كريستين لاغارد... المرأة الحديدية في الاقتصاد الدولي

تواجه أزمات النقد والتضخم والتجارة في أوروبا وتدعو لاعتماد اليورو بدل الدولار في العالم

أ.ف.ب.
أ.ف.ب.
رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد، في قمة الرياضة من أجل التنمية المستدامة، في باريس، 25 يوليو 2024

كريستين لاغارد... المرأة الحديدية في الاقتصاد الدولي

تقف كريستين لاغارد، بصفتها رئيسة البنك المركزي الأوروبي، في الصفوف الأمامية عند الحديث عن الاقتصاد الأوروبي، مع زميلتها القائدة المخضرمة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين. وفي الحرب التجارية المشتعلة مع الولايات المتحدة الأميركية، كانت لها مجموعة من ردود الفعل على التعريفات الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب على دول العالم، وفي مقدمها دول الإتحاد الأوروبي. تعكس ردود أفعال لاغارد مزيجا من الحذر والبراغماتية والدعوة إلى اتخاذ إجراءات استراتيجية من جانب أوروبا، وكانت نبهت باكرا وباستمرار الى ضرورة الاستعداد للعواقب الاقتصادية لسياسات ترمب الجمركية.

فرض الرئيس ترمب رسوما جمركية على معظم الواردات، وهدّد بأن أوروبا ستدفع ثمنا باهظا جراء الفائض التجاري الكبير الذي استمر لعقود بين الجانبين، ودارت في الأشهر الأخيرة مشادات أوروبية-أميركية، قبل أن تهدأ أخيرا باتفاق الطرفين على هدنة تجارية، تتم فيها مراجعة الاتفاقيات التجارية.

وأعلن الاتحاد الأوروبي موافقته على تسريع المفاوضات التجارية مع الولايات المتحدة، في أعقاب إعلان الرئيس ترمب تمديد مهلة فرض الرسوم الجمركية الإضافية حتى 9 يوليو/تموز المقبل، وذلك في مؤشر الى "مقاربة أكثر ودية" بعد أيام قليلة من اتهام الرئيس الأميركي الاتحاد الاوروبي، باستغلال الولايات المتحدة والتباطؤ في المحادثات.

وفي موقف لافت، دعت لاغارد أخيرا الى طرح اليورو كبديل من الدولار على مستوى العالم، وقالت في خطاب في "كلية هرتي" في برلين: "إن الاقتصاد العالمي ازدهر على أساس من الانفتاح والتعددية دعمته الزعامة الأميركية".

التعاون المتعدد الأطراف يُستبدل بصراعات ثنائية. تحل الحمائية مكان الانفتاح، كما أن الدور المهيمن للدولار الأميركي يهدد بتفكك النظام الاقتصادي العالمي مما يعرّض أوروبا للأخطار

كريستين لاغارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي

وتابعت: "إن دعم واشنطن لنظام دولي قائم على القواعد والدولار كعملة احتياط مهّد الطريق لازدهار التجارة والنمو المالي، وإن استمرار هذا النظام الاقتصادي بقيادة الولايات المتحدة على مدى السنوات الثمانين الماضية "أثبت بأنه مفيد بشكل هائل بالنسبة للاتحاد الأوروبي.. لكنه اليوم يتصدع"، في إشارة واضحة إلى التوتر في التجارة العالمية على خلفية تهديد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية واسعة على شركاء رئيسيين.

وأكدت لاغارد أن "التعاون المتعدد الأطراف يُستبدل بصراعات ثنائية. تحل الحمائية مكان الانفتاح". واعتبرت أن الاضطرابات الأخيرة تهدد "الدور المهيمن للدولار الأميركي"، مشيرة إلى أن تفكك النظام الاقتصادي العالمي "يعرّض أوروبا للأخطار".

وبينما لفتت إلى أن "أي تغير في النظام الدولي يؤدي إلى تراجع في التجارة العالمية أو التشرذم إلى تكتلات اقتصادية، يضر باقتصادنا"، أكدت أن من شأن تراجع الدولار أن "يفتح الباب لليورو للعب دور دولي أكبر".

