أثر المغرب والشرق على أعمال ماتيس

نافذة زرقاء بضوء أسود

STAFF / AFP
STAFF / AFP
صورة للرسام والنحات الفرنسي هنري ماتيس التُقطت في كانون الأول/ديسمبر 1949 في نيس.

أثر المغرب والشرق على أعمال ماتيس

عرف مستهل أيام اللقاء الأول لهنري ماتيس (1954-1869) بالمغرب هيمنة الرمادي الزاحف على زرقة السماء، التي ما أن وطأت قدماه هذا البلد حتى أشبعت الأرض مطرا غزيرا. بلد ظل محملا، شأنه شأن الشرق، بصور استشراقية نمطية المنطبعة بتلفيقات الخيال التاريخي البعيد والقريب.

بطش الرمادي هذا ألزمه غرفة الفندق، التي ظل فاتحا نوافذها آملا أن يصفى الجو ويهدأ بال السماء. نوافذ ستجعله ينبه البصر والنظر تبيينا وتبيانا -رسما وتلوينا- إلى مدينة سينفتح عليها بانشراح، وتفتح له أبوابها ومقاهيها ودروبها بعيدا من أين نزعة تسير صوب إعلاء هيئات وخيالات ومتخيلات العجيب والغريب، ورصد صور جامعة بين الحقيقي والوهمي، بين التاريخي والغرائبي، بنية استشراقية تتقصد أحيانا التقليل من قيمة الآخر وتوصيفه/تصويره على أنه خارج السيرورة الحضارية الغربية المحمولة على ظهر السفن والمدافع والبنادق.

برح ماتيس الفندق بعدما نثرت الشمس أشعتها الصافية، التي جاء باحثا عنها إلى جانب السعي نحو العثور على الذات، ملآنا داخليا وبصريا بالدهشة تجاه قوة الألوان والأشكال، كأنه يكتشفها لأول مرة. لقد مدته طنجة برؤية بديلة، ستترك أثرها البليغ على تجربته، التي يمكن تقسيمها إلى ثلاثة فصول أساسية: ما قبل طنجة وأثناء الإقامة فيها (على مرحلتين) -1912/1913، وما بعدها.

لم يكن كل ذلك الاشتغال الفني ما قبل زيارته إلى المغرب ليطفئ لهيبا مشتعلا في دواخله، الناتج عن المثابرة والكد في إيجاد ملمح تصويري خاص، الذي سوف يتوج بمسارات ومنعطفات كانت الوحشية من أهمها، إلى جانب أثره البليغ على تجارب ومذاهب تشكيلية غربية طبعت القرن الماضي. لقد شكل المغرب، وطنجة خاصة، سمة فارقة وخلاصة دقيقة في اشتغاله الفني، موضوعا وتقنية وتلوينا.

الدور الكاشف

أدت طنجة الدور الكاشف والمنير لماتيس، الذي سمح له بفهم الضوء بشكل أفضل، وتعميق إدراكه لشدته، إلى جانب إعادة النظر في اللون والتلوين، وفي مفهوم المكان والفضاء التشكيلي والمفردات المكونة له، بوصفه نسيجا كليا تنصهر في صلبه كل الأغراض والشخوص، وفي مساحة تلوينية واحدة لا أثر لخط كفافي contour فيها، خط فاصل وحاد.

أدت طنجة الدور الكاشف والمنير لماتيس، الذي سمح له بفهم الضوء بشكل أفضل، وتعميق إدراكه لشدته، إلى جانب إعادة النظر في اللون والتلوين

 

بخلاف أوجين ديلاكروا الذي رأى المناظر الطبيعية المغربية الخلابة لوحات جاهزة، أقر ماتيس بصعوبة تحويل المشهد الحقيقي إلى لوحة قماشية. فقد بحث الثاني عن مغربه الخاص الخفي في تفاصيل منتزعة من كل نزعة استشراقية، بينما ظل المغرب قائما في المتخيل واللامكشوف والمتروك للاستهامات بالنسبة للأول. ويتأكد ذلك جليا في تعاطي كل منهما مع الموتيف نفسه، إذ لم ينظرا للطبيعة المغربية وأنماط الزربية (النسيج المغربي المزركش) بعين واحدة. إذ ستتحول الزربية، في لوحات ماتيس إلى أسلوب إنتاج لا بوصفها منتوجا، ينبغي إعادة تمثيله وتمثله. ينسجم العنصر النباتي مع النسيج الكلي ويتكامل مع باقي المفردات في لوحة ماتيس، مثلما تتناغم السجادة مع الأثاث والفضاء الكلي للدور.

