عبد المجيد تبون رئيسًا للجزائر... والحراك مستمر

مسيرات واستقطاب حاد بين الجزائريين يوم الانتخاب

عبد المجيد تبون رئيسًا للجزائر... والحراك مستمر

* اسم تبون كان حاضراً بقوة ومرشحًا فوق العادة منذ انطلاق السباق الانتخابي، بل إن اسمه طرح قبل عامين حينما شن حملة ضد رجال المال الفاسد المقربين من بوتفليقة، ودفع فاتورة ذلك بإقالته من رئاسة الوزراء بعد شهرين فقط من توليه المنصب
* تحصل تبون على 58.15 % أي ما يعادل 4 ملايين من مجموع أصوات الناخبين المقدر بـ24 مليون مسجل في القوائم الانتخابية، وبذلك نجح في حسم الرئاسيات دون المرور إلى الدور الثاني
* على عكس آخر انتخابات شهدتها البلاد عام 2014. والتي بلغت فيها نسبة الاقتراع العام 50.07 %، فإن انتخابات الأمس لم تتجاوز نسبة الاقتراع العام فيها 39.98 %
* شهدت منطقة القبائل حالة غليان غير مسبوقة، وتم تعطيل المسار الانتخابي في أغلب مناطقها، وخصوصًا محافظات تيزي وزو والبويرة إلى جانب عدة بلدات من محافظة سطيف التي يقطن الأمازيغ شمالها
* اقتحم متظاهرون رافضون للانتخابات مكاتب تصويت في مدينة بجاية شرقي الجزائر، وحطموا الصناديق وبعثروا أوراق التصويت الخاصة بالمرشحين رغم وجود قوات الشرطة التي تلافت الصدام معهم
* محمد شرفي: 5 % من مراكز الاقتراع، أي 3600 مكتب تعطلت فيها العملية من بين 61 ألف مكتب على مستوى الجزائر
 

الجزائر: بعد نحو عشرة أشهر من انطلاق الحَرَاك الشعبي الجزائري، وفي أجواء متوترة ومشحونة على وقع المسيرات، أعلن أمس أخيرًا عن اسم عبد المجيد تبون لخلافة الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة على عرش المرادية، وذلك بعد أسابيع من الجدل والاستقطاب الحاد بين الجزائريين بشأن هذا الاستحقاق بين رافض ومطالب بإسقاطه، ومن يراه ضرورة ملحة باعتباره المسار الأسلم نحو التغيير، وتجنيب البلاد من الدخول في متاهات العنف وعدم الاستقرار.

وفي قصر المؤتمرات بالضاحية الغربية للعاصمة، وخلال ندوة صحافية الجمعة 13 ديسمبر (كانون الأول) 2019، لرئيس السلطة المستقلة للانتخابات، كشف رئيس السلطة محمد شرفي عن حصول المرشح الحرّ عبد المجيد تبون على نسبة من مجموع أصوات الناخبين، ليكون بذلك الرئيس الثامن في تاريخ البلاد، وفي الواقع فإن اسم تبون كان حاضرا بقوة ومرشحًا فوق العادة منذ انطلاق السباق الانتخابي، بل إن اسمه طرح قبل عامين من الآن حينما شن حملة ضد رجال المال الفاسد المقربين من بوتفليقة، ودفع فاتورة ذلك بإقالته من رئاسة الوزراء بعد شهرين فقط من توليه المنصب، كما أن قربه من قائد الأركان أحمد قايد صالح كان من أبرز أسباب انتخابه رئيسا للجزائريين، كما استفاد الرجل من ارتدادات الحراك الشعبي على أحزاب السلطة التي قررت دعم مرشح حزب التجمع الوطني الديمقراطي عز الدين ميهوبي.

وبالعودة إلى نتائج الاستحقاق تحصل تبون على نسبة 58.15 في المائة أي ما يعادل أربعة ملايين من مجموع أصوات الناخبين المقدر بـ24 مليون مسجل في القوائم الانتخابية، وبذلك نجح في حسم الرئاسيات دون المرور إلى الدور الثاني.

