بعد تسعة أشهر… لويزة حنون خارج أسوار السجن

مطالب مستمرة بالإفراج عن معتقلي الرأي

بعد تسعة أشهر… لويزة حنون خارج أسوار السجن

* يُعد موضوع سجناء الرأي أحد الملفات الشائكة التي تزعزع الثقة بين السلطة الجديدة للرئيس عبد المجيد تبون، ونشطاء الحراك
* قضية اعتقال حنون بتهمة التآمر على الجيش والدولة أثارت نقاشًا واسعًا، واعتبر بعض النشطاء أن قضيتها سياسية، وأنه لا يمكن إيداع شخصية سياسية السجن بسبب أفكارها
* سياسيون: في الوقت الذي تتعالى فيه المطالب بإطلاق سراح كل المعتقلين من الضروري المطالبة أيضا بوقف حملات الاعتقالات والتضييق على النشطاء السياسيين، واحترام الحريات الأساسية

الجزائر: بعد نحو تسعة أشهر على سجنها بتهمة التآمر على سلطة الدولة وسلطة الجيش، أُفرج أخيرا عن زعيمة حزب العمال التروتيسكي الجزائرية لويزة حنون التي يلقبها البعض بـ«المرأة الحديدية»، وهي الخطوة التي رحب بها كثيرون، واعتبروها تطورًا مُهمًا قد يدفع نحو إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين القابعين في السجون الجزائرية، خاصة خلال مرحلة ما بعد سقوط نظام الرئيس الأسبق عبد العزيز بوتفليقة.
بداية القصّة تعود إلى مايو (أيار) الماضي، حينما بثّ التلفزيون الحكومي بالجزائر مشاهد لزعيمة حزب العمل لويزة حنون وهي تمشي باتجاه مدخل المحكمة العسكرية في مدينة البليدة غربي العاصمة الجزائر، ورغم أن المعلومات الأولية حينها أشارت إلى أن حنون تم استدعاؤها كشاهدة في قضية اعتقال شقيق الرئيس الأسبق السعيد بوتفليقة، ورئيسي جهاز المخابرات سابقا: الفريق محمد مدين المشهور بالجنرال التوفيق، واللواء بشير طرطاق، غير أن الذي حدث بعد ذلك هو أن حنون تم الزّج بها في السجن المؤقت، بناء على أمر صدر من قاضي التحقيق بعد الاستماع لأقوالها. لكن تفاصيل القضية تطورت حينما أعلن القاضي عن الحكم في قضيتها بالسجن لمدة 15 عامًا، وهو الحكم الذي صدر أيضا في حق سعيد بوتفليقة، والمدير الأسبق لأجهزة الاستخبارات محمد مدين ومنسق الأجهزة الأمنية السابق بشير طرطاق. وكانت النيابة العامة قد طالبت بعقوبة السجن 20 سنة لكل منهم.
وبعد مرافعات استمرت ليوم كامل منتصف هذا الأسبوع، أصدرت محكمة الاستئناف العسكرية حكمها بالإفراج عن لويزة حنون بعد صدور الحكم بسجنها ثلاث سنوات منها تسعة أشهر نافذة، وهي العقوبة التي استنفذتها. في حين تم تأييد الأحكام الصادرة بحق سعيد بوتفليقة ومحمد مدين وعثمان طرطاق بالسجن لمدة 15 عامًا.


