رفعت طربيه لـ"المجلة": المسرح يعاني من غياب الجمهور المثقفhttps://www.majalla.com/node/327286/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%88%D9%85%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%B9/%D8%B1%D9%81%D8%B9%D8%AA-%D8%B7%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D9%87-%D9%84%D9%80%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%B1%D8%AD-%D9%8A%D8%B9%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D9%85%D9%86-%D8%BA%D9%8A%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%85%D9%87%D9%88%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AB%D9%82%D9%81
يستعد الممثل المسرحي اللبناني المخضرم رفعت طربيه لتقديم عرض مونودرامي جديد مقتبس من مسرحية "هاملت" بعنوان "الأمير المجنون" وذلك ضمن فعاليات "مهرجان صدى المسرح" في مدينة جبيل اللبنانية.
شارك طربيه طوال أكثر من نصف قرن في العديد من المسلسلات التلفزيونية، وفي رصيده عدد وافر من الأعمال المسرحية مع منير أبو دبس ومنصور الرحباني وجلال خوري وريمون جبارة ويعقوب الشدراوي وغيرهم، كما شارك في تقديم عروض شعرية لمجموعة من رواد الشعر الحديث مثل أنسي الحاج ويوسف الخال وغيرهما.
حصل أخيرا على "وسام الاستحقاق" اللبناني تكريما لمسيرته الفنية. عن عودته الى المسرح بعد طول انقطاع وقضايا أخرى، كان لـ"المجلة" معه هذا اللقاء.
تستعد لتقديم هاملت في مسرحية "الأمير المجنون" خلال شهر سبتمبر/ أيلول. فهل تتوقع أن تتمكن المسرحية من مخاطبة الجمهور اللبناني؟
يصبح أي نص عالمي، كما الحال مع "هاملت"، عند تقديمه على المسرح في لبنان، ملكا للجمهور الذي يشاهده، لأن أرباب المسرح العالمي من أمثال شكسبير وبريخت ويونسكو بنوا أعمالهم على أفكار إنسانية تشغل العالم بأسره، منها القتل والجريمة والخيانة والعقاب والعدالة وسواها، والجمهور اللبناني غير بعيد عن المسرح العالمي، وبدايات المسرح اللبناني في ستينات القرن الماضي كانت متأصلة في صلب هذا الفضاء العالمي من خلال تنفيذ المسرحي المخضرم منير أبو دبس لأعمال شكسبير وسوفوكليس ويونسكو وجورج شحادة وسواهم في العاصمة بيروت، مع الاشارة إلى أن هذه الأعمال النوعية لهؤلاء الكتاب كانت تضج في الوقت نفسه على مسارح أخرى في عواصم عالمية عدة منها باريس.
نكون أو لا نكون
ما سر انجذابك الى شخصية هاملت؟
هذه الشخصية لها ذكرى طيبة في مسيرتي المهنية. فقد جسدت دور هاملت في بداياتي وتحديدا في العام 1974 في برنامج تلفزيوني بعنوان "كبار في الزمان" أعده وأخرجه منير أبو دبس الذي أعتبره المدماك الرئيس للمسرح اللبناني، على شاشة "تلفزيون لبنان"، وشاركتني في البطولة الممثلة القديرة ميراي معلوف وطلبة من مدرسة بيروت للمسرح الحديث.
لو عاد بي الزمن، لاخترت وبقناعة تامة أن أكون مسرحيا، فالمسرح رسالة نبيلة وهو مقياس حضارة أي شعب
بالنسبة إلي، يجذبني كثيرا مقطع من المسرحية يتضمن عبارة شكسبير الشهيرة "نكون أو لا نكون"، ويتناول فيه قضايا الإنسان وما يرافقها من تساؤلات وجودية تعني جميع سكان الأرض.
ماذا قدمت المخرجة لينا أبيض من جديد في هذا العمل، في مسرح مونودرامي تراجيدي، هو تحية للراحل جيرار أفيديسيان، مُعد النص بالعربية ومخرجه؟
أضافت بعض الجماليات في الإضاءة والحركة المسرحية، مع ما رافق ذلك من تغييرات في الإخراج، الذي هو في الأصل عمل جبار قام به الراحل جيرار أفيديسيان، إن من حيث الإخراج أو فهم النص الشكسبيري واختصاره في فصل واحد مقتبس من "هاملت" لشكسبير دون أي ابتذال.
لم تستمر العروض الأولى من المسرحية في أبريل/ نيسان الماضي. فهل تغير ذوق اللبنانيين في المسرح؟
في طبيعة الحال، أعاني شخصيا، كما حال المسرحيين كلهم، من أزمة جمهور مثقف تواق إلى أعمال جيدة. رافقت هذه الأزمة مسيرة المخرج والممثل والكاتب الراحل ريمون جبارة، الذي كان يتساءل عن جودة أحد أعماله، في حال كان لأي منها أثر واضح في الإقبال على المسرح.
رفعت طربيه
أذكر في هذا السياق عرض مسرحية "زرادشت صار كلبا" (1978) لريمون جبارة في منطقة الأشرفية، كنا تنتظر مشاهدا واحدا لتقديم العمل. وأذكر أن ريمون جباره الجالس في شباك التذاكر شجع أحد المشاهدين، الذي سأل عن عملنا المسرحي، أن يتوجه الى مشاهدة العرض الغنائي للمسرحي الراحل روميو لحود في المسرح المقابل لنا لأنه كان يشهد إقبالا لافتا أكثر مما كان عليه حال عرضنا المسرحي.
