خلال السنوات القليلة الماضية، شهدت صناعة الكوميديا في لبنان تغيرا واضحا عما اعتاد عليه الجمهور من كوميديا خفيفة سطحية تقوم غالبا على التقليد أو النقد الخفيف والتلميحات الجنسية أو الأفكار التقليدية عن الزوجة والمرأة، في البرامج التلفزيونية السياسية الساخرة التي اشتهرت منذ تسعينات القرن الماضي على القنوات التلفزيونية اللبنانية، قبل أن تختفي قبل سنوات.
ظهر الـ"ستاند آب كوميدي"، وجيل جديد من الكوميديين متأثرا بالكوميديا الغربية، الأميركية خاصة، من حيث السقف العالي، والنقد اللاذع، والكوميديا السوداء، وهو فن يعد جديدا نوعا ما على المجتمع اللبناني والعربي، لذلك، شهد انتشارا واسعا، مع فرصة لتطوير مواهب عديدة لم تكن لتأخذ فرصتها عبر التلفزيون الذي يحتاج إلى شبكة علاقات واسعة لدخوله، وعزز هذا الانتشار في لبنان وجود شركة Awkwordcomedy التي تأسست قبل سبع سنوات وكانت الجزء الأهم والأبرز في صعود موجة الـ"ستاند آب كوميدي"، لا بل أثرت على العالم العربي أيضا، حيث تستضيف الشركة في بيروت كوميديين من سوريا وفلسطين والأردن وغيرها، وكانت منصات التواصل الاجتماعي المكان الأمثل للترويج لهذا الفن الجديد.
ثورة 17 أكتوبر محطة أساسية
في 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، بدأ الانهيار المالي والاقتصادي في لبنان، ومعه بدأت موجة تظاهرات عمت جميع أنحاء البلاد، وكانت هذه محطة أساسية كمادة لنشر النكات عن الوضع السياسي في لبنان، فانتشرت النكات والفيديوهات حول الوضع السياسي والمالي، وعن حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة ورئيس الجمهورية السابق ميشال عون، وشخصيات مثل جبران باسيل وسعد الحريري وغيرهما من الساسة اللبنانيين، فكانت هذه الأحداث محطة أساسية ومحورية في كسر العلاقة بين الفنان والسياسي، حيث كان النقد الساخر عن السياسي اللبناني يتمحور غالبا حول تقليده، لنشهد بعد ذلك شتائم صريحة يوجهها اليه المتظاهرون، والفنانون الكوميديون وإن جاء ذلك في سياق كوميدي، مما مكن هؤلاء الفنانين الجدد من تخطي بعض التابوهات في المجتمع اللبناني.
الجيل القديم ضد الجيل الجديد
لدى الحديث عن تطور هذه الصناعة، لا بد من الإشارة إلى صراع الجيلين في الكوميديا اللبنانية، الجيل التقليدي، الذي ينتمي في غالبتيه إلى التلفزيون، وهو جيل اختفى تقريبا عن الشاشة، فلم يعد هنالك وجود لبرامج كوميدية خفيفة مثل "ما في متلو" و"إربت تنحل" وغيرهما، وإن كان بعض الفنانين في هذه الأعمال القديمة لحقوا بالتطور الحاصل وانضموا إلى الموجة جديدة، مثل رودريغ غصن، الذي أصبح يؤدي عروض الـ"ستاند آب".