منذ الدخول في عصر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، يدور الحديث حول دور الإعلام التقليدي والمخاطر التي تتهدد مهنة الصحافة في زمن "المؤثرين".
أذكر في بداية الأمر كيف أطلق الكثيرون جرس إنذار عندما توقفت صحف كبرى عن الطباعة وإصدار نسخ ورقية ولجأوا إلى النشر على الإنترنت وإصدار نسخ رقمية. التحول والتطور كان سريعا خلال الـ20 عاما الأخيرة، ومتطلبات القراء والجمهور كانت تتبدل بسرعة تشبه سرعة الإنترنت في البلدان التي يوجدون بها.
انتقلنا بسرعة من الجريدة الورقية إلى الموقع الإلكتروني، ومن نشرة أخبار الساعة الثامنة إلى فيديوهات وتقارير مصورة قصيرة على صفحات التواصل الاجتماعي.
الصحافة مرآة سوريا الجديدة، ودورها لا يقل عن دور المدارس والجامعات في خلق وعي وطني وسياسي
كان التحدي الأكبر أمام الصحافة هو في كيفية تكيفها مع زمن السرعة والعولمة من خلال الإنترنت وشبكات التواصل، أعادت الكثير من المؤسسات الإعلامية النظر في استراتيجياتها لتتكيف مع متطلبات العصر الرقمي.
لم يكن من المنطقي رفض هذا التحول، فكان لا بد لكي تنجح المؤسسات الإعلامية التقليدية من الاستفادة من ميزات الإعلام الرقمي وسرعة انتشاره، مع المحافظة على مصداقية الخبر ومهنية التحليل ودقة نقل الصورة.
ما نراه اليوم في عالمنا العربي هو محاولة استبدال الصحافة والصحافيين بـ"مؤثرين" و"مؤثرات"
لكن ما نراه اليوم في عالمنا العربي- وأعترف أنني لست متابعة عن قرب لما يحصل في الغرب بهذا الخصوص- هو محاولة استبدال الصحافة والصحافيين بـ"مؤثرين" و"مؤثرات". وحسابات على منصات التواصل الاجتماعي- بعضها لا يحمل حتى اسما صريحا- مع مئات آلاف المتابعين، تقوم بحملات إعلانية أو حملات تضليل، وقد يتم توجيه بعضها لشن حملات ضد جهات تختلف مع توجهات ممول هذه الصفحات.
عندما يكتب صحافي مقال رأي أو تحليلا أو خبرا، فإنه يدرك أن أي خطأ سيجعله يدفع من رصيده المهني والشخصي، ينتقد ولا يسيء، يعارض ولا يشتم، أما اليوم فقد بتنا أمام جيوش إلكترونية تحاول أن تلعب دور الصحافة في بعض البلدان، جيوش لا تتوانى عن نشر أخبار كاذبة ومضللة، لا خطوط حمراء ليس أمام حرية الرأي ولكن أمام حجم التضليل والإساءة، فأكثر ما يمكن أن تخسره هو حساب على صفحات التواصل يمكن استبداله وإنشاء غيره في لحظات.
وإن كنت لا أرى أي منفعة حقيقة أو مستدامة من شن أي حملة ضد هؤلاء "المؤثرين والمؤثرات"، إلا أنني مع فرض معايير مهنية عندما يتعلق الأمر بعمل الصحافة ودورها، ومشروع الدولة وتأثيره وتسويقه.
في سوريا تحديدا، ولأن البلد في مرحلة إعادة إعمار على كافة المستويات، أرى أن على الإعلام والإعلاميين خلق آلية لتحقيق التوازن بين المهنية والعمل الصحافي الجاد، وبين متطلبات الجمهور وأغلبه من جيل الشباب. وضع رؤية واستراتيجية تلتزم بالقيم الصحافية وتعتمد على المنصات الرقمية، تقدم المعلومة والتحليل دون انزلاق إلى لغة التحريض والكراهية، ودون انزلاق إلى حملات دعائية، فالصحافة مرآة سوريا الجديدة، ودورها لا يقل عن دور المدارس والجامعات في خلق وعي وطني وسياسي.