عودة عائلات الدواعش

داعشيات يكشفن لـ«المجلة» عن الصراعات بين المقاتلات العربيات والغربيات داخل المخيمات

عودة عائلات الدواعش

* لا يقتصر التوتر على القسم المخصص لعائلات الدواعش الأجانب، بل يطال القسم الآخر حيث تعيش عائلات سورية وأخرى عراقية شردتها المعارك ضد التنظيم
* تحتل العائلات السورية والعراقية الصدارة لناحية العدد، تليها تلك العوائل الداعشية القادمة من روسيا وجمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقًا وآسيا الوسطى، ثم تركيا وتونس
* الغالبية الساحقة في المخيمات من النساء والأطفال، ويحتاج هؤلاء، إلى مساعدات عاجلة من خيام ومواد غذائية وأدوية
* الافتاء المصرية: داعش من أكثر التنظيمات الإرهابية التي نجحت في اجتذاب العنصر النسائي بين عناصره واعتمد عليهن في عمليات استقطاب وتجنيد مقاتلين جدد
* في سوريا استعان التنظيم بالعنصر النسائي عبر منصات التواصل الاجتماعي من أجل تجنيد مزيد من السيدات عبر تقديم خطاب ومادة إعلامية تدعو إلى «نصرة الإسلام والمسلمين»
* اقتصر دور النساء في مرحلة من مراحل عمر التنظيم على عمليات التدوين عبر المنصات الإعلامية متحدثة عن فضل الهجرة ووجوبها
* داعش عمل على استخدام استراتيجية القاعدة في استغلال المرأة لنشر «آيديولوجيته الفكرية» المتطرفة بين العناصر النسائية الأخرى، إضافة إلى استخدامهن في الترويج الدعائي لأفكاره الخاصة بفكرة «الخلافة»
* عودة التنظيم للاعتماد على المرأة في التجنيد يرجع إلى قدرتها على الحركة دون قيود أمنية، خاصة أن اعتماد التنظيمات الإرهابية على النساء في العمليات الإرهابية لم يكن معروفًا
* اعتماد التنظيم على المرأة يعني إعادة مفهوم «الإرهاب العائلي»، وبالتالي توسع التنظيم في تجنيد مزيد من الأشخاص
* عادة ينفذ التنظيم خطة المسارات البديلة اعتمادًا على عناصره المنتشرة في عدد من دول المنطقة للتغطية على الخسائر التي تكبدها
 

كركوك- (العراق) : تصرخ إحداهن: «لست نادمة على انضمامي لـ(الدولة) وعشت الحياة التي كنت أتمناها هناك... لست نادمة... أعيدوا زوجي»... 
وأخرى تقول: «حبينا (الدولة) كدولة، والبغدادي كبغدادي، إنها دولة الإسلام ومنهاج النبوة، بذلنا دماءنا وأبناءنا على أساس أن تعود الخلافة الإسلامية مجدداً، وهي باقية»... لسان حالهن عبر مقطع مصور من بين عشرات مقاطع الفيديو للنساء الدواعش وهن يتوعدن...
وتتوارد المقاطع المصورة ضمن التقارير الإخبارية والوثائقيات في محاولة لنقل ما وراء البرقع الذي تحرص نساء داعش على الإبقاء عليه، وهن يتحدثن أمام كاميرات الصحافيين: فهنا بات مسرح صراع آخر مع داعش، إنه مخيم الهول، تقول إحدى المقاتلات الكرديات اللواتي يشرفن على أمن المخيم والتي تعتقد أنها حرب من نوع آخر وأكثر ضراوة من جبهات القتال مع التنظيم... «هنا الصراع هو مع هذا الفكر وجهاً لوجه لا أسلحة نارية بل مراعاة وصمت في كثير من الأحيان، في مقابل هذا الكم الكبير من العنف المزروع في صدور نساء داعش».
وتكشف المقاتلة هيفين في حوار مع «المجلة» من مخيم الهول شمال شرقي سوريا بالتحديد في محافظة الحسكة على الحدود السورية العراقية، قائلة: «هن يحرصن على الإبقاء على البرقع فالأكثر تشددا بين النساء يزرعن الرعب بالمخيم وتصل الأمور بهن إلى حد إحراق خيام من يتجرأن على انتقاد داعش، هن في قسم خاص مشدد الرقابة من قبل الأسايش، الكثيرات منهن عندما جئن كن يحملن السكاكين والمسدسات إلى جانب حليب أطفالهن»، مضيفة: «هؤلاء النساء أتين من كل أصقاع العالم كي يعشن في ظل ماسمي بالدولة الإسلامية. وأزواجهن إما قتلوا أو اعتقلوا لدى قوات سوريا الديمقراطية، أعدادهن كبيرة جدا، هناك كنديات، وهناك أطفال نصفهم فرنسي ونصفهم الآخر ألماني، وهناك برازيليات، وتونسيات، وتركيات، وأوزبكيات، وروسيات، وفرنسيات، والكثيرات منهن مدرجات على أنهن في غاية الخطورة، والكثيرات أيضا حلمهن بـ(الدولة الإسلامية) لم يندثر، إذ تبرز مشاعر الولاء لـداعش بشكل واضح، ولا يخفين تلك المشاعر، وهذا ما نلحظه عندما نتحدث إليهن ففي أجوبتهن كثير من التحدي».
وتتحدث عن التوترات بين الداعشيات في المخيم قائلة: «لا يقتصر التوتر على القسم المخصص لعائلات الدواعش الأجانب، بل يطال القسم الآخر حيث تعيش عائلات سورية وأخرى عراقية شردتها المعارك ضد التنظيم، ولجأن إلى المخيم، وتشعر بنوع من الحقد تجاه مقاتلي داعش وعوائلهم، وتحتل أي العائلات السورية والعراقية الصدارة لناحية العدد، تليها تلك العوائل الداعشية القادمة من روسيا وجمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقًا وآسيا الوسطى، ثم تركيا وتونس، غالبيتهم الساحقة من النساء والأطفال، ويحتاج هؤلاء، إلى مساعدات عاجلة من خيام ومواد غذائية وأدوية».
وتلفت إلى أن «مغادرة المخيم ممنوعة ولا هواتف، وضع النساء ملتبس وما يزيد التحدي بالنسبة لنا هو نقص الماء ونقص السلال الغذائية... الوضع مأساوي، وهذا يعود للمفوضية التي لا تقدم اللازم... تصرفاتهن ووحشيتهن جعلتنا نضعهن في قسم خاص لكي لا ينخرطن مع باقي اللاجئات السابقات بالمخيم، يصعب التعاطي مع كثيرات خصوصاً المتمسكات بفكر متطرف وبعضهن يشكلن خطرا حقيقيا، هن شرسات يتهمننا بأننا ناقصات إيمان ومرتدات».
وتؤكد على أن «نساء داعش غير نادمات على انضمامهن للتنظيم، كن يحلمن بالعيش مثلا كأميرات إلى جانب أزواجهن الجهاديين، تروق للكثيرات منهن فكرة العبيد والسبايا والخدم كما المسلسلات التركية في (حريم السلطان)»، مستدركة: «لكن هناك من تقول: إنها نامة، اللواتي يقلن إنهن نادمات لا نعرف بالضبط إن كن كذلك حقيقة أم لا، حيث تجدهن ذكيات، لديهن ما يمنع عنك فكرة أن تظني أنهن ساذجات أو تم استغلالهن للانضمام إلى داعش، خاصة الأوروبيات وحتى التركيات والأوزبكيات والفلبينيات والأفريقيات والآسيويات والأوروبيات، وغيرهن... هن أبداً لسن غبيات، كثيرات منهن يتقن أكثر من لغة ويحملن عدة جنسيات ومتعلمات... الكثير من اللواتي سلمن أنفسهن خلال معارك الباغوز كان على بناء تعليمات من البغدادي جاءوا إلينا ليخففوا الضغط على رجالهن الذين كانوا يحاربون وليتفرغوا للقتال، ولم تخف الداعشيات أن خروجهن كان بعد تلقيهن أمرًا بذلك من زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي الذي لا يزال مصيره مجهولاً حتى الآن، والذي يمثل بالنسبة لهن الأمل حتى الآن، فإن نساء الخلافة الزائلة يبقين قبل كل شيء مقاتلات يحتمل أن يكنّ خطيرات جدًا».
 

