الجزائر تكافح الكراهية والعنصرية بقانون جديد

الرئيس تبون أمر بتجريم الظاهرة

الجزائر تكافح الكراهية والعنصرية بقانون جديد

* المحامي عمار قارة: سن قانون لتجريم الكراهية والعنصرية أكثر من ضرورة من أجل القضاء والحد من مشاعر الكراهية المتنامية خلال الفترة الأخيرة
* المنظمة الوطنية للمجاهدين: التساهل في التعامل مع أي تجاوز يستهدف النيل من رموز ثورتنا ومقدسات شعبنا من شأنه أن يشجع ذوي النفوس الحاقدة للكشف عن نواياهم الدفينة
* الناشط هشام ناي: الحراك لم يتسبب في تفرقة وتشتيت الجزائريين، بل على العكس منح الفرصة للجزائريين للوقوف على مدى الوعي الذي تحقق
 

الجزائر: في خطوة لاقت ترحيبًا واسعًا، أمر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون وزيره الأول عبد العزيز جراد بضرورة الإسراع بسن قانون رادع يجرم ظاهرة الكراهية والعنصرية التي تفشت وتنامت بين أوساط الجزائريين خلال الأشهر الأخيرة، وبشكل خاص عبر الوسائط الإلكترونية، وشبكات التواصل الاجتماعي، التي تحولت إلى فضاء للسّب والشتم، ووصلت إلى حد تخوين أبطال ثورة التحرير.

قرار الرئيس الجزائري جاء ساعات قليلة فقط بعد إنهاء مهام مدير الثقافة لمحافظة المسيلة رابح ظريف، بعد منشور له عبر صفحته الرسمية في «فيسبوك» وصف فيه أحد رموز الثورة الجزائرية الكبرى بـ«الخائن». وجاء وصف ظريف وهو كاتب وشاعر وسيناريست معروف، أشهر أعمال سيناريو مسلسل العلامة الشيخ عبد الحميد بن باديس، في سياق معركة كلامية له مع المخرج الجزائري بشير درايس منتج ومخرج فيلم العربي بن مهيدي، وهو من أبرز قادة ثورة التحرير أيضا، لكن الفيلم منع من العرض لأسباب قيل إنها سياسية، حيث قررت وزارة المجاهدين منع عرض الفيلم، وطالبت مُخرجه، بإحداث بعض التعديلات على مضمونه كشرط أساسي لقبول عرضه على المشاهدين، لكن درايس أكد في تصريحات إعلامية أن سبب التحفظ يرجع بالأساس إلى تطرقه لمجموعة من الخلافات التي نشبت بين قادة ثورة التحرير، وهو الأمر الذي يكون قد أغضب المسؤولين، وفقه. وأضاف المخرج أن قصة فيلمه مبنية على كتابات وشهادات قدمها الكثير من الزعماء الثوريين، مثل يوسف بن خذة، رئيس الحكومة المؤقتة حينها، ومحمد خيضر وآخرين.

وتُعد فترة ثورة التحرير خطا أحمر بالنسبة للجزائريين شعبيًا ورسميًا، وتظل الكثير من الملفات المتعلقة بها من التابوهات، وأبرزها الخلافات التي كانت بين قادة الثورة، وبشكل خاص الخلافات التي ألقت بظلالها على مؤتمر الصومام الذي كرّس قاعدة أولوية السياسي على العسكري في الحكم، وهي النقطة التي ظلت محل صراع في النظام السياسي الجزائري لعقود وما تزال، كما توجد الكثير من التابوهات الأخرى على غرار التعرض للحياة الخاصة لأبطال الثورة، ومشاركة بعض من اليهود في الثورة إلى جانب الجزائريين ضد الاستعمار الفرنسي خاصة في بداية الثورة.