وجاء في المركز الثاني المترشح عبد القادر بن قرينة بنسبة 17.38 في المائة، يليه المترشح علي بن فليس في المركز الثالث بنسبة 10.55 في المائة، وفي المركز الرابع المترشح عز الدين ميهوبي بنسبة 7.26 في المائة، وأخيرا المترشح عبد العزيز بلعيد بنسبة لا تتجاوز 6.66 في المائة.

وعلى عكس آخر انتخابات شهدتها البلاد في عام 2014. والتي بلغت فيها نسبة الاقتراع العام 50.07 في المائة، فإن انتخابات الأمس لم تتجاوز نسبة الاقتراع العام فيها 39.98 في المائة حسب ما أعلنته السلطة الوطنية للانتخابات في آخر تقاريرها، وهذه النسبة كانت متوقعة بالنظر إلى الظروف التي جرت فيها الانتخابات وسط انقسام حاد في الشارع الجزائري بين رافض ومشارك، ويبدو أن السلطة وهي تقرر المضي قدمًا في خيار الانتخابات استفادت من حالة الإرباك والانقسام هذه، حيث تباينت الآراء بخصوص مستقبل البلاد، بين من يرفض أي ترتيبات مع السلطة قبل الاستجابة الكاملة لكل مطالب الحَرَاك، وأبرزها رحيل كل رموز نظام بوتفليقة عن الحكم، مع إقرار إجراءات تهدئة بإطلاق سراح معتقلي الرأي، ومن يطالب بالإسراع في التوجه للانتخابات واختيار رئيس جديد للبلاد لخلق حالة من الاستقرار في مؤسسات الدولة، وهذا الفريق يرى أن ورشات الإصلاح الكبرى يجب أن تكون بعد الرئاسيات لا قبلها، هذا التباين خلق حالة استقطاب غير مسبوقة بين الجزائريين وبرزت مخاوف حقيقية من احتمال حدوث تصادم وانفلات.

وشهدت العاصمة أمس مسيرات حاشدة رفضًا للانتخابات، ورفع المتظاهرون لافتات وشعارات تطالب برحيل كل رموز نظام بوتفليقة ورفضهم لأي انتخابات تنظم تحت وصاية هؤلاء، كما رفعوا شعار «مدنية لا عسكرية»، واستخدمت الشرطة الهراوات لتفريقهم، واعتقلت أعدادًا منهم، ونقلتهم إلى مراكز أمنية. وأُوقف صحافيون، بينهم أجانب، للتدقيق في هوياتهم لفترة قصيرة. ونشرت السلطات الأمنية أعدادًا كبيرة من عناصرها، وبشكل غير مسبوق، وسط العاصمة لمنع أي مظاهرات، حيث تخوفت السلطات من انفلات الوضع في العاصمة، ما قد يؤثر في سير العملية الانتخابية بشكل كامل.

وفي منطقة القبائل التي تعتبر هاجسًا حقيقيا لدى السلطة في كل استحقاق انتخابي، شهدت أمس حالة غليان غير مسبوقة، وتم تعطيل المسار الانتخابي في أغلب مناطقها، وخصوصًا محافظات تيزي وزو والبويرة إلى جانب عدة بلدات من محافظة سطيف التي يقطنها الأمازيغ في شمالها. واقتحم متظاهرون رافضون للانتخابات مكاتب تصويت في مدينة بجاية شرقي الجزائر، وحطموا الصناديق وبعثروا أوراق التصويت الخاصة بالمرشحين رغم وجود قوات الشرطة التي تلافت الصدام معهم. وحسب أرقام السلطة الوطنية للانتخابات فإن نحو 95 في المائة من المراكز شهدت سيرًا عاديا للتصويت، فيما عرفت أخرى مشاكل وتوترات. وحسب ما كشفه رئيس الهيئة محمد شرفي في ندوة صحافية فإن «5 في المائة من مراكز الاقتراع، أي 3600 مكتب تعطلت فيها العملية من بين 61 ألف مكتب موزعة على مستوى الجزائر».

