"المجلة" تنشر الرواية الكاملة لـ "أسرار حرق" الطيار الأردني معاذ الكساسبة

أول محاكمة تجري لمشتبه به في قتل الطيار الأردني

"المجلة" تنشر الرواية الكاملة لـ "أسرار حرق" الطيار الأردني معاذ الكساسبة

عندما أجبر الطيار الأردني معاذ الكساسبة على دخول ميدان الإعدام في الرقة قبل عشر سنوات من اليوم، مشى مثقل الخطى يرافقه أحد عناصر "داعش" إلى موته المحتم.

مر عبر 13 عنصرا من التنظيم المتطرف ببزته البرتقالية اللون مبللة بمادة قابلة للاشتعال، أطبقوا عليه قفصا معدنيا وما هي إلا دقائق حتى أضرمت النيران بجسده في الثالث من فبراير/شباط 2015 وفي مقطع مصور مدته نحو23 دقيقة.

"كنت مرعوبا... كانت هذه أول مرة أرى فيها شخصا يحترق"

تلك التفاصيل المروعة وغيرها الكثير رُويت على لسان أسامة كريم الملقب بـ"أبو عمر السويدي" خلال محاكمته في السويد، وهو أحد أبرز المشاركين في عملية إعدام الكساسبة ، ومن المرجح أن يكون كريم هو المشارك الوحيد الموجود على قيد الحياة اليوم.

مجلة "المجلة"، التي حصلت على ملف التحقيق الفرنسي-البلجيكي-السويدي كاملا، تنشر تفاصيل للمرة الأولى حول عملية الإعدام وتاريخها وأسماء وجنسيات بعض المشاركين في الحرق مزودة بالوثائق والصور والخرائط.

إضافة إلى معلومات تكشف للمرة الأولى حول إيهام "داعش" للسلطات الأردنية ومحاولة خداعها بأن الكساسبة كان على قيد الحياة حين حاولت التفاوض على صفقة تبادل للإفراج عن ثلاثة موقوفين لـ"القاعدة" في العاصمة الأردنية عمان على خلفية هجمات عام 2005 وراح ضحيتها 60 شخصا ونحو 100 جريح، من بينهم المخرج العالمي مصطفى العقاد صاحب فيلم "الرسالة".

الرحلة التي غيّرت مسار كريم

كان يوما صيفيا سويديا دافئا من أيام أغسطس/آب، حين حمل كريم حقيبة صغيرة، بداخلها بعض الأغراض الشخصية وما يقارب 190 ألف كرونة سويدية حصل عليها من قروض صغيرة وعمليات استغلال لبطاقات ائتمان. برفقة صديق استقل القطار من مدينة مالمو السويدية متجها إلى العاصمة الدنماركية كوبنهاغن، حيث كانت الطائرة إلى أنطاليا التركية بانتظارهم.

الطيار الأردني معاذ الكساسبة

لم يكن يدري أن تلك الرحلة، التي كانت الرقة وجهتها النهائية، ستشكل نقطة التحول في حياته. كريم، الشاب العشريني المحبوب، عاشق كرة القدم، المرح والاجتماعي، بحسب أقربائه سيتحوّل لاحقا إلى أحد أخطر عناصر تنظيم "داعش"، مشاركا في ثلاث من أكثر العمليات دموية ورعبا في العالم.

ببزته الزرقاء ولحيته الطويلة وشعره المنسدل، أدار كريم ظهره للحضور أثناء جلسة المحاكمة التي تمت في إحدى محاكم استكهولم في 6 يونيو/حزيران. بدا كريم هادئا متماسكا، تارة يهمس في أذن محامي الدفاع وتارة أخرى يتصفح أوراقا في يده.

رفض الإجابة على كثير من الأسئلة مبررا ذلك بأنه أدلى بكامل اعترافاته للمحققين في السابق. ورد على سؤال واحد حول سبب انضمامه إلى تنظيم "داعش" مبررا ذلك: "بسبب الدين".

لم يكن يدري أن تلك الرحلة، التي كانت الرقة وجهتها النهائية، ستشكل نقطة التحول في حياته

في بداية الجلسة قالت المدعية العامة رينا ديفغون: "أسامة كريّم بالتنسيق والاتفاق مع منفذين آخرين أعضاء في تنظيم (داعش)، قتل معاذ الكساسبة. في هذا الإطار حرس أسامة كريّم- الذي ارتدى بزة وحمل السلاح- الضحية واقتاده إلى القفص المعدني حيث احتجز في ما بعد. ومن ثم، أضرم أحد المنفذين النار في معاذ الكساسبة الذي كان لا يملك أي وسيلة للدفاع عن نفسه أو طلب المساعدة".

