"حماس" في لحظة الواقع... نصر أم هزيمة؟

"حماس" في لحظة الواقع... نصر أم هزيمة؟

استمع إلى المقال دقيقة

ما إن أعلن البيت الأبيض عن مذكرة الرئيس دونالد ترمب من أجل غزة، التي حوت عشرين نقطة، تضمنت الشكل المستقبلي لغزة بعد تدميرها، حتى راحت الأنظار تراقب رد حركة "حماس" باعتبارها الطرف المقابل لإسرائيل التي يقف كل العالم معها مددا بالسلاح والمال، في حين أن "حماس" لم يبق يناوش معها من محور الممانعة المقاوم غير عبد الملك الحوثي الذي يستمر في إرسال مسيّراته دون أثر بالغ، وهناك بيانات "حركة الإخوان المسلمين" الثاوية في الماضي.

ومنذ صدور المذكرة الترمبية صرحت "حماس" بأن فحوى الخطة لا يشملها وحدها، بل يتطلب رأي كل الفصائل الفلسطينية؛ لأنه لا يعنيها وحدها، وحرصا منها على القرار الفلسطيني، كان يجب عليها أن تتشاور مع الكل الفلسطيني، فما حدث من نتيجة غير متوقعة لنهاية الحرب المأساوية أمر خطره كبير وأثره سيكون بالغا على القضية الفلسطينية، التي لن يبقى منها غير فعل الصمود المدني وبعض المناوشات التي ربما ستظل حاضرة كفعل مقاوم لسياسات الاحتلال.

ردت "حماس" بعد ظهور خلاف بين رأيين حول المآل الذي يمكن أن تنتهي به الحرب، وفقا لتصور ترمب للسلام ولمستقبل غزة، ويمكن وصف الرد بأنه عقلاني لا شطط فيه، لكنه ليس اختراقا وإرباكا للعدو، كما اشتهى البعض تفسيره، ولا يجب تحميل "حماس" أكثر مما احتملت وما نتج عن قرار حربها الذي سيبقى غير مفهوم وغير مفسر، برغم أنه نتيجة متوقعة بسبب التضييق الذي مارسه الاحتلال في السنوات الأخيرة قبيل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

هوية قطاع غزة حسب الخطة الترمبية، ستظل فلسطينية، وأما المستقبل السياسي والأمني فهو واضح، وما بقي غائبا في الرد "الحمساوي" هو رأي الحركة في "مجلس السلام الدولي" الذي سيرأسه ترمب

قيل إن رد "حماس" كان قد أعاد الكرة في مرمى الاحتلال، وقيل إنه أربك إسرائيل وحكومة بنيامين نتنياهو، لا بل ظهرت تحليلات  لرد "حماس" تناست أن هناك قطاعا مدمرا، وأن "حماس" ذاتها فقدت أبرز قادتها، وأن من حقهم الرغبة في البقاء على الحياة ووقف مطاردتهم، وأن الصمود الذي رسمه أهل غزة كان استثنائيا، أمام هول القوة الإسرائيلية. ولم يُقَل إن "حماس" أدركت فواجع مصائبها، وأنها انحازت للخيار الإنساني الذي يجب أخذه فوق كل اعتبار، وأنها عرفت أن ظهرها مكشوف بعد انسحاب من ورطها في حربها بمقولات الإسناد ووحدة الساحات، ولم يقل إن قرار السلام أو الصلح يتطلب شجاعة أخلاقية ونبلا وممارسة فعلية للسياسة.
لم يُكتب أن الحرب ذررت الناس وسحبت القطاع من حقل الحياة إلى حقل الموت، وتحولت غزة إلى مقبرة كبيرة، وأن الاستمرار في الحرب ورفض خيار السلام أو الصلح وهو خيار الشجعان في حالة الهزيمة، قد يكون أبلغ من أن نفكر بأن الحركة خسرت الحرب أو ربحتها، وأن العودة للحرب والبقاء في الخنادق والأنفاق خيار غير ممكن. وقد ردت الفصائل الفلسطينية بتأييدها ردّ "حماس"، وكذلك الدول العربية التي رحبت بالرد، وهذا أمر جيد في محصلة ماراثون البحث عن مخرج الطوارئ لتحقيق مطلب وقف الحرب، والسماح العاجل بدخول المساعدات؛ لإنقاذ ما تبقي من أهل غزة.  
هوية قطاع غزة حسب الخطة الترمبية، ستظل فلسطينية، وأما المستقبل السياسي والأمني فهو واضح، وما بقي غائبا في الرد "الحمساوي" هو رأي الحركة في "مجلس السلام الدولي" الذي سيرأسه ترمب للإشراف على الحكم المحلي الفلسطيني، وكذلك لم تبدِ الحركة في ردها أي ملاحظات حول موضوع السلاح وتسليمه، والأهم أن تسعى لاحقا وعاجلا لبيان واضح في ذلك الأمر. 

ومع أن ترمب كما قيل رسم خطا أحمر لرد "حماس"، التي تفاعلت مع المقترح على وجه السرعة، فلا خيار لها إلا المزيد من القتل والدمار الذي سيواجه القطاع، ولا يوجد عندها ترف الانتظار، أو حتى القبول بخيار تأجيل النقاش على أي نقطة في الخطة. وعقب هذا التعاطي الجيد الذي تفاعلت به "حماس" مع الخطة، ردت قوى إسرائيلية معارضة، بأن الرد أربك الحكومة الإسرائيلية وأن ترمب باع إسرائيل لكي يظفر بجائزة نوبل، وغير ذلك من الهراء الصهيوني الذي يريد من ترمب أن يركب الدبابة ويحارب مع الجيش لآخر نفس فلسطيني في غزة.  
سبق القبول بالخطة تصريحات لمبعوث الرئيس ترمب للشرق الأوسط رجل العقارات توم بارّاك الذي تحدث عن السلام، وأنه لم يكن أصلا متوفرا في السابق، وأن الشرق الأوسط لا توجد به دول بل شعوب وقبائل تتقاتل، وكأن الزمن الترمبي سينهي هذا الوضع الذي يطرح رؤية بارّاك الاستشراقية الغربية المهينة للمنطقة.  
في مقابل عقلانية "حماس" وانحيازها الأخلاقي لظروف المجتمع الغزاوي، ولأنها لا تريد المزيد من الحرب، لا يمكن الاستمرار بدفعها للممانعة أو حثها على رفع لواء الاقتتال مع خصم يقتل بدم بارد، ويقاتل بالذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا والحرب الهجينة. وهؤلاء الذين أرادوا لها الاستمرار في المواجهة، كما جاء في بيان المكتب العام لـ"الإخوان" في مصر الذي وصف القبول بالخطة بأنه استسلام، وإعلان لنصر العدو، وفيه خيانة من قبل الدول العربية، هم (أي "الإخوان") يحملون فكرا قروسطيا، يريد دفع "حماس" للانتحار ومنح إسرائيل وأميركا تفويضا بالمزيد من القتل وحرب الإبادة، وإلا كيف نفسر فرحة أهل غزة بقبول "حماس" للخطة؟ وهي فرحة ليست للخطة ذاتها، بل لأجل الحياة ووقف الإبادة.  

font change