قد تبدو في بعض لوحات ماتيس ملامح استشراقية، مثلما هي الحال في تجربته حول الجواري والمحظيات، سنوات بعد عودته إلى فرنسا، إلا أنه في مجمل تجربة هذا الفنان الحداثي قد "تم تخطي الغرابة والخلابة وتجاوزهما"، مثلما يخبرنا ريمي لابروس في مقالته "اختبار طنجة" ضم كتاب "مغرب ماتيس" (غالميار، 1999). تخط عماده عدم وجود أي قصدية أو نزعة اختزالية للآخر، أو أي نية في تصوير الغرائبي وتمثيل العجائبي غير المألوف واقعيا ولا حتى خياليا في هذه الجغرافيا الإفريقية-الأمازيغية والعربية-الإسلامية.

Fine Art Images/Heritage Images via Getty Images
لوحة "منظر من النافذة، طنجة" (الجزء الأيسر من ثلاثية مغربية)، 1912-1913، من مجموعة متحف بوشكين للفنون الجميلة في موسكو. الفنان: هنري ماتيس.

هكذا، يمكننا القول إن تأثير طنجة على فن ماتيس يتجلى من خلال التغيير في الملونة [لوحة الألوان] الخاصة به، ودمج الزخارف الشرقية والمغربية، وإحداث مقاربة جديدة للضوء والفضاء. مما يساهم بالتالي، في تطور أسلوبه الفني. إذ منذ إقامته الأولى في طنجة عام 1912، أعجب ماتيس بشدة بالأجواء الغريبة والعناصر البصرية المميزة للمدينة. ونختصر في ما يلي بعض التفاصيل الإضافية حول تأثير طنجة على فن ماتيس:

ألوان مشرقة وجريئة: ألوان المغرب النابضة بالحياة أسرت ماتيس. فقد كانت أسواق طنجة غنية بالأصباغ المضيئة والألوان الكثيفة. أثر هذا الاندهاش بالألوان والضوء بهذه المدينة على اختياراته اللونية في أعماله اللاحقة.

 الزخارف الشرقية-المغربية: دمج ماتيس الزخارف والعناصر الزخرفية المستوحاة من الشرق والمغرب في فنه بعد إقامته في طنجة. إذ وجدت الأرابيسك والزخارف الزهرية والتصميمات الهندسية المميزة للفن المغربي مكانها البارز في لوحاته

الضوء والظل: أثر ضوء المغرب الشديد والصافي أيضا على الطريقة التي تعامل بها هذا الفنان مع الضوء والظل في أعماله. حيث أصبح اللعب بالضوء والتباينات أوضح، مما ساهم في خلق جو ديناميكي وحيوي في لوحاته.

العمارة والفضاء: ألهمت الأشكال المعمارية الفريدة لطنجة ماتيس في تمثيله للفضاء. دمج الهياكل الهندسية للمباني والمدرجات المشمسة والنوافذ المفتوحة في تركيباته، مما أضاف بعدا مكانيا مميزا ومغايرا لعمله. ويتضح ذلك في أعماله التي أنجزها بعد سنوات من إقامته بطنجة -لوحة "جارية بسروال أحمر" (1925)، مثالا.

الحرية الفنية: عززت الإقامة في طنجة أيضا رغبة ماتيس في استكشاف طرق فنية جديدة واعتماد نهج أكثر حرية وتعبيرا للإبداع الفني. ساعدت تجربته الفنية في المغرب على توسيع آفاقه الفنية.

النزعة الروحانية

تركت لقاءات ماتيس مع الفن الإسلامي والعربي -وحتى الأيقونات الروسية- أثرا بليغا على رؤيته، التي اكتملت بالكشف الذي منحه إياه المغرب، بعد زيارة سابقة للجزائر والأندلس. وهو ما يتحصل من تلك النزعة الروحانية التي اهتدى إليها ماتيس وصار عبرها ينجز أعمالا تتوحد فيها المفردات البصرية ككل، منتزعا العمق لصالح التسطيح، وملغيا كل بنية تضاريسية خدمة لإحداث تكامل نسيجي متصل عبر تلك الضربات الصباغية المسطحة، التي تتخذ من المونوكرومية أو البيكرومية منبعا وجوديا لها. مما سمح له بتسطيح المساحة، والتخلي عن المنظور التقليدي لصالح مساحة ثنائية الأبعاد. وهو ما نلمس في لوحة "المقهى المغربي" أو لوحة "الريفي" أو لوحة "حميدو" أو لوحة "الزهرة واقفة" ولوحة "الزهرة على الشرفة" أو لوحات النوافذ المطلة على فضاءات المدينة أو تلك التي اهتمت بالأضرحة والأبواب المشرعة على السماء، وغيرها من الأعمال التي أنجزها بطنجة.

تركت لقاءات ماتيس مع الفن الإسلامي والعربي أثرا بليغا على رؤيته، التي اكتملت بالكشف الذي منحه إياه المغرب، بعد زيارة سابقة للجزائر والأندلس

 

في المغرب، كان ماتيس مهتما بما اكتشفه بالفعل في ميونيخ عندما زار معرضا كبيرا مخصصا للفن الإسلامي، عام 1910، وما رآه في زياراته لروسيا ولإسبانيا. فأعاد النظر في الفنون الزخرفية التي ظلت تعتبر ثانوية، باحثا عن تطوير التعقيد الزخرفي الخصب. ليستثمر، بعد سنوات قليلة، هذه الخصوبة، بفعل تدويره لموتيفات الزربية والنسيج والمنمنمات، لصالح إشباع منجزه بكل ما تفتحه من الإمكانيات الشكلية واللونية، وهو ما تكلل بتلك الأنماط النباتية المجترة والمتكررة في لوحاته الأخيرة.

Fine Art Images/Heritage Images via Getty Images
لوحة "المغربية باللون الأخضر"، 1912، من مجموعة متحف الأرميتاج في سانت بطرسبورغ. الفنان: هنري ماتيس.

سمحت له الإقامة في طنجة بنقل مشاعره إلى التصوير الصباغي على نحو مكثف بالتلوين الساعي للكشف عن "وحشية" الذات تجاه العالم، ليس بالمعنى الموحش والعنيف، بل بكل ما تتطلبه الرغبة في تبيان ما لا ندركه بالعين ومدركاتها اللونية والضوئية. قدم منزعجا بفعل أزمة نفسية دفعته إلى مساءلة نفسه باستمرار، وجد ماتيس في هذه المدينة الصفاء والثقة التي كان يفتقر إليها لإعطاء زخم جديد للوحاته وتجربة نابعة من عذوبة الضوء. كما وجد في كل مكان بطنجة مصدرا للكشف والإلهام. هناك وجد ذاته، واستثمر كل ما راكمه من نظر وما جربه من طرق تصوير متصل بالفن الإسلامي والعربي، والكشف (الإلهام) الذي يأتيه من الشرق، ليتمثل في التوفيق المبهر بين بدائع الزخرفة التي سبق أن تقاطع معها في فنون الإسلام وجمالية الذات الإنسانية، الذي تجسد في عملية محو التفاصيل وتخطيط الملامح، حيث نزح صوب تبني شخوص ذاتية لا موضوعية، شخوص منصهرة في الفضاء ومفعمة بالشحنات النفسية والعاطفية التي ظل راغبا في الكشف عنها في كل مسيره الفني، بما فيه ذلك الذي أنجزه في آخر حياته.