وفي 12 مارس/آذار من العام الحالي وافقت فرنسا على تسليم كريم إلى السويد لتسعة أشهر إلى حين التحقيق معه ومحاكمته، بعد اعترافه بجريمة الكساسبة، على أن يعاد إلى فرنسا لقضاء عقوبته.

وجدير بالذكر أن كريم محكوم بالسجن 30 عاما في فرنسا والمؤبد في بلجيكا، وذلك على خلفية تورطه في اعتداءات باريس وسان دوني في نوفمبر/تشرين الثاني 2015  وأسفرت عن مقتل 130 شخصا، والهجوم على المطار الرئيس ومترو بروكسل في مارس 2016، والتي أسفرت عن مقتل 32 شخصا.

وثيقة سرية بين وزارة العدل الأميركية ومكتب المخابرات السويدية

يقول كريم أثناء التحقيق: "لقد احترق لفترة طويلة قبل أن يموت، كان تماما كما رأيتم في الفيديو. كانت هناك حجارة متناثرة بفعل القصف (الجوي)، وقد استخدموا جرافة لوضع الحجارة فوقه، مما أدى إلى انهيار القفص، وكان ذلك بمثابة وسيلة لدفنه. بعد ذلك، ظل مدفونا هناك خلال شهر ديسمبر/كانون الأول، في نهايته تقريبا، ولم يتحدث أحد عن الأمر حتى نُشر الفيديو. لم يُسمح لنا بالتحدث عن ذلك قبل نشر الفيديو... كان المصورون هم من أخبرونا بعدم التحدث، قالوا: شكرا، ولا أحد يتكلم".

ويتابع المحقق بالسؤال: حسنا. بعد أن غطوا القفص بالتراب، ماذا حدث؟ ماذا حدث للزي العسكري، وماذا حصل بعد ذلك؟

يجيب كريم: "إذا كنت أتذكر جيدا، أعدت الزي العسكري ثم عدت إلى المكان الذي أتيت منه".

وحول ما إذا كان كريم يذكر مكان الجريمة أو لديه أي معلومات حول مكان وجود الجثمان، رد المتهم على سؤال المحقق بالنفي. ومن المعلوم أن الشرطة السويدية تحاول التقصي عن أي معلومات تشير إلى مكان وجود الرفات بغية استعادتها إلى عائلته في الأردن.

ويتطرق التحقيق مع كريم إلى المدة الزمنية التي استغرقتها عملية الإعدام، حيث يؤكد المتهم أن العملية، من حين دخوله إلى لحظة خروجه من المكان، استغرقت ما بين 15 إلى 20  دقيقة. ويضيف أنه كان يقف في طابق علوي في المبنى المدمر، ويقول: "لا أعلم إن كان لديكم صورة، لكنني كنت في الطابق الثاني من مبنى تم قصفه. كنت في مكان أعلى قليلا".

أما عن عدد الحاضرين إضافة إلى المجموعة الـ13، فيشير إلى وجود نحو عشرة عناصر مقنعة إضافة إلى مجموعة من سكان الرقة.

مرحلة الطفولة والمراهقة

يعود كريم (33عاما) الذي ولد وترعرع في مدينة مالمو جنوب السويد، يعود إلى عائلة لأب سوري وأم فلسطينية عاشت في لبنان. وكان يعرف، من خلال تحقيق الشرطة السويدية معه ومع أصدقائه وجيرانه، بطبعه الاجتماعي اللطيف وشخصية تتمتع بروح النكتة.

مارس رياضة كرة القدم بمهارة منذ الطفولة إلى سن المراهقة حتى إنه كان يتطلع إلى شهرة لاعب كرة القدم السويدي زلاتان إبراهيموفيتش. لم يكن كريم انطوائيا، لا بل على العكس، كان شابا اجتماعيا تربطه علاقة مودة مع أصدقائه ومحيطه.

في هذا الإطار يسأل المحقق السويدي كريم: كيف كانت طفولتك؟ هل احتفظتَ بأي أصدقاء طفولة؟ وإن وُجد، فمن هم؟

الإجابة: "كانت طفولتي طبيعية تماما، ذهبتُ إلى المدرسة، ومارستُ الرياضة، وقضيتُ وقتا مع عائلتي. كان لديّ أصدقاء في الحي، وعندما ذهبتُ إلى مدرسة خارج مالمو، تعرفتُ على سويديين أصليين، وكان لديّ أيضا زملاء كرة قدم. لا أرى أي فائدة من ذكر أسماء هؤلاء الأصدقاء".