أ.ف.ب.
رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد، في اجتماع محافظي البنوك المركزي الأوروبية، فرانكفورت، 6 يونيو 2024

وأوضحت أن "زيادة الدور الدولي لليورو يمكن أن يخفف تكلفة الاستدانة بالنسبة الى بلدان الاتحاد الأوروبي ويحمي التكتل من التذبذبات في أسعار الصرف ويسمح لأوروبا بالتحكم بمصيرها بشكل أفضل. ومن أجل تحقيق ذلك، سيحتاج الاتحاد الأوروبي إلى التزام ثابت حيال التجارة المفتوحة" وتعزيز موقفه بإمكانات أمنية كافية،  كذلك، يتعين عليه تقوية اقتصاده والدفاع عن سيادة القانون، وذلك ليس ميّة ستُمنح لنا بسهولة، بل علينا أن نحصل عليها بجدارة".

وكان الرئيس ترمب أكد خلال حملته الانتخابية الرئاسية أنه يتعين على الاتحاد الأوروبي تعويض "العجز الهائل مع الولايات المتحدة من خلال شراء كميات كبيرة من النفط والغاز منا أو مواجهة قدر أكبر التعريفات الجمركية".

أوروبا تحتاج الى إزالة الحواجز التجارية الداخلية وتعزيز سوقها الموحدة لمواجهة الضغوط الخارجية، وهي النقطة التي كررتها باعتبارها استجابة استباقية لتحولات السياسة التجارية الأميركية

كريستين لاغارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي

وجاءت خطوة ترمب في وقت أدت الحرب في أوكرانيا إلى عواقب اقتصادية جسيمة وارتفاع حاد في أسعار الطاقة والمواد الخام، ونتيجة لتلك العوامل، وجدت شركات أوروبية نفسها على حافة الإفلاس، ولا سيما في ألمانيا التي كانت الأكثر تضررا. ووفقا لمكتب إحصاءات الاتحاد الأوروبي، "يوروستات"، ارتفع عدد الشركات التي قدمت طلبات إفلاس في الربع الثاني من 2024 بنسبة 8,4 في المئة مقارنة بالربع الأول، ليصل إلى أعلى مستوياته منذ عام 2015، بما ينجم عنه من آثار اقتصادية واجتماعية خطرة، منها زيادة معدلات البطالة نتيجة فقدان الوظائف، وارتفاع الديون الحكومية.

وقد تعرضت قطاعات عدة لأضرار جسيمة نتيجة الأزمات الاقتصادية المتتالية، وفي مقدمها قطاع الطاقة الذي شهد ارتفاعا كبيرا في أسعار الغاز والنفط، وقطاع صناعة السيارات الذي يعتمد كثيرا على المعادن مثل النيكل والألمنيوم، التي ارتفعت أسعارها على نحو ملحوظ أيضا. كما تعرضت صناعة الأغذية لضربة قوية نتيجة نقص الحبوب والزيوت النباتية.

لاغارد والحرب التجارية: على أوروبا أن تكون مستعدة

بعد وقت قصير من فوز ترمب في الانتخابات، حثّت لاغارد في مقابلة مع صحيفة "فاينانشال تايمز" القادة الأوروبيين على "عدم الانتقام، بل التفاوض" مع ترمب، بحجة أن الحرب التجارية الشاملة ستكون ضارة لجميع الأطراف، مما يؤدي إلى "انخفاض عالمي في الناتج المحلي الإجمالي". ودعت إلى التعاون، واقترحت أن تزيد أوروبا مشترياتها من المنتجات المصنوعة في الولايات المتحدة لتخفيف التوترات، مع استخدام تهديد التعريفات الجمركية الانتقامية كـ"جرس إنذار". وفي منتدى دافوس الأخير، سلطت لاغارد الضوء على الحاجة إلى قيام أوروبا بإزالة الحواجز التجارية الداخلية وتعزيز سوقها الموحدة لمواجهة الضغوط الخارجية، وهي النقطة التي كررتها باعتبارها استجابة استباقية لتحولات السياسة التجارية الأميركية.

المجلة

وحذرت باكرا من أن تعريفات ترمب قد تضر بالاقتصادات التي تفرض عليها، مما يؤدي إلى خفض الصادرات إلى الولايات المتحدة، ويمكن أن تؤدي هذه السياسات إلى تضخم أعلى في الاقتصاد الأميركي نفسه. وأضافت أن ارتفاع تكاليف الاستيراد يؤثر في النهاية على المستهلكين الأميركيين، الذين سيضطرون إلى تحمل الأسعار، وذلك سيغذي التضخم ويعطل التجارة العالمية. ويذكر أن وجهة نظرها تلك لطالما تمسكت بها حتى خلال فترة ولاية ترمب الأولى عندما كانت مديرة لصندوق النقد الدولي.