وحسب صحيفة «الوطن» الناطقة بالفرنسية، فإن المحاكمة التي انطلقت الأحد، تأخرت في الانطلاق بسبب رفض اللواء طرطاق المثول أمام المحكمة، وأن هيئة الدفاع لعبت في ورقة عدم الاختصاص، مؤكدة أن المتهمين يفترض أن يحاكموا أمام القضاء المدني، لأنه لا أحد فيهم ما زال عسكريًا في الخدمة، كما احتج المحامون على منع الصحافة من حضور المحاكمة، والإبقاء عليهم بعيدين عن محيط المحكمة، ولكن القاضي أكد أنه مسؤول عما يجري داخل القاعة وليس مسؤولاً عما يحدث خارج المحكمة.
ونقلت الصحيفة بعض مجريات جلسة المحاكمة حينما أكدت أن الفريق توفيق أكد حضور الاجتماعات التي وصفت بالسرية، وفيها تم التآمر على سلطة قائد الجيش باعتباره مستشارا لشقيق الرئيس، ولا تدخل ضمن التآمر على سلطة الدولة، وأنه كان ضد إقالة قائد الأركان السابق الفريق أحمد قايد صالح لأن ذلك من صلاحيات الرئيس وحده. في حين نفى شقيق الرئيس السابق تهمة الاستيلاء على صلاحيات شقيقه الرئيس، وأنه كان يمارس مهامه في حدود ما يحدده القانون بوصفه مستشارًا للرئيس، مؤكدًا أن الاجتماعات التي عقدت كانت بهدف البحث عن حلول للأزمة السياسية التي كانت تعرفها البلاد، وأنه لم يكن هناك أي تآمر. في حين أكدت حنون أن حضورها الاجتماع المذكور كان باعتبارها رئيسة حزب سياسي تجتمع مع مستشار الرئيس لمناقشة الوضع السياسي الذي كانت تشهده الجزائر بعد حراك 22 فبراير (شباط) الماضي.
حنون اليسارية حَدّ التطرف برأي البعض، تعتبر من أشهر السياسيات في الجزائر، ولدت في السابع من أبريل (نيسان) عام 1954 في منطقة جبلية بمحافظة جيجل المدينة الساحلية الجميلة والهادئة، هي من أسرة متواضعة، انخرطت في السياسة مع نهاية السبعينات، وكان حضورها قويًا، ولافتًا لأن اشتغال المرأة بالسياسة في ذلك الوقت كان أمرا نادرا. نشطت في مجال حقوق الإنسان، وكانت ناشطة وسياسية متمردة وجريئة، تعاطفت مع الإسلاميين المعتقلين ودافعت عنهم، خلال التسعينات حتى قال عنها الرجل الثاني في الحزب الإسلامي المحظور بالجزائر علي بلحاج «هي الرجل الوحيد في الجزائر» اعترافا بمواقفها الشجاعة وجرأتها النادرة، وبالمقابل لا تتوانى في المطالبة بقانون أسرة مدني ومعارضة قانون الأسرة الحالي الذي يستمد نصوصه من الشريعة الإسلامية.
دخولها السجن لم يكن سابقة في تاريخ نضالها السياسي الطويل، ولأنها تقحم نفسها في كل صغيرة وكبيرة، فدائما ما كانت تواجه الصعاب والمتاعب، في عام 1983 زُج بها في السجن، رفقة نساء أخريات بتهمة المساس بالمصالح العليا للدولة والانتماء لتنظيم من المفسدين، ولم يصدر حكم ضد السجينة لويزة حنون ورفيقاتها إلى حين تم الإفراج عنها في شهر مايو من عام 1984. أي بعد قضاء ما يقارب الخمسة أشهر بالسجن. خلال أحداث الخامس من أكتوبر (تشرين الأول) 1988. وهي الأحداث الدامية التي شهدتها الجزائر للمطالبة بالإصلاحات السياسية، كانت حنون في الصفوف الأولى للمتظاهرين، فألقت قوات الأمن القبض عليها رفقة جزائريين آخرين كثيرين، وتم اعتقالها لمدة ثلاثة أيام.
عام 1984 انضمت إلى منظمة المساواة بين الرجال والنساء التي كانت ترأسها آنذاك وزيرة الثقافة السابقة ورفيقة دربها خليدة تومي المعروفة باستماتتها في الدفاع عن حقوق المرأة.
في عام 2004 وبمناسبة انتخابات الرئاسة دخلت حنون التاريخ السياسي الجزائري من أوسع أبوابه، بعد أن تمكنت من جمع أكثر من 75 ألف توكيل من أجل الترشح لانتخابات الرئاسة، فكانت أول امرأة على مستوى العالم العربي تنافس على هذا المنصب، لكنها لم تتحصل إلا على 1 في المائة من مجموع أصوات الناخبين.
قضية اعتقالها بتهمة التآمر على سلطة الجيش وعلى الدولة أثارت على مدار التسعة أشهر الماضية نقاشًا واسعًا، واعتبر بعض النشطاء أن قضيتها سياسية، وأنه لا يمكن إيداع شخصية سياسية السجن بسبب أفكارها أو مبادرات سياسية، وخلال فترة مكوثها في السجن العسكري برزت الكثير من حملات التضامن معها، فيما بعثت زهرة ظريف بيطاط، أحد رموز حرب التحرير الجزائرية ورئيسة اللجنة الوطنية من أجل إطلاق سراح لويزة حنون، سابقا رسالة لرئيس أركان الجيش أحمد قايد صالح تطلب فيها إطلاق سراح لويزة، كونها سجنت بشكل «ظالم» و«تعسفي» حسب ما نشرته جريدة «الوطن» الصادرة بالفرنسية. وكتبت زهرة ظريف بيطاط في رسالتها: «أطلقوا سراح لويزة حنون وجميع المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي واجعلوا من هذه الإطلاقات برهانا على صدقكم وبهدف إعادة بناء حجر الثقة الذي أهدره النظام القائم».
وكانت اللجنة الوطنية من أجل إطلاق سراح لويزة حنون قد استبقت جلسة الاستئناف في المحكمة العسكرية بإصدار بيان في الرابع من الشهر الجاري تحصلت «المجلة» على نسخة منه، عبرت فيه عن ارتياحها الكبير لنجاح حملة التضامن مع حنون داخل وخارج الجزائر، وجاء في البيان «قبل كل شيء تعبر اللجنة الوطنية عن ارتياحها للنجاح الكبير الذي حققه نداء الموقعين الأوائل الـ600 من الشخصيات العامة المنحدرين من مختلف المشارب زعماء أحزاب سياسية، ومسؤولين نقابيين وجمعويين، وأساتذة جامعيين، ومعتقلي الحراك المفرج عنهم، وصحافيبن، ومثقفين، وفنانين، للمطالبة بالإفراج الفوري واللامشروط عن لويزة حنون». وعبرت اللجنة عن «ارتياحها للحملة الدولية من أجل الإفراج عن لويزة حنون، والتي جرت في أكثر من 100 بلد من كل القارات. وهي الحملة التي تتسم خاصة بالانخراط غير المسبوق لمنظمات الحركة العمالية والديمقراطية والمنظمات الحقوقية».
وذكرت اللجنة من خلال بيانها أن اعتقال حنون و«الحكم التعسفي» الصادر بحقها يشكلان فعلا «تجريما للعمل السياسي». وبالنسبة للجنة، فإنه «لا يوجد أي تبرير ولا ذريعة لسجن لويزة حنون والحكم الثقيل الصادر في حقها»، وطالبت بتبرئتها ورد الاعتبار إليها واستعادة جميع حقوقها.


