«سمعًا وطاقة» لسان حال الأجيال الشابة في دعمها لوتيرة التنمية المتسارعة

السعودية الجديدة.. مشروع الطاقة النووية السلمية

«سمعًا وطاقة» لسان حال الأجيال الشابة في دعمها لوتيرة التنمية المتسارعة

* يمكن الحديث عن هدف سلمي أساسي يتمثل في الوصول إلى مرحلة متقدمة من مشروع رؤية السعودية بتخفيض الاعتماد على الوقود الأحفوري لتوليد الكهرباء
* بحسب وزارة الطاقة السعودية فإن البرنامج النووي بحلول 2040 سيغطي 10 في المائة من احتياجات المملكة من الكهرباء
* خلال التحولات الهائلة اليوم في عالم مضطرب يترشح استمرار الصعود السعودي على المستوى السياسي والاقتصادي والأمني، لا سيما مع إخفاق المجتمع الدولي في عقلنة تهور دولة الملالي ونظام طهران
 

تمضي السعودية بخطوات وثّابة نحو تدعيم رؤيتها إلى المستقبل، بعد أن دشنت رؤيتها 2030كإطار تنموي للمستقبل ينأى بها عن الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي في فلسفتها الاقتصادية التي تقوم اليوم على تنويع مصادر الدخل، والاستثمار في الإنسان السعودي، خصوصًا جيل الشباب الذين يشكلون قوتها والنسبة الأكبر من سكانها.
مطلع العام تم اتخاذ خطوة وجدت صداها في العالم، حين قامت بوضع الأطر التنظيمية والإدارية لبرنامجها النووي المزمع البدء في إنشائه مطلع 2020. البرنامج سيكون واحدًا من أهم المشاريع التنموية التي ترسم ملامح السعودية الجديدة، حيث يقدر الخبراء أن تصل ميزانيته الأولية إلى ما يتجاوز الـ(80) مليار دولار، يتم إنفاقها على بناء وتطوير 16 مفاعلا نوويا، وخلال مدى زمني يقدر بـ20 سنة.
وفي سياق هذا المشروع يمكن الحديث عن هدف سلمي أساسي يتمثل في الوصول إلى مرحلة متقدمة من مشروع الرؤية بتخفيض الاعتماد على الوقود الأحفوري لتوليد الكهرباء، وبحسب وزارة الطاقة السعودية فإن البرنامج النووي بحلول 2040 سيغطي 10 في المائة من احتياجات المملكة من الكهرباء.
لا يمكن الحديث عن مشروع الطاقة النووية في السعودية بعيدًا عن الصورة الكاملة للمشهد في المملكة التي تتطلع قيادتها السياسية الشابّة إلى عنان السماء في طموحها بحسب تعبير ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. كما أن هذا الطموح لرؤية الأمير الذي دشن عشرات المبادرات الاقتصادية ومحفزات الأسواق العالمية لجذب رؤوس الأموال؛ مسنودا بدعم مجتمعي كبير يتمثل في الوعي الذي يشهده المجتمع السعودي تجاه أولوية الأمن والاستقرار ومشاريع التوطين ودعم الاقتصاد، جنبًا إلى جنب ملفات لا يمكن فصلها عن الطموح للمستقبل تتمثل في محاربة التطرف، وكشف مؤامرات الدول والأنظمة وجيوش الإعلام التي يشهدونها في هذه الفترة تجاه وطنهم ومستقبلهم، هذا الوعي المجتمعي ولا شك يبعث على التفاؤل، ويتطلب المزيد من الاستثمار في وعي الأجيال الجديدة التي تدافع عن مستقبلها وصانعيه.
الصعود السياسي للسعودية والرغبة في صعود اقتصادي وتنموي مماثل في ظل تطور الأحداث في المنطقة، له دوافعه كاضطراب أسواق النفط وتراجعه الذي ألقى بظلاله على التحديات الاقتصادية التي يتم التعامل معها في الرؤية السعودية وفق استراتيجيات قائمة على سياسات متزنة تجاه التقلبات النفطية من خلال المساهمة في تصحيح الأسعار، والتعامل مع تفاعلات سوق الطاقة في المدى القصير، ورسم رؤية على المدى الطويل تهدف إلى الدفاع عن الأسعار في الأوقات الصعبة والتعامل مع الإنتاج والحصة السوقية بتوازن.