بدأت علامات التدين تظهر على سلوك كريم وهو ما لم يُثِر قلق عائلته ورفاقه، فحسب رأيهم  كان هذا التحول أفضل من الانخراط في عصابات الإتجار في المخدرات التي تنشط كثيرا في صفوف اللاجئين من جنسيات عدة في السويد.

مارس رياضة كرة القدم بمهارة منذ الطفولة إلى سن المراهقة حتى إنه كان يتطلع إلى شهرة لاعب كرة القدم السويدي زلاتان إبراهيموفيتش

ويجيب كريم على سؤال المحققين حول سبب تحول سلوكه إلى التدين قائلا: "أؤكد ما قلتَه، لقد تغيّرتُ بين عشية وضحاها خلال شهر رمضان عندما كنتُ في التاسعة عشر أو العشرين من عمري. قبل ذلك، كنتُ أشرب الكحول وأفعل أشياء كثيرة تُخالف تعاليم الدين. قررتُ تغيير سلوكي واحترام الدين. تسألني عمّا إذا كان حدثٌ مُحدّدٌ قد تسبّب في هذا التغيير. لماذا تعتقد دائما أنه لا بد من وجود سبب لمرحلة جديدة من الحياة؟ لا تنسَ أن والديّ مسلمان ملتزمان، وقد علّمانا كيف نمارس ديننا. يمكنك التوقف عن الشرب في أي وقت، فلا توجد شروط معينة أو مناسبة خاصة للقيام بذلك".

من مالمو إلى الرقة

في ملف تحقيق الشرطة الفرنسية الذي سلمته إلى الشرطة السويدية، تبين أن كريم غادر الأراضي السويدية من العاصمة الدنماركية كوبنهاغن متوجها إلى أنطالية في 15  أغسطس 2014 وبحوزته عشرين ألف دولار أميركي.

ومن هناك توجه إلى غازي عنتاب برفقة نحو عشرة أشخاص من حاملي الجنسية السويدية، بعدها دخلوا إلى سوريا وتحديدا إلى مدينة الميادين حيث كان يقطن جد كريم لأبيه. تلقت المجموعة دورات في الشريعة إلى جانب تدريبات عسكرية خفيفة دامت شهرا كاملا.

بعد ذلك تم اختيار كريم للانضمام إلى "لواء الصديق" وهو قوة ضاربة في تنظيم "داعش". خضع كريم لتدريبات أكثر تعقيدا حيث أثبت جدارته.

كريم مع أحد عناصر التنظيم وبدا علم تنظيم "داعش" خلفهما

حسب مجريات التحقيق التي بنيت على معلومات من قبل عميل مدسوس داخل "لواء الصديق"، خضع نحو أربعين عنصرا إلى التدريب العسكري لمدة شهرين تمهيدا للانضمام الرسمي إلى اللواء الذي تأسس على يد أبو محمد العدناني في الرقة.

تعرض كريم إلى إصابة في قدمه منعته من العمل العسكري، فاتخذ التنظيم قرارا بنقله إلى مدينة الرقة عاصمة تنظيم "داعش" للقيام بأعمال لوجستية بحتة. وهناك تم اختياره من بين مجموعة تضم 13 شخصا نفذوا حكم الإعدام بالكساسبة.

تم اختيار كريم للانضمام إلى "لواء الصديق" وهو قوة ضاربة في تنظيم "داعش"

المحادثة التي أوقعته في شباك المخابرات

شاءت الصدفة أن تلعب دورها، أثناء التحقيق الفرنسي مع كريم، ليكتشف فريق التحقيق نص محادثة بين كريم وشقيقه أنس كريم عبر منصة "فيسبوك".

في 25 فبراير/شباط 2015 تحدث أسامة مع شقيقه أنس عبر"الماسنجر"، وقال له: "انشالله هل تمكنت من مشاهدة فيديوهات جديدة حيث يوجد رجل يتم شواؤه".

يجيب أنس: نعم.

يتابع كريم: "أنا أظهر في شمال الفيديو.

يضحك أنس مجيبا: "نعم نعم.. شاهدت حاجبك المشطوب".