 

رابح ظريف

وصف الشاعر رابح ظريف لـ«عبان رمضان» بـ«الخائن» خطوة لم تكلفه منصبه فقط، بل تسببت في إيداعه السجن، بعد أن أمر قاضي التحقيق لدى محكمة المسيلة بإيداعه الحبس المؤقت، ووجهت له تهمة إهانة أحد رموز الثور التحريرية. وساعات قليلة فقط من منشوره الذي أثار عاصفة من الانتقادات أصدرت رئاسة الجمهورية بيانًا أعلنت من خلاله عن قرار الرئيس تجريم خطاب الكراهية والعنصرية، وكشف البيان أن «هذا الإجراء، يأتي بعد ما لوحظ ازدياد خطاب الكراهية والحث على الفتنة خاصة في وسائل التواصل الاجتماعي، كما يأتي لسد الباب في وجه أولئك الذين يستغلون حرية وسلمية الحراك برفع شعارات تهدد الانسجام الوطني». وأكد البيان أن «الجميع مطالبون بالتقيد بالدستور وقوانين الجمهورية، لا سيما فيما يتعلق باحترام ثوابت الأمة وقيمها، والمكونات الأساسية للهوية الوطنية والوحدة الوطنية ورموز الدولة والشعب».

بالمقابل سارعت المنظمة الوطنية للمجاهدين (قدماء محاربي الثورة)، إلى استنكار تصريحات مدير الثقافة، وشددت المنظمة في بيان لها على «وجوب التعامل بكل صرامة مع مثل هذه السوابق الشاذة على أن يراعى في ذلك الالتزام بتطبيق ما نص عليه الدستور وما تضمنه قانون المجاهد والشهيد فضلا عن قوانين الجمهورية إذا ما تعلق الأمر بالإساءة لرموز الثورة». وأكد المصدر نفسه أن «التساهل في التعامل مع أي تجاوز كيفما كانت مقاصده يستهدف النيل من رموز ثورتنا ومقدسات شعبنا من شأنه أن يشجع ذوي النفوس الحاقدة للكشف عن نواياهم الدفينة خاصة أن الظرف الدقيق الذي تواجهه بلادنا قد جعلنا أمام كثير من الممارسات المرتبطة بما تحلم به أوساط معادية داخليا وخارجيا».

 

صور عبان رمضان في الحراك

واللافت أن مشاعر العنصرية والكراهية بدأت في التنامي بين الجزائريين انعكاسًا لتباين وجهات النظر بخصوص المشهد السياسي، ومآلات الحراك، وفي طريقة التعاطي مع مقترحات السلطة للخروج من الأزمة السياسية التي بدأت مع انطلاق الحراكم الشعبي في الثاني والعشرين من فبراير (شباط) الماضي، حيث برز في الشارع السياسي فريقان، الأول مؤيد لخريطة الجيش للخروج من الأزمة، بضرورة الالتزام بالإطار الدستوري، وعدم الـذهاب إلى مرحلة انتقالية أو مجلس تأسيسي، بحجة أن هذه الخيارات قد تطيل من عمر الأزمة، وتفتح المجالات لبروز صراع بشأن مسائل متعلقة بالهوية، وهي المسائل التي يراها النظام وكثير من الجزائريين خطا أحمر لا ينبغي تجاوزه. في حين يرى الفريق الآخر أن الخطة التي يقترحها النظام لا تؤسس للجمهورية الجديدة التي يتطلع إليها الجزائريون، لكنها برأيهم خطة تعطي الفرصة للنظام كي يجدد نفسه بنفسه.

التجاذب والنقاش الدائر بشأن القضايا السابقة تطور إلى معارك كلامية عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وتنامت بشكل خطير ووصلت إلى حد بروز ظاهرة التخوين، وطفت إلى السطح كلمات عنصرية وجهوية دخيلة على ثقافة الجزائريين، وذهب بعضهم إلى دفاتر التاريخ للبحث عن قضايا كانت خلافية لتغذية الصراع وتخوين كل جهة لجهة أخرى.

