سجون بلا غارمات

دعوات للإفراج عن 30 ألف حالة بالسجون المصرية بمناسبة «عيد الأم»

الكاتبة الصحفية نوال مصطفى مع أميمة أول غارمة تخرج من الحبس في مصر

سجون بلا غارمات

*خبراء يؤكدون لـ«المجلة»: الفقر والجهل بالقانون وسوء استغلال المرأة... الأب الشرعي للسجينات الغارمات
 * المستشارة تهاني الجبالي: أرفض تعديل قانون حبس الغارمات ومهمة القاضي تنتهي بتطبيق القانون وإصدار الحكم، وإيقاف التنفيذ مسؤولية الجهات الشرطية
* القانون لا يتجزأ ولا فرق بين رجل وامرأة، وأي استثناء ستترتب عليه مخاطر كبيرة، والحل في الصناديق القومية
* الكاتبة الصحافية نوال مصطفى: أنا أول من فجر قضية «السجينات الغارمات» عام 2007 عندما اكتشفت حالة «أميمة» فصارت أول غارمة تخرج من الحبس بعد سداد دينها
* بعض إعلانات مساعدة الغارمات فقدت مصداقيتها، وهناك حالات تواطؤ بين التجار وبعض الغارمات لاقتسام «المبلغ» بعد قيام المتبرع بالسداد!
* لهذه الأسباب أطالب بتعديل قانون سجن «الأمهات الغارمات» وتحويل العقوبة إلى خدمة عامة بدلا من الحبس
* «إيمان» إحدى الغارمات بعد إنقاذها من السجن: أعيش حياة جديدة بعد تدريبي وتأهيلي وأصبحت أدير مشروعاً للطهي بالتعاون مع زميلات من الغارمات
* د. أيمن عبد المقصود: تلافي مشكلة الغارمات يكمن في تعاون الحكومة والمجتمع المدني لإيجاد فرص عمل وبدائل مستدامة لضمان الاستقرار المالي لهن
* د. عادل عامر: هناك انتشار للسوق غير الرسمية للائتمان الشخصي بسبب قيام التجار بتوثيق الدين بـ«إيصالات الأمانة» مما ينتهي بالحبس في حالة العجز ويتحول الأمر من عملية بيع وشراء إلى قضية جنائية

 

القاهرة: جدل كبير وواسع بين الناشطين الاجتماعيين وخبراء القانون، تثيره قضية السجينات الغارمات في مصر لما تسببه من أزمات اجتماعية في محيط العائلة تنعكس بالسلب على أطفالها بشكل خاص وعلى المجتمع كله بشكل عام، حيث يرى أصحاب الجمعيات الخيرية المعنية بفك كرب الغارمات بضرورة تعديل القانون الخاص بحبسهن، بينما يرفض خبراء القانون هذا الأمر، لعدم المساس بمبدأ المساوة أمام القانون، ويرون الحل في الصناديق القومية للسداد. وقالت الكاتبة الصحافية نوال مصطفى لـ«المجلة» إنها تقدمت من خلال تحالف «حماية المرأة بالقانون»، بطلب لتغيير القانون لمنع حبس الغارمات وتحويلهن للخدمة العامة بدلا من السجن. 


 

المستشارة تهاني الجبالي


وردًا على ذلك، قالت المستشارة تهاني الجبالي لـ«المجلة» إن قضية «السجينات الغارمات» تعد ظاهرة خطيرة في المجتمع وتحمل عدة أوجه وتحتاج إلى معالجة اجتماعية لا قانونية، مؤكدة مع خبراء قانونيين أن تغيير قانون حبس الغارمات يفتح الباب للتلاعب وإساءة الاستغلال، إضافة إلى التأثير السلبي على قيمة الشيك المستحق الدفع.
وتعد مشكلة السجينات الغارمات في مصر من المشاكل المزمنة التي تعكر صفو الأمن الأسري والاجتماعي، ومع انتشارها تحولت لما يشبه الظاهرة، حيث تكشف الأرقام عن أعداد كبيرة من الغارمات المسجونات على ذمة قضايا الشيكات والتوقيع على إيصالات أمانة كضامنات لآخرين من أفراد الأسرة. وتتضارب الأرقام في هذا الصدد لعدم وجود أرقام رسمية محددة، ولكن الرقم يصل إلى 30 ألف سجينة غارمة وفقا لدراسات أجرتها جمعية رعاية أطفال السجينات، وأعلنت عنها في مؤتمراتها، مشيرة إلى أن هذا العدد يمثل ما نسبته ما بين 20 - 25 في المائة من السجناء في مصر. وما يؤكد تزايد أعداد الغارمات، هو الأرقام الصادرة من مؤسسات رسمية معنية بقضية السجينات الغارمات عن أعداد المفرج عنهن بعد فك كربهن.

