عندما أجبر الطيار الأردني معاذ الكساسبة على دخول ميدان الإعدام في الرقة قبل عشر سنوات من اليوم، مشى مثقل الخطى يرافقه أحد عناصر "داعش" إلى موته المحتم.
مر عبر 13 عنصرا من التنظيم المتطرف ببزته البرتقالية اللون مبللة بمادة قابلة للاشتعال، أطبقوا عليه قفصا معدنيا وما هي إلا دقائق حتى أضرمت النيران بجسده في الثالث من فبراير/شباط 2015 وفي مقطع مصور مدته نحو23 دقيقة.
"كنت مرعوبا... كانت هذه أول مرة أرى فيها شخصا يحترق"
تلك التفاصيل المروعة وغيرها الكثير رُويت على لسان أسامة كريم الملقب بـ"أبو عمر السويدي" خلال محاكمته في السويد، وهو أحد أبرز المشاركين في عملية إعدام الكساسبة ، ومن المرجح أن يكون كريم هو المشارك الوحيد الموجود على قيد الحياة اليوم.
مجلة "المجلة"، التي حصلت على ملف التحقيق الفرنسي-البلجيكي-السويدي كاملا، تنشر تفاصيل للمرة الأولى حول عملية الإعدام وتاريخها وأسماء وجنسيات بعض المشاركين في الحرق مزودة بالوثائق والصور والخرائط.
إضافة إلى معلومات تكشف للمرة الأولى حول إيهام "داعش" للسلطات الأردنية ومحاولة خداعها بأن الكساسبة كان على قيد الحياة حين حاولت التفاوض على صفقة تبادل للإفراج عن ثلاثة موقوفين لـ"القاعدة" في العاصمة الأردنية عمان على خلفية هجمات عام 2005 وراح ضحيتها 60 شخصا ونحو 100 جريح، من بينهم المخرج العالمي مصطفى العقاد صاحب فيلم "الرسالة".
الرحلة التي غيّرت مسار كريم
كان يوما صيفيا سويديا دافئا من أيام أغسطس/آب، حين حمل كريم حقيبة صغيرة، بداخلها بعض الأغراض الشخصية وما يقارب 190 ألف كرونة سويدية حصل عليها من قروض صغيرة وعمليات استغلال لبطاقات ائتمان. برفقة صديق استقل القطار من مدينة مالمو السويدية متجها إلى العاصمة الدنماركية كوبنهاغن، حيث كانت الطائرة إلى أنطاليا التركية بانتظارهم.
لم يكن يدري أن تلك الرحلة، التي كانت الرقة وجهتها النهائية، ستشكل نقطة التحول في حياته. كريم، الشاب العشريني المحبوب، عاشق كرة القدم، المرح والاجتماعي، بحسب أقربائه سيتحوّل لاحقا إلى أحد أخطر عناصر تنظيم "داعش"، مشاركا في ثلاث من أكثر العمليات دموية ورعبا في العالم.
ببزته الزرقاء ولحيته الطويلة وشعره المنسدل، أدار كريم ظهره للحضور أثناء جلسة المحاكمة التي تمت في إحدى محاكم استكهولم في 6 يونيو/حزيران. بدا كريم هادئا متماسكا، تارة يهمس في أذن محامي الدفاع وتارة أخرى يتصفح أوراقا في يده.
رفض الإجابة على كثير من الأسئلة مبررا ذلك بأنه أدلى بكامل اعترافاته للمحققين في السابق. ورد على سؤال واحد حول سبب انضمامه إلى تنظيم "داعش" مبررا ذلك: "بسبب الدين".