الطريق إلى سوريا 2026

الطريق إلى سوريا 2026

استمع إلى المقال دقيقة

نودع عاماً ونستقبل عاماً جديداً. وفي سوريا لم يكن العام كأي عام، عام مضى على سقوط مملكة الخوف ونهاية حقبة استمرت أكثر من نصف قرن حكم خلالها الأسد الأب والولد سوريا بالحديد والنار، وحولا الجغرافيا السورية إلى مقبرة جماعية، وحولا الشعب السوري إلى طوائف وقبائل تخشى بعضها البعض.

تحقق الكثير في سوريا خلال عام، بدأت سوريا عملية الاندماج مع المجتمع الدولي ومحيطها العربي، وزار رئيسها أحمد الشرع البيت الأبيض لأول مرة والتقى الرئيس الأميركي دونالد ترمب بعد لقاءين سبقا الزيارة، حضر الجمعية العامة للأمم المتحدة كأول رئيس سوري منذ عقود يخطب من على منبر الأمم المتحدة، زار موسكو والتقى بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وحظي باستقبال لافت رغم الدور الروسي في سنوات الثورة السورية الداعم للأسد والمشارك في الحرب على السوريين، رفعت العقوبات عن سوريا بما في ذلك ذكر عقوبات قيصر، ولأول مرة منذ عام 1979 سوريا من دون عقوبات. لكن عام 2025 لم يكن عاماً وردياً على سوريا والسوريين، ولا يبدو أن عام 2026 سيكون أفضل كثيراً إن لم تسارع السلطة باتخاذ خطوات فورية لوقف الانزلاق المجتمعي والتدهور الأمني.

أبى عام 2025 أن يغادر دون تفجير دموي بمسجد علي بن أبي طالب بحمص راح ضحيته عشرات المصلين بين ضحايا وجرحى، تفجير استهدف الطائفة العلوية ولكنه استهدف أيضاً مفهوم الدولة والوطن.

عام شهدنا فيه محاولة انقلاب في الساحل السوري تلتها مجازر راح ضحيتها أكثر من ألف مدني معظمهم من أبناء الطائفة العلوية، شهدنا أيضاً صراعاً سياسياً في السويداء مع شيخ العقل حكمت الهجري ومؤيديه انزلقت الدولة فيه إلى معركة عسكرية وانتهاكات جسيمة بحق مدنيين من طائفة الموحدين الدروز.

نستطيع القول إن فلول النظام السابق هم من بدأوا بالمعركة في الساحل، كما نستطيع القول إن نية الهجري بالصراع مع دمشق وعلاقته مع إسرائيل قد بدأت قبل دخول قوات الأمن إلى السويداء

نستطيع القول إن فلول النظام السابق هم من بدأوا المعركة في الساحل، كما نستطيع القول إن نية الهجري بالصراع مع دمشق وعلاقته مع إسرائيل قد بدأت قبل دخول قوات الأمن إلى السويداء مصحوبة بفزعة العشائر، ولكن هذا لا يغير من حقيقة أن مجازر ارتكبت بحق العلويين والموحدين الدروز، والأهم من هذا وذاك وما يجب أن تدركه السلطة أن مسؤوليتها تكمن في حماية جميع مواطنيها وضمان أمنهم وسلامتهم.

أثناء خروجه من قاعة الاجتماعات في الأمم المتحدة في نيويورك، سألت الزميلة في قناة "الحدث" ناديا البلبيسي الرئيس السوري أحمد الشرع: "ماذا تقول لمؤيديك؟" فأجابها أنا رئيس كل السوريين وأتوجه للجميع وليس فقط للمؤيدين، دل هذا الرد على حنكة وسرعة بديهة يتمتع بهما الشرع بشهادة معظم من التقاهم.

بعد عام على سقوط الأسد، صار لزاماً على السلطة أن تنتقل من عقلية المنتصر إلى عقلية الضامن، من عقلية تمثيل فئة من السوريين، إلى تمثيل جميع السوريين، من عقلية بعض ممن هم في السلطة اليوم الذين يطالعوننا بين الحين والآخر بتصريحات فئوية إلى العقلية التي تحدث بها الشرع مع "الحدث" في نيويورك.

في عام 2025 تم الاتفاق مع "قوات سوريا الديمقراطية"، وشارف العام على نهايته ولا يبدو أن الاتفاق سيدخل حيز التنفيذ في أي وقت قريب.

عادت "داعش" لتطل برأسها من جديد في سوريا، وإن كانت سوريا قد انضمت إلى التحالف الدولي لمحاربة "داعش"، إلا أن هزيمة الفكر الداعشي يحتاج إلى أكثر من مجرد عمل أمني وعسكري.

اختارت الهيئات الناخبة أعضاءً من المجلس التشريعي، ولكن مضى بضعة شهور ولم يعين الرئيس باقي الأعضاء وما زال المجلس التشريعي معطلاً، دون أن نعرف سبب هذا التعطيل في وقت تحتاج فيه البلاد إلى سن التشريعات والقوانين لإطلاق عجلة البناء، بناء الدولة والمؤسسات قبل الحجر.

ويبقى أبرز ما واجهته سوريا خلال عام 2025 هو الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة والتوغل الإسرائيلي واحتلال أجزاء جديدة من الأراضي السورية

ويبقى أبرز ما واجهته سوريا خلال عام 2025 هو الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة والتوغل الإسرائيلي واحتلال أجزاء جديدة من الأراضي السورية، أكثر من 400 توغل وأكثر من 1000 اعتداء، ومع ذلك يبقى ما تقوم به الحكومة السورية من اعتماد الرد الدبلوماسي والإصرار على التوصل إلى اتفاق أمني "عين العقل"، فسوريا لا تحتاج إلى معارك وحروب جديدة وهي المثقلة بالجراح والدماء.

وقد تكون الأولوية اليوم على الصعيد الخارجي هي بالضغط بكل الوسائل للتوصل إلى اتفاق أمني مع تل أبيب، ليس فقط لوقف اعتداءاتها وانسحابها من الأراضي التي احتلتها منذ الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، ولكن لكف يد العبث الإسرائيلي عن الداخل السوري، فقد كشفت تقارير صحافية أجنبية من "واشنطن بوست" إلى "نيويورك تايمز" وغيرهما عن دور إسرائيل في الأحداث الأمنية الكبرى في سوريا.

وإلى أن يتوصل الجانبان إلى هذا الاتفاق، على السلطات السورية الكثير من المهام الصعبة والضرورية، والتي لن تحل محلها الاحتفالات والمهرجانات، وأولها بناء جيش وقوى أمنية على أسس وطنية، تحمل مسؤولياتها تجاه جميع السوريين بمختلف انتماءاتهم، وإطلاق مسار المحاسبة والعدالة بشكل جدي وحقيقي يليق بسوريا ودماء الضحايا، كل الضحايا.

عام مضى تحقق خلاله الكثير، تحقق ما لم نكن نتوقع أن يتحقق خلال عام واحد، ولكن سوريا تحتاج إلى المزيد وتحتاج أولاً إلى وحدة السوريين وإشراكهم في إعادة بلدهم بعد عقود كانت خلالها الدولة مخطوفة على يد نظام الأسدين.

عام واحد لا يكفي للخروج من حالة اللادولة والانقسام التي تسبب بها حكم الأسدين، عام واحد لا يكفي للانتقال من "المزرعة" إلى الدولة، ولكن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة وقد خطونا خطوات، وصار لزاماً التركيز على الداخل السوري ليتحول شعار "سوريا أولا" إلى خارطة طريق لجميع السوريين.

font change