 

نوال مصطفى تستقبل أحدث دفعة من الغارمات في جمعيتها - فبراير الماضي


وفي تصريحات خاصة لـ«المجلة» قالت الكاتبة الصحافية نوال مصطفى رئيسة مجلس إدارة جمعية «رعاية أبناء السجينات»، على الرغم من أن الجمعية معنية أساسا بالتركيز على أطفال السجينات ورعاية أسرهن، إلا أنها مهمومة كثيرا بموضوع الغارمات عندما اكتشفت وجود عدد كبير منهن في السجون. 
وكشفت «مصطفى» أنها أول من سلط الضوء على الغارمات خلال حملة صحافية كانت تقوم بها في إطار اهتمامها برعاية أبناء السجينات، وقالت إن «أميمة» كانت أول حالة لسجينة مصرية غارمة تم الإفراج عنها بعد فك كربها وذلك عام 2007. وأكدت نوال مصطفى لـ«المجلة» قائلة: كنت أول من فجر القضية بمصر لكنني تجاوزت البحث عن المجد الصحافي في إثارة القضية والتركيز على الجانب الإنساني للحالة. أثناء وجودي بسجن النساء بالقناطر لاستكمال حملتي الصحافية ولقاءاتي مع السجينات، فوجئت بـ«أميمة» وهي سيدة مصرية تقضي عقوبة السجن ثلاث سنوات ونصف السنة لعدم سداد مبلغ 8500 جنيه (نحو 450 دولارا) قضت منها 6 شهور، وذلك بسبب إيصال أمانة كتبه والدها لتجهيز ابنته وكانت هي الضامن له، ولما توفي وجدت نفسها في المواجهة مع صاحب الإيصال والنيابة وسارت كل الإجراءات القانونية ضدها حتى صدر حكم نهائي عليها بالحبس، بينما كانت لديها طفلة صغيرة اسمها «سالي» لا تعرف عنها شيئا ولا حتى مكانها، كما كانت حاملا، وكانت تبكي طوال الوقت على ابنتها، الأمر الذي حرك مشاعري وأبكاني على حال هذه الأم المظلومة التي دفعت ثمنا باهظا لمساعدتها لأختها ووالدهما ولم تجد من يعينها. وطرحت القضية على الرأي العام للنقاش وقتها، فانهالت التبرعات لجمع المبلغ ودفعه للدائن وتم التصالح وبموجبه أمكن الإفراج عن «أميمة» لتصبح أول سجينة غارمة يتم وقف تنفيذ حكم الحبس ضدها، لتفتح الباب لكثيرات من أمثالها بعد أن صارت حالة غير مسبوقة في السجون المصرية، وهي حالة لم تكن معروفة في المجتمع ولم ينتبه إليها أحد وكان الجميع يعتقد أنه لا يمكن إنقاذ الغارمة من الحبس بعد صدور حكم المحكمة، ولكن بتفجير قضية «أميمة» سلطنا الضوء على إمكانية تسديد المبلغ للدائن وإعطاء الأمل لأمثالها من السجينات الغارمات بفضل الجهود المخلصة وهو ما تكلل بالنجاح. 
وتذكر نوال مصطفى لـ«المجلة» أن «أميمة» كانت حاملا أثناء سجنها، وعندما أفرج عنها والتقت طفلتها سالي نذرت أن تسمي ما في بطنها على اسمي لو كان بنتا وعلى اسم «مصطفى» لو كان ولدا وبالفعل أنجبت ولدا وسمته مصطفى، ولا شك أنني سعدت جدا بهذا الأمر ليس لتحقيقي مجدا صحافيا ولكن لنجاحي في الانتصار للجانب الإنساني. وفي ذات الوقت كشفت «مصطفى» عن عدم سهولة الإجراءات الخاصة بفك حبس الغارمات مشيرة إلى أن الموضوع قد يستغرق بعض الوقت بعد سداد الغرامة لاستيفاء الإجراءات.
وحول عدم مصداقية بعض إعلانات مساعدة الغارمات، تقول رئيسة جمعية رعاية أبناء السجينات، إن هناك إعلانات تفتقد للمصداقية وتستغل الموقف تحت ستار مساعدة الغارمات بينما تكون للمسألة أبعاد كثيرة منها البعد الاجتماعي والقانوني. ونحن كجمعية علينا أن نتحرى ونتفحص كل حالة ولا نسارع بفك الكرب إلا بموجب بحث دقيق للحالة للتأكد من المصداقية كما أننا لا نلجأ للإعلانات بحثا عن التمويل. ولا بد من النظر للمسألة نظرة عادلة ودقيقة أيضا لأنه للأسف يحدث أحيانا تواطؤ بين التجار وبعض السيدات حتى يتم الحصول على المساعدة وفي النهاية يقتسمون المبلغ معا.
وعن أسباب انتشار مشكلة الغارمات حتى صارت ظاهرة قالت «مصطفى» إن الفقر والجهل بالقانون هما الأب الشرعي لهذه الظاهرة بجانب النظرة الدونية للمرأة واستغلالها لتحميلها المسؤولية القانونية في مثل تلك المواقف الصعبة وتكون النتيجة التخلي عنها من قبل أسرتها وتركها بمفردها لتواجه مصيرها بالسجن وربما قيام الزوج بتطليقها بعد سجنها رغم أنها تسجن بسببه في بعض الأحيان! وتضيف أن جمعية «أبناء السجينات» ساهمت على مدار 13 سنة بين عامي 2007 و2020 في فك كرب 1500 غارمة، مشيرة إلى أن القضية لا تقتصر على دفع المبلغ للغارمة وإنما تمتد لتشمل أيضا أبعادا اجتماعية واقتصادية ذات صلة لفترة ما بعد الخروج من السجن، وذلك لما لها من جذور خاصة بالفقر والظروف الصعبة التي قد تدفع بعضهن للتعرض لدخول السجن أكثر من مرة لنفس السبب، لذلك قمنا بعدة دراسات بهدف حل المشكلة من الجذور من خلال برنامج «حياة جديدة» وهو مشروع متكامل للتدريب والتشغيل داخل وخارج السجن حرصا على توفير دخل ثابت وفرصة عمل للسجينة وهو ما نجحنا فيه مع 80 سيدة في سجن النساء بالقناطر الخيرية واستكمال المشوار معهن بعد الخروج من السجن ببرامج للتأهيل النفسي والاجتماعي لمساعدتهن على طي هذه الصفحة وفتح صفحة جديدة من حياتهن.

