي" العراقي- يرفضان أن يكون تسليم السلاح قسرا أو إعلانا للخضوع للشروط الأميركية المشددة على الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار الذي أضاف الكثير من الشروط على القرار الأممي 1701، وهو ما لا يود "الثنائي" الإقرار به منصرفا إلى تلاوة شعارات عن أهمية السلاح في الدفاع عن لبنان حيال أخطار قديمة وجديدة وتشكيله عنصر قوة في أي صراع قد ينشب مع إسرائيل أو مع "التكفيريين" الآتين من سوريا الجديدة.
من حسن حظ "حزب الله" أن الأميركيين يريدون ما يريده قسم كبير من اللبنانيين، أي قيام دولة مقتدرة، كمقدمة لعودة لبنان إلى موقعه في الأسرة العربية والدولية
إلى هنا، يدور الجدال حول سلاح "حزب الله" بين داخل ضعيف ومُهدَّد وخارج متغوِّل ومُهدِّد. بيد أن تلك ليست الصورة الكاملة. فللسلاح استخدامات وأهداف كثيرة تتعلق بالتوازنات الداخلية اللبنانية.
وإذا كان صحيحا أن مطلب نزع السلاح يندرج في إطار القرار الأممي وبترتيبات وقف إطلاق النار الأخير، فإن الأصح أن السلاح ذاته يختصر الدور الذي يريد "الحزب" الاستمرار في أدائه– مع حليفه في "الثنائي"- في المجتمع والمؤسسات والشارع والإعلام أي في كل نواحي الحياة العامة اللبنانية في المستقبل المنظور. وثمة قناعة عبرت عنها الأصوات المكلفة أو المتبرعة بالتحدث باسم "حزب الله" تقول إن الطائفة الشيعية ستُطرد من جنة الدولة ومؤسساتها في حال فقدت السلاح الذي حدد في الأعوام الأربعين الماضية الموقع الذي وصلت إليه في طريق استعادتها حقوقها ممن سلبها منذ الاستقلال في 1943.
جليّ أن الأميركيين يدركون الترابط بين السلاح وبين سيادة الدولة على أراضيها، وإن كان مدخلهم إلى الموضوع هو أمن إسرائيل وليس ازدهار لبنان واستقراره. وهنا معضلة إضافية: كلما قيل إن قيام دولة قوية هو مصلحة وطنية عامة، يؤيد "الثنائي الشيعي" هذا الكلام بل يمنحه ثقته عندما يصدر في خطاب القسم الذي ألقاه رئيس الجمهورية وعندما يرد في البيان الوزاري (برنامج عمل الحكومة المفترض). بيد أن "الحزب والحركة" يصران على إبقاء الفاصل الشاسع بين القول والفعل. وسط سعي دائم إلى اعتماد المراوغة والكلمات متعددة المعاني في التهرب من الاستحقاقات.
ومن حسن حظ "حزب الله" أن الأميركيين يريدون ما يريده قسم كبير من اللبنانيين، أي قيام دولة مقتدرة كمقدمة لعودة لبنان إلى موقعه في الأسرة العربية والدولية. من هنا يبدو رفض مشروع نهوض الدولة بكل تفاصيلها، من السيادة إلى الابتعاد عن الصراعات الإقليمية إلى الإصلاح الإداري والمالي، كخلاصة الفعل "المقاوم". وكاعتراض على طلب الولايات المتحدة التي يعاد النظر - في مركز المحور - في صفاتها أهي "شيطان اكبر" او صديق محتمل.
فكيف يمكن أن نرضى– وفق هذا المنطق– بدولة لا مقاومة فيها. فلا كانت دولة بلا سلاح أهلي مستعد للدفاع عن الجماعة التي تحدد ما هي مصلحة اللبنانيين كلهم وكيف يكون مستقبلهم.