قمة ترمب - شي: تفاؤل أميركي... وتحفّظ صيني

قمة ترمب - شي: تفاؤل أميركي... وتحفّظ صيني

استمع إلى المقال دقيقة

أثار النجاح الذي حققه الرئيس الأميركي دونالد ترمب في قمته الأخيرة مع نظيره الصيني شي جينبينغ توقعات بإمكانية حدوث تحسن كبير في طبيعة العلاقات بين زعيمي البلدين، بما قد يسهم في إنعاش الاقتصاد العالمي.

وقد حمل أول لقاء مباشر بين الزعيمين منذ عودة ترمب إلى البيت الأبيض مؤشرات إيجابية، إذ عكست التصريحات الرسمية الصادرة عن الجانبين عقب اجتماعهما في كوريا الجنوبية إحراز تقدم ملموس في عدد من الملفات المحورية، وإن بدا ترمب أكثر تفاؤلا إزاء نتائج المحادثات.

فخلال حديثه على متن الطائرة الرئاسية في طريق عودته إلى واشنطن، عبّر الرئيس الأميركي، بطريقته المعهودة، عن ارتياحه العميق لنتائج اللقاء مع نظيره الصيني.

ووصف ترمب الاجتماع بالقول إنه "كان مذهلا" مضيفا للصحافيين: "على مقياس من صفر إلى عشرة، أعتبر أن اللقاء كان اثني عشر... لقد اتخذنا الكثير من القرارات... وتوصلنا إلى نتائج بشأن عدد كبير من النقاط المهمة".

أما الجانب الصيني، فقد بدا أكثر تحفظا في تقييم نتائج القمة، إذ نقلت وسائل الإعلام الرسمية عن شي قوله إن الجانبين توصلا إلى توافق بشأن "القضايا التجارية الرئيسة"، مشيرا إلى أن الفريقين الصيني والأميركي سيعملان على تنفيذ نتائج من شأنها أن تشكل "جرعة طمأنة" لاقتصادي البلدين.

كما أشار شي إلى وجود "آفاق واعدة" لتعزيز التعاون بين الصين والولايات المتحدة في عدد من المجالات الحيوية، من بينها مكافحة الهجرة غير الشرعية، والتصدي للاحتيال الإلكتروني، ومواجهة جرائم غسيل الأموال، إضافة إلى تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي.

وفي بيان أعدّ مسبقا، قال الزعيم الصيني: "بوسع الصين والولايات المتحدة أن تُظهرا معا مستوى من المسؤولية يليق بالقوى الكبرى، وأن تعملا سويا لإنجاز مهام أكثر أهمية وواقعية، تحقق الفائدة لكلا البلدين وللعالم بأسره".

تستأثر الصين بحوالي 90 في المئة من السوق العالمية لهذه العناصر، ما يمنحها نفوذا كبيرا على سلاسل التوريد العالمية، ويجعل أي قيود تفرضها قادرة على إحداث اضطرابات واسعة

برزت مؤشرات قوية على أن المحادثات بين الزعيمين انتهت بنتائج إيجابية، تمثلت في إعلان ترمب عزمه زيارة الصين في أبريل/نيسان، على أن تعقبها زيارة مماثلة للرئيس شي إلى الولايات المتحدة.
ويُعد هذا الاجتماع، الذي جرى في كوريا الجنوبية، أول لقاء مباشر بين ترمب وشي منذ قمة مجموعة العشرين التي انعقدت في مدينة أوساكا اليابانية في يونيو/حزيران 2019، في وقت كانت فيه العلاقات بين البلدين تمر بمرحلة توتر حاد بفعل حرب تجارية محتدمة.
ورغم الأجواء الإيجابية التي أحاطت بالتصريحات الصادرة عن الجانبين، بقيت تفاصيل الاتفاقات التي توصل إليها الزعيمان محدودة، إذ لم يُكشف سوى عن القليل منها. وقد عُقدت القمة في ظل تصاعد حاد للتوترات بين واشنطن وبكين حول عدة ملفات شائكة، أبرزها التجارة وقضية تايوان.
ومن أبرز نقاط الخلاف بين الجانبين، تهديد الصين بفرض قيود على تصدير العناصر الأرضية النادرة، التي تُعد عنصرا أساسيا في تصنيع طيف واسع من المنتجات، بدءا من الهواتف المحمولة ووصولا إلى المعدات العسكرية.
وتستأثر الصين بحوالي 90 في المئة من السوق العالمية لهذه العناصر، ما يمنحها نفوذا كبيرا على سلاسل التوريد العالمية، ويجعل أي قيود تفرضها قادرة على إحداث اضطرابات واسعة في حركة التجارة الدولية.
وكانت حدة التوترات قد تصاعدت بشكل ملحوظ بين واشنطن وبكين في وقت سابق من هذا الشهر، بعدما قررت الصين إضافة خمسة عناصر أرضية نادرة جديدة إلى قائمة المواد الخاضعة للرقابة، وفرضت شرطا يلزم الشركات الأجنبية بالحصول على ترخيص مسبق من بكين لاستخدام حتى الكميات الضئيلة من هذه المواد ذات المصدر الصيني في منتجاتها النهائية.