ولظروف تاريخية وسياسية وأخرى مرتبطة بالهوية يمارس سكان هذه المناطق القطيعة السياسية مع أغلب مشاريع ومبادرات السلطة، وفي الغالب لا تتجاوز فيها نسبة أي اقتراع وحتى في الظروف الطبيعية نسبة العشرين في المائة، وخلال هذه الانتخابات لم يجرؤ أي مرشح من المرشحين الخمسة على عقد تجمع انتخابي في هذه المناطق ما عدا المرشح علي بن فليس، وأدى ذلك إلى حدوث صدام عنيف بين قوات مكافحة الشغب والسكان.

وسبق الاقتراع العام في الانتخابات الرئاسية في الجزائر إعلان سكان المنطقة رفضهم إجراء الانتخابات، دعمًا للحراك الشعبي واعتراضا على رفض الجيش الانسحاب من الحياة السياسية، وكذلك تعرض قائد الجيش أحمد قايد صالح، في عدد من خطاباته، لما يعتبره السكان مساسًا بهويتهم فيما يعرف بقضية الراية الأمازيغية واعتقال عدد من الناشطين. وأعلنت مجالس محلية مساندتها لموقف السكان، وقررت مقاطعة تنظيم الانتخابات، فيما أقدم محتجون في عدة بلدات على تدمير صناديق الاقتراع، وهو ما تواصل أمس الخميس حيث تم تحطيم مركزين انتخابيين في بجاية، وهو مؤشر كان كافيًا ليرسم صورة عن طبيعة اليوم الانتخابي ونسبة التصويت في منطقة القبائل.

وبالعودة إلى انتخابات سابقة نقف على الهوة الموجودة بين سكان المنطقة ومبادرات السلطة، ففي انتخابات 2002 التي تلت أحداث الربيع الأمازيغي الشهيرة والتي خلفت نحو 165 قتيلا لم تتجاوز نسبة التصويت حدود 7.1 في المائة. الأمر نفسه يقال عن آخر انتخابات رئاسية شهدتها البلاد في 2014 حيث لم تتجاوز نسبة المشاركة في تيزي وزو 21 في المائة وفي بجاية 14 في المائة.

وبالنسبة للطبقة السياسية فالمواقف أيضا تباينت حيث أعلنت بعض الأحزاب دعمها للانتخابات وأخرى قاطعت، في حين أعلنت أخرى عدم دعمها لأي مرشحين في هذا الاستحقاق، الذي يراه رئيس البرلمان سليمان شنين «أنجع حل متاح بين أيدينا لتجاوز الأزمة التي تعيشها البلاد، معتبرا أنها أحسن رد للشعب الجزائري على الأصوات الخارجية التي تريد اللعب بالسيادة الوطنية». وقال شنين، في كلمة ألقاها خلال افتتاحه لجلسة علنية بالبرلمان إن «الجزائر مقبلة على محطة تاريخية ومفصلية، إذ يجب علينا الوقوف في صف استمرارية الدولة»، كما خاطب المقاطعين لانتخابات 12 ديسمبر (كانون الأول): «إنكم تنادون مرتين في الأسبوع بالمقابل الدولة مستمرة 24 ساعة». ودعا الجزائريين إلى احترام القانون والمحافظة على هذه المرحلة التاريخية، معربا عن ثقته في أن «أغلبية الشعب مع استقرار واستمرار الدولة».

وفي بيان لها وجهت مجموعة من الأحزاب السياسية والمجتمع المدني والنقابات والجمعيات والتعاونيات والشخصيات الوطنية، نداء إلى الشعب الجزائري الثلاثاء الماضي في الداخل والمهجر إلى رفض- وبأي وسيلة سلمية- ما سموه «المهزلة الانتخابية يوم 12 ديسمبر (كانون الأول)»، مع التحلي باليقظة ضد جميع الاستفزازات المعادية للثورة. وجاء في البيان أنه «لمدة أكثر من تسعة أشهر وسلطة الأمر الواقع غير الشرعية وغير المشروعة تسعى إلى إكمال تسلسل انقلاب حقيقي بمحاولة استغلال الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بعبد العزيز بوتفليقة لصالحها».

