توم كروز يختم "مهمة مستحيلة" بإبهار بصري وتطويل سردي

أتفهم محاولة توديع السلسلة بعمل شمولي يؤدي تحية لكل ما مضى ويكون عبارة عن رسالة حب لهذه الأفلام، لكن هذا التوجه يناقض كل ما بني في فيلم Dead Reckoning الذي كان يوحي بأن الفيلم الأخير سوف يكون عبارة عن أحداث سريعة لا تتوقف وجرعات مفرطة من الأدرينالين. فوجئنا بالكثير من مشاهد الشرح والتلقين والتخطيط، حتى أن الساعة الأولى من الفيلم تكاد تخلو من أي حدث حقيقي، كل ذلك تمهيد كان يمكن تجنبه أو التمهيد له بمونتاج يرافقه صوت راو.

إن الأمر محبط قليلا نظرا لمعرفتنا التامة بمقدرة مكواير وتوم كروز على إنتاج ملحمة حركية سينمائية تليق بهذه السلسلة وتتوج العمل الذي بدآه قبل عشر سنوات. والطريقة المثالية لتوديع هذه السلسلة هي الاستمرار على نهج الحبكة البسيطة والتركيز التام على تقديم أفضل تجربة سينمائية ممكنة على الشاشة الكبيرة. أقول ذلك لأنه بمجرد أن بدأت عجلات الفيلم بالدوران بشكل أسرع، استطاع هذا الثنائي جذبنا بالكامل وأصبحنا أمام عمل يحبس الأنفاس ويضع المشاهدين على أعصابهم.

اعتدنا في مثل هذه الأفلام، حيث يكون الصراع في صميمه بين الخير والشر، ألا نقلق كمشاهدين أو نتوتر أو أن نشعر بأن ما على المحك مصيري وقد تكون العواقب وخيمة، لكن مما يفاجئنا في هذا الفيلم هو أن النبرة السوداوية التي اصطبغ بها منذ البدء كانت أحد الخيارات السردية الجريئة والناجحة جدا، فحينما يواجه الأبطال تحديات مصيرية وقاسية كنا نشعر بتضاؤل فرصهم بالنجاة وارتفاع احتمالية فشل مهمتهم. لا يلطف الفيلم الأفكار التي يقدمها وتبدو واقعية في ظل الأحداث الأخيرة والتطورات التي تحدث حول العالم وفي الشرق الأوسط تحديدا، خصوصا في ظل استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في تنفيذ العمليات العسكرية.

رفع سقف التحدي

ولعل أحد أهم أسباب نجاح التحول في هذه النبرة هو الأداء الحاد لتوم كروز، الذي لا يتوانى إطلاقا عن اعتناق الشخصية التي يقوم بتأدية دورها مهما كان محتوى القصة هزليا أو غير قابل للتصديق. ليس من الغريب أن استمرار هذه السلسلة حتى يومنا هذا برغم تغير ثقافة أفلام الأكشن والجواسيس بشكل عام وتبنيها ثيمات أكثر واقعية، يعود بسبب رئيس إلى حب توم كروز لهذه السلسلة وحرصه على رفع سقف التحديات لنفسه في كل فيلم من خلال تنفيذ مشهد خطر جديد يستند عليه في عملية التسويق. إنه نجم شباك التذاكر السينمائي الحقيقي الوحيد المتبقي.

المشاهد التي وضع الفيلم كامل ثقله فيها كانت ممتازة ومخلصة لروح السلسلة، أتحدث تحديدا عن مشهدَي تعلق إيثان هانت من الطائرة الذي يظهر في العرض الدعائي للفيلم، ومشهد اسكتشاف إيثان للغواصة الغارقة في أعماق المحيط لاستخراج جهاز مهم منها. المشهد الثاني تحديدا يظهر إدراكا ووعيا حقيقيا لصناع الفيلم وكأنه رسالة مبطنة مفادها أنهم حتى مع الأفكار السطحية في الحبكة، إلا أنهم يدركون تماما أهمية الرسالة الفنية التي يحملها الفيلم من خلال طريقة تصويره.

مشهد الغواصة يجسد احترافية عالية في الرعب النفسي والخوف من الأماكن المغلقة، يأخذ الفيلم كامل وقته في تصوير هذا المشهد دون أي حوارات أو أن يتنقل الفيلم بين شخصيات عدة في الوقت نفسه خوفا من الصمت الطويل نسبيا. عوضا عن ذلك، يقبل صناع الفيلم على هذا المشهد بكامل قوتهم ويغرقونه في ظلمة قاتمة تجعلنا نستشعر ولو بشكل بسيط درجة العزلة والخوف والتوتر التي تشعر بها الشخصية. لا يتخلل هذا المشهد أي قتال أو خطر "بشري" محدق، لكن شفرة الموت تقترب منه أكثر من أي وقت مضى، موت بطيء مظلم وفي أعماق عزلة المحيط.

هذه الإيجابيات التي يبرع الفيلم بتأديتها، جعلتنا أمام فرصة ضائعة، فلو ركز مكواير جهوده في هذه الناحية دون اللجوء إلى محاولة ربط أفلام السلسلة معا والمبالغة في شرح الحبكة الى درجة التلقين المستمر على مدار الفيلم، كنا سوف نودع هذه السلسلة بطريقة تليق بها. عوضا عن ذلك نحن نودعها ببعض علامات الاستفهام، فالمشاهد الضخمة التي تحبس الأنفاس هي أمر معتاد لأفلام "مهمة مستحيلة" وهي من أكبر نقاط قوتها.

استعراض بصري

سوف يبقى التساؤل الدائم، لو أن مكواير التزم خطته الأساس التي بناها في الفيلم الأول من هذه الثنائية، ووثق بذكاء مشاهديه ولم يحشر كل معلومة أو خط سير أحداث في وجوههم، واكتفى بعملية بناء الحبكة التي أجراها في Dead Reckoning، ما كنا سنشاهد فيلما أقصر وأكثر ترابطا فحسب، بل لكانت مشاهد التعلق من الطائرة واستكشاف الغواصة مجرد أمثلة نشير إليها على إبهار الفيلم البصري ضمن كوكبة من المشاهد الأخرى.

إجمالا، الفيلم الأخير من "مهمة المستحيلة"، هو استعراض بصري مبهر، لكن هذا الاستعراض الذي نشاهد توم كروز من خلاله يمارس مهنته بكل حب وإخلاص ويحيي الفن الذي يلهمه باستمرار، يتخلله العديد من الشوائب السردية التي تنغص تجربة الاستمتاع بالكامل، خصوصا حينما ينجح الفريق الإنتاجي باستقطاب نجوم محبوبين وسوف يكون من الرائع إعطاؤهم مساحة أكبر بسبب أدائهم التمثيلي، مثل هانا وادينغاهم وتراميل تيلمان، ولكن يكتفي الفيلم بمجرد حضور بسيط لكل منهم يتركنا راغبين في المزيد.