نساء محجبات، يعشن في مخيم «الهول» الذي يضم أقارب أعضاء تنظيم داعش، يقفن في طابور لتسلم البضائع في المخيم في محافظة الحسكة شمال شرقي سوريا في 28 مارس 2019. (غيتي)



وتبدو فكرة أنهن مخدوعات، أو جرى تلقينهن الفكر التكفيري أو أجبرن على الانضمام إلى داعش مبتذلة أو غير مقنعة لهيفين، فإن «الكثيرات منهن ما زلن يحرصن على القيام بمهامهن التي كن يقمن بها في الحسبة ويقمن بمراقبة اللباس الشرعي للنساء وتعليم الأطفال الشريعة».
وتتابع: «دفعنا الثمن الغالي في مقارعة الإرهاب؛ كثيرات من صديقاتي المقاتلات استشهدن خلال المعارك مع أعتى تنظيم إرهابي، ولن نلعب دور السجان وحدنا، لا يمكننا ذلك وحدنا، على كل البلدان تحمل مسؤولياتها خاصة دول التحالف ضد داعش، خطورة هؤلاء أكثر من المقاتلين، هناك حقد كبير، يقمن بمهاجمتنا مطالبات بإطلاق سراح أزواجهن المعتقلات لدى (قسد)... الكثيرات منهن فقدن أطفالهن بالمخيم بسبب سوء الأوضاع، وهذا ما يجعلهن أكثر وحشية، ويجعلهن أكثر خطورة».
 
إرث داعش
إذن بعد اندثار دولة داعش المزعومة جغرافيا تتجه الأنظار إلى المئات من نساء التنظيم القادرات على استقطاب مقاتلين جدد ومؤيدين للتنظيم ومشاركين معه في العمليات القتالية.
بحسب تقرير أصدره مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة بدار الافتاء المصرية، فإن داعش من أكثر التنظيمات الإرهابية التي نجحت في اجتذاب العنصر النسائي بين عناصره واعتمد عليهن في عمليات استقطاب وتجنيد مقاتلين جدد، ففي سوريا استعان التنظيم بالعنصر النسائي عبر منصات التواصل الاجتماعي من أجل تجنيد مزيد من السيدات عبر تقديم خطاب ومادة إعلامية تدعو إلى «نصرة الإسلام والمسلمين» من خلال دعم «دولة الخلافة»، فقد اقتصر دور النساء في مرحلة من مراحل عمر التنظيم على عمليات التدوين عبر المنصات الإعلامية متحدثة عن فضل الهجرة ووجوبها، وأهمية الانضمام إليه.
وتضمنت هذه المعلومات ما يجب على المرأة أن تحضره معها للذهاب إلى «دولة الخلافة»، وما هو شكل الحياة اليومية بالنسبة للنساء المنضمات إلى التنظيم.
وأشار المرصد في تقريره إلى أن تنظيم داعش عمل على استخدام استراتيجية تنظيم القاعدة في استغلال المرأة لنشر «آيديولوجيته الفكرية» المتطرفة بين العناصر النسائية الأخرى، إضافة إلى استخدامهن في الترويج الدعائي لأفكاره الخاصة بفكرة «الخلافة»، فمنذ أواخر عام 2017 أعلن تنظيم داعش في إحدى إصداراته أن «الجهاد ضد الأعداء» واجب على المرأة، كما قام بإنتاج صور دعائية لنساء يقاتلن في معاركه، وكان لهذه الإصدارات أثر في الدور الذي باتت تلعبه النساء داخل التنظيم؛ إذ وصلت نسبة الفتاوى التي تروج للعنصر النسائي في التنظيم منذ عام 2018 إلى ما يقارب 60 في المائة، وكانت توجب مشاركة المرأة في نصرة «دولة الخلافة».
وذكر التقرير أن عودة التنظيم للاعتماد على المرأة في التجنيد يرجع إلى عدة أسباب، أهمها قدرتها على الحركة دون قيود أمنية تعوق قيامها بعمليات إرهابية، خاصة أن اعتماد التنظيمات الإرهابية على النساء في العمليات الإرهابية لم يكن معروفًا منذ زمن بعيد، هذا بالإضافة إلى أنها قادرة على نشر الآيديولوجيا المتطرفة بشكل أكبر، كما أن اعتماد التنظيم على المرأة يعني إعادة مفهوم «الإرهاب العائلي»، وبالتالي توسع التنظيم في تجنيد مزيد من الأشخاص.
وأضاف المرصد أن التنظيم يسعى حاليًّا إلى تدريب النساء للتعامل مع المتفجرات، وتحضيرهن للسفر إلى أوروبا، كما أن دور النساء في تجنيد المتطرفين لا يعتمد فقط على نشر الأفكار، بل أيضًا توظيف قدرة النساء على الجذب للتأثير على الشباب وحثهم على الانضمام للتنظيم. وأكد التقرير، أن النساء في تنظيم داعش من المرجح أن يلعبن دورًا قويًّا في الحفاظ على إرث التنظيم وأفكاره، خاصة أن العنصر النسائي يشكل ما يقرب من 25 في المائة من مقاتلي التنظيم في الفترة من 2013 وحتى 2018.

