نهاية حرب غزة... الفلسطينيون في زمن القمم السريعة

نهاية حرب غزة... الفلسطينيون في زمن القمم السريعة

استمع إلى المقال دقيقة

كلام كبير قيل في اليومين الماضيين عن السلام ومستقبل الشرق الأوسط "الذهبي" المتوقع. وثائق تبشر بعهد من الاستقرار والازدهار وتفكيك التطرف واحترام الأديان والحقوق "الإنسانية" للفلسطينيين والإسرائيليين.

بغض النظر عن أسلوب ترمب التفاوضي وولعه بالحديث عن إنجازات لا سابق لها في التاريخ وإصرار على فكرة "الصفقة" وما شابه، ينبغي التساؤل عن الأفق الذي يمكن أن تصل إليه الاتفاقيات والتفاهمات التي أنهت الحرب في غزة والتي يبدو أن قسما منها شكّل اختراقا في آليات التفاوض السابقة على غرار ما نُشر عن لقاء المسؤول في "حماس" خليل الحية مع الموفدين الأميركيين جاريد كوشنر وستيف ويتكوف لضمان عدم تجدد الحرب إذا التزمت الحركة بما تعهدت به.

نصوص الوثائق والكلمات التي ألقيت تتجاهل لبّ الصراع أي الحقوق السياسية (وليس الإنسانية فقط) للفلسطينيين بإقامة دولتهم المستقلة على أرضهم. وفيما يكرر بنيامين نتنياهو أنه قضى على هذا الحلم ويذهب أتباعه في اليمين الديني المتطرف إلى أن مئات الآلاف من المستوطنين سيقصدون الضفة الغربية للإقامة الدائمة فيها، لا يظهر أن الجهات الفلسطينية المقابلة قد أعادت تنظيم صفوفها أو حتى خطابها حول اليوم التالي لنهاية الحرب في غزة.

الإعلان عن نهاية "حماس" في القطاع وخضوعها لقرار تسليم سلاحها وانهيار مشروعها السياسي برمته، لا يعني بالضرورة تحوله إلى أمر واقع. تماما مثل الحديث عن القضاء على "حزب الله" في لبنان وإرغامه على القبول بحصر السلاح في يد الدولة اللبنانية. ذاك أن الأسباب الداخلية الفلسطينية (واللبنانية) التي أفضت إلى ظهور وتطور الحركات ما دون الدولتية في الحالتين لم تختف تماما بعد. والاعتراض على سياسات السلطة الفلسطينية في رام الله لا ينحصر بالدور الإيراني الذي أبرز "حماس" و"الجهاد الإسلامي" على الساحة، بل إن عوامل تتعلق بأداء منظمة التحرير وبرنامجها ونهجها، هي الأساس الذي اتكأت عليه "حماس" وغيرها للنشوء.

واليوم، نجد أن السلطة في رام الله مثلها مثل معارضيها، تبحث عن دور في الوضع الجديد وتتعهد بإصلاح نفسها لتستجيب لمطالب المانحين المالية والإدارية. فيما يخفت الحديث عن الإصلاح السياسي بعدما أصيبت قوة المعارضة الأقوى للسلطة، أي "حماس" بما يشبه الشلل الدائم.

تبدو المزايدات التلفزيونية عن الإنجازات التي حققها "الدم الفلسطيني" في وجه واحد من أقوى جيوش العالم غير صالحة لما يتجاوز الاستهلاك المحلي

بكلمات ثانية، ظهّرت الحرب في غزة الكارثة التي أسس لها الانقسام الوطني الفلسطيني منذ 2007. والأوهام التي راكمتها كل القوى والفصائل عن إمكان التفوق على الخصم الداخلي كسبيل للحصول على الشرعية وعلى الإسناد الخارجي. عن الكارثة تلك، لم ينجم سوى الفراغ الذي حل مكان أي مشروع فلسطيني يمكن طرحه على طاولة المفاوضات. فليس بين يدي الفلسطينيين سوى الصمود الذي تجلى في رفضهم التخلي عن أرضهم في غزة أولا وفي الضفة وفي إصرارهم على البقاء على الرغم من كل الجرائم التي يرتكبها الاحتلال والمستوطنون. والرهان الإسرائيلي على كسر الصمود المذكور في مستقبل قريب ودفع الفلسطينيين إلى مغادرة أرضهم، مبني على الحالة المأساوية لممثلي المشروع الفلسطيني الرسمي والمعارض. 
عليه، تبدو المزايدات التلفزيونية عن الإنجازات التي حققها "الدم الفلسطيني" في وجه واحد من أقوى جيوش العالم غير صالحة لما يتجاوز الاستهلاك المحلي وإخفاء التخبط في مواجهة المستقبل، من دون إعادة بناء كاملة للهياكل السياسية الفلسطينية والاعتراف بأن الشكل السابق القائم على فصائل أيديولوجية ممولة من الخارج قد انتهى وأن مسائل مثل الكفاح المسلح والالتحاق بالمحاور الإقليمية والقفز بين تناقضاتها، لم يعد قابلا للاستمرار. 
وفي الوضع السائل حاليا حيث التغيرات في موازين القوى أشد غموضا مما كانت عليه قبل ثلاث سنوات، على سبيل المثال، وحيث تتبدل صفوف الحلفاء والخصوم أثناء لقاءات القمم السريعة والخطابات المرتجلة، يتعين على الفلسطينيين رسم خططهم من جديد على أرض من الرمال المتحركة بعدما عزّ الحليف وتفاقمت الوحدة.

font change