البيان تطرق أيضا إلى موضوع السجناء السياسيين، وإذ أعربت عن ارتياحها للإفراج عن الناشط السياسي سمير بلعربي، وهو أحد أبرز نشطاء الحراك تم إيداعه السجن قبل خمسة أشهر ليتم بحر هذا الأسبوع إطلاق سراحه، وتبرئة ساحته من التهم التي وُجهت له، فقد طالبت اللجنة بالإفراج الفوري واللا مشروط عن كل السجناء السياسيين ومعتقلي الرأي، وإسقاط كل المتابعات القضائية في حقهم وأبرزهم السياسي كريم طابو والناشط فوضيل بومالة.
ويُعد موضوع سجناء الرأي أحد الملفات الشائكة التي تزعزع الثقة بين السلطة الجديدة للرئيس عبد المجيد تبون، ونشطاء الحراك، فبينما يشدد الأول على ضرورة التزام الحوار كمبدأ ووسيلة لتجاوز المرحلة الراهنة، فإن نشطاء الحراك يعتبرون أن الدعوة للحوار في أجواء مشحونة بالتضييق على الحريات ورفض الإفراج عن المعتقلين السياسيين أمر غير منطقي، ويعصف بأي محاولات للتقارب، أو إيجاد مخارج حقيقية للأزمة تدفع نحو تغيير حقيقي وجذري للنظام، والذي يُعدُ المطلب الأساسي للحراك.
وفي تصريح خص به «المجلة» يؤكد القيادي في حزب العمال رمضان تيعزيبت أن «سجناء الرأي والمعتقلين السياسيين قضية مطروحة بقوة في الحراك، لذلك هي قضية سياسية لا يمكن تجاهلها». 
وفي الوقت الذي تتعالى فيه المطالب بضرورة إطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين القابعين في السجون، فإنه من الضروري- يضيف تيعزبت: «المطالبة أيضا بوقف حملات الاعتقالات والتضييق الممارسة على النشطاء السياسيين، مع ضرورة احترام الحريات الأساسية وأبرزها حرية الرأي وحرية الصحافة وحرية التظاهر وغيرها».
وفي تقدير تيعزيبت فإن «الجزائر الآن تعيش ظروفًا استثنائية»، فالثورة الشعبية التي يعيشها الجزائريون- يتابع: «خلقت لديهم آمالا واسعة في التغيير، وهو ما تعكسه المطالب المرفوعة في الحراك المستمر بكل قوة، وهو ما تسبب في فتح نقاش واسع يشارك فيه كل الجزائريين بمختلف الوسائل المتاحة حول شكل الدولة التي يريدونها في الجزائر الجديدة»، لأجل ذلك يعتقد أنه «على السلطة أن تعي وتفهم هذه الجزئية، وتحترم حق الجزائريين في المساهمة في بناء دولتهم ومستقبلهم».
وعن أهمية الإفراج عن لويزة حنون كشخصية سياسية، عبّر تيعزيبت عن سعادته بتواجدها اليوم بين عائلتها ومناضليها، لكنه يشدد بالمقابل على أن «تجريمها بالحكم ثلاث سنوات، تسعة منها نافذة أمر غير مقبول ومدان»، وبرأيه هي «تستحق البراءة»، فلا يمكن- يتابع: «تجريم العمل السياسي»، ودعا السلطة إلى «غلق ملف اعتقالات الشخصيات السياسية على خلفية آرائهم السياسية التي يعبرون بها عن موقفهم من المشهد السياسي الذي يشهد تفاعلاً غير مسبوق في تاريخ البلاد».

font change