النقاش تطور ليطال ثوابت الجزائريين اللغوية والدينية، وطالب البعض بمراجعة قانون دسترة اللغة الأمازيغية وعدم فرضها في المدارس الجزائرية، في حين طالب آخرون بعدم الارتهان للدين الإسلامي، وفتح النقاش في مسائل تعتبر ثوابت وعقائد بالنسبة للجزائريين، ووصل الأمر إلى حد وصف الحج بأنه شعيرة وثنية، ما دفع بشخصيات دينية إلى المطالبة بتعميم قانون تجريم العنصرية والكراهية ليمس ظاهرة الإساءة للدين الإسلامي تحت ذريعة حرية الفكر.

وفي السياق ناشد النائب بالبرلمان عن «حركة مجتمع السلم»، لخضر براهيمي، الرئيس عبد المجيد تبون، لتطبيق نص المادة 144 مكررفي حق الباحث السعيد جاب الخير بسبب منشور له يراه مسيئا للشعائر الإسلامية في صفحته بموقع «فيسبوك». وناشد براهيمي في الالتماس بضرورة «التدخل المستعجل لتطبيق قوانين الجمهورية على كل المسيئين للشعائر الإسلامية ولوحدة البلاد كتابة أو رسما أو تصريحا أو بأي وسيلة كانت». وأشار البرلماني إلى منشور في صفحة الباحث بتاريخ 12  يناير (كانون الثاني)، يسيء للشعائر الإسلامية بعبارة «الوثنية شفتوها غير في يناير!؟ ماشفتوش في الحج وطقس الدم -الأضحية ؟ هاذي أيضا طقوس وثنية، زادولها غير البسملة والتكبير». ويأتي منشور جاب الخير بعد مطالب بعدم الاحتفال بـ«يناير» وهو رأس السنة الأمازيغية بحجة أن هذا العيد وثني.

من جانبها استغربت التنسيقية الوطنية للأئمة وموظفي الشؤون الدينية والأوقاف من محاولة الطعن في الحج والأضحية باعتبارها أصلا من أصول الدين ووصفها بالوثنية. وطالبت النقابة في بيان لها رئيس الجمهورية بالتدخل، كمال طالبت العدالة بتحريك النيابة العامة للتحقيق وتشديد الرقابة على المقولات التي تسيء إلى الإسلام باعتباره دين الدولة.


وفي تصريح لـ«وكالة الأنباء الجزائرية» يرى رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بوزيد لزهاري، أن التعليمات التي وجهها الرئيس عبد المجيد تبون بإعداد مشروع قانون يجرم كل مظاهر العنصرية والجهوية وخطاب الكراهية في البلاد «جاءت في وقتها، نظرا لتنامي ظاهرة خطاب الكراهية عبر مختلف وسائط التواصل الاجتماعي»، معتبرا أن هذا الإجراء «يصب في مصلحة حماية الحقوق الفردية والدفاع عن مبدأ المساواة والحفاظ على الوحدة الوطنية».

وأوضح الحقوقي أن إصدار مشروع القانون «يتماشى مع المعايير والمعاهدات الدولية التي صادقت عليها الجزائر والتي تلزم الدول بضرورة إصدار قوانين للعقاب على خطاب الكراهية، وذلك في إطار تجسيد حقوق الإنسان». وأوضح لزهاري أن «العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي صادقت عليه الجزائر في ديسمبر (كانون الأول)1989  وينص في مادته الـ20 على أنه تحظر بالقانون أي دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف». وتابع: «الخطورة التي قد تنتج عن خطاب الكراهية تستدعي تجريم هذا الفعل»، مشيرا إلى «إمكانية تسببه في انتشار مظاهر العنف داخل المجتمع وفتح الباب أمام القذف والسب والتفرقة بين المواطنين على أساس الدين والجهة واللغة والإعاقة».