وأضاف البيان أنه «أمام المعارضة الصريحة والثابتة للمواطنين لهذه الجريمة الجديدة ضد السيادة الشعبية، التي تتم إدارتها عن طريق القمع والتحويل والتقسيم والابتزاز وغلق المساحات العامة، والرغبة في شراء صمت القوى الأجنبية دون خجل من خلال التماس مباشر وإعادة تنظيم قواعد قانونية واقتصادية تهدد حقًا المستقبل البعيد». 

وحسب ذات المصدر فإن «الغاية في النهاية هي الحفاظ على مهزلة الانتخابات الرئاسية التي يقودها نفس النظام ضد كل النوايا الحسنة في 12 ديسمبر (كانون الأول)»، وترى أن «دعم الشعب الزائف من أنصار النظام لا يمكن أن يخفي الهدف الحقيقي، وهو الحفاظ على النظام الاستبدادي والفساد».

ودعا الموقعون على البيان إلى «رفع العقبات أمام الحريات الفردية والجماعية والإفراج عن السجناء السياسيين ومعتقلي الرأي، وبصورة مشروعة بتغيير النظام السياسي، بما يسمح بتحقيق الانتقال الديمقراطي وعملية التأسيس السيادية الخارجة عن سيطرة شخصيات الشرطة ومؤسسات النظام الاستبدادي».

من جانبها أعلنت«جبهة العدالة والتنمية»، التي يرأسها عبد الله جاب الله مقاطعتها لهذا الاستحقاق، وأكدت الجبهة في بيان تحصلت «المجلة» على نسخة منه أن «جبهة العدالة والتنمية تبقى وفيةً لمبادئها وقناعاتها ومسارها السياسي المناصر للشعب في مطالبه ومواقفه بمقاطعته لانتخابات 12 ديسمبر (كانون الأول) 2019. وتدعو إلى وضع حد لسياسة التجاهل لثورة الشعب السلمية ومطالبه المشروعة، والعمل لأجل إقامة نظام حكم شرعي فعال وعادل يقوى على رعاية المصالح وحفظ الحقوق والحريات والسير الصحيح والمتدرج نحو التقدم والازدهار».وبالمقابل أعلنت«حركة مجتمع السلم» عدم مساندتها ودعم أي مرشح للرئاسيات رغم وجود مرشح إسلامي وهو عبد القادر بن قرينة الذي يعدُ من مؤسسي الحركة التي انشق عنها وأسس حزبا جديدًا سماه «حركة البناء الوطني».

وكانت «الجبهة الإسلامية للإنقاذ»، وهو أكبر حزب إسلامي نشأ بالجزائر تم حظر نشاطه في سنوات التسعينات بعد اندلاع الأزمة الأمنية في البلاد، قد دعت إلى تأجيل الانتخابات الرئاسية إلى وقت لاحق، وجاء في البيان الذي نشره نائب رئيس الحزب علي بلحاج عبر صفحته الرسمية في موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» أن «الجبهة الإسلامية للإنقاذ تدعو العقلاء من أهل العلم والفكر وأهل السابقة التاريخية والوطنية أينما كانوا وحيثما وجدوا في مفاصل الدولة إلى مزيد من التعقل والتبصر وبعد النظر إلى حاضر ومستقبل الأجيال وذلك بالعمل حثيثا وبطريقة سلمية متبصرة إلى تأجيل الانتخابات الرئاسية إلى وقت لاحق». وتابع البيان: «سياسة فرض الأمر الواقع قد تدخلنا في متاهات غير محمودة العواقب الشعب الجزائري في غنى عنها والرجوع إلى الحق فضيلة». ودعت «للشروع في أقرب وقت إلى فتح حوار سياسي عميق يشارك فيه الجميع دون تهميش أو إقصاء للتوصل إلى قواسم مشتركة يتعهد الجميع باحترامها والعمل لتنفيذها بكل أمانة وصدق على أرض الواقع بعيدا عن فرض سياسة الأمر الواقع». واعتبرت الجبهة في بيانها أن «الإصرار على الذهاب إلى الانتخابات في ظل الظروف التي سبق ذكرها لا يجدي نفعا ولا يحلّ الأزمة السياسية ولا يحقق المطالب الجوهرية التي نادى بها الشعب الجزائري في حراكه السلمي». 