 

يبلغ عدد الغارمات في السجون المصرية نحو 30 ألفاً 



وحول مدى استجابة السجينة الغارمة لمثل هذا البرامج، تقول «مصطفى» إن المسألة تكون بطيئة في البداية لصعوبة تحركاتهن تحت تأثير الإحباط ولا شك أنها حالات تحتاج لصبر حتى يتحقق الهدف. وهنا التقطت «إيمان» أطراف الحديث لتحكي لقطات بسيطة من حياتها والتحولات الإيجابية التي مرت بها، وتقول لـ«المجلة» لقد كنت في حالة سيئة يائسة لا أشعر إلا بإحباط عميق يذيب رغبتي في الحياة شيئا فشيئا ولكن بالتدريب والتأهيل الذي ساعدتني فيه الجمعية بدأت أشعر بالتغيير وأستشعر جمال الحياة بما فيها من أناس يمدون يد العون للغير. وبدأت التفكير في كيفية تحقيق ذاتي من خلال الإقدام على مشروع صغير للطهي بعدما شرحوا لنا كيفية إدارة مشروعات صغيرة، ونجحت وزادت سعادتي عندما استطعت تشغيل عدد كبير من زميلاتي الغارمات في هذا العمل.
وتأكيدا منها على تعدد أبعاد القضية، ترى نوال مصطفى أن الحلول الاجتماعية التي تقدمها جمعيتها وغيرها من الجمعيات للسجينات الغارمات ليست وحدها كافية لحل المشكلة من جذورها، مشيرة إلى أهمية النظر للشق القانوني، وما يتطلبه من تعديل وتغيير لعقوبة الحبس والسجن للغارمة واختيار عقوبة بديلة كأداء الخدمة العامة وذلك لمنع الحبس، وقالت إننا بدأنا المطالبة بهذا الأمر منذ عامين وكونا «تحالف حماية المرأة بالقانون» وأقمنا مؤتمرات وموائد مستديرة للضغط على الحكومة وصناع القرار وكذلك البرلمان لتعديل القانون الخاص بحبس الغارمة ولكنها مسألة تحتاج إلى نفس طويل وطريق الألف ميل يبدأ بخطوة. 
ووجهت رئيسة جمعية «أبناء السجينات» كلمة لمن يهمه الأمر قائلة: «لا بد من تغيير النظرة المجتمعية للسجينة الغارمة لأنها ضحية للظروف ويجب أن تكون جديرة بكل احترام».
يذكر أن موضوع الغارمات يحظى باهتمام كبير في الأوساط المصرية سواء على المستوى الإعلامي والصحافي أو على المستوى الحكومي الرسمي والمستوى المجتمعي أيضا، خاصة في شهر مارس (آذار)، ذلك الوقت من السنة الذي يتركز فيه الاحتفال بالمرأة المصرية والعربية والمرأة في العالم أجمع حتى أصبح شهر المرأة بكل ما تعنيه الكلمة. 
وفي مصر بالذات يشهد يوم 21 مارس احتفاءَ كبيرا بالأمهات في جميع الأنحاء حيث تحل مناسبة عيد الأم، وهو ما يضع قضية الأمهات الغارمات والمسجونات في بؤرة الضوء والاهتمام في هذا الوقت بالذات. وتتبارى الأجهزة الرسمية والأهلية في مد يد العون للأمهات بهذه المناسبة، حتى أصبح الإفراج عن السجينات الغارمات من أجمل هدايا الأم التي تقدمها الدولة تقديرا لهن وذلك بعد سداد الدين عنهن. كما تستغل المناسبات الدينية أيضا للمساهمة في فك كرب السيدات الغارمات، فمنذ سبع سنوات تحملت القوات المسلحة المصرية سداد ديون 48 غارمة من الأمهات للإفراج عنهن. كما تم تخصيص مبادرة رسمية برعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي بعنوان «مصر بلا غارمات» عام 2015. وتطورت الفكرة لتشمل الغارمين والغارمات برعاية صندوق «تحيا مصر» وبموجبها تم الإفراج عن 6000 غارم وغارمة، كان آخرها 70 غارمة تم الإفراج عنهن في مارس 2019 بمناسبة عيد الأم. ومن المنتظر أن يشهد العام الجاري مزيدا من حالات الإفراج عن الغارمات في إطار هذه المبادرة التي تتبناها الدولة.

 