كانت تلك المحادثة التي رصدتها تحقيقات الجانب الفرنسي الدليل الذي أكد تورط كريم في الجريمة.

فجأة اختفى كريم عن وسائل التواصل الاجتماعي التي كان ناشطا عليها لفترة طويلة، هذه المرة كي لا تكشفه رادارات أجهزة الاستخبارات العالمية.

جواز سفر سوري مزور

بعد أشهر على مشاركته في أبشع عملية إعدام موثقة هزت العالم، ابتاع جواز سفر سوريا مزورا. وفي 21 سبتمبر/أيلول  من عام 2015 ركب سيارة يقودها مهرب من الرقة إلى تركيا حيث مكث ثلاثة أيام في مدينة إزمير عند بحر إيجة.

هناك استغل أكبر عملية نزوح بشري في تاريخ الحرب السورية إلى أوروبا. واستقل مع مجموعة من النازحين زورقا مطاطيا إلى جزيرة "ليروس" اليونانية، وسجل اسمه بين لوائح اللاجئين. هناك التقى سرا بالمجموعة التي نفذت هجمات باريس وبروكسل لاحقا.

ويدعي كريم في التحقيقات السرية أن سبب مغادرته سوريا إلى تركيا ومن ثم إلى أوروبا هو أمران، الأول رؤية عائلته، والثاني الاختلاف الأيديولوجي مع تنظيم "داعش"، وتحديدا انتهاك التنظيم للدين من خلال أحكام الإعدام حسب اعترافاته.

ويقول في الإطار: "غادرتُ سوريا لأنني أردتُ رؤية عائلتي مجددا، ولأنني لم أعد أتفق مع تنظيم الدولة الإسلامية في بعض الأمور. لقد حظروا مفكرين مسلمين عظماء. هناك قواعد لا يمكن التشكيك فيها، ولكن هناك أيضا أفعال غير مقبولة. (تنظيم) الدولة الإسلامية (داعش) ليست جماعة من الملائكة. تسألني عمّا أقصده تحديدا، على سبيل المثال، أعني أنهم عذبوا الناس بسبب سوء فهم بسيط، وأنهم تصرفوا بطريقة غير مقبولة تجاه بعض الأشخاص... على أي حال، أريد أن أكون واضحا تماما بشأن نقطة واحدة، لم أسافر لتنفيذ مهمة، لقد غادرت أراضي (تنظيم) الدولة الإسلامية (داعش) فقط".

البريطاني ألكسندر قوطاي

يكشف التحقيق أسماء ثلاثة من المشاركين في عملية الإعدام، حيث تمكن مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) من الحصول على تفاصيل دقيقة حول كيفية تنفيذ حكم الإعدام بالطيار الأردني والكشف عن أسماء وجنسيات بعض المشاركين للمرة الأولى منذ تاريخ الجريمة.

ففي شهر فبراير من عام 2018 ألقي القبض على البريطاني من أصل يمني ألكسندر قوطاي الملقب بـ"أبو صالح"، على يد "قوات سوريا الديمقراطية" خلال محاولة هربه من الرقة وتم تسليمه إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI).

ومن خلال التحقيق معه اعترف للمرة الأولى بأن كريم كان عضوا في السرية الرابعة لـ"لواء الصديق"، وكان المسؤول عنها حينها قاسم أبو قار الملقب بـ"أبو يحيى الصومالي".

ورغم الأقنعة التي تغطي الوجوه، استطاع قوطاي أن يتعرف على هوية ثلاثة من المشاركين في عملية الحرق وذلك عندما عرض عليه شريط فيديو الإعدام. ويقول في السياق إن الأول هو أميركي-ليبي تعرف عليه من شكل رأسه، أما الثاني فهو اللبناني-الأسترالي سامر علم الدين والملقب بـ"أبو ليث الأسترالي". والعنصر الثالث هو "أبو يحيى الصومالي" الذي تعرف عليه من خلال لون بشرته. ويشير قوطاي من خلال التحقيق إلى أن من أضرم النار في جسد الكساسبة كان إما "أبو عمر التونسي" أو "أبو محمد العدناني".

في شهر فبراير من عام 2018 ألقي القبض على البريطاني من أصل يمني ألكسندر قوطاي الملقب بـ"أبو صالح"، على يد "قوات سوريا الديمقراطية" خلال محاولة هربه من الرقة

مخرج الإعدام وموزع الأدوار

يضيف قوطاي أن البريطاني-الكويتي محمد أمواز والملقب بـ"الجهادي جون" كان مخرج عملية الإعدام وهو من قام بتوزيع العناصر الـ13  أمام القفص وتحديد مكان كل واحد منهم.

