عبد الحليم خدام: مات ولم يعتذر من السوريين

عبد الحليم خدام: مات ولم يعتذر من السوريين

* إذا أردنا أن نستذكر أبرز محطات حياة خدام السياسية فلن نجد إلا الأدوار السيئة التي لعبها طيلة وجوده في السلطة
* مات الرجل الثاني في سوريا في ظل حكم حافظ الأسد ولم يعتذر من الشعب السوري، عن قتلهم بالنفايات السامة، وعن اعتقالهم وتعذيبهم في المعتقلات، وعن دوره في توريث سوريا إلى الابن

مات عبد الحليم خدام في منفاه الباريسي، بعد نحو 15 عامًا من رحيله عن سوريا وقطيعته مع نظام بشار الأسد، دون أن تعني هذه القطيعة انحيازه للشعب السوري.
مات من كان له الدور الأبرز بانتقال السلطة وتوريثها بعد وفاة حافظ الأسد إلى ابنه بشار، مات من رأى في ربيع دمشق 2001 ولجان أحياء المجتمع المدني تجاوزا للخطوط الحمراء، مات من وصف الدعوات للإصلاح السياسي في سوريا بأنها «جزأرة» لسوريا، أي الدخول في حرب أهلية مثل الجزائر، فمهد بذلك الطريق لإطلاق يد الجهات الأمنية في ملاحقة رموز ربيع دمشق.
كان خدام أحد أبرز أذرع حافظ الأسد السنية في فرض حكمه، وكان أسوأهم خلقًا كما يقول عارفوه.
أجمع السوريون المعارضون لحكم الأسد على العداء للرجل، فالرجل نفسه وخلال كل فترة وجوده في باريس بعد انشقاقه عن نظام الأسد لم يكلف نفسه يوما بالاعتذار عن الدور الذي لعبه في تاريخ سوريا الحديث والذي أوصل البلاد إلى ما وصلت إليه، بل هو نفسه قال في إحدى مقابلاته التلفزيونية إنه لم يخطئ بشيء خلال حياته السياسية.
إذا أردنا أن نستذكر أبرز محطات حياة خدام السياسية فلن نجد إلا الأدوار السيئة التي لعبها طيلة وجوده في السلطة.
كