نتنياهو يقصف السلام

نتنياهو يقصف السلام

استمع إلى المقال دقيقة

لطالما لعبت قطر دور الوسيط في نزاعات المنطقة، وتحديدا الصراع بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإسرائيل، كما لعبت دور الوسيط سابقا مع حركة طالبان والولايات المتحدة الأميركية، وغيرها من أدوار الوساطة، لكنها المرة الثانية التي تستهدف فيها قطر، فقبل أيام قصفت إسرائيل في قلب العاصمة القطرية الدوحة مستهدفة اجتماع الوفد المفاوض من حركة "حماس"، وكان سبق ذلك الاعتداء قبل نحو شهرين قيام إيران بهجمات صاروخية على قاعدة العديد العسكرية الأميركية في قطر أثناء حربها مع إسرائيل.

تحول الوسيط إلى هدف تسبب بحالة من الصدمة والاستنكار الشديد، لكن هذا "الجنون" والإجرام الذي تجلى بأبشع صوره منذ عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول قبل عامين لم يفقد العقلانيين عقلهم وهم يحاولون التصدي لإجرام نتنياهو وتعنت "حماس" ومشاريع إيران.

فبينما خرج المتحمسون والحمساويون يطالبون بإنهاء الشراكة القطرية-الأميركية، ووقف المفاوضات، بل وحتى انسحاب الدول الموقعة من اتفاقيات السلام بينها وبين إسرائيل، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، ما عُرف باسم "إعلان نيويورك"، وهو نتاج المؤتمر الدولي الذي انعقد في الأمم المتحدة في يوليو/تموز الماضي واستضافته السعودية وفرنسا، عن الصراع المستمر منذ عقود.

يُفضل نتنياهو الحل العسكري، إسرائيل متفوقة عسكريا والحروب هي "ملعبه"، الثمن الذي تدفعه إسرائيل لا شيء مقارنة بالثمن الذي دفعه ويدفعه الفلسطينيون، بعيدا عن بروباغندا إعلام "الممانعة"، لم يحظى الاعتداء السافر على الدوحة بمعارضة قوية في الداخل الإسرائيلي. ترفض إسرائيل اليوم السلام وترفض الحلول السلمية بل وتستهدف الوسيط.

تحولُ الوسيط إلى هدف تسبب في حالة من الصدمة والاستنكار الشديد

إسرائيل تريد الحرب، نتنياهو يريد حروبا لا متناهية يستمر عبرها بالهروب إلى الأمام وضمان استمراره في منصبه، يساعده في ذلك الدعم الأميركي والتفوق العسكري اللامتناهي لجيشه، ولكن هل لنا أن نسأل ماذا تريد "حماس"؟

منذ خطيئة "طوفان الأقصى" والفلسطينيون يدفعون الأثمان الباهظة جدا جدا ثمنا لمغامرة غير محسوبة، ولا نسمع إلا بشروط "حماس" للقبول بشتى الحلول التي طرحت منذ ذلك الحين، وكان أهون هذه الشروط هو العودة إلى ما قبل السابع من أكتوبر. في المقلب الآخر وجد نتنياهو في هذه العملية فرصته للقضاء على كل من يشكل تهديدا لإسرائيل، تهديدا حقيقيا أو تهديدا متخيلا، لا رادع أمام عنجهيته وعدم التزامه بأي قوانين وأعراف دولية. بذريعة السابع من أكتوبر يريد إعادة رسم الخرائط في المنطقة.

قبيل الاعتداء الإسرائيلي على الدوحة، صرح عضو المكتب السياسي لحركة "حماس" باسم نعيم، في معرض رده على ورقة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للحل في غزة أن "غزة ليست اليابان وقيادة (حماس) ليست إمبراطور اليابان. لن نوقع على ورقة بيضاء".

غاب عن بال نعيم أين صارت اليابان اليوم، وغاب عن باله أن إمبراطور اليابان يوم حسم القرار لصالح الاستسلام جنب بلاده وشعبه المزيد من الخسائر، لم تكن اليابان يومها قادرة على مجابهة أميركا والاتحاد السوفياتي.

اليوم ثمة مشروعان: مشروع مقاومة سياسية وجهد عربي ودولي لفرض حل الدولتين. وقد يأخذ سنوات ليصبح واقعا ولتصبح دولة فلسطين حقيقة مكتملة الشروط. ومشروع الاستمرار في المقاومة المسلحة والتي نرى نتائجها يوميا في ظل التفوق العسكري الإسرائيلي والدعم الأميركي لها، والمفارقة أن كلا من نتنياهو و"حماس" يفضلان المشروع الثاني.

font change