الخبير المحاسبي الدكتور أيمن عبد المقصود


من واقع قضايا الغارمات يبدو الموضوع مرتبطا ارتباطا وثيقا بتوقيعهن على أوراق قانونية ملزمة وخطيرة كالشيك وإيصال الأمانة وغيرها من الأوراق كالكمبيالة. وحول الفرق بين الالتزامات التي تفرضها كل ورقة من هذه الورقات، يوضح الخبير المحاسبي الدكتور أيمن عبد المقصود أن إيصالات الأمانة أو الكمبيالة عبارة عن ورقة ضامنة للدين في حالة إخلال المقترض بالسداد، وهو أمر يختلف عن الشيك لأنه أداة الصرف من البنوك المختلفة ولكنه في اتجاهه للتلاشي في ظل رقمنة المعاملات المالية. وفيما يتعلق بتأثير استغلال هذه الأوراق على الغارمات يقول عبد المقصود إن تلافي مشكلة الغارمات يكمن في تعاون الحكومة والمجتمع المدني لإيجاد فرص عمل وبدائل مستدامة لضمان الاستقرار المالي لهؤلاء الغارمات بديلا عن الاستدانة والوقوع في مشكلة التعرض للحبس.
وعن سوء استغلال إيصالات الأمانة في قضية الغارمات يقول الدكتور عادل عامر أستاذ القانون وعضو هيئة التدريس بالمعهد العربي الأوروبي للدراسات السياسية والاستراتيجية بجامعة الدول العربية، ومستشار التحكيم الدولي، في تصريحات خاصة لـ«المجلة»: هناك انتشار للسوق غير الرسمية للائتمان الشخصي بسبب قيام التجار بتوثيق الدين بـ«إيصالات الأمانة» الأمر الذي تنجم عنه حالات حبس في حالة العجز عن السداد لتتجاوز القضية مسألة البيع والشراء، التي تتحول من قضية مدنية يمكن الفصل فيها دون عقوبة الحبس، إلى قضية جنائية تؤدي إلى السجن لسنوات عدة. ويشير عامر إلى التأثيرات السلبية الخطيرة لهذه الظاهرة على الغارمين والغارمات وتعريضهم للسجن. وتختص المادة 341 من قانون العقوبات بجريمة خيانة الأمانة وفرض العقوبات على مرتكبها باعتبارها اختلاسا أو استعمالا أو تبديد مال منقول مملوك للغير. وبناء عليه يتم الحكم بالحبس على مرتكب الواقعة. 

 

الدكتور عادل عامر أستاذ القانون ومستشار التحكيم الدولي


وحول إمكانية إيقاف تنفيذ العقوبة لأسباب إنسانية، يقول الدكتور عادل عامر لـ«المجلة» إن قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937 نص على جواز وقف تنفيذ العقوبة ولكن بشروط، حيث نصت المادة 55 على أنه يجوز للمحكمة عند الحكم في جناية أو جنحة بالغرامة أو بالحبس مدة لا تزيد على سنة أن تأمر في نفس الحكم بإيقاف تنفيذ العقوبة إذا رأت من أخلاق المحكوم عليه أو ماضيه أو سنه أو الظروف التي ارتكب فيها الجريمة ما يبعث على الاعتقاد بأنه لن يعود إلى مخالفة القانون، ويجب أن تبين في الحكم أسباب إيقاف التنفيذ.