عشية عيد الميلاد في 24 ديسمبر 2014، ألقى تنظيم "داعش" القبض على الطيار الكساسبة، بعد أن أسقطت طائرته قرب مدينة الرقة في أثناء مشاركته في ضربات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد مواقع تنظيم "داعش" في سوريا عام2014.

وتظهر الصور حينها انقضاض مجموعة من عناصر "داعش" على الطيار، حيث اقتادوه إلى الأسر والتعذيب لاحقا ثم الإعدام.

وبما أن تاريخ إعدام الكساسبة بقي رهن التقويل طوال السنوات العشرين الماضية، فإن ملف التحقيق يشير إلى احتمال تنفيذ الإعدام أواخر شهر ديسمبر من عام 2014. واستندت التحقيقات إلى أقوال ألكسندر قوطاي.

يعتقد ألكسندر قوطاي، خلال التحقيق معه، أن عملية الإعدام تمت بعد أيام معدودات من تاريخ الاعتقال، وليس في التاريخ الذي بث فيه شريط الفيديو، لاعتبار أن الكدمة التي تلقاها الكساسبة على عينه، والتي خلفت ازرقاقا تحت منطقة العين، كانت لا تزال ظاهرة بشكل واضح أثناء بث فيديو الإعدام.

وفي السياق نفسه، يؤكد المتهم كريم خلال تحقيق الشرطة السويدية معه، أن جثمان الكساسبة ظل في مكان الجريمة حتى نهاية شهر ديسمبر وهو ما يرجح فرضية أن يكون الإعدام قد تم بعد أسبوع من الاعتقال.

في مقتطفات من استجواب كريم في فرنسا، يوم 13 ديسمبر 2023، يؤكد المتهم أنه حضر عملية حرق الطيار إلا أنه لم يكن يعرف عنها أي معلومات ولم يتم اختياره للمهمة مسبقا

في مقتطفات من استجواب كريم في فرنسا، يوم 13 ديسمبر 2023، يؤكد المتهم أنه حضر عملية حرق الطيار إلا أنه لم يكن يعرف عنها أي معلومات ولم يتم اختياره للمهمة مسبقا.

ويسأل المحقق في السياق: هل يمكنك تأكيد مشاركتك في هذا الإعدام؟ أين وقع؟ لماذا وكيف تم اختيارك؟

يجيب كريم: "لستَ بحاجة لشرح كل هذه التفاصيل لي، يكفي أن تسأل؛ نعم، شهدتُ على الإعدام. وقع في الرقة. لم أُختر بل طلب مني شخص أعرفه في الرقة، وكان حاضرا أثناء الإعدام، الحضور وذهبتُ معه. ستسألني من هو. أعرف كنيته، لكنني لا أريد إخبارك".

وحول الزي العسكري الترابي اللون الذي ارتداه الحاضرون خلال عملية الإعدام، وعما إذا كان دالا على انتماء المجموعة الـ13 إلى رتبة النخبة.

أجاب كريم: حصلنا على الملابس من المسؤولين عن التصوير. أعطونا إياها قبل العملية مباشرة ثم استعادوها منا بعد ذلك.

ثم يسأل المحقق: إذا فهمنا الأمر بشكل صحيح، فهل كنتم مجرد عنصر إضافي؟

ليجيب كريم: "لا أعرف ما كان عليه حال الآخرين، لكنني كنت حاضرا فقط، هذا كل شيء".

ولفت كريم من خلال الاستجواب إلى أنه لم يكن يعلم بالحدث قبل أن يتم، ويرد على سؤال المحقق التالي: نفهم أنك لم ترغب في تحديد هوية الأشخاص الآخرين الحاضرين، ولكن ماذا كانت حالتك النفسية؟

الجواب: "عندما وصلتُ إلى هناك، لم أكن أعرف ما سيحدث. كان هناك شخص مُعتقل ومُحتجز. هناك الكثير من الكاميرات، عندها فهمت أن عملية إعدام الشخص سوف تتم وتصور أيضا. وأكد كريم في سياق التحقيق أنه لم يقم بإشعال النار في القفص".

شهادة عائلة الكساسبة في السويد

في 25 مارس الماضي توجه جودت الكساسبة، شقيق الضحية، إلى العاصمة السويدية استكهولم للإدلاء بشهادته بحضور المدعية العامة رينا ديفغون.