مسيرة
كيف تصف مسيرتك المسرحية منذ أكثر من 50 عاما في بلد يفتقر فيه الفنان الى أي دعم فني وثقافي رسمي؟
لو عاد بي الزمن، لاخترت وبقناعة تامة أن أكون مسرحيا، فالمسرح رسالة نبيلة وهو مقياس حضارة أي شعب. لم تخل هذه المسيرة من مصاعب جمة ماديا ومعنويا وخصوصا في مرحلة الحرب الأهلية، أو حتى في بداياتي حيث عمدت عائلتي المنغمسة في العمل السياسي في شمال لبنان إلى حرماني من أي دعم مالي لأن أفرادها رفضوا كليا أن يكون ابنهم "مشخصاتيا" أي ممثلا أو مسرحيا، لأن هذا يشكل عارا على عائلة منهمكة في العمل السياسي بامتياز.
اعتمدت في بعض مراحل حياتي على تعليم المسرح في جامعات عدة في لبنان، في حين تجرأت على رفض عروض عدة لا تلبي طموحاتي في سياق الأدوار التلفزيونية، مما انعكس سلبا على وضعي المالي. كنت على يقين تام بأن العمل التلفزيوني ارتكز في حينها على السرعة في التنفيذ، في حين كنا نكثف سابقا التمارين في التمثيل والإخراج قبل تصوير العمل التلفزيوني نفسه. هذا انطبق فعليا في "مذكرات ملجأ" لشكيب خوري، وشاركتني البطولة الممثلة القديرة الراحلة رضى خوري مع دور صغير للممثل جوزف بو نصار في قصة ثنائي يعاني وطأة الحرب وما رافقها من معاناة جمة، أي من فراغ داخلي وخارجي ينهش نمط عيش ذلك الثنائي عموما.
رفعت طربيه
معنويا، أتوقف عند علاقتي بمنير أبو دبس، مؤسس مدرسة بيروت للمسرح الحديث وانتسابي اليها، وصولا الى علاقتي المتينة بالكاتب الفرنكوفوني جورج شحادة، الذي أرسلني لتعميق معرفتي المسرحية من خلال تدريب مكثف في إشراف مسرحيين مخضرمين في فرنسا، جان لوي بارو ومادلين رنو، اللذين أصغيا إلي وأنا ألقي مقطع " نكون أو لا نكون" بالعربية، معتمدا على ترجمة وضعتها الكاتبة اللبنانية خالدة سعيد.
ماذا تعلمت من تجربتك مع منير أبو دبس؟
منير أبو دبس مسرحي مخضرم رسخ فينا مهارات رئيسة نعتمد عليها الى اليوم خلال أدائنا التمثيلي، منها إتقان تقنيات الصوت من خلال مخارج حروف ونبرة واضحة، الحضور الجسدي على الخشبة، وصولا إلى إطلاعه على نظريات مسرحيين عدة ولا سيما لمؤسس المسرح الحديث قسطنطين ستانيسلافسكي، الذي نال شهرته الواسعة، بسبب اعتماده على الأداء الواقعي والصادق من طريق جعل ممثليه يدرسون الحياة الداخلية لشخصيات العمل نفسه.
خبرت أنماطا مسرحية عدة، الى أي نوع من المسرح تحن اليوم؟
أتوق الى القراءات الشعرية بمرافقة الموسيقى الأوركسترالية. أنجرف طوعا الى عالم أحد رواد الشعر يوسف الخال، ولا سيما في ديوانه "البئر المهجورة" في مجمله، ومنه قصيدة" الشعر"، و"إلى إبراهيم"، الذي هو فعليا يوسف الخال نفسه، محاكيا نفسه ودون مجاهرته بالأمر.
كما حققت رغبة كبيرة في قراءة شعر صاف لأنسي الحاج من ديوانيه "ماذا صنعت بالذهب، ماذا فعلت بالوردة" و"الرسولة بشعرها الطويل حتى الينابيع".
يزعجني فعليا اليوم ربط دور الممثل بأمور فارغة مرتكزة على الإضاءة وحركة الجسد دون اي مضمون للنص.
في مواجهة المرض
بات معروفا أنك تواجه المرض منذ فترة، ماذا تخبرنا عن ذلك؟
أشعر بالقلق من واقع مرضي. رغم ذلك، أنا على يقين تام من أن داء السرطان هو المصاب بي، وليس العكس.
لا أخشى الموت لأن غالبية رفاقي في المسرح عبروا الى العالم الحقيقي، فيما نحن نرزح اليوم في عالم الخيال لنروي حكايتهم
لم يتوغل الخوف بداخلي، بل أنا في مواجهة مع المرض، رغم أنني لا أنفي أنه تملكني غضب شديد عندما عرفت بإصابتي.
لا أخشى الموت لأن غالبية رفاقي في المسرح عبروا الى العالم الحقيقي، فيما نحن نرزح اليوم في عالم الخيال لنروي حكايتهم، والأمر ليس بأكثر من ذلك.
إذا لم أكن مشغولا بالمسرح، أمضي وقتا وافرا في منزلي الشتوي الكائن في البياضة في قضاء المتن (شمال العاصمة بيروت) منكبا في محترفي على النحت لأظهر من خلاله الظل أو الضوء أو الاثنين معا، منطلقا من الطبيعة المحيطة بنا ومستذكرا رفاقي في المسرح وفي الفن التشكيلي.