الإيقاع الزخرفي

منح الفن الشرقي، والمغربي على وجه التخصيص، لماتيس القوة على الإفادة من الإيقاع الزخرفي، ليس بمعناه التنميطي، لكن بوصفه التكرار الذي يسعى لتجسيد الجانب الروحي الراغب في توحيد الفضاءات الدنيوية والأخروية، وهو ما توجه ماتيس بما أقامه بكنيسة روزير Rosaire، من ديكور زخرفي لنوافذها الزجاجية. فالإيقاع قريب من النفس البشري، مملوء بالحيوية والحياة، ميال لإعادة اصطناع الطبيعة، وعلى الرغم من كونه يتكون من عناصر يمكن تحليلها على أنها متقطعة ومجترة، فإنه دائما ما يقدم نفسه لنا في الشكل الاصطناعي للاستمرارية واستدامة الحركة. إنه نمط البقاء، وإنه "تنظيم للمعنى"، أخذا بتعبير هنري ميشونيك. وهذا ما أدركه ماتيس من موتيفات السجاد والأعمال الشرقية والإسلامية، وما بدأ باستثماره فعليا في المغرب، وقبيل القدوم إليه بقليل؛ وهو ينظم ويرتب إيقاعات دلالاته وعلامته في نسيج متكامل من الألوان والمسطحات اللونية المتباينة والمتكاملة.

أعجب ماتيس باللعب على التناقضات، وإعطاء الألوان أبعادا مغايرة، وهو ما سوف يستفيد منه فنانو النزعة الوحشية، إذ وجد في الأسود طريقة للتوضيح لا للتعتيم

 

سوف تتخذ أعمال ماتيس الأخيرة، قبل وفاته، صيغ التكرار وجمالية الموتيف المعاد وموسيقى الإيقاع، وهو المعجب بإيقاعات الموسيقى وأنماطها صوتية -وحتى الرقص. فقد كرس مجموعة من أعماله الصباغية للاحتفال بهذا الفن (لوحة "الموسيقى"، 1939، نموذجا). يتأتى التكرار في منجزه بوصفه أبسط عنصر يمكنك استخدامه، أما النمط فعبارة عن مزيج من العناصر المتكررة والمعاد تدويرها. بينما يتضمن الإيقاع استخدام للفواصل أو المسافات بين العناصر لمنح المستخدم إحساسا بالديمومة والحركة. وبالتالي، منح اللوحة حياة ومتنفسا وحيوية ونشاطا. وهو ما عمل ماتيس طيلة تجربته على اختباره، دون أي منزع صوب تبني الرؤى الاستشراقية أو الغرائبية التي تقلل من قيمة كل ما لا يقع في جغرافيا الأصل. فقد استمد هذا الفنان أنماطه وإيقاعاته من الشرق ومن الطبيعة بشكل عام، الأمر الذي يبرز في أعماله التي امتلأت بموتيفات النباتات، وقد ظهرت في لوحاته المغربية، وأخرى استحوذت عليها كليا عناصر "طحلبية alguées". إذ إن الفن يعيد ابتداع الطبيعة، وبالتالي فهو خلاق للواقع، بالنسبة إليه.

Fine Art Images/Heritage Images via Getty Images
لوحة "زورا على الشرفة" (الجزء الأوسط من الثلاثية المغربية)، 1912-1913، من مجموعة متحف بوشكين للفنون الجميلة في موسكو. الفنان: هنري ماتيس.

اهتداء ماتيس لإيقاعات التكرار لم يكن من باب النمطية المملة، أو معاودة تمثيل وتجسيد المشهد عينه أو استحضار الشكل في اجترار متطابق، بل لرسم الأنماط التي يقوم بعد ذلك بتمييزها أو إعادة تأويلها، فبقدر ما تبدو متشابهة إلا أن كل واحدة منها تتمايز عن الأخرى، مثلما يقع في مستوى الطبيعة، التي أدرك مفازاتها الجمالية الفن الإسلامي والفن الشرقي قبل قرون.