وفي ملف التحقيق عبر جودت عن مشاعر الصدمة والخوف لدى تلقيهم خبر إسقاط طائرة شقيقه والقبض عليه من قبل "داعش".

يقول جودت: بدأت أتخيل الطريقة التي سيُقتل بها. كنت قد تابعت ما يرتكبه التنظيم عبر التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي. دخلت إلى غرفة القيادة وشاهدت على الشاشات موقع وجوده. أشار القائد إلى منزل معين وقال إنه يُعتقد أن معاذ فيه. طلبت منه أن يقصفوا ذلك المنزل، لأنني اعتقدت أن موته بهذا الشكل أرحم من أن يُعدم بطريقة داعشية. لكنه رفض، وقال إن هذا القرار ليس محليا، بل دولي".

إلا أن والد الضحية لم يوافق ابنه الرأي بل ظن أن "داعش" سيرأف بابنه حسب تعاليم الإسلام، وتابع  شقيق الراحل:

"اتصلت بوالدي وأخبرته أنني طلبت من الجيش قصف المنزل. فانهار والدي وبدأ يصرخ: "لا، لا، هؤلاء يدّعون أنهم دولة إسلامية ولن يؤذوه. يريدون أن يظهروا بصورة جيدة أمام الدول العربية. لكن للأسف عادوا إلى طبيعتهم الوحشية وأحرقوه حيا".

عاشت العائلة أياما صعبة اختلطت فيها مشاعر الحزن والخسارة والخوف من تعرض ابنهم إلى التنكيل والتعذيب، لكنهم لم يفقدوا الأمل بعودة ابنهم حيا.

وقفة تضامنية مع الطيار الأردني معاذ الكساسبة وعائلته في عمان

يضيف جودت الكساسبة: "كان الأمر صادما، مرعبا. أنا وأخي الأكبر كنا نتابع ما يحدث في سوريا عن كثب. أما والديّ، فبسبب كبر سنّهم لم يكونا مطلعين كفاية. كنت شبه متأكد من أن معاذ سيُقتل، لكن لم أتخيل أبدا أن يُحرق حيا داخل قفص. كنت أعلم أن (داعش) يقطع الرؤوس أو يطلق النار، لكن الحرق بهذه الوحشية لم يخطر لي ببال".

إلا أن آمال العائلة بإنقاذ ابنهم من الموت المحتم تبددت في 3 فبراير 2015 عند الساعة السادسة مساء، حيث ظهر المتحدث باسم الجيش الأردني على التلفزيون الرسمي ليعلن أن عملية الإعدام وقعت في 3 يناير/كانون الثاني، لكن الفيديو نُشر رسميا في 3 فبراير، حسب أقوال جودت الكساسبة.

"داعش" وخدعة التفاوض مع الحكومة الأردنية

حاول تنظيم "داعش" أن يفاوض الحكومة الأردنية حينها للإفراج عن الكساسبة مقابل إطلاق سراح ثلاثة موقوفين في الأردن على خلفية تفجيرات وقعت في عام 2005. ومن بين هؤلاء الموقوفين: العراقية ساجدة الريشاوي المحكوم عليها بالإعدام. إلا أنه تبين لاحقا أن التنظيم كان يوهم السلطات الأردنية بأن الطيار لا يزال على قيد الحياة، لكنه في الحقيقة كان قد أعدم في ذلك الوقت.

وكانت العاصمة الأردنية عمان قد تعرضت يوم  9 نوفمبر/تشرين الثاني 2005  لسلسلة من التفجيرات المنسقة استهدفت ثلاثة فنادق رئيسة: فندق "راديسون ساس"، و"حياة عمّان"، و"ديز إن". وأسفرت الهجمات عن مقتل حوالي 60 شخصا وإصابة أكثر من 100 آخرين، معظمهم من المدنيين. وشاركت الريشاوي حينها في العملية الإرهابية مع زوجها لكنها فشلت ونجت عندما لم ينفجر حزامها الناسف. وصرحت بأن زوجها علي حسين علي الشمري، أحد أتباع الإرهابي أبو مصعب الزرقاوي، أجبرها على القيام بالعملية.

لا شك أن تفاصيل هذه الجريمة ستظل حاضرة في ذاكرة الأجيال القادمة. ومهما طال انتظار صدور حكم المحكمة السويدية، فإن كريّم سيبقى قابعا خلف القضبان محكوما بالسجن المؤبد.

font change

مقالات ذات صلة