حين ركب العالِم العربي عمر ياغي طائرته أمس، لم يكن ليدرك أنه سيصل إلى يوم من أعظم أيام حياته. لم يخطر في باله أن المكالمة الآتية من ستوكهولم ستغيّر مسار تاريخه العلمي، وتضع اسمه في سجل الخالدين بجائزة نوبل في الكيمياء لعام 2025. كانت رحلة عادية وكان يوما عاديا له — كأي يوم يمضيه بين طلبته في جامعة بيركلي، أو بين أنابيب المختبر ومجاهر الذرات التي يحبها — لكن العالِم استيقظ ليجد الكيمياء وقد منحت تاجها لابن عمّان الذي شيّد "بيوتا من الذرات" وربط بين العلم والحياة بخيوط من الإبداع. لقد نام باحثا، واستيقظ رمزا عربيا عالميا لمعنى المثابرة والاكتشاف.
تبدأ القصة في منتصف القرن العشرين وقبل حتى ولادة ياغي، كانت الكيمياء الصلبة لا تزال تعاني من حدودها القديمة. فالمواد المسامية – مثل الزيوليت والسيليكا – كانت معروفة، لكنها محدودة الشكل والتركيب، تشبه إلى حد بعيد الكهوف الحجرية داخل عالم الكيمياء، صلبة، وثابتة، ولكنها مغلقة على ذاتها. لم يكن أحد يتخيل آنذاك أن في إمكان العلماء بناء "هياكل" من الذرات تشبه الأبنية المعمارية الحديثة، يمكن تعديلها وتصميمها بدقة لتؤدي وظائف محددة. كان ذلك الحلم يبدو أقرب إلى الخيال العلمي منه إلى المختبر.
لكن في الستينيات والسبعينيات، بدأت فكرة جديدة تتسلل إلى عقول الكيميائيين: ماذا لو أمكننا دمج علم الفلزات بعلم العضويات لإنشاء مواد هجينة، تمتلك صلابة الفلز ومرونة المركبات العضوية في آن واحد؟ فبدل أن تكون الروابط المعدنية مجرد نقاط تماس بين ذرات جامدة، يمكن أن تصبح محاور لتكوين شبكات ضخمة ثلاثية الأبعاد، تفتح المجال لمسامات يمكن التحكم في حجمها، وشحنها، ووظيفتها.
كان هذا السؤال في جوهره هو البذرة الأولى لما سيعرف لاحقا بـ"الإطارات العضوية الفلزية" MOFs وهي المواد التي ستقود ثلاثة علماء – روبسون، كيتاغاوا، وياغي – بعد عقود إلى جائزة نوبل في الكيمياء لعام 2025.
في أوائل الثمانينيات، كان الكيميائي البريطاني روبرت روبسون يعمل على تطوير بلورات معقدة تضم أيونات فلزية وروابط عضوية. لم يكن يسعى إلى تطبيق محدد، بل كان يحاول فهم كيف يمكن هذه الوحدات أن تتجمع لتُكون هياكل أكبر وأكثر انتظاما.
في تلك الفترة، لم يكن أحد ينظر إلى هذه الشبكات بوصفها مواد وظيفية. كانت تعتبر مجرد "فضول كيميائي" – تركيب جميل على الورق، لكن بلا فائدة حقيقية. غير أن روبسون لاحظ شيئا مثيرا، فعندما تتجمع وحدات من الفلزات والروابط العضوية بطريقة معينة، فإنها لا تكون مجرد مركب، بل شبكة بلورية تمتد في الفضاء، تحتوي على فراغات داخلية. بدا الأمر كما لو أن الجزيئات بَنَت بيتا بأيديها، مع جدران من الذرات ونوافذ من الفراغات.
في عام 1989، نشر روبسون أول ورقة علمية تصف تركيبا ثلاثي الأبعاد متكررا من فلزات وروابط عضوية. لم يكن يعرف أنه بذلك يضع أول حجر في بناء علم جديد بالكامل. لكن ما فعله لاحقا كان أشبه بإرساء قواعد العمارة الكيميائية الحديثة: هندسة الفراغ.
كان العالم وقتها مفتونا بفكرة المواد المسامية الطبيعية، مثل الزيوليت، التي تستخدم في التكرير البترولي والامتصاص. لكن الزيوليت له عيب قاتل: لا يمكن تصميمه بحرية. فبنيته محددة طبيعة، ومساماته غير قابلة للتعديل.
أما فكرة روبسون فكانت ثورية لأنها تقترح عكس ذلك تماما: "إذا كان في إمكاننا أن نختار الفلز ونوع الرابط العضوي، ففي إمكاننا أن نصمم المادة كما نصمم مبنى معماريا". مع ذلك، لم يكن أحد يعلم بعد كيف يمكن جعل هذه الهياكل مستقرة. فغالبية تلك الشبكات كانت تنهار عند محاولة إزالة الجزيئات المحتجزة بداخلها، مثل المذيبات أو الماء.