 

نساء محجبات، يعشن في مخيم الهول الذي يضم أقارب أعضاء تنظيم داعش، يركبن شاحنة صغيرة في المخيم في محافظة الحسكة شمال شرقي سوريا في 28 مارس 2019. (غيتي)


 
الهول... دويلة الخوف
بعد أن كان التنظيم يسيطر على ثلث مساحة سوريا والعراق، اليوم دويلة داعش اختصرت في كيلومترات معدودة ضمن سور يضم داخله خياما بدائية التنصيب تؤوي سلالة داعش الفكرية: نساءهم وأطفالهم، فدويلة الهول أو مخيم العجز الدولي، في بقعة جغرافية جنوب شرقي الحسكة... ضمن مخيم الهول يقبع أكثر من 70 ألف شخص يعايشون مأساة وكارثة في مختلف جوانب الحياة، يزورهم الموت ويبسط ذراعيه على أطفال المخيم حاصدًا أرواح المزيد منهم كل يوم، مزيد من الأطفال يفارقون الحياة نتيجة سوء الأحوال الصحية والمعيشية، ونقص الأدوية والأغذية، والنقص الحاد في الرعاية الطبية، بفعل تقاعس المنظمات الدولية، حيث ارتفع عدد الأطفال إلى ما يقارب 90 طفلا، فارقوا الحياة في المخيم منذ السيطرة على مزارع الباغوز من قبل قوات سوريا الديمقراطية وإنهاء التنظيم هناك يوم 21 منارس (آذار) وحتى الآن، وبعد أن تحول لدويلة صغيرة تضم في غالبيتها أطفال ونساء عناصر تنظيم داعش، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
ورصد المرصد السوري لحقوق الإنسان تواجد أكثر من 73 ألف شخص في مخيم الهول من جنسيات سورية وعراقية وجنسيات أخرى عربية وأجنبية وآسيوية، من ضمنهم ما يزيد على 12.200 عائلة عراقية مؤلفة من نحو 32.200 من الأطفال والمواطنات وبعض الذكور، إضافة لآلاف العوائل من جنسيات مختلفة غربية وأوروبية وآسيوية وشمال أفريقية ومن جنسيات أخرى، فيما البقية من الجنسية السورية.
فيما زاد الطين بلة ما يجري من توترات ومشادات وعراك داخل مخيم الهول، سواء من هجمات لنساء عناصر التنظيم ومطالبتهم بالإفراج عن أزواجهن أو من خلال الاشتباكات بين عوائل التنظيم وبخاصة ممن هم من جنسيات مختلفة، والتي كان رصد المرصد السوري آخرها والذي تمثل بعراك تسبب في إصابة عدة أشخاص بجراح، إثر مشاجرة واشتباك بالأيدي والأسلحة البيضاء بين عوائل من الجنسية العراقية وأخرى من الجنسية السورية، وخلال عملية فض الاشتباك من قبل قوات الأمن الداخلي الأسايش.
حيث لوحظ شتم وتهديد من قبل عناصر التنظيم قائلين لعناصر حماية المخيم: «نريد أزواجنا الموجودين في معتقلاتكم… نحن لا نخاف منكم بل يجب أن تخافوا منا أنتم… نريد الخروج من المخيم» كما هاجمن نقطة طبية في المخيم وحطموا نوافذها مطالبين بالإفراج عن رجالهن وذويهن المعتقلين لدى «قسد».
وبحسب المرصد فقد تسربت عوائل داعشية من المخيم نحو الأراضي التركية أو مناطق سيطرة قوات عملية «درع الفرات» في القطاع الشمالي الشرقي من ريف حلب، عبر دفع مبالغ مالية لمهربين تقارب 650 دولاراً للشخص الواحد.
ويذكر أنه في تسعينات القرن الماضي أنشأت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مخيماً في مدينة الهول السورية، ليكون مأوى للنازحين الهاربين من حرب الخليج.
وبعد نحو 3 عقود على إنشائه، أصبح «مخيم الهول» يؤوي عشرات الآلاف من اللاجئين الفارين أيضًا لكن هذه المرة من تنظيم داعش الإرهابي، قبل أن ينضم إليهم آخرون من زوجات وأبناء التنظيم الإرهابي، عقب إجلائهم عن مناطق نفوذهم في سوريا، حيث يعيش فيه ما يزيد على 70 ألفا فيما قدرته الاستيعابية نحو 20 ألفا فقط.
وهناك 9 آلاف امرأة وطفل أجنبي، يعشن تحت رقابة صارمة في مكان معزول داخل مخيم الهول، وبلغ عدد المنضمين الأوروبيين إلى داعش منذ بداية الحرب 5 آلاف شخص، بواقع 280 من أميركا، و1300 فرنسي، و800 روسي، و500 من بريطانيا، و400 من ألمانيا، و400 من تركيا، و875 من البلقان.


 