وأوضحت الجبهة أنها «لا تعترض على الانتخابات من حيث المبدأ، وإنما تعترض على المناخ والظروف والملابسات والأجواء التي تتم فيها العملية الانتخابية وفرض حلول سياسية قاصرة يرفضها أغلبية الشعب الجزائري ميدانيا». واعتبرت أن «الانتخابات الرئاسية جاءت في ظل الإقصاء للبدائل السياسية المخالفة لخريطة طريق السلطة الفعلية أو في ظل مطاردة وملاحقة وقمع الرأي الآخر وسجن نشطاء الحراك الشعبي السلمي وفي ظل احتكار وسائل الإعلام أو في ظل الاتهام والتجريم والتخوين».

وعلى عكس بلحاج دعا الزعيم السابق لـ«الجيش الإسلامي للإنقاذ»، المنحلّ (الجناح العسكري لجبهة الإنقاذ المحظورة) مدني مزراق، إلى المشاركة في الانتخابات الرئاسية التي وصفها بـ«الموعد التاريخي».

وأصدر مزراق، بيانًا يوم الاثنين، طالب فيه أنصار«جبهة الإنقاذ»، وعناصر تنظيمه السابق، وعموم الجزائريين «للمشاركة، في الاستحقاق الرئاسي واختيار أحد المرشحين الخمسة، ممن يراه مؤهلاً لقيادة البلاد والعباد». ودعا إلى «الانتخاب حتى ولو بالورقة البيضاء»، موضحًا «إن لم تجد من بينهم من يقنعك ويرضيك، فعليك بالمرشح السادس، وهي الورقة البيضاء، عبر عن رأيك وأثبت وجودك، وكن رقمًا له قيمته، ولا تقبل بالعيش على هامش الأحداث، واحرص على إسماع صوتك لمن يهمه الأمر، في السلطة كان أو في المعارضة، بالأساليب الصحيحة والطرق السلمية وضمن الأطر المشروعة». واعتبر مزراق الذي عاد إلى الحياة المدنية عام 1999 بعد اتفاق مع الجيش لحل تنظيمه المسلح والاستفادة من العفو، أن «مقاطعة الانتخابات، لا تقدم ولا تؤخر شيئا، في ميزان قانون الانتخابات، وهي فعل سياسي سلبي، يعبر عن استقالة طوعية من العملية الانتخابية، وهي فوق ذلك، تفويض مجاني، يسمح لغيرك أن يقرر مصيرك بدلاً عنك».

وفي سابقة هي الأولى من نوعها في الجزائر منذ الاستقلال، واستلهامًا من نجاح تجربة المناظرة التلفزيونية لرئاسيات تونس التي تمّت على الطريقة الأميركية، شارك المترشِحون الخمسة للانتخابات الرئاسية في أول مناظرة تلفزيونية يوم الجمعة 6 ديسمبر (كانون الأول)، قبل الانتخابات بهدف إطلاع الناخبين على برامجهم الانتخابية، وهي المناظرة التي افتقدت للكثير من الضوابط والمعايير المعمول بها في المناظرات العالمية، كما افتقدت لفنّ المجادلة والتنافس على الأفكار والمناظرة الهجائية، وهذا ما جعل منها مجرَد اختبار شفوي للمترشِحين الذين لم ينظروا حتى إلى بعضهم البعض. فقد أجاب المرشحون على الأسئلة الموحَدة التي طرحها أربعة صحافيين حول خططهم السياسية والاقتصادية والبطالة والهجرة والتعليم والصحة والسياسة الخارجية.