وقد وصف المسؤولون الأميركيون هذه الخطوة بأنها محاولة غير مقبولة من جانب الصين للهيمنة على سلاسل التوريد العالمية، فيما ردّ ترمب بالتهديد بفرض رسوم جمركية جديدة بنسبة 100 في المئة، تدخل حيز التنفيذ في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني.
وبحسب ترمب، فقد جرى تجنب أزمة وشيكة في إمدادات المعادن النادرة، على الأقل في الوقت الراهن، بفضل محادثاته مع الرئيس الصيني شي جينبينغ. وأعرب عن ثقته قائلا: "لا وجود لأي عائق على الإطلاق فيما يخص العناصر الأرضية النادرة. ونأمل أن لا نضطر إلى التطرق لهذا الموضوع مجددا في المستقبل القريب".
ورغم نبرة التفاؤل التي تبناها ترمب، تشير المعطيات إلى أن بكين وافقت فقط على تأجيل تنفيذ القيود الجديدة المتعلقة بهذه المواد لمدة عام، إلى جانب تعهدها بشراء كميات "كبيرة" من المنتجات الزراعية الأميركية، والعمل على تقليص شحن المواد الكيميائية الأولية المستخدمة في تصنيع الفنتانيل إلى الولايات المتحدة، وهو من أبرز المطالب التي وضعها ترمب على طاولة النقاش.
في المقابل، أعلن ترمب عزمه خفض الرسوم الجمركية المفروضة على الصادرات الصينية من 57 في المئة إلى 47 في المئة على الفور، في خطوة يُرتقب أن تُسهم في تهدئة التوترات في الأسواق المالية العالمية.
وعلى أقل تقدير، فإن قمة كوريا الجنوبية ينبغي أن تُسهم في نزع فتيل التوتر بين واشنطن وبكين في حرب تجارية لا تصب في مصلحة أي من البلدين. ففي وقت من الأوقات، أدى إصرار ترمب على استهداف بكين بسبب ما اعتبره اختلالا غير عادل في الميزان التجاري بين الصين والولايات المتحدة إلى فرض رسوم جمركية وصلت إلى 145 في المئة، ما دفع بكين إلى اتخاذ إجراءات مضادة قاسية ضد الواردات الأميركية.
وقد أسفر ذلك، على سبيل المثال، عن تراجع حاد في واردات المنتجات الزراعية الأميركية، التي انخفضت بأكثر من 50 في المئة خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2025. وكان مزارعو فول الصويا الأميركيون من بين الأكثر تضررا، إذ هوت صادراتهم إلى الصين من مستوى قياسي بلغ 18 مليار دولار في عام 2022، إلى 2.4 مليار دولار فقط خلال الفترة من يناير/كانون الثاني إلى يوليو/تموز من العام الجاري.
وعليه، ساهمت القمة التي جمعت بين ترمب وشي في تخفيف حدة الحرب التجارية التي كانت على وشك أن تُخلّف اضطرابا واسع النطاق في الاقتصاد العالمي. غير أن التوصل إلى هدنة دائمة بشأن هذه القضايا التجارية المحورية يظل مرهونا بنتائج الجهود المقبلة لكلا الزعيمين من أجل بناء شراكة تجارية قائمة على المصالح المتبادلة.

font change