اغتيال الطباطبائي والقضية الشيعية

في شخص الطباطبائي يتركز جزء مهم من المعضلة التي يعيشها اللبنانيون الشيعة

اغتيال الطباطبائي والقضية الشيعية

استمع إلى المقال دقيقة

فوجئ كثير من اللبنانيين أن اسم عائلة المسؤول العسكري في"حزب الله" أي "الطباطبائي" غير موجود في كشف أسماء العائلات اللبنانية.

التعرف على شجرة عائلة هيثم الطباطبائي وصولا إلى الجد إبراهيم الطباطبائي وهو من أحفاد الحسن بن علي بن أبي طالب، أو القول إن والد هيثم إيراني وأمه لبنانية لذلك فوجوده على رأس الجهاز العسكري الحزبي مبرر، يزيدان الأمر غموضا. فجنسية الرجل غير معروفة حيث لا تستطيع الأم اللبنانية منح جنسيتها إلى أبنائها من أب أجنبي، بحسب القانون.

بيد أن هذه من الأمور التي لا تقيم لها التنظيمات العابرة للحدود والقوميات أي اعتبار من الأصل. فالانتماء الوطني المُهمل والمنسي في الأيديولوجيات الأممية-الإسلامية، جزء من تعريف الهوية الأكبر الصادر عن الأمة والجماعة وليس معطى فرديا.

وفي شخص الطباطبائي يتركز جزء مهم من المعضلة التي يعيشها اللبنانيون الشيعة والتي بات يصح وصفها بـ"القضية الشيعية". فعندهم تتجمع العناصر التي تحول دون إحراز أية خطوة تذكر في اتجاه طي ملفات الحقبة السورية–الإيرانية السابقة وبدء مرحلة جديدة قوامها الاستقلال الوطني.

وسيان كان الطباطبائي إيرانيا أو لبنانيا، فهو جزء من حالة واسعة الانتشار في صفوف اللبنانيين الشيعة الذين يعلقون أهمية على حيازتهم السلاح كأداة للدفاع عن النفس في وجه الاعتداءات الإسرائيلية ومخططات تفريغ الجنوب اللبناني من سكانه الشيعة وإقامة منطقة عازلة تحمي إسرائيل.

غير مهم في هذا المجال خيالية أو واقعية هذه الرواية. فالطائرات الإسرائيلية تقتل يوميا عناصر من "حزب الله" ومدنيين. ويبدو أن الأمر يسير تصاعديا على ما سجله تزايد عدد الغارات الجوية على ما تقول إسرائيل إنه مخازن أسلحة لـ"الحزب"، وخصوصا بعد الغارة الإسرائيلية على مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين التي اودت بأرواح 14 شخصا واغتيال هيثم الطباطبائي في قلب ضاحية بيروت الجنوبية.

يعود هيثم الطباطبائي إلى المشهد كصلة وصل بين الشأن اللبناني وصغائره وضغائنه وبين التورط المتمادي في صراعات أكبر من قدرة هذا البلد على التحمل منذ ما يقارب الستين عاما

فكل هذه جوانب من القضية يكابد أوزارها الشيعة من دون أن يملكوا القدرة على الخروج منها محفوظي الكرامة (أي "بالترجمة" اللبنانية: من دون خسارة مكتسباتهم التي حققوها بعيد الحرب الأهلية وبعد الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب، في مؤسسات الدولة اللبنانية وإداراتها وأجهزتها، وتحولهم إلى القوة المقررة الأبرز في السياسات الداخلية والخارجية).
التصور الشيعي الذي يقدمه "الثنائي" ("حزب الله"، وحركة "أمل") للخروج من عنق الزجاجة هو الإبقاء على السلاح حيث هو وسحب الحديث عنه من التداول، وتولي السلطة الرسمية مسؤولية إعادة إعمار ما دمرته "حرب الإسناد". ويضاف إلى ذلك البحث في تعديل الحصة الشيعية في مناصب الدولة والاتجاه نحو الاستحواذ على المزيد من المواقع الحساسة.
بكلمات ثانية، صوغ الهزيمة العسكرية والأمنية الساحقة التي مني بها "حزب الله" وإفلاس سياسة حمايته من جهة والانخراط في منظومة الفساد والمصارف والاستيلاء على القطاع العام التي تمارسها حركة "أمل" منذ عقود من جهة ثانية، كانتصار سياسي يمثل درعا للطائفة الشيعية يقيها تحمل عواقب الهزيمة المُذلة التي تسببت بها "القيادة التاريخية" للثنائي الشيعي. 
إذا وضعنا جانبا الرفض العربي والدولي الصريح للتصور المذكور والتشدد في إجراءات ملاحقة "حزب الله" وحلفائه ماليا وعسكريا، من خلال المطالب التي يقدمها الموفدون الأميركيون والغربيون الذين يكررون في كل زيارة أن لا أمل للبنان باستعادة أي قدر من الاستقرار ناهيك عن الازدهار من دون تفكيك البنى العسكرية والمالية لـ"حزب الله"، فإن الإصرار على مقاربة تعطي "الثنائي" موقعا مميزا في الصيغة اللبنانية بذريعة حاجته إلى ضمانات بعدم استثمار الطوائف المنافسة في المصيبة التي وقع فيها منذ "حرب الإسناد"، يجعل من الصعوبة بمكان تصور أن تعمل آلية التوازنات اللبنانية المثقلة بالهواجس والخوف والكراهيات والمطالبة بالضمانات من أطراف الداخل والخارج. 
يعود هنا هيثم الطباطبائي إلى المشهد كصلة وصل بين الشأن اللبناني وصغائره وضغائنه وبين التورط المتمادي في صراعات أكبر من قدرة هذا البلد على التحمل منذ ما يقارب الستين عاما. والحال أن كل ما فعلته أطراف لبنانية وفلسطينية وسورية وعربية وإيرانية في لبنان بوهم دعم القضية الفلسطينية، منذ بدء تسلل الفدائيين الفلسطينيين من الحدود الجنوبية للبنان أواسط ستينات القرن الماضي، لم يعد بفائدة تذكر على لبنان ولا على الفلسطينيين، إلا إذا أردنا احتساب إنشاء شبه الدولة الفلسطينية بين 1969 و1982 كإنجاز فلسطيني. 
فالتداخل الإقليمي والمحلي المغطى بشعارات كبرى وسامية والذي قد يكون الطباطبائي أحد وجوهه لم يعد قادرا على تقديم أفكار ومشاريع للخروج من الاستعصاء الحالي. لكنه ما زال يوفر المزيد من الضحايا والدمار والقتلى.

font change