وفي ملف الطاقة هناك الكثير من الجدل والسجال حول الجدوى بدأ في كثير من الأطروحات التي كتبت حول المشروع السعودي والتي لا تخلو من تحيّزات بدت معتادة. ملف امتلاك تكنولوجيا نووية سلمية في الشرق الأوسط هو ملف شائك ولا شك بسبب ما تحفل به المنطقة من صدمات سياسية عميقة وصراعات جيوسياسية وتحولات متسارعة. لكن الأكيد أن النموذج السعودي الذي ترمي إليه أبعد ما يكون عن تلك المخاطر أو محاولة الدخول في فوضى التسليح النووي وعسكرته، خطابها منذ اللحظة الأولى لإعلان مشروعها كان واضحًا؛ حيث تسعى إلى امتلاك برنامج سلمي لإنتاج الطاقة النووية كبديل عن عصر النفط الرخيص والذي يواجه تحدّيات كبيرة وإن كانت لم تبلغ ذروتها في محاولات إيجاد وسائل بديلة.
نيّة السعودية بدت واضحة منذ زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للولايات المتحدة الأميركية والتي حملت أجندة متعددة كان المشروع النووي واحدًا منها، من خلال البحث عن اتفاقية شراكة لبناء محطات نووية في السعودية من قِبل تحالف عدة شركات أميركية، وكانت الرؤية السعودية واضحة بضرورة أن تسعى الإدارة إلى تخفيف الشروط الأميركية المفروضة على هذه الشركات لنقل وتدشين ومراقبة التكنولوجيا النووية خارج الولايات المتحدة، الأمر الذي يأتي عقب قرار ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، وفرض حزمة عقوبات أميركية وإجراءات مشددة، تعتمد استراتيجية واضحة لمراقبة امتلاك التكنولوجيا النووية، بعيدًا عما تحدده الاتفاقيات الدولية ومعايير السلامة التي تشرف عليها وعلى الالتزام بها الأمم المتحدة وهيئاتها المعنية.
الطموح السعودي النووي تاريخيًا تكرر طرحه في مناسبات كثيرة، خلال أكثر من عشر سنوات مضت كانت هناك تلميحات لمسؤولين سعوديين بالرغبة في امتلاك طاقة نووية سلمية، وقتذاك كان التفاوض بين النظام الإيراني والقوى الدولية على أشده تحديدًا منذ عام 2009..
ورغم سلمية المشروع، فإن السياسة الخارجية السعودية ناورت بشكل يتسم بالذكاء حيال انفتاح إدارة أوباما والدول الأوروبية تجاه المشروع الإيراني، وكان للرياض تحفظات كثيرة عليه بسبب طبيعة النظام الإيراني الذي يتأرجح بين العسكرة والتدخلات السيادية والقائم على هويّة مقلقة وقلقة كجزء من سياسة تصدير الثورة التي يجد العالم اليوم آثارها المدمّرة في الخليج واليمن ولبنان.
الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز كان واضحًا في الرسالة التي نقلها عبر الدبلوماسي المقرب من أوباما دينيس روس ومفادها أن السعودية سترد على ذلك التهاون بأن تسعى إلى امتلاك سلاح نووي، وكانت التجربة الباكستانية الحليف مع السعودية أحد أوراق الضغط والمناورة السياسية، وربما كانت تلك الضغوطات السياسية جزءًا من فهم المشروع السلمي للطاقة النووية في السعودية الذي يعكس جزءًا من صورة كليّة للتحول الاقتصادي.
الطاقة النووية السلمية اليوم في السعودية ضرورة اقتصادية تأخذ طريقها في الانضمام ضمن قائمة من المبادرات للاقتصاديات الحديثة، وهي بهذا المعنى أحد أهم البنود الاستراتيجية لرؤية (2030). طموح الرياض هو إنتاج ما يعادل 45.3 غيغاواط من الطاقة المتجددة في عام 2020م، يرتفع إلى 9.5 غيغاواط في عام 2023 بحسب تصريحات وزير الطاقة المهندس خالد الفالح.
الجدير بالذكر أن الجامعات السعودية حظيت بأقسام..
عام 1975م كانت هناك محاولات لتأسيس بنية تعليمية للتخصصات التي تدعم تخريج شباب سعودي في مجال الطاقة من خلال أقسام العلوم التطبيقية، وبدعم من وزارة البترول والثروة المعدنية التي تعاقدت في ذلك الوقت مع شركة فرنسية في مجال الطاقة النووية وهي شركة استشارية لتقديم طبوغرافيا للسعودية بهدف اختيار أفضل المواقع لإنشاء محطة نووية.