أمل دادة


 
عبء ثقيل
النساء والمقاتلون الأجانب الذين يسعون إلى العودة لأوروبا الآن أكثر خطورة بكثير من العائدين السابقين، إذ يملأهم السخط بعد سنوات من المعارك، وتتفق أمل دادة الرئيسة المشتركة لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا مع هذا الكلام وتقول في حوار مع «المجلة» حول أوضاع نساء وأطفال داعش في شمال وشرق سوريا وقضية المطالبة بمحكمة دولية لمحاكمة مقاتلي داعش: «إن وجود الآلاف من هؤلاء في المخيمات والمعتقلات لدينا يشكل عبئا كبيرا على الإدارة الذاتية تفوق قدرتها على تحمل هذه المسؤولية التي تقع على كاهل المجتمع الدولي والمنظمات الدولية ومفوضية اللاجئين، الأمر غير محصور فقط بالمستلزمات الطبية والأكل والماء بل أيضا بالسيطرة الأمنية»، مشيرة إلى أنه «استجابة من بعض الدول لتسلم مواطنيها المعتقلين لدى قوات سوريا الديمقراطية الذين انخرطوا في صفوف تنظيم داعش وعائلاتهم بسوريا».
وتؤكد دادة على «أنهم قدموا مقترحًا للتحالف الدولي لعقد مؤتمر دولي لبحث موضوع معتقلي مرتزقة داعش في شمال وشرق سوريا، وأن هناك وفدًا من الخارجية الفرنسية تسلم خمسة أطفال خلال الفترة الماضية ولا يزال هناك نقاش وتنسيق معهم لتسلم المزيد من مواطنيهم الأسرى لدينا، بالإضافة لروسيا الاتحادية التي تسلمت ثلاثة أطفال من أبناء المرتزقة».
وتضيف دادة: «زارنا وفد من خارجية السودان للبحث في قضية معتقليهم لدينا، ولم يتم تسليمهم بعد، حيث لا يزال البحث في عملية التسليم والبحث عن مواطنيها المحتجزين وعائلاتهم جاريًا إلى الآن»، موضحة «هناك آلية التنسيق مع الدول لتسلم المعتقلين الدواعش لدى قوات سوريا الديمقراطية حيث تتم مخاطبتهم عن طريق البريد الإلكتروني ويتم تسلم الأسماء المطلوبة لديهم، ولدينا لجنة معنية بهذا الأمر تعمل على التنسيق وتسليم المعتقلين وفق وثائق رسمية وضمن مؤتمر صحافي».
وتشير إلى أنه «ليست هناك عوائق من قبل الإدارة الذاتية بما يخص عمليات التسليم، بمجرد أن تكون قانونية وبشكل نظامي عن طريق اللجنة المعنية بهذا الأمر، وتكون العملية ضمن مؤتمر صحافي رسمي»، مستدركة: لكن هناك «بعض الدول امتنعت بشكل قاطع عن تسلم دواعشها المعتقلين لدينا وهم مع عائلاتهم عبء كبير على الإدارة الذاتية وليسوا مسؤولية الإدارة وحدها بل مسؤولية العالم أجمع، العائلات الأجنبية الموجودة من أكثر من 54 دولة أجنبية عدا الدول العربية».
وتتابع أن «هناك الكثير من الخروقات من قبل المعتقلين في المخيمات والأماكن المحتجزين فيها ويمثلون مخاطر على الإدارة والأهالي المتواجدين في المنطقة وهناك نقاش حول موضوع الدواعش بين الإدارة الذاتية والتحالف الدولي وقدمت الإدارة خلال الاجتماعات وتناول هذا الموضوع مقترحًا بهذا الخصوص يتضمن ضرورة عقد مؤتمر دولي لتناول هذا الموضوع والبت فيه، وضرورة أن تكون هناك محكمة دولية لمحاكمتهم وما زال هذا الأمر موضوع نقاش مع التحالف».
وحول اتفاق الإدارة الذاتية مع بغداد على إعادة نحو 31 ألف عراقي من مخيمات سوريا إلى بلدهم قالت كان هناك لقاء تم بين وفد رسمي من حكومة الجمهورية العراقية ودائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا حيث تم التباحث حول وضع اللاجئين العراقيين المدنيين الموجودين في مناطق الإدارة منذ سنوات والذين يزيد عددهم عن 30 ألف لاجئ والذين لا صلة لهم بتنظيم داعش الإرهابي، هؤلاء اللاجئون موزعون بين مخيم الهول ومناطق أخرى من مناطق الإدارة الذاتية.
وتتابع: «وفي إطار التباحث سجّل ما يقارب الـ4 آلاف شخص بينهم أطفال ونساء، ومن الذين يودون العودة إلى العراق طوعًا وتسلم الوفد قائمة الأسماء، أما الذين لم يبادروا بالتسجيل فلن يكون هناك أي ضغط عليهم ويتم التعامل معهم من قبل الإدارة الذاتية وفق العهود والمواثيق الدولية»، مستدركة: «نواجه مشكلة عدم حيازة الكثير من العراقيين أوراقاً ثبوتية وهويات عراقية، عدا عن وجود أطفال ولدوا في سوريا».
في العراق، أكد علي عباس، أحد مسؤولي وزارة الهجرة والمهجرين، التي تتولى متابعة ملف النازحين العراقيين في سوريا، لوكالة الصحافة الفرنسية «إنهاء جميع الاستعدادات لاستقبال هذه العوائل» في مخيم يتم تشييده راهنًا قرب سنجار في شمال غربي العراق، ومن المتوقع أن يكتمل خلال شهرين.
وتعتزم السلطات العراقية، وفق عباس، إخضاع العائلات «لتدقيق أمني» مع وجود «مؤشرات بأن قسمًا منهم من عوائل الدواعش، وهذا الأمر مشخص من قبل التحالف الدولي» بقيادة أميركية، وبالتالي لن يكون «من السهل تركهم للاندماج في المجتمع لأن هناك التزامات قانونية ستفرض عليهم وعلى ذويهم».
وقال إنهم «سيخضعون لبرنامج ثقافي وديني بعدما تعرضوا لغسل أدمغة»، في عملية قد تتطلب «سنوات»، في حين يمكن لمن لا توجد أي شبهات أمنية حولهم العودة إلى مناطقهم.

 

داود شيخ جندي


 
مصحوب بالخطر
لكن الأمر لن يكون هينا، فمجرد الإعلان عن عودة العوائل العراقية التي يمكن أن يكون من ضمنها عوائل داعش يزيد الهم على الهم للعراق الذي لم يتعاف بعد من آثار داعش وإن كان قد أعلن في 2017 النصر على داعش... داود شيخ جندي، عضو مجلس محافظة نينوى من المكون الإيزيدي، يؤكد على أن «حق العودة حق طبيعي لكل لاجئ خرج من بلده إلى بلد آخر، ولكن عودة العراقين الذين لجأوا إلى سوريا إبان فترة داعش يجب أن يكون هناك حساب دقيق فيه، حتى يمكن السيطرة على عودتهم والسيطرة على الخطر الذي ربما يصاحبهم».
ويقول جندي لـ«المجلة»: «علينا التمييز بين نوعين من هؤلاء؛ الأول الذين كانوا مع داعش (مقاتل، مساعد، ممول... إلخ) والثاني الذين لجأوا بعد عمليات تحرير نينوى إلى سوريا هنا أيضا يجب التأكد منهم ومن أسباب لجوئهم إلى سوريا وليس النزوح إلى داخل المناطق الآمنة والمسيطر عليها من قبل الجيش العراقي والبشمركة، بمعنى يجب أن يكون هناك تدقيق أمني عالي المستوى من خلال الاستعانة بقاعدة البيانات وكذلك الاعتماد على الأشخاص الموثوق بهم لمعرفة خلفيات اللاجئين الراغبين بالعودة»
وفيما يخص إقامة مخيم بالقرب من سنجار وإسكان اللاجئين فيه يقول: «ليس هناك أمر أو تصريح من جهة رسمية معنية من الحكومة العراقية بهذا الشيء، وإن كانت هناك نية لهذا الغرض فبالتأكيد سوف يكون هناك عامل أساسي لتصعيد التوتر في المنطقة بشكل كبير وسوف يؤثر سلبا على عودة نازحي سنجار إلى المنطقة».
ويؤكد على أن «هذا الموضوع سيشكل تحديا جديدا للمنطقة التي يعاني أهلها أصلاً من تواجد بعض عائلات الدواعش في مخيمات جنوب الموصل، أن هؤلاء الدواعش ارتكبوا مجازر بحق أهل نينوى، وعودتهم تشكل مشكلة اجتماعية كبيرة، لأن الدواعش معروفون لدى أهالي المنطقة وارتكبوا جرائم بحق الأقليات من أبناء الشعب العراقي، خصوصا الإيزيديين والمسيحيين وحتى الأطفال سيكونون مشاريع قنابل موقوتة إذا لم يتم التعامل معهم بحكمة وطرق علمية، وإعادة تأهيل حقيقية، ليصبحوا صالحين بعيدين عن التطرف»، مشددا على أن «الملف خطير جدًا، في ظل عجز الدولة على احتواء هذه المشكلة الكبيرة، الدولة عاجزة حتى الآن لإعادة النازحين إلى مناطقهم فكيف ستؤمن الرعاية الصحية للقادمين الجدد».
وختم قائلا: «لا يجوز أن ننسى أن جمع الإرهابيين والمعتقلين في سجون ومعتقلات ما قبل عام 2014 أفرزوا لنا قيادات الإرهابيين الدواعش الذين تم تهريبهم بعمليات إرهابية أو تم إطلاق سراح بعضهم لعدم توفر الأدلة، ونحن نخشى أن تتحول مخيمات النزوح إلى معمل لإنتاج داعش أو أي تنظيم إرهابي جديد تحت اسم آخر، ما يعني أننا كإزيديين وحتى المكونات الأخرى من المسيحيين والكاكائيين وغيرهما سيبقون ضمن دائرة الخطر، لن ننعم بالأمان».
ليس فقط الإيزيديون والمسيحيون في العراق هم الذين يتخوفون من عودة عوائل داعش، فحتى العشائر العربية في الأنبار ونينوى وغيرهما من المناطق التي سيطر عليها داعش وتم تحريرها يرفض أبناؤها عودة عوائل داعش إلى مناطقهم، بمعنى أن مشكلة عوائل داعش أو من بايعوا داعش ليست مع الحكومة العراقية فحسب بل مع بعض العشائر التي هددتهم بالقتل إذا عادوا إلى منطقتهم، هنالك الآلاف من العوائل قاتل أبناؤهم إلى جانب تنظيم داعش وعزلوا في مخيمات تفتقد «للحد الأدنى من متطلبات العيش الكريم»، في محافظات الأنبار ونينوى وصلاح الدين، أي عزلت أسر عناصر التنظيم في مخيمات النزوح لوحدها دون أن يسمح لأحد بالاقتراب منهم أو التحدث إليهم، ولا يخرج منها أحد إلا في الحالات الاضطرارية التي تتعلق بصحته.
ففي النظام العشائري العراقي، هناك ما يعرف بـ«الجلوة» أي الإجلاء، وهي آلية لطرد أهل وذوي مرتكب أي جريمة، كالقتل أو تلك التي تتعلق بـ«الشرف»، من مدينتهم إلى مدينة أخرى، والأمر يسري هنا على أسر أو عوائل داعش إذ ترفض بعض العشائر، خاصة في محافظة صلاح الدين، وحتى في نينوى والأنبار عودة أسر المنتمين إلى داعش نتيجة الخلافات العشائرية التي ظهرت أثناء فترة سيطرة التنظيم على المحافظة وتبادل الاتهامات فيما بينها والاقتتال.
 