التداعيات على اقتصاد اليورو

في حديثها الى مشرعي الاتحاد الأوروبي في بروكسل في مارس/آذار المنصرم، أوضحت لاغارد أن الرسوم الجمركية الأميركية على الواردات من أوروبا ستؤدي إلى تقليص نمو منطقة اليورو بنحو 0,3 نقطة مئوية في السنة الأولى. وتوقعت على المدى القريب أن تؤدي الإجراءات الانتقامية من الاتحاد الأوروبي وضعف سعر صرف اليورو الناتج من تراجع الطلب الأميركي على المنتجات الأوروبية، إلى رفع التضخم بنحو نصف نقطة مئوية.

تميزت المسيرة المهنية لكريستين لاغارد، بالعديد من الإنجازات: فهي أول سيدة ترأس شركة محاماة دولية كبرى، وأول سيدة تشغل منصب وزيرة المالية والاقتصاد في فرنسا، وأول سيدة تترأس صندوق النقد الدولي، وأول سيدة تترأس البنك المركزي الأوروبي

تعتبر لاغارد أن الحل المحتمل لأي حرب تجارية قد يكون في تعزيز التكامل التجاري مع دول أخرى، مما قد يعوض الأثر السلبي للتدابير الأميركية. ووفقا لما قالته "يشير تحليل البنك المركزي الأوروبي إلى أن التكامل الوثيق مع بقية العالم قد يعوّض الخسائر الناجمة عن الرسوم الجمركية الأحادية، بما في ذلك الاجراءات الانتقامية". وفي هذا السياق، ستكون الدول التي تتبع سياسات انعزالية هي الخاسرة فقط.

بداية مسيرة استقلال أوروبا

من اللافت أن لاغارد ترى أن احتمال تطبيق الرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة يمثل بداية مسيرة نحو استقلال أوروبا. وعلقت في مقابلة مع إذاعة "فرانس إنتر" على سياسة ترمب: "يطلق عليه الرئيس الأميركي دونالد ترمب 'يوم التحرير'، أراه لحظة يجب أن نقرر فيها معا أن نمسك بمصيرنا بأيدينا".

إقرأ أيضا: اليورو يصمد ربع قرن وسط العواصف المستمرة

بشكل عام، تمزج ردود أفعال لاغارد تجاه الحرب التجارية، بين الدعوة إلى الاستعداد والدفع نحو التفاوض بدلا من المواجهة. فهي ترى أن تعريفات ترمب الجمركية تشكل تحديا مزدوجا: خطر على النمو العالمي وفرصة لأوروبا لإعادة التفكير في استراتيجيتها الاقتصادية. ولا يتعلق موقفها بالنقد المباشر لترمب بل بوضع أوروبا في موقف يسمح لها بتجاوز العاصفة مع تجنب التصعيد المتبادل.

المرأة الحديدية في مواجهة التحديات... من هي؟

تميزت المسيرة المهنية لكريستين كرئيسة للبنك المركزي الأوروبي، بالعديد من الإنجازات: فهي أول سيدة ترأس شركة محاماة دولية كبرى، وأول سيدة تشغل منصب وزيرة المالية والاقتصاد في فرنسا، وأول سيدة تشغل هذا المنصب في أي دولة من دول مجموعة السبع، وأول سيدة تترأس صندوق النقد الدولي، وأول سيدة تترأس البنك المركزي الأوروبي.

وقد أدرج اسمها ضمن "قائمة فوربس لأكثر النساء تأثيرا في العالم" من العام 2011 إلى العام 2023 على التوالي.

انضمت لاغارد إلى صفوف الحكومة الفرنسية في يونيو 2005 حين تقلدت منصب وزيرة التجارة الخارجية فشجعت الاستثمار الأجنبي في فرنسا وفتحت أسواقا جديدة للمنتجات الفرنسية

ولدت كريستين لاغارد في باريس عام 1956. كان والدها أستاذا جامعيا للغة الإنكليزية، كما عملت والدتها مدرّسة. أتمت دراستها الثانوية في مدينة لو هافر الفرنسية. تخرجت عام 1980 في كلية الحقوق في جامعة باريس العاشرة وحصلت على ماجستير في القانون التجاري، وديبلوم الدراسات العليا في قانون العمل. ثم تقدمت مرتين للخدمة المدنية في فرنسا لكن رفضت، فقررت دراسة الماجستير في الاقتصاد والعلوم المالية من معهد العلوم السياسية في مدينة إكس أون بروفانس الفرنسية وحصلت عليها عام 1977، كما حصلت في العام نفسه على ماجستير في الأدب الأميركي من كلية أفينيون للفنون في فرنسا.

