"وانطفى ضيّ الحروف"... وداعا بدر بن عبد المحسن

استمرت مسيرة الأمير الكبير الراحل مع القصيدة الغنائية على هذا المنوال الذي يتخذ من النص التفعيلي ملاذا، باعتباره الشكل الأكثر ملاءمة مع اشتراطات الأغنية.

لكنه تجاوز هذا الشكل عكسيا وكتب الأغنية القصيدة بشكلها التناظري "النبطية" حيث كانت قصيدة "لا تجرحيني" بداية مدوية في ذاكرة التلقي الغنائي السعودي والخليجي.

هذه التجربة الثرية المؤسسة جيدا والمدعومة باطلاع عميق على التجارب الموازية، جعلته أكثر جرأة إلى حد أن يكتب نصا شعبيا يصل الإيقاع فيه إلى مستوى الصفر وتقرأه وكأنه قصيدة نثر شعبية.

ولجزالة نصوصه الغنائية، رفعت تجربة "البدر" سقف الكتابة الشعرية لدى الشعراء الآخرين، وحررتهم من تهمة الغموض والتجديد، لأن هذه النصوص التي كتبها وجدت صدى خرافيا عند المتلقين.

كما أن بناء القصيدة لديه ولغتها الحديثة ومضامينها المتجددة، صنعت جيلا جديدا، اعتبر هذا النموذج هو النموذج الذي يجب أن يحتذى لأنه يواكب العصر ويستطيع مواكبة القصيدة الفصحى في تجلياتها الحديثة التي بدأت تكتسح الساحة.

مسؤولية جمة

ولأنه ابن أمير وحفيد الملك الموحد عبد العزيز آل سعود، كانت تحفّه تحديات كثيرة تدور في فلك التعليم والوظيفة والتي لا تعتبر الشعر مسؤولية بل هواية، لكنه واجه كل هذه التحديات وجعل الهواية وشاح فخر لن يستطيع أحد أن ينجز ما أنجزه فيها، ولذلك عندما استعاد الأمير بدر تلك الأيام واللحظات والمواقف علق قائلا: "قيل لي في يوم ما إن الشعر لا خير ولا مجد يرتجى منه.. وها هي الأيام تثبت عكس ذلك".

والحديث عن البدر وقصيدة البدر وإنسانية البدر، يحتاج إلى مئات الصفحات، ولكن لأننا في مقام الوداع فلا بد أن نتذكر رؤيته الاستشرافية للموت حين قال والقصيدة موجهة الى أخيه الأمير سعود بن عبد المحسن:
" لابدها ياسعود بتغيب شمسي

             ذي سنةٍ رب الخلايق فرضها

ولعلها حريتي بعد حبسي

          ولعلي ألقى عند ربي عوضها"

ولعل حضور الموت بكثافة في نصوصه يؤكد أن الشاعر يحس بقرب الأوان، وفي هذا السياق قال:
"يا سيدي ماني من الموت خايف

من يعرف الله حق ما يعرف الخوف

يجزيك عنّا الرب بيض الصحايف

ويبني لك فجنته جدران و سقوف"

ولهذا كان هذان البيتان آخر ما كتب لنا وللعالم وللحياة التي ترك بها سيرة عطرة لن ينساها أحد:

"الناس ما همَّها ظروفكْ

كود الذي يحزن لغمّكْ

وإن شلت حملك على كتوفكْ

بتموت ما احدٍ ترى يمّكْ"

رحم الله الشاعر الأمير بدر بن عبد المحسن وغفر له ونسأل المولى عز وجل أن يتغمده بواسع رحمته وان يسكنه فسيح جناته.

محطات في حياة مهندس الكلمات

- ولد في 2 أبريل/نيسان 1949، وعرف على الساحة السعودية والعربية بأنه أحد أبرز روّاد الحداثة الشعرية، وامتدّت مسيرته الشعرية لأكثر من نصف قرن.

- عين سنة 1973 في منصب رئيس الجمعية السعودية للثقافة والفنون، وعين رئيسا لتنظيم الشعر بالسعودية. 

- زامل الأمير بدر بن عبد المحسن عددا من الشعراء الكبار في السعوديةمنهم: محمد العبد الله الفيصل وخالد الفيصل وخالد بن يزيد ومحمد بن أحمد السديري وعبد الرحمن بن مساعد بن عبد العزيز آل سعود.

- على الصعيد الفني تعاون الأمير بدر بن عبد المحسن مع الكثير من الملحنين من أبرزهم: سراج عمر، محمد شفيق، سامي إحسان، وعبد الرب إدريس.

- تغنى عدد من كبار المطربين بقصائد الأمير بدر بن عبد المحسن ومنهم: طلال مداح ومحمد عبده وعبادي الجوهر وعبد المجيد عبد الله وخالد عبد الرحمن وعبد الله الرويشد وكاظم الساهر وصابر الرباعي وراشد الماجد.

- كرّمه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز بمنحه وشاح الملك عبد العزيز عام 2019.

‏- كرمته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" عام 2019 تزامنا مع مناسبة اليوم العالمي للشعر، لمساهماته الشعرية الفنية الثقافية المتفردة، التي امتدت لأكثر من 40 عاما.

‏- كرمته الهيئة العامة للترفيه عام 2019 في ليلة كان عنوانها "ليلة الأمير بدر بن عبد المحسن: نصف قرن والبدر مكتمل". وقد أعلن رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه تركي بن عبد المحسن آل الشيخ تسمية المسرح المبني خصيصا لهذه المناسبة بمسرح الأمير بدر بن عبد المحسن.

- نشرت أعماله الكاملة هيئةُ الأدب والنشر والترجمة، عام 2022، وذلك تقديرا لمساهماته في الحراك الإبداعي السعودي خلال خمسة عقود.

- في مارس/آذار 2023 كُرم في ختام مهرجان القرين الثقافي في دولة الكويت في دورته الـ28 باختياره شخصية المهرجان.