مفرخة دواعش
وهناك في العراق الآلاف من الرجال والنساء والأطفال إذا ما اعتمدنا إحصائيات الحكومة عن المحتجزين بتهم الإرهاب يطلق عليهم المجتمع اسم «عوائل الدواعش»، منهم من حملوا السلاح للقتال في صفوف تنظيم داعش عندما سيطر على قُراهم، وﻓﻲ ﺣﺎﻻت أﺧرى، اﺧﺗﺎر هؤلاء ﻣواﺻﻟﺔ اﻟﻌﻣل ﻓﻲ المستشفى أو المكتب الحكومي المحلي، حتى بعد أن ﺳﯾطر التنظيم على اﻟﻣﻧطﻘﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﻌﯾﺷون ﻓﯾﮭﺎ.
ممكن أن تجد في أحد المخيمات الجلاد والضحية أصبحا في مخيم واحد، عوائل الدواعش، الذين نزحوا إلى المخيم، وأيضا مدنيون نزحوا من قراهم نتيجة إجرام داعش وسيطرته على مناطقهم، والمدنيون يريدون حقهم من عوائل الدواعش الذين هجّروهم، والذين قتلوا آباءهم.
واليوم تعيش معظم هذه العائلات في مخيمات أنشأها المجتمع الدولي للعائلات النازحة نتيجة القتال بين القوات العراقية وداعش، بين عامي 2014 و2017. على الرغم من أن هذه المخيمات تضم عائلات نازحة «عادية»، أصبحت بحكم الواقع سجونا لـ«عوائل الدواعش»، قد يكون مصير هؤلاء الأشخاص من أهم العراقيل أمام أمن العراق القومي واستقراره في المستقبل وأرضية خصبة للتطرف لاحقا.
ومن بين التحديات الاجتماعية الأمنية المهمة ما بعد زوال دولة داعش المزعومة: ملف التعامل مع عوائل الدواعش، فهل من الأفضل عزلهم في مخيمات خاصة ونبذهم كما يدعو لذلك البعض؟ أم تركهم في مناطقهم للعيش مع عوائل ضحايا داعش؟ وهل كل عوائل الدواعش مجرمون ومؤيدون لفكر أبنائهم المنحرف أم إن فيهم معارضا لذلك الفكر؟ ما الذي سيولده بقاؤهم في مناطقهم مع عوائل ضحايا داعش؟ وماذا سيترتب على عزلهم في مخيمات خاصة بهم ونفيهم من تداعيات مستقبلية؟
كل هذه الأسئلة من الممكن أنها لم تخطر على بال المسؤولين العراقيين عندما أعلنوا النصر النهائي على داعش ففي العاشر من يوليو (تموز) 2017 أعلن القائد العام للقوات المسلحة العراقية حيدر العبادي عن إعلان النصر على داعش.
وخلال عمليات التحرير عزلت العوائل الداعشية، خوفا من عمليات الثأر العشائري، في مخيمات خاصة وبحراسة أمنية مشددة مع أطفالهن وكبار السن والشباب الذين ظهرت سلامتهم الأمنية والقضائية، بعد تعايشهم لـ3 سنوات تحت حكم داعش.
 

