صرحت رئيسة وزراء الدنمارك، ميْته فريدريكسن، عندما تولت بلادها الرئاسة الدورية لـ"مجلس الاتحاد الأوروبي" في الأول من يوليو/تموز، بأن الاتحاد الأوروبي يواجه أكبر التحديات الدولية، التي شهدها العالم منذ أربعينات القرن الماضي، وهي المنافسة الجيوسياسية والاقتصادية، مع تصاعد مستويات الصراع، ولن تكون هذه القضايا هي كل ما ينبغي على "الاتحاد" أن يتعامل معها.
وقد أثار الرئيس الأميركي دونالد ترمب في وقت سابق من هذا العام، قلق أوروبا عندما أعلن على الملأ أنه لا يستبعد إمكانية اللجوء إلى القوة العسكرية أو الإكراه الاقتصادي، للاستيلاء على غرينلاند، الإقليم شبه المستقل الذي يشكل جزءا من مملكة الدنمارك "حفاظا على الأمن القومي والأمن الدولي".
وقال ترمب: "أعتقد أننا سنحصل عليها، لا أعرف فعلا أي حق للدنمارك فيها، غير أن منعهم لنا من الحصول عليها سيكون عملا غير ودي على الإطلاق، لأننا نفعل ذلك من أجل حماية العالم الحر".
وإلى اليوم، لم يقنع هذا الطرح سكان غرينلاند البالغ عددهم 56 ألف نسمة، إذ تعارض غالبيتهم العظمى الانضمام إلى الولايات المتحدة، حسب استطلاعات الرأي، وقد أسفرت الانتخابات الأخيرة عن حكومة ائتلافية من أربعة أحزاب، للدفاع عن حق تقرير المصير.
يعد مكتب الميزانية في البيت الأبيض حاليا تقييما لتكلفة إدارة غرينلاند، وللإيرادات التي يمكن جنيها من مواردها الطبيعية. ومن بين الخيارات المطروحة تقديم دعم لغرينلاند يفوق ما تقدمه الدنمارك حاليا، بـ500 مليون جنيه إسترليني تقريبا سنويا، بينما تطلق الدنمارك خطة جديدة بقيمة 14.6 مليار كرونة (1.95 مليار يورو) لتعزيز وجودها العسكري في منطقتي القطب الشمالي وشمال الأطلسي.
فريدريكسن التي تولت رئاسة الوزراء في عام 2019، هي ثاني امرأة، وأصغر شخصية تتولى هذا المنصب في تاريخ البلاد، تقود إحدى أصغر دول أوروبا، لكنها من بين أغناها، وتشمل أراضيها إقليم غرينلاند الذي يتمتع بالحكم الذاتي، ومنذ أن أصبحت غرينلاند عرضة لتهديدات ترمب المتكررة، تركزت الأنظار على رد فعل الدنماركيين، وعلى ما إذا كانت فريدريكسن ستدافع عن بلادها بحزم.
في الأسبوع الماضي قال لارس لوك راسموسن، وزير الخارجية الدنماركي، إن تهديد ترمب التوسعي لجزيرة غرينلاند "لم ينته" بعد، مع أن التدخل العسكري لا يزال احتمالا بعيدا، وأكد عرضه بتعميق التعاون مع واشنطن، لتعزيز الأمن في هذه الجزيرة ذات الأهمية الاستراتيجية جدا.
وجاء تحذيره تزامنا مع تولي الدنمارك رئاسة "مجلس الاتحاد الأوروبي"، وتزايد دورها في سياسات التكتل. وقال راسموسن خلال مؤتمر صحافي في مدينة آرهوس: "نحن لا نرى أن الضم العسكري أمر وارد على الإطلاق، ومع ذلك، لا نعتبر هذه القضية محسومة".
وأضاف: "لقد أعدت مرارا أن علينا أن نأخذ تصريحات ترمب على محمل الجد، لكن ليس بالضرورة حرفيا، ومع الوقت، وجدت أن المسافة بين الجد والحرفي تتقلص بشكل مقلق، مقارنة بفترته الأولى، لذا نحن نتعامل مع الأمر بجدية بالغة".
ولم تخيب فريدريكسن الآمال، إذ نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي منشورا باللغة الإنجليزية خاطبت فيه الشعب الأميركي مباشرة، وكتبت على صفحتها في "فيسبوك" في أبريل/نيسان: "عندما نتلقى ضغوطا وتهديدات من أقرب حلفائنا، فإننا لا نستسلم".
وقد ازدادت صراحة فريدريكسن حدة في الأشهر التي تلت ذلك، وصرحت لمجلة "فوغ" البريطانية في أحدث عدد لها، قائلة: "اعتقدت منذ بداية هذا الجدال، أن الرئيس ترمب جاد، إنهم يريدون غرينلاند، لكننا نحن أيضا جادون ولن نتنازل".