وكشف لزهاري أن «الكثير من الدول لجأت إلى وضع قوانين لتجريم العنصرية والكراهية، على غرار الولايات المتحدة الأميركية التي تعتمد التعديل الأول الذي يؤكد أن الدولة لا تتدخل في مجال حرية الرأي، لكن المحكمة العليا الأميركية يجب أن تتدخل بخصوص خطاب الكراهية لأنه يمس بمبدأ المساواة». وفي تقديره فإنه «مع بروز وسائل التواصل الاجتماعي وتطورها، أصبح موضوع خطاب الكراهية اهتماما عالميا، على اعتبار أن الكثير من الدول ومن بينها بريطانيا وأيرلندا وكندا والهند أصدرت قوانين تمنع الخطاب الذي يدعو إلى الكراهية ويمس بالسيادة الوطنية».

وفي تصريح خص به «المجلة» يرى المحامي عمار قارة أن «سن قانون لتجريم الكراهية والعنصرية أكثر من ضرورة من أجل القضاء والحد من مشاعر الكراهية المتنامية خلال الفترة الأخيرة».

وكشف قارة أن «الإشكالية التي تعيشها الجزائر اليوم أن مصدر الكراهية والعنصرية لا يقتصر على الشخصيات العادية وغير المؤثرة في المجتمع الجزائري، بل تطور الأمر ليمس أفرادا وشخصيات سياسية وفكرية تتخذ من حرية الرأي ذريعة لممارسة التفرقة بين أوساط الجزائريين بتغذية مشاعر الحقد والكراهية والعنصرية عبر مختلف وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي بمختلف أنواعها».

ورغم وجود قوانين سابقة بخصوص مكافحة الظاهرة، إلا أن قارة يؤكد أن «هذه القوانين قاصرة وبها ثغرات عدة، تمنع دون احتواء الظاهرة، خاصة مع بروز أشكال جديدة في ظل بروز تداول ألفاظ وعبارات جديدة تتضمن تخوينا للناس أو ازدراء بالإسلام وضرب مناطق بعينها والافتراء على قاطنيها».

ويقترح قارة على المشرع القانوني ضرورة سن قوانين رادعة من خلال فرض غرامات مالية كبيرة، مع تطبيق عقوبة الإكراه المدني على كل شخص لا يستطيع دفع الغرامة المالية المفروضة عليه. كما طالب بـ«وضع ضوابط قانونية واضحة تساعد على التفريق بين حرية التعبير ونشر العنصرية وخطاب الكراهية»، وبرأيه «لا يجب أن يكون هناك تقييد لحرية التعبير ويجب سن قانون يخدم الجزائريين ويحمي لحمتهم الوطنية ويحارب العنصرية دون المساس بمبدأ حرية التعبير».

من جانبه يعتقد خبير علم الاجتماع السياسي البروفسور ناصر جابي أن «التفكير في إصدار قانون جديد، موجود أصلا، لتجريم الجهوية والعنصرية وبث الفرقة بين الجزائريين، هو إقرار بفشلنا كمجتمع، ومنظومة قيم سياسية وثقافية وطنية، تعيش حالة تخمة قانونية غير مفعلة».

ورغم ما سبق فإن الناشط هشام ناي يرى أن «الحراك لم يتسبب في تفرقة وتشتيت الجزائريين، بل على العكس منح الفرصة للجزائريين للوقوف على مدى الوعي الذي تحقق»، واعتبر في حديثه لـ«المجلة» أن «الالتفاف الذي كان من كل الجزائريين على مطالب واحد ووحيد وهو رحيل النظام أكد وجود تقارب بين الجزائريين بمختلف أفكارهم وآيديولوجياتهم وأعراقهم ومناطقهم»، فعلى القبائل والعرب يقول أن «يراجعو بعض الأفكار النمطية التي تعشش وسط بعضهم بأفكار عنصرية ضد بعضهم البعض، وهم الذين رفضوا الانجرار وراء خطابات العنصرية والتطرف ضد كل طرف».

font change