لم يقتصر أثر الشرق، والمغرب، على ماتيس من حيث استثمار تيمة التكرار، التي تزود العمل بقوة الحضور، وتمنحه انتعاشة مستدامة وتجعله في صلب الطبيعة ومن نسيجها. إذ سيتخذ اللون الأسود بعد سنوات من اشتغاله على لوحة "المغاربة" (1916)، حضورا بارزا، حيث لا يتجسد هذا اللون بعده محوا وإلغاء وامتصاصا كليا للضوء، بل بوصفه انعكاسا له. فقد أعجب ماتيس باللعب على التناقضات، وإعطاء الألوان أبعادا مغايرة، وهو ما سوف يستفيد منه فنانو النزعة الوحشية، إذ وجد في الأسود طريقة للتوضيح لا للتعتيم.

الأسود المغاير

بدأ ماتيس باستعمال الأسود لتحديد الأنماط، تيمنا بالفن الفارسي والبيزنطي اللذين استعملا هذا الأسلوب، ومن ثم سوف يتخذ هذا اللون مقابل الألوان الأخرى حضورا في لوحاته لدمجه في مفرداته الزخرفية، مثلما يتبين في لوحة "السجادة الحمراء" (1906). وبعد عودته بسنوات قليلة من المغرب، سوف يمنح ماتيس للأسود تمثلا مغايرا كليا، تجسد مبدئيا في لوحة "النافذة الفرنسية" (1914)، إذ أنه اختار في هذه اللوحة التي تمثل في الأصل منظر البحر من نافذة شقته، تغطية المشهد بطبقة سميكة من اللون الأسود. لتصبح اللوحة بعد ذلك تكوينا على وشك التجريد الكلي لكل أنماط وأشكال التشخيص. ومع ذلك، فإن ما يسعى إليه ماتيس في هذه التجربة ليس اخفاء المواضيع، بل إحداث فهم جديد للضوء، مستمد من روحانية الأسود الذي اندهش أمامه، وهو يشاهد قوته في فن الأيقونات البيزنطية، والأقنعة الإفريقية.

لم يكن المغرب بالنسبة إلى هنري ماتيس، إذن، استكشافا لأرض مجهولة وغرائبية، بل كشفا ذاتيا واستكمالا لرؤية بدأت تختمر منذ سنوات

 

باختصار، يتجلى تأثير طنجة على فن ماتيس من خلال مزيج من الألوان النابضة بالحياة، والزخارف الشرقية، والتلاعب الديناميكي بالضوء، ونهج متجدد للفضاء. وقد أثرت هذه العناصر على لغة ماتيس الفنية وساهمت في تنوع أعماله. ومن المهم الإشارة إلى أن تأثير طنجة على ماتيس لا يظهر دائما بشكل فوري في كل عمل، بل يتجلى تدريجيا في أسلوبه الفني مع مرور الوقت.

Fine Art Images/Heritage Images via Getty Images
لوحة "بوابة القصبة" (الجزء الأيمن من الثلاثية المغربية)، 1912-1913، من مجموعة متحف بوشكين للفنون الجميلة في موسكو. الفنان: هنري ماتيس.

لم يكن المغرب بالنسبة إلى هنري ماتيس، إذن، استكشافا لأرض مجهولة وغرائبية، بل كشفا ذاتيا واستكمالا لرؤية بدأت تختمر منذ سنوات قبيل قدومه مدججا بدفاتره وأقمشته وملونته الموحشة. اكتشف ذاته منقادا بأنغام الإيقاع البصري المعلق على سجاد أدهشته رؤيته لأول مرة له، وظلت صورته معلقة في رفوف الحدس الجمالي، حتى انكشفت مع بزوغ ضوء الشمس بعد أيام ملآى بالرمادي الذي كاد يفاقم حالته النفسية، لكن لطنجة إيقاعها النوراني الخاص الذي أخرج ماتيس من بطش الرمادي إلى بهاء الأزرق وصفاء الأخضر الزمردي، وفتح له الرؤية على نوع جديد من الضوء المعكوس بفعل شدة الأسود الذي يحتضن كل الموتيفات المتكررة، ويمنحها بريقا وعمقا في مساحات مسطحة، وحضورا حيا في نسيج متحد.

font change