وفيما يتعلق بقضية الغارمات والموقف القانوني منهن يضيف عامر، هناك أكثر من طريقة يمكننا بها مواجهة هذه المشكلة من جذورها، منها أن يكون هناك دورات توعوية تنظمها الجهات الأهلية المعنية بقضايا المرأة لهؤلاء النساء وغيرهن، بضرورة كتابة مبلغ الدين محل النزاع بصورة واضحة، وكذلك اسم الدائن وتاريخ السداد في الإيصال أو الشيك، حتى لا يتم التلاعب بالقيمة المادية المذكورة به. كما يقترح أن تقوم الشركات والجهات الحكومية فقط بعمليات البيع بالتقسيط لهؤلاء السيدات حماية لهن من تلاعب القطاع الخاص. وفيما يتعلق بإجراءات فك حبس الغارمة، يقول عادل عامر وفقا لنص المادة 312 لا تجوز محاكمة من يرتكب سرقة إضرارا بزوجه أو زوجته أو أصوله أو فروعه، إلا بناء على طلب المجني عليه، وللمجني عليه أن يتنازل عن دعواه بذلك في أي حاله كانت عليها، كما أن له أن يوقف تنفيذ الحكم النهائي على الجاني في أي وقت شاء، وحكمة ذلك أن المشرع رأى أن روابط القرابة فوق روابط القانون مما يدعو إلى التجاوز عما يقع بين أفراد الأسرة الواحدة من عدوان بعضهم على مال البعض الآخر، وذلك حرصا على سمعة الأسرة واستبقاء لصلات المودة بين أفرادها. وباعتبار أن جريمتي خيانة الأمانة والنصب متماثلتين للسرقة فما يجوز على هذه الأخيرة يجوز على الجريمتين الأخريين لأن حكمة الإعفاء واحدة في كل الأحوال ومن ثم فقد استقر القضاء على أن حكم الإعفاء المنصوص عليه في المادة 312 يمتد ليشمل جريمتي النصب وخيانة الأمانة.
وعن نظرة القضاء المصري لقضية الغارمات قالت المستشارة تهاني الجبالي النائبة السابقة لرئيس المحكمة الدستورية العليا بمصر، في تصريحات خاصة لـ«المجلة» إن القانون المصري لا يتعامل مع قضايا «الغرم» على أساس الجنس، ولا يميز بين رجل وامرأة فيها بل يعتبر الالتزامات المالية وما يترتب عليها من توابع قانونية واحدة لا فرق فيها بين رجل وامرأة، وهناك في مصر أعداد كبيرة للغارمين إلى جانب الغارمات. وأضافت أن توقيع الشيكات يترتب عليها التزامات مدنية باعتبارها وسيلة لوفاء الدين وليس ضمانا، ومع ذلك يستخدمه الناس كضمان مما يوقع البعض في المحظور ومنهم الغارمات، حيث إن عدم سداد الشيك يكون فعلا مؤثما قانونيا. وتطالب الجبالي بالنظر لقضية الغارمين والغارمات في إطار اجتماعي واقتصادي من خلال إنشاء صندوق قومي للسداد كإجراء دفاعي يحول دون حبس الغارمة ويواجه حالات عدم القدرة على الوفاء بالشيك، مؤكدة على اشتراط ذلك في حالة الغرم فقط. وضربت مثلا في اختيار جهة مثل بنك ناصر لسداد الدين عن الغارمين. ورفضت نائبة المحكمة الدستورية العليا السابقة إجراء أي تعديل في قانون حبس الغارمات مؤكدة أن الحلول الاجتماعية تكفي، وأنه لا يمكن مطالبة القاضي بعدم تطبيق القانون في حالة وجود شيك من دون رصيد حتى لو كانت لغارمة فهو يحكم بموجب قانون موجود أمامه دونما أي تمييز، لأن القانون لا يتجزأ، ولأن أي حكم بإسقاط العقوبة عن عدم الوفاء بالشيك ستترتب عليه سلبيات خطيرة منها فقدان الشيك البنكي لقيمته، مع سوء استغلال من البعض. وأوضحت في تصريحاتها لـ«المجلة» أن المشكلة ليست مسؤولية القاضي الذي يحكم فهو ينفذ القانون ويطبقه وإنما مهمة جهات أخرى يجب أن تكون حاضرة في المشهد، لذلك نحن نحتاج لإدارة مجتمعية لدرء المفاسد في مثل هذه الحالات.