.أ.ف.ب
رئيسة البنك المركزي كرستين لاغارد، خلال تسلمها الدكتوراه الفخرية الاقتصادية من كلية لندن للاقتصاد، 15 يونيو 2022

ونالت لاغارد دكتوراه فخرية من جامعة مونتريال في كندا، كما حصلت على الزمالة الفخرية من كلية "روبنسون- كامبريدج" في المملكة المتحدة. تتحدث لاغارد الفرنسية والإنكليزية والإسبانية. وهي سباحة متزامنة ماهرة، وعضوة سابقة في المنتخب الوطني الفرنسي للسباحة التوقيعية، منذ سن المراهقة.

حاصلة على وسام "جوقة الشرف" الفرنسي ومجموعة واسعة من الأوسمة الرفيعة من دول مختلفة، في الشرق الأوسط وأفريقيا، ومنحتها حكومة فرنسا عام 2021 "وسام الاستحقاق الوطني" برتبة كومندور.

من نقابة المحامين الى الحكومة

عملت لاغارد بين 1980 و1982 بصفة محاضِرة في قانون العقود في كلية الحقوق في جامعة باريس العاشرة. وبعد التحاقها بنقابة المحامين الفرنسية، انضمت عام 1981 إلى شركة المحاماة الدولية "بيكر آند ماكينزي" وأصبحت شريكة عام 1987، حيث تخصصت بشكل أساسي في القضايا التجارية وعمليات الدمج والاستحواذ ومكافحة الاحتكار وقانون العمل والتحكيم للعملاء من الشركات الدولية. وفي عام 1995 أصبحت عضوة في اللجنة التنفيذية للشركة (مكتب باريس، فرنسا)، وفي 1999 أصبحت رئيسة للجنة التنفيذية العالمية للشركة (مكتب شيكاغو، الولايات المتحدة)، وأعيد انتخابها في عام 2002. وقد روجت لنهج "العميل أولا" حيث يتوقع المحامون احتياجات العميل بدلا من الاستجابة فقط للمواقف الطارئة. ونتيجة لهذا، ارتفعت الأرباح في الشركة بقوة.

انضمت لاغارد إلى صفوف الحكومة الفرنسية في يونيو/حزيران 2005 حين تقلدت منصب وزيرة التجارة الخارجية فشجعت الاستثمار الأجنبي في فرنسا وفتحت أسواقا جديدة للمنتجات الفرنسية، وخاصة في قطاع التكنولوجيا، ومساعدة المصدرين من خلال آلية الحد الأقصى للتصدير، التي أطلقتها في سبتمبر/أيلول 2005. ثم شغلت عام 2007 منصب وزيرة الزراعة والثروة السمكية لفترة وجيزة، وأصبحت في يونيو/حزيران 2007 أول سيدة تتولى وزارة المالية والاقتصاد في واحدة من دول مجموعة السبع. وعلى النقيض من أسلافها، كانت لاغارد تتبنى وجهة نظر مثيرة للجدال مفادها أن أسبوع العمل الذي يبلغ 35 ساعة في البلاد كان رمزا للكسل. ودعت إلى أخلاقيات عمل أقوى، وهو الشعور الذي عكسته مجتمعات الأعمال الفرنسية.

عُرف عن لاغارد إجادتها صناعة السياسات واتخاذ القرار، كما أنها مفاوضة شرسة في كل الملفات الاقتصادية والسياسية، ودافعت مرارا عن ميزات التجارة الحرة في دعم النمو الاقتصادي العالمي، وسياسات تمكين المرأة

وفي الفترة من يوليو/تموز إلى ديسمبر/كانون الأول 2008، تبوأت منصب رئيسة مجلس الشؤون الاقتصادية والمالية التابع للاتحاد الأوروبي "إيكوفان" (ECOFIN) الذي يضم وزراء الاقتصاد والمالية في الاتحاد الأوروبي، وساهمت في دعم السياسات الدولية المتعلقة بالرقابة والتنظيم الماليين وتعزيز الحوكمة الاقتصادية العالمية. وعندما أصبحت فرنسا رئيسة لمجموعة الدول العشرين عام 2011، كانت لاغارد تقود وزراء مالية تلك الدول، وأطلقت برنامج عمل واسع النطاق لإصلاح النظام النقدي الدولي.

