انتخابات العراق... هل يعود اللحن عراقيا؟

انتخابات العراق... هل يعود اللحن عراقيا؟

استمع إلى المقال دقيقة

يُعلن العراق نتائج انتخاباته البرلمانية النهائية في مدى زمني قصير، وبذلك تكون الدولة والمجتمع كتبا معا فصلا جديدا في تاريخ التحول الديمقراطي، لبناء دولة المؤسسات وتكريس الانتقال من زمن الاستبداد وحكم الفرد، إلى حكم الأغلبية وفقا لمعادلة الاقتراع في ظلّ نظام يتم فيه تقاسم رئاسة السلطات، منذ أول انتخابات متعددة شهدها في 2005 وبعد عامين من إسقاط حكم صدام حسين، أصبح رئيس الوزراء شيعيا، ورئيس الجمهورية كرديا، ورئيس مجلس النواب سنيا، بناء على نظام محاصصة بين القوى السياسية النافذة في العراق، وهو نظام على الأرجح سيبقى ماثلا. وكان تطبيقه نصيحة بيت الخبرة البريطاني في العراق، والذي كان أعرف بالعراق من المطبخ الأميركي الذي طلب خبرة بريطانيا ومساعدتها قبيل الحرب وبعد الاحتلال بين عامي (2003-2011).

يغادر العراقيون أوجاع الفوضى، وهيمنة إيران، وشيوع الفساد ونهب المقدرات، إلى زمن جديد للفرد فيه قيمة، وللحرية مكانتها، وللإعلام أثره، وللأسرة قيمتها وللتعليم والأدب والثقافة فيه القدح المُعلى، وللصناعة آفاقها الجديدة. في لحظة أراد العراقيون فيها تأكيد حقهم البسيط ببلد خالٍ من الاستبداد ومن أنفاق إيران المخفية في عقول الساسة وفي الثروات العراقية، والتي جعلت البلد منهوبا، وأقدار أهله تتنازعها صفات عدة للمواطنة فمنهم: المُهجر واللاجئ والمغادر طوعا أو الصامد في الداخل المدافع عن وجوده في زمن غيّرت فيه إيران الديموغرافيا العراقية داخل المدن، كما غيّرت تسميات الأمن وصنّعت فيه توابعها.

والإنسان العراقي، من ألصق الناس ببلده، وأكثرهم إحساسا بالاغتراب، لذلك حتى اللحن العراقي ظلّ حزينا ومثخنا بالآهات والأوجاع. وظل الشعراء يسألون الساسة فيه عن أمنياتهم بأن يسقط القمع، وأن يعود المنفيون إلى وطنهم وأن تفتح البصرة أبوابها للفلسفة والشعر، وتعود الكوفة كما كانت حاضرة لغوية مزدهرة. وما أصاب العراق هو ما أصاب سوريا في خمسة عقود وأزيد، وكذلك ليبيا واليمن، إنها أوطان كانت مريضة معتلة بالفرد حين حكم واستبد فغابت العدالة وكثر فيه النفاق وقيدت الحريات.

ليست الديمقراطية عمليّة سهلة المنال في بلد مثل العراق، له إرثه وتاريخه وتعقيداته المتعددة، وهي خطوة مهمة بعد مسار حرج مرّ به منذ عام 2004. ولذلك، فإن التكرار والالتزام في الخيار الديمقراطي في الحكم يجب أن يظل هدفا للعراقيين، الذين قدموا الكثير من الخسائر، حتى بعد الانتقال الذي حصل عام 2004 وكان انتقالا مكلفا مليئا بالتحديات التي جعلت العراق لنحو عقدين بلدا غير مستقر، وكان عنوان الحكم فيه هيمنة إيران وميليشياتها على مصائره.

وهو اليوم وفي ظل المشهد المتشكل بعد النتائج الأخيرة للانتخابات، يعزز الوصول لنظام الحكم التعددي الحر، الذي سيمكن العراقيين من التقدم نحو المستقبل بشكل مدروس. وفي العادة، يتبع نتائج الانتخابات العراقية تعقيدات تشكيل الحكومة، وقد يحدث تأخر حتى يتم تكليف رجل الأغلبية وهو اليوم محمد شياع السوادني، لكن كون الأغلبية التي حصل عليها غير حاسمة وهي 46 مقعدا من أصل 329 مقعدا في البرلمان قد تجعلنا أمام حالة انتظار طويل نسبيا، لكي ينجز الرجل الحوار والـتوافق المطلوب مع الكتل البرلمانية الأخرى، ليتمكن من تشكيل الحكومة الجديدة، إن جرى تكليفه من قبل الرئيس العراقي.

صحيح أن المشاركة السياسية في العراق تتأثر بهيمنة الطائفية السياسية أو لعبة المكونات، لكن العراقيين جميعا ذاقوا أهوال الاستبداد والحروب والجرائم التي تفوق الوصف في حروب تكررت وتعددت، دونما سبب مقنع لها، ودونما انتصارات تستحق، وكان يمكن تجنبها، لذلك ينبغي لشرط الوعي بالتاريخ هنا أن يحدث ويتقدم لتحقيق الأفضل للبلد.

اليوم العراق في لحظة تحول إزاء دولة تعددية ديمقراطية، وهذا ما يتطلب وعيا يقود الفاعلين السياسيين للتخلص من الانفعالية

إن النصر الذي تحقق في العراق بعد إنجاز الانتخابات، ليس لفئة على فئة بعينها، فالأغلبية وربما تآلف الخصوم هو أمر محتوم لاستمرار الممارسة، لكن الانتصار هو ما أعلنته الدولة في الإصرار والاستمرار والالتزام بالعملية الانتخابية وفقا لمعايير الجهة المشرفة عليها، ووفقا لمتطلبات السمعة الدولية التي يمكن لها أن تنقل العراق من تصنيف الدول غير المستقرة إلى خانة الدول المستقرة.
وكما أن لكل عملية أخطاء، فقد أعلنت  المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، أن جميع الاعتراضات الواردة بشأن نتائج الاقتراع تُعد شكاوى وليست طعونا، وهي بذلك لن تؤثر على النتائج النهائية للانتخابات، لكن المشاكل السياسية والاعتراضات التي قد تواجه رجل الأغلبية محمد شياع السوادني باتت واضحة ما لم يُحدث اختراقا في صفوف معارضيه، أو إجراء تفاهمات تؤمن وضعه. إذ من المتوقع أن يواجه ممانعة في تولي رئاسة الوزراء للمرة الثانية من تحالفات شيعية أخرى في واجهتها "الإطار التنسيقي"، بائتلاف "دولة القانون" بقيادة نوري المالكي، وكتلة "صادقون" بقيادة قيس الخزعلي، اللذين حصلا على 60 مقعدا، وربما يحشدان معهما معارضات شيعية أخرى.
اليوم العراق في لحظة تحول إزاء دولة تعددية ديمقراطية، وهذا ما يتطلب وعيا يقود الفاعلين السياسيين للتخلص من الانفعالية، وهو ما يعني وجوب إحداث تغيرات في البنى والوعي الذي يجعل الحياة السياسية أكثر ديمقراطية، وقد يؤدي ذلك لبروز مجتمع ديمقراطي جديد تـتأتى منه المساواة الكبيرة للموارد والطاقات بين المواطنين، أو من مَدّ العملية الديمقراطية لتشمل مؤسسات مهمة كانت تحكم سابقا بشكل غير ديمقراطي. 

font change