من يتابع المشهد الثقافي العربي، يجد حراكا نشطا، ولا أقصد هنا الفكر والنقد والترجمة، بل الإبداع تحديدا، فهناك مئات الأسماء الجديدة التي تقدم نفسها سنويا، وهناك آلاف الروايات والمجموعات القصصية والدواوين، ويرفد ويعزز هذا عشرات الجوائز ذات المستويات المختلفة التي تحتفي بهذا الشكل الإبداعي أو ذاك، مع بشائر مفاجئة تأتي من "مان بوكر" أو "غونكور" وطبعا الأولى لترجمة إنكليزية لعمل عربي والأخرى لكاتب بالفرنسية أصلا، ولكن نتمسك بجزئية أن جذوره عربية.
ولكن رغم كل هذه المعطيات والزخم المعنوي والمادي في دعم مشاريع الترجمة إلا أننا عندما تحين بورصة ترشيحات نوبل، لا نجد في القائمة الحقيقية أو التي نتمناها سوى اسم الشاعر السوري أدونيس يتكرر سنويا، ويضاف له أحيانا اسم آخر للدعم والمؤازرة، وهذه السنة كان حظ الترشيح المؤازر من نصيب الروائي الليبي الذائع الصيت إبراهيم الكوني.
أقول هذا وأنا أستعيد المشهد قبل حوالي 40 عاما تقريبا، بالتحديد منذ أن فاز الفذ نجيب محفوظ بنوبل الآداب عام 1988 وأصبح هذا الطموح متاحا ومحتملا، حيث إننا في كل أكتوبر/تشرين الأول، كنا نسمع عن قائمة لا بأس بها من الأسماء المعتبرة والتي تستحق ويليق بها أن تفوز بجائزة نوبل، وأتذكر منها دون ترتيب يوسف إدريس، عبد الرحمن منيف، محمود درويش، الطيب صالح، نوال السعداوي، سعد الله ونوس، وألفريد فرج، كما أن المفكر المغربي محمد عزيز لحبابي طرح اسمه في بورصة الترشيحات في إحدى السنوات في منتصف التسعينات، وطبعا كان اسما درويش ومنيف الأكثر تداولا حتى رحيلهما.
لماذا تضاءلت الآن الخيارات وشحّت الأسماء وصرنا لا نراهن إلا على ورقة واحدة هي ورقة أدونيس
وقبل هذه الأسماء وقبل نيل محفوظ لها، كان العرب يأملون من بعيد بنوبل ولكن دون ضوضاء لأن وسائل التواصل لم تكن في قلب الحدث ثانية بثانية مثلما يحدث الآن، وكانت قائمة الأسماء الموعودة تشمل حسب ما يتواتر: طه حسين، توفيق الحكيم، ميخائيل نعيمة وبدر شاكر السياب".
وبالطبع، لم يترك المثقفون المشهد يمر دون أن يدلوا بدلوهم فرَشَّحوا ما يقترحون وصنعوا سيناريوهات غير مقنعة لهذه الترشيحات، وكالعادة ذكر أنيس منصور أنه رُشح ولا أحد يدري حتى الآن ما الجهة التي رشحته.
كل هذه الاستعادة ليست لكتابة تاريخ ترشيحات الأدباء العرب لنوبل ولكن لتبيان تعدّد الخيارات، بمعنى قناعة هذا المتابع أو ذاك بوجود أسماء إبداعية تستحق نوبل وترشيحها غير مستغرب، بل تصل القناعة إلى حتمية فوزها، وعدم تحقق ذلك ظلم فادح، كما تجسدت مع الموقف من عدم فوز منيف والطيب صالح ودرويش.
فلماذا الآن، تضاءلت الخيارات وشحّت الأسماء وصرنا لا نراهن إلا على ورقة واحدة هي ورقة أدونيس.
هل فعلا لا توجد أسماء كبرى في المشهد الثقافي العربي، أم إنها لم تترجم ولم تصل إلى العالم، وإذا كان ذلك صحيحا، ويبدو الأمر كذلك، فما جدوى كل هذه الأعمال التي تترجم ونسمع أخبارها إذا كانت لا تصل إلى القراء.
أظن أن راهن الإبداع العربي يحتاج إلى نظرة تصحيحية جادة ومسؤولة لمراجعة الواقع على مستويين مهمين، هما المشهد النقدي الذي يبدو في حالة عدم تصالح مع المنجز الإبداعي، وواقع النشر والترجمة إلى اللغات الأخرى، وبالذات اللغات المؤثرة التي تقودك الترجمة المميزة لها إلى لغات أخرى في كل العالم.
عموما، بعيدا وقريبا، من أدونيس وحتى نعزي أنفسنا حتى نجد حلولا لمآزق واقعنا الثقافي، نردد كالعادة: نوبل غير منصفة وهناك أدباء كبار في العالم لم ينالوا الجائزة.