أدينت بتهمة "الإهمال" في قضية برنار تابي

في وقت لاحق في ديسمبر/كانون الأول من عام 2016، أصدر القضاء الفرنسي حكما دان فيه كريسيتن لاغارد بتهمة "الإهمال"، ومع ذلك، لم تُفرض عليها أي عقوبة. وتمت محاكمة وزيرة الاقتصاد السابقة بسبب دورها في قرار تحكيمي صدر عام 2008، كان في صالح رجل الأعمال الفرنسي برنار تابي، حصل بموجبه على 404 ملايين يورو من أموال الدولة، إثر خلاف بينه وبين مصرف "كريدي ليونيه" الذي كانت تملكه الدولة سابقا، ولا سيما أنها فشلت في استئناف قرار التحكيم. وأكدت لاغارد على الدوام أنها تصرفت دائما بحسن نية في القضية، وقد حظيت بدعم صندوق النقد الدولي الذي أعرب عن ثقته بها. وفي مايو/أيار 2017، أمرت محكمة النقض في فرنسا تابي بإرجاع الأموال، في حكم نهائي غير قابل للاستئناف.

أول سيدة مديرة لصندوق النقد الدولي

في 5 يوليو/تموز 2011، أصبحت كريستين لاغارد المديرة العامة الحادية عشرة لصندوق النقد الدولي في واشنطن خلفا لدومينيك شتراوس، وأول سيدة تتولى هذا المنصب. وفي 19 فبراير/شباط 2016، اختارها المجلس التنفيذي للصندوق لشغل منصب المديرة العامة لفترة ولاية ثانية مدتها خمس سنوات تبدأ في 5 يوليو/تموز 2016.

IMF/ Majalla

عُرف عن لاغارد إجادتها صناعة السياسات واتخاذ القرار، كما أنها مفاوضة شرسة في كل الملفات الاقتصادية والسياسية، ودافعت مرارا عن مزايا التجارة الحرة في دعم النمو الاقتصادي العالمي، كما أكدت دفاعها عن الطبقات الفقيرة والمتوسطة، وسياسات تمكين المرأة.

البنك المركزي الأوروبي لا يمتلك عصا سحرية، وأنا لست ساحرة، لكنه سيكون موجودا في الوقت المناسب للإنقاذ

كريستين لاغارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي

انخرطت في العديد من برامج الإقراض لعدد من الدول الناشئة كالأرجنتين ومصر وأوكرانيا، كما خاضت العديد من المعارك أثناء أزمة الديون في منطقة اليورو، لا سيما أزمة الديون اليونانية، ورأت أنه لا يمكن حلها إلا من خلال تخفيف أعباء الديون بشكل هادف، وهو موقف غير شعبي لدى البعض. كما أكدت الحاجة لإبقاء حجم قوة صندوق النقد في التمويل والإقراض عند تريليون دولار من أجل التعامل مع الأزمات المستقبلية.

على رأس البنك المركزي الأوروبي

في 2 يوليو/تموز 2019، رشح المجلس الأوروبي كريستين لاغارد لخلافة ماريو دراجي كرئيسة للبنك المركزي الأوروبي اعتبارا من 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، لمدة 8 سنوات لا يمكن تمديدها. وفي 17 سبتمبر/أيلول 2019، صوت البرلمان الأوروبي عبر الاقتراع السري على التوصية بها لهذا المنصب، بغالبية 394 صوتا في مقابل 206 أصوات معارضة و49 امتناعا عن التصويت. واستقالت من منصب مديرة صندوق النقد في الثاني عشر من سبتمبر/أيلول 2019، لتتفرغ لمنصبها الجديد.

تولت لاغارد المسؤولية في الوقت الذي كانت تواجه فيه تحديات عديدة، وسط تباطؤ في نمو منطقة اليورو، وشبح الركود الذي يحيط بالكتلة الموحدة، وتضخم دون المستهدف، ومعدلات بطالة لا تزال مرتفعة في بعض الدول، وبرنامج تيسير كمي أعلنه البنك بشراء أصول قيمتها عشرون مليار يورو شهريا، فضلاً عن إقرار فائدة سالبة. كذلك كان الصراع دائرا بين الصقور والحمائم في السياسة النقدية، فبعضٌ يريد المزيد من التيسير الكمي وخفض الفائدة، وبعضٌ آخر يريد التشدد في السياسة النقدية.