وفي بيان لهم اعتبر مجموعة من الشخصيات السياسية يتقدمهم وزير الخارجية الأسبق أحمد طالب الإبراهيمي، ورئيس الحكومة السابق أحمد بن بيتور، والدبلوماسي عبد العزيز رحابي، والحقوقي عبد الغاني بادي أن الحل السياسي للأزمة التني تعيشها الجزائر «لا يمر إلا عبر إجراءات تهدئة تُمهد السبيل لفتح حوار وطني جاد وشامل، يُتوج بتوافق وطني يطوي عهد التعيينات المقنعة». ودعت «السلطة القائمة إلى الابتعاد عن الخطابات الاستفزازية ولغة التهديد وتخوين كل من يخالفها الرأي في كيفية الخروج من الأزمة»، وحمّلتها «مسؤولية أي انزلاق قد تؤول إليه الأمور في قادم الأيام»، وجدد الموقعون على البيان «دعمهم المطلق للحراك الشعبي السلمي إلى غاية تحقيق جميع أهدافه المشروعة».

وبالمقابل دعا الموقعون على البيان إلى «عدم التعرض لحقوق الآخرين في التعبير عن آرائهم رغم الاختلاف في الاجتهادات وما بُني عليها من مواقف سياسية، وتجنب أي احتكاك أو الرد على الاستفزازات من أي جهة كانت، وكذلك التحلي بإرادة السمو، حتى لا تُخدش هذه الملحمة الجامعة في سلميتها وسمعتها، وتبقى بيانا لوحدة الشعب وصموده أمام كل أشكال التفرقة والتزييف ومحاولات زرع الفتنة والكراهية بين أبناء الشعب الواحد».

 

الدكتور بابا عربي مسلم

وفي حديثه لـ«المجلة» يرى الدكتور بابا عربي مسلم وهو أحد الموقعين على بيان الشخصيات الوطنية أن «الجزائر تعيش منذ شهور مخاضا عسيرا، تعاظمت معه الآمال برؤية البلاد وهي تقطع مع ممارسات العهد البائد، وتفتح صفحة مع عهد جديد. وككل المراحل المفصلية في تاريخ الشعوب والمجتمعات تزداد حدة الاستقطاب بين أبناء الشعب في هذه اللحظة الفارقة». وبرأيه «هناك مواقف مصلحية أملتها الارتباطات بالشبكات وإكراهات الولاءات الضيقة، وهناك اصطفافات أنتجتها التوجهات الفكرية والآيديولوجية التي تنبعث تلقائيا في مثل هذه المراحل». ويتابع: «من كان يرجح كفة الحلول الجزئية التي أفرزتها خريطة السلطة بسبب حسابات شخصية ضيقة أو يعارض المسار فقط لأجل أن يعارض فكلاهما يشكل وقودا لمعركة خاسرة، لا تفيد الوطن في شيء ولا تخدم معادلة التغيير الإيجابي». ويوضح أكثر: «كلامي إلى أولئك الذين يعتبرون خطة السلطة أخف الأضرار ومن يحتكمون إلى قاعدة دفع المفسدة أولى من جلب المصلحة، كلامي إلى أولئك الذين يقدرون أن التغيير قد ينجز مرحليا عبر أدوات السلطة البالية، الذين يثقون في وعود السلطة الفعلية بالعمل على تطهير المؤسسات ثم مباشرة عملية الانتقال التدريجي. وأيضا إلى أولئك الذين يقدرون أن العوار الذي أصاب مخطط السلطة دليل يؤشر على نقص في مصداقيته وليس مجرد سوء إخراج وأنا منهم» يؤكد مسلم.
 