هشام الهاشمي



الباحث في شؤون الجماعات المتطرفة هشام الهاشمي الذي زار عددا من هذه المخيمات يرى أن «عزل عوائل تنظيم داعش في مخيمات لوحدها، انتهاك لحقوق الإنسان، وهو أمر ينتفع منه تنظيم داعش أو أي تنظيم آخر، فتلك المخيمات يمكن أن تكون أرضًا خصبة لصناعة المتطرفين».
ويكشف الهاشمي في حوار مطول مع «المجلة» عن أن «ما بقي من المخيمات في العراق هو 94 مخيما فيها قرابة 600 ألف نسمة يعتقد أن بينهم 184 ألفا هم من عوائل داعش، وهناك نازحون، فيما يخص عوائل داعش، هناك حظر من عودتهم لمناطقهم مثال البيجي وجرف الصخر وبعض مناطق يثرب وقرى الرياضية وبعض المناطق المحيطة بسنجار والقرى الموجودة بديالى».
ويضيف أن «أماكن توزع المخيمات التي تضم عوائل داعش موجودة بالأنبار وموجودة أيضا في نينوى، وفي الغالبيمكن تقسيم عوائل دعش أو الموجودين في المخيمات إلى عدة فئات، فئة عوائل داعش الذين يخشون من عمليات الثأر، وفئة أخرى هم من الممنوعين من العودة لعدم امتلاكهم وثائق ولم يتم التحقق من سلامة موقفهم الأمني، فئة ثالثة هم ممن تهدمت بيوتهم وليس لهم مأوى، والفئة الرابعة ضمن مناطق تسمى المناطق التي لا يسمح لهم بالعودة إليها متل سليمان بيك وجرف الصخر يثرب ومناطق أخرى وبيجي والصينية.وأسباب المنع ثلاثة أسباب في الغالب دينية قومية اقتصادية والحكومة العراقية لا تريد إرجاعهم لأنها لا تستطيع أن تحافظ عليهم، وهي تستطيع أن تفرض عوتهم لكنها لا تستطيع أن تضمن سلامتهم بعد العودة».
ويلفت إلى أن هناك «قرابة 29 ألف عراقي بمخيم الهول، 20 ألفا هم من العوائل التي هربت من داعش بين مارس 2015 مارس 2019. هؤلاء العراقيون هربوا من معارك القوات الأمنية ضد داعش، الفئة الثانية 27 ألفا تقريبا وهم من عوائل داعش الذين التحقوا بمخيم الهول بعد معارك شرق الفرات، هؤلا نحن نقسمهم إلى قسمين فيهم 502 مقاتل داعشي تنفيذي هؤلاء تم تسليمهم إلى العراق، وفيهم 959 عنصرا يشتيه في أنه كان لوجستيا في داعش وهؤلاء لا يزالون في مخيم الهول لكن ضمن الطوق الأمني»، مشيرا إلى أن «من تم الحديث عن إعادتهم هم من الفئة الأولى الـ20 ألف عائلة التي هربت من الحرب ضد داعش ولحد الآن العراق استقبل 5.948 ألفا».

 

مظاهرة لمؤيدي حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين في مدينة غزة في 29 مارس 2008 يحثون فيها الزعماء العرب المجتمعين لحضور القمة العربية في دمشق لدعم محاولة سد الفجوة بين الفصائل الفلسطينية المتنافسة. (غيتي)


 
مكتبة من الكراهية والحقد
ويضيف: «أنا زرت الكثير من هذه المخيمات التي هي غالبا للنساء والأطفال والشيوخ، ليس فيها شباب، غالبا النساء اللواتي لم يتم تصنيفهن على أنهن لوجستيات في داعش وهن بالأصل لديهن بيعة ومنضمات لكتيبة الخنساء هؤلاء يشكلن خطرا كبيرا... أخطر من الرجال، التقيت بهن في الجدعة بالموصل في مخيمات الكيلو 90 والكيلو 18 في الأنبار، التقيت بهن كل واحدة منهن تمثل مكتبة من الكراهية والحقد والأفكار السلبية، الحكومة لم تقم بالشيء اللازم هؤلاء متروكون كأنهم في أقفاص حيوانات متوحشة مع حيوانات أخرى يخشاها الجميع... ليس مسموحا لأي واحد منهم بالخروج أو مشاهدة التلفاز أو حتى استخدام المحمول، ليس هناك فرز لهم على أساس القناعة والخطورة والإجرام، ولا يسمح بدخول المنظمات الدولية إلى تلك المخيمات، مخيمات العزل التي يعيش فيها عائلات داعش، كمان أن هناك فسادا كبيرا بتلك المخيمات، وهو فساد مالي، وفساد أخلاقي مثل استغلال النساء مقابل السماح لهن بالخروج واستغلالهن في الدعارة وأيضا استغلال الأطفال، فعلى سبيل المثال بالقيارة تجدين العشرات من الأطفال يتسولون بالشوارع وهم ممن يعيشون بالمخيمات».
ويتابع: «العراق ينسق من جهة مع دمشق ومن جهة مع روسيا، من جهة مع التحالف الدولي ومن جهة مع أميركا باتجاه (قسد)حول قيادات الدواعش العراقيين اللوجستيين والتنفيذيين، جميعهم تسلمهم العراق، بقي 959 مشتبها بهم لم يتسلموهم بعد من قوات سوريا الديمقراطية والعراق يتسلم من ثبت أن جنسيته عراقية»، منوها إلى أن هناك «3 آلاف داعشي من الجنسيات الأوروبية لدى قوات (قسد)، أما بالعراق فهناك أقل من 1000 داعشي أوروبي الجنسية من الذكور، وأكثر من 1400 من النساء، والأطفال من 13 جنسية أوروبيةوهؤلاء كلهم سوف يحاكمون بالعراق كما أن دولهم تفضل محاكمتهم بالإعدام في العراق، أي حسب القانون العراقي، وأي شخص أجنبي يثبت أنه قاتل على الأرض العراقية يحق للعراق محاكمته»، مضيفا: «الدواعش العرب أقل بكثير من الأوروبيين، غالبا العرب قضوا في عمليات انتحارية في معارك الموصل».
ويرى هشام الهاشمي أن «الأمر لا يتعلق ببضع مئات من العوائل (المنبوذة) نتيجة انتماء أفرادها لتنظيم داعش، أو بضع مئات من أفراد مطاردين من عشائر سقط أبناؤهم ضحية للتنظيم، بل يتعلق بآلاف العوائل وعشرات آلاف الأفراد الذين يتعرضون لانتهاكات مختلفة وهناك الكثير من الانتهاكات تتعرض لها عوائل داعش، من دون أن ترصد قانونيا أو قضائيا، فالرشوة منتشرة أي تدفع لكي لا تتعرض للمشاكل والمضايقات، وهناك الاستغلال الجنسي والاغتصاب، فضلا عن الاستيلاء وبيع المساعدات التي تأتيهم من المنظمات المدنية، وصولا إلى استخدام الأطفال في التسول».
ويرى الهاشمي، أنه على إدارات المخيمات 5 خطوات للتقليل من انتشار الفكر المتطرف:
1 - عزل المشتبه بتطرفهم في مخيمات خاصة، ويتم ذلك بمساعدة لجان خاصة بتشخيص الفكر المتطرّف والسلوك العنيف، وفق الأدلة الحقيقية والقرائن الصحيحة والمعاير النفسية والاجتماعية والفقهية المعتدلة.
2 - الاستعانة بمنظمات صناعة السلام وتمكين الاستقرار والمصالحة الوطنية الجادة، لكتابة حلول لكل جغرافيا أو بيئة لها علاقة بمن تم تصنيفهم بأنهم غير ملوثين بالدعشنة...
3- فرض التعليم الإلزامي على الأولاد والعمل على دمجهم بمدارس خارج المخيمات بعد أخذ الإذن من اللجنة المختصة بكتابة تقرير شفائهم وبراءتهم من عوالق الفكر والسلوك الداعشي.
4- فرض دورات وورش عمل نفسية وتربوية خاصة بالحوار الديني والاجتماعي والاقتصادي بكلا الجنسين من البالغين لتخفيف التطرّف عند الفئة التي تم عزلها بالمخيمات الخاصة.
5 - برامج خاصة لتعزير الثقة بالهوية الوطنية والتعريف بالآخر والتثقيف بثقافة الاعتذار منه والتعايش معه، مع حرية التدين لكل إنسان ما لم يورث ذلك التدين السلوك العنيف العدائي.
ويبقى أن مدن جرف الصخر، وبيجي، والصينية، ويثرب، وسلمان بيك، والعويسات، والنخيب، والنواحي المحاذية لمحافظة بابل التابعة للأنبار وبلدات ذراع دجلة وإبراهيم ابن علي وقرى التاجي وضواحي يثرب وسليمان بيك وربيعة وسنجار وقرى وبلدات في مخمور وزمار وسهل نينوى وقرى شمال شرقي بعقوبة في ديالى ومناطق كثيرة غيرها، لم تعد إليها الحياة بعد بشكل كامل والبعض منها يخلو من الحياة أصلا.
ونشرت «هيومان رايتس» تقريرا ذكرت فيه أنها علمت من إحدى منظمات الإغاثة الدولية أنها تلقت تقارير بأن حراس أحد المخيمات في الأنبار يطالبون بممارسة الجنس مع النساء إذا كن يردن مغادرة المخيم لتلقي المساعدة الطبية، أو حتى لزيارة أزواجهن في السجن.
وبحسب «هيومان رايتس» فإن العائلات لا تحصل عادة على شهادة ميلاد صالحة للأطفال المولودين في أراضي داعش. لذا، لا يمكن للأطفال الالتحاق بالمدرسة، ولا حتى مدارس المخيمات. ترى ما مصير أولئك الأطفال عندما يكبرون؟
فيما يحذّر مسؤولون من خطورة إهمال تلك الشريحة، بخاصة الأطفال الذين فقدوا ذويهم في المعارك وعزلوا في مخيمات خاصة، من التحول إلى أعداء للدولة والقوات الأمنية وغالبا أصبحوا يتسولون في الشوارع وتحولوا من أشبال الخلافة إلى متسولين، وقد يتحولون فيما بعد إلى خلايا نائمة.
ولو دققنا في خريطة تحرك داعش ما بعد زوال خلافته في العراق والشام سيتبين لنا مدى خطورة ملف عوائل داعش، ليغدو من أخطر الملفات على الإطلاق، إن كان الحديث يجري سابقا عن ذئاب منفردة فاليوم الحديث عن قنابل موقوتة، أو أدمغة ملغومة لا يمكن أن تترك لمصيرها المجهول أو أن تحبس ضمن أسوار تنتظر عودة الخلافة.