وإذ تؤمن أن البنك المركزي يجب أن يقوم بواجباته على أكمل وجه، تقول: "البنك المركزي الأوروبي لا يمتلك عصا سحرية، وأنا لست ساحرة، لكنه سيكون موجودا في الوقت المناسب للإنقاذ".

يبلغ راتب كريستين لاغارد 427,560 يورو سنويا. وهو راتبها الأساس، تضاف إليه سلسلة من البدلات. ومن باب المقارنة، يتقاضى رئيس بنك الاحتياطي الفيديرالي الأميركي 226 ألف دولار سنويا، ويتقاضى رئيس البنك المركزي الألماني 481 ألف يورو.

توجيه مسار التمويل العالمي عبر صندوق النقد

قبل دخول لاغارد عالم النقد والتمويل العالمي، شغلت منصب وزيرة الاقتصاد والمالية والصناعة في فرنسا، حيث لعبت دورا فاعلا في توجيه البلاد خلال الأزمة المالية عام 2008.

وهي تبرز كواحدة من أكثر الشخصيات تأثيرا في التمويل العالمي، وتميزت فترة عملها في صندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي بأدوار رفيعة المستوى ومؤثرة لتحقيق الاستقرار في الأسواق العالمية، وتعزيز النمو المستدام، والدعوة إلى المساواة بين الجنسين في القطاع المالي. وكانت قيادة لاغارد لصندوق النقد الدولي فترة مليئة بالتحديات والتحولات الكبيرة للاقتصاد العالمي.

على الرغم من أن لاغارد ليست خبيرة اقتصادية، بل محامية، حققت إنجازات تاريخية. وأصبحت أول وزيرة مالية في دولة ضمن مجموعة الدول السبع الكبرى، ووجهت كلا من صندوق النقد الدولي والبنك الأوروبي خلال الأزمات المالية العالمية

فقد تولت القيادة في أعقاب الأزمة المالية العالمية، في وقت كان الاقتصاد العالمي لا يزال يتعافى من الانكماش الاقتصادي الحاد. وخلال فترة عملها، ركزت على تعزيز النظام المالي العالمي، والدعوة إلى المسؤولية المالية، والضغط من أجل الإصلاحات لجعل الاقتصادات أكثر مرونة.

شخصية رئيسة في الاقتصاد العالمي

تميزت فترة ولايتها كرئيسة للبنك المركزي الأوروبي، بمرور منطقة اليورو عبر عدد لا يحصى من التحديات، بما في ذلك التداعيات الاقتصادية لجائحة "كوفيد-19". وتحت قيادتها، نفذ البنك المركزي تدابير غير مسبوقة في السياسة النقدية تهدف إلى دعم اقتصادات الدول الأعضاء، وضمان السيولة، وتعزيز الظروف اللازمة للتعافي الاقتصادي.

.أ.ف.ب

وهي من دعاة تعزيز التكامل الاقتصادي في أوروبا خصوصا مع تصاعد التوترات التجارية العالمية والفجوة التكنولوجية المتزايدة مع الولايات المتحدة. وضرورة "دمج أسواق رأس المال الأوروبية".

وقد تميزت لاغارد بدفاعها عن المساواة بين الجنسين، والتنوع في مكان العمل والإصلاح الاقتصادي ومبادرات تغير المناخ.

على الرغم من أن كريستين لاغارد ليست خبيرة اقتصادية، بل محامية، حققت إنجازات تاريخية. وعلى الرغم من افتقارها إلى الخبرة الحكومية في الاقتصاد، فقد أصبحت أول وزيرة مالية في دولة ضمن مجموعة الدول السبع الكبرى، ووجهت كلا من صندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي خلال الأزمات المالية العالمية الكبيرة، وهي الآن تتمتع بخبرة عميقة في المسائل الاقتصادية بسبب الأدوار التي لعبتها في كليهما. وفي حين لم تخلُ حياتها المهنية من الجدال، فإن لاغارد شخصية رئيسة في القطاع المالي والمصرفي والاقتصاد العالمي.

font change

مقالات ذات صلة