ويتابع حديثه بالقول: «لو كانت نوايانا نحو التغيير والإصلاح صادقة فمن المؤكد أننا سنلتقي قريبا في مسلك واحد، فلم يبق الكثير من الوقت لتنكشف النوايا وتنجلى الغمة ويتضح الأمر لذلك ليس مناسبا أن نتهم المنخرط في مسار 12 ديسمبر (كانون الأول) بالخيانة وليس لائقا وصف من يعارضه بالعمالة».

بابا عربي أقر أن «مكونات الخطة المعلنة غير مستجيبة لمتطلبات التغيير»، بل وتبدو في تقديره «مناقضة لمنطق المرحلة ومقتضياتها»، وعليه قدر أن «الانخراط فيها هو تضييع لفرصة ثمينة لتحقيق اختراق مهم في بنية المنظومة البالية، لأن المسار كله قد حدد بإرادة منفردة لطرف يعتبر ضلعا رئيسيا لمنظومة الحكم الماضية»، لكنه مع ذلك حرص في كل مناسبة حسب حديثه على «تقليب وجوه الأمر وبحث تفصيلاته لأخلص في الأخير إلى رأي لا ألزم به سوى نفسي، أن الخطة هي أقرب إلى إعطاء نفس جديد للنظام أو تجديده في إطار الاستمرارية مع نفس الممارسات وبنفس الشخوص أحيانا». ويتابع: «ومتى بدا لي أن تقديري كان في غير محله، عدلت واعتذرت عنه، ومتى اكتشف الطرف الثاني أن انسياقه وراء مخطط السلطة الفعلية قد خاب، لن أعيب عدوله عن رأيه وانخراطه في مسار جديد للتغيير».

ويرى بابا عربي أن «مسار التغيير يستلزم الصبر على مسلكه الشاق والإخلاص في النوايا والصدق في العمل وكذلك قبول الرأي، بما يحقق جمع أبناء الوطن على المشروع البناء لا التنابز المولد للتدابر والتقاطع والخصومة والفجور».

وبالمقابل يقدر الدكتور والسياسي عبد القادر بريش في حديثه لـ«المجلة» أن «التحديات السياسية هي أن إطالة عمر الأزمة والبقاء دون انتخاب رئيس جمهورية منتخب يكرس الفراغ المؤسساتي بالنظر لأهمية ومكانة رئيس الجمهورية في الهرم المؤسساتي للدولة». لذلك يعتقد أن «الانتخابات الرئاسية تشكل الحل والمخرج الآمن للأزمة السياسية التي دخلت فيها البلاد». فالانتخابات في تقديره «تشكل نقطة تحول جوهرية وأساسية في إرساء البناء المؤسساتي لنظام الحكامة الجديد، كما أن تنظيم الانتخابات الرئاسية يكرس العودة للمسار الدستوري ويحقق مطالب الشعب في التغيير وتطبيق المادتين 7 و8 من الدستور».

وبحكم كونه خبيرا اقتصاديا، يرى بريش أن «لتنظيم الانتخابات أهمية كبيرة من الجانب الاقتصادي، نظرا لترابط الجانب السياسي بالجوانب الاقتصادية»، فتنظيم الانتخابات برأيه «يعد عاملا هامًا من أجل عودة الثقة والاستقرار الاقتصادي للمستثمرين الجزائريين والأجانب، خاصة في ظل سياق محاربة الفساد ومتابعة رجال الأعمال والمسؤولين الفاسدين وبداية محاكمتهم». ويرى أن هذا الأمر «يعد عاملا نفسيا محفزا إذا تم استثماره بشكل جيد، وتوفر ظروف الاستقرار السياسي والوصول إلى توافق وطني، يفتح حوارا بين جميع الفاعلين السياسيين والاقتصاديين وفعاليات المجتمع المدني للتوافق على محاور الإصلاحات الكبرى في الشق السياسي».

ورغم اعترافه بأن الانتخابات الرئاسية نظمت في ظروف ليست بالمثلى إلا أنه قال إنها «تمثل مرحلة تحول حاسمة ولحظة تاريخية في تاريخ الجزائر الجديدة ما بعد حَرَاك 22 فبراير (شباط) 2019».

 

 

font change