 

فى إطار مبادرة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسى «سجون بلا غارمات»تم الإفراج عن عدد من الغارمات العام الماضي


وعن تعامل القانون المصري مع صدور الشيك من دون رصيد أوضحت الجبالي أن القانون يعتبرها جنحة عقوبتها السجن عاما قابلا للزيادة بحسب عدد الشيكات محل القضية. وقالت إنه من الممكن إيقاف تنفيذ الحكم بتدخل جهات سيادية كرئاسة الجمهورية أو الشرطة بعد سداد الدين كمحاولة منهم لمعالجة الموقف، مشيرة إلى انتهاء دور القاضي عند النطق بالحكم، وأي إجراءات تالية خاصة بوقف التنفيذ تكون المسؤولية فيها للجهات الشرطية التنفيذية.
عندما طلبت «المجلة» من المستشارة تهاني الجبالي نائبة رئيس أعلى جهة قضائية في مصر سابقا، أن توجه نصيحة للأمهات حتى لا يقعن في المحظور، قالت: «إنني أم قبل أي شيء، وأعلم جيدا أن الأمر يتجاوز حدود درء الخطر عن النفس والتضحية بالذات من الأم والأب من أجل الأبناء، ولا يمكنهم التقصير من أجلهم حتى لو كان ذلك على حسابهم وتعريض أنفسهم للخطر، وأعلم أنهم لن يسمعوا نصيحتي ولذلك فالأمر مشتبك عندي ولكنني أحترمهم وأجلهم لأنهم يضحون كثيرا وعلى المجتمع أن يساندهم».
 


 
font change