لكن البداية الفعلية جاءت سنة 1983م من خلال مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية التي رعت مشروع الطاقة النووية في المملكة من خلال برامج ومنح في الدراسات العليا في الهندسة النووية في جامعة الملك سعود في الرياض بهدف إنشاء كوادر وطنية قادرة على أن تمارس دورها في المشروع لكن تلك الرعاية تعثرت لاحقًا لأسباب تتصل بحوادث نووية في أكثر من منطقة في العالم ساهمت في تأجيل الفكرة.
اللحظة النووية الفعلية في السعودية كانت في 13 مارس (آذار) 2018 حين أقر مجلس الوزراء بإنشاء المشروع الوطني للطاقة الذرية بهدف واضح ومعلن يقضي بضرورة دخول المملكة إلى المجال النووي السلمي ومشروعات الطاقة النووية للمملكة التي ستكون واحدة من أهم المصادر الآمنة والموثوقة والصديقة للبيئة في إنتاج الطاقة المتجدة، كما أنها على المستوى الاقتصادي ستساهم في مصادر الطاقة داخل السعودية مما يحقق ما تحدثت عنه الرؤية السعودية «طاقة آمنة مستدامة».
وإزاء الأمر بإنشاء المشروع الوطني، جاء الأمر السامي بإنشاء: «مركز وطني للرقابة النووية والإشعاع، وأوكلت له مهمة مراقبة كل الأنشطة ذات العلاقة بالإشعاع والمواد المشعة، وهو ما يعني بداية الخطوة الفعلية لإنشاء صناعة الطاقة النووية للأغراض السلمية، والتقدم إلى المستقبل من خلال دخول صناعة الطاقة النووية التي ستساهم في رفع مستوى التقنيات الصناعية في مجالات كثيرة، مستوى تقنيات المراقبة والقياس الإشعاعي؛ إضافة إلى تطوير قطاعات أخرى كقطاع صناعة وأنظمة البناء.
المشروع النووي السعودي اليوم هو مشروع وطني طموح يسعى إلى تطوير كل المجالات التقنية والعلمية للسعودية، مع التركيز على الطاقة الكهربائية التي ستخرج من ربقة الاعتماد على المواد الخام، ومصادر الطاقة الأحفورية ومنها الغاز والبترول والفحم الحجري.
في عالم الطاقة اليوم، لا يمكن تجاهل أهمية المشروعات السلمية، ويبلغ إجمالي المفاعلات النووية المنتجة للطاقة الكهربائية 453 مفاعلاً، وهناك 56 مفاعلا نوويًا قيد الإنشاء، وهناك أكثر من 30 دولة لديها محطات طاقة نووية تعمل لإنتاج الطاقة الكهربائية. والولايات المتحدة هي أكبر دول العالم إنتاجًا للطاقة الكهربائية من الطاقة النووية بما مقداره 805 تيراواط ساعة بما يعادل تقريبا 20 في المائة من إجمالي إنتاج الطاقة الكهربائية بها. تليها فرنسا بما مقداره 379 تيراواط ساعة، وبما يعادل 71.61 في المائة من إجمالي طاقتها الكهربائية. تليها اليابان بـ29 تيراواط ساعة، 3.6 في المائة من إنتاجها الإجمالي للكهرباء.
وتأتي الصين التي حظيت باهتمام السعودية بشكل لافت مؤخرًا كأكبر الدول التي لديها مشروعات إنشاء محطات قوى نووية لإنتاج الطاقة الكهربائية بقدرة 247 تيراواط ساعة من خلال اكتمال بنيتها النووية بواقع 42 مفاعلاً نوويًا.
الأكيد أن المشروع النووي في المملكة لا يمكن أن يُقرأ بمعزل عن «الصعود السعودي» على أكثر من مستوى، خصوصًا في السياسة الخارجية من خلال أولوية الاستقرار الداخلي والإقليمي وفق ثوابت سياسية واضحة ضمن إطار حسن الجوار، وعدم التدخل في أي شأن سيادي للدول العربية والإسلامية، وفي الوقت نفسه قطع الطريق على محاولات تفتيت هيبة الدولة أو دعم الميليشيات الخارجة على سيادة القانون في دول المنطقة التي عانت بعد عواصف ما سمّي بـ«الربيع العربي».
وخلال التحولات الهائلة اليوم في عالم مضطرب يترشح استمرار الصعود السعودي على المستوى السياسي والاقتصادي والأمني بزيادة دور السعودية، لا سيما مع إخفاق المجتمع الدولي في عقلنة تهور دولة الملالي ونظام طهران.
السعوديون اليوم يقولون للرؤية النووية، كما الاستقرار: «سمعًا وطاقة»!

font change