 

أحمد عطا


 
الخلافة البعيدة
أحمد عطا الباحث بمنتدي الشرق الأوسط في لندن يقول لـ«المجلة» حول رؤيته التحليلية حول مستقبل داعش: «في إطار ما يعرف بالجبهات المتوحدة التي يتحرك من خلالها تنظيم داعش ويؤسس نقاط ارتكاز إرهابية جديدة في جميع أنحاء العالم صار التنظيم لديه الكثير من هذة الجبهات بعد خروجه من دولة الشام والعراق وخسارته بعد أن كان يسيطر على مساحة تعادل مساحة بريطانيا واليونان في دولة الشام والعراق».
ويضيف الباحث المصري: «من بين هذة الجبهات التي جدد بها التنظيم انتشاره في الفترة الأخيرة هو ظهوره في الفلبين على فترات متباعدة تتزامن مع خروج التنظيم من دولة الشام والعراق منذ صعوده وتناميه عام 2014 حتى تزايدت المخاوف بأن القضاء على التنظيم لا يزال يشكل تحديًا للكثير من دول العالم، نظرًا لتعاظم قوة تنظيم داعش ووجوده بقوة في الفلبين، التي يعتبرها التنظيم معقلاً له في شرق آسيا، وحسب ما أكدت المصادر الخارجية فإن الغابات الكثيفة في أرخبيل جزر ميندناوا جنوبي الفلبين تجتذب أعدادا متزايدة من مسلحي التنظيم، مستغلة ضعف قبضة الشرطة وسط هذة الغابات التي يصعب الوصول إليها والتي تحولت إلى ملاذ للمتشددين من عناصر الننظيم».
ويشير عطا إلى أنه «في نفس الوقت اعتمد داعش في وجوده بمنطقة جنوب شرقي آسيا على مبايعة الجماعات المُتشددة الموجودة تاريخيًّا هناك، وعلى رأسها جماعتان قديمتان، هما الجماعة الإسلامية في إندونيسيا، وجماعة أبو سياف في الفلبين، اللتان تقودان منذ سنوات طويلة هجمات ضد حكومتي البلدين لدوافع انفصالية في المناطق التي تشهد غالبية مسلمة، ولكن الجماعتين شهدتا تطورًا ملحوظًا منذ ظهور تنظيم داعش، وإعلان خلافته في مناطق من سوريا والعراق في عام 2014؛ حيث سارعت الجماعتان إلى مبايعة زعيمهِ أبو بكر البغدادي بهدف إعطاء حربهما ضد البلدين طابعًا عالميًّا وتعزيز صفوفهما بمقاتلين جددٍ».
ويتابع: «أما في إندونيسيا، فقد أعلن زعيم الجماعة الإسلاميَّة أبو بكر باعشير- أحد أبرز القادة الإسلاميين في إندونيسيا- مُبايعته لتنظيم داعش في أغسطس (آب) 2014. وكان باعشير يسعى إلى إقامة دولة إسلاميَّة في منطقة جنوب شرقي آسيا وليس في إندونيسيا فقط، في نفس الوقت استفاد تنظيم داعش من عودة المقاتلين الأجانب من جنوب شرقي آسيا، الذين عادوا من القتال في سوريا والعراق ليكونوا ظهيرًا له هناك، وكان منهم عددٌ غير قليل من ماليزيا وإندونيسيا»، لافتا إلى أن «في نفس السياق يبني تنظيم داعش استراتيجيته على ما يعرف بـ«البقاء والتوسع»، عبر ثلاث مناطق جغرافية هي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومنطقة الخارج البعيد التي تضم أوروبا وآسيا، ومن ثمّ، اختار داعش إندونيسيا، أكبر الدول الإسلامية من حيث السكان، للوجود بها تحت اسم الخلافة البعيدة يأتي في إطار ما يعرف بالتمكين والسيطرة»، متسائلا: «هل الزفّة الدبلوماسية الأميركية التي أعلنها ترامب بهزيمة داعش هي أقصي نجاحات الإدارة الأميركية والتحالف الدولي وخاصة أن الأمن القومي الأميركي قد نشر تقريرًا مفصلاً عن تنامي التنظيم وانتشاره في جميع أنحاء العالم وقد نشر هذا التقرير عام 2015، وهذا التقرير يمثل إدانة كاملة للإدارة الأميركية بعد مطالبة المتحدث باسم الخارجية الأميركية بترحيل عناصر داعش إلى بلادهم».
 
داعش يرسل 200 ألف رسالة عبر «تويتر» يوميًا
يقول الباحث أحمد عطا: «لقد تم نشر هذا التقرير وقتها على مواقع السفارات الأميركية وعندما تم تسريبه قامت الخارجية الأميركية بسحب هذا التقرير من مواقع سفارتها ووقتها حصلت على نسخة أصلية كاملة من هذا التقرير، وسأعرض بعض ماجاء فيه باللغة الإنجليزية: 
داعش يرسل 200 ألف رسالة عبر «تويتر» يوميًا.
خريطة كاملة للواء المقاتلين الأجانب في دول المربع الأوروبي وهي بلچيكا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا. 
عناصر القاعدة في ليبيا والتي بايعت تنظيم داعش. 
مراحل نقل هذه العناصر من بلادهم في أوروبا والشرق الأوسط لدولة الشام والعراق من خلال ما يعرف بالتجنيد الإلكتروني، وهنا لا بد أن أتوقف بين ما جاء في تقرير الأمن القومي الأميركي لعام 2015 وما أعلنه المتحدث باسم الخارجية الأميركية».
ويكشف قائلا: «أما عن تنظيم شتات الرّق الذي توقفت أمامه وهن مجموعة من النساء داخل بريطانيا يتم تجنيدهن بمعرفة لجان إلكترونية تابعة لتنظيم داعش وهؤلاء النساء اعتنقن فكر السلفية الجهادية ويعشن في لندن في ظروف معيشية صعبة جدًا، حيث يتم تجنيد السيدة الواحدة بـخمسة آلاف دولار في مقابل المشاركة في القتال في صفوف تنظيم داعش منذ بداية ظهور التنظيم بشرط أن لا يزيد أعمارهن عن خمس وثلاثين عامًا وإذا كانت لديها أطفال فوق الثانية عشرة يتم تحويل هؤلاء الأطفال لمشاريع مفخخة في مقابل ألفي دولار للطفل الواحد وتحصل أمه على هذا المبلغ».

 

جندي من البشمركة الأكراد يمر أمام الإطارات التي اندلعت من قبل تنظيم داعش المتطرف لعرقلة الغارات الجوية في 15 نوفمبر 2015 في سنجار- العراق. (غيتي)


 
أنقرة لعبت دورًا أكثر وحشية
يؤكد أحمد عطا أن «أنقرة لعبت دورًا أكثر وحشية مما فعلته مع الأرمن، وهذا الدور كان بتعليمات من رئيسها الحالي رجب طيب إردوغان، حيث فتحت أنقرة نفسها ممرا آمنا للتنظيمات الإرهابية المختلفة منذ طلعات الربيع العربي الأميركي وهو الربيع الذي أجهض المنطقة العربية بأكملها وتسبب في استنزاف ثرواتها بشكل ممنهج لعب فيه الجانب التركي دورًا بارزا في عملية الإجهاض، وقد ثبت خلال السبع سنوات الماضية أن الرئيس التركي يجيد بمهارة شديدة المهام التنفيذية ولهذا لا بد أن نتوقف أمام المحطات التنفيذية المختلفة التي قامت بها أنقرة وتسببت في خراب المنطقة العربية».
ويوضح قائلا إنه «يتقدم هذه التنظيمات تنظيم عرف بـ(شتات الرّق)، وهو تنظيم نسائي شديد التطرّف جميعهم من السيدات القادمات من بريطانيا وتحديدًا في شمال شرقي لندن تم استقطاب هذا التنظيم بمعرفة آليات إلكترونية ضخمة يملكها تنظيم داعش منذ ظهوره حيث كانت تتم عملية التجنيد بواقع 5 آلاف دولار للسيدة وللطفل 3 آلاف دولار، وهذا التنظيم وصل لدولة الشام والعراق عبر الأراضي التركية بمعلومية ومباركة كاملة من المخابرات التركية للعبور إلى الأراضي السورية وكان يتم تدريبهم فيما يعرف بركاز الجند (أي وزارة دفاع داعش وقتها)»، مشيرا إلى أن «تنظيم داعش كان يسند للسيدة والطفل مهام التفخيخ، أي أن يتم وضع حزام ناسف حول أجسادهم وخصوصًا الأطفال، وكانت أنقرة تلعب أدوارا مختلفة حيث تقوم بتمرير عناصر تنظيم شتات الرّق عبر أراضيها كسائحين قادمين من بريطانيا ثم تقوم المخابرات التركية بنقلهم باتجاه الحدود السورية لتسليمهم لتنظيم داعش، وفي المقابل كانت أنقرة تحصل على جزء من بترول منطقة الجزيرة في سوريا مقابل هذا الدور القذر مستخدمة المثل الفرنسي الشهير (دعه يمر دعه يعمل)».
ويضيف: «حسب ما أكد تقرير الأمن القومي الأميركي لعام 2017 أن تركيا قد سمحت بمرور 1500 سيدة وطفل عبر أراضيها إلى الأراضي السورية، في نفس الوقت كشفت إحدى الوثائق المسربة والموقعة عام 2014 من قبل نائب رئيس الاستخبارات التركية، إسماعيل حقي موسى، الذي يشغل حاليا منصب سفير تركيا في فرنسا، أن قضية نقل المقاتلين تعتبر (سر دولة)، وأوضحت الوثيقة، أن المقاتلين جرى نقلهم عبر الحدود في ليلة 9 يناير (كانون الثاني) 2014، وذلك داخل حافلات متعاقدة مع منظمة الاستخبارات التركية (MIT)».
وتفيد تقارير أمنية غربية أن تنظيم داعش ينفذ حربًا بالوكالة، وتشير إلى تواصل قيادات داعش مع عدد من الأجهزة الاستخباراتية في المنطقة وخارجها والتي ستدعمها لاحقا، مقابل تنفيذها أجندات تخدم أطماع قوى متربصة ببعض الدول في المنطقة ومنها الخليج العربي، وعادة ينفذ التنظيم خطة المسارات البديلة اعتمادًا على عناصره المنتشرة في عدد من دول المنطقة للتغطية على الخسائر التي تكبدها.
وحتى بعد انهيار داعش على الأرض وفقدانه الأراضي التي كان يسيطر عليها، فالطريقة التي ينشط بها عناصر التنظيم في كل من العراق وسوريا ودور عوائل داعش في كل ذلك، خاصة إذا علمنا أن خيارات داعش بين محاولته تكمن في رص الصفوف مستمرة، لا سيما أن الوضع الأمني لم يستقر بعد في سوريا والعراق، وأيضا القيام بهجمات انتحارية أو اشتباكات من حين لآخر، وهذا ما يجري حاليا في العراق وشمال شرقي سوريا التي تشهد بين حين وآخر عمليات إرهابية يتبناها التنظيم، كل هذا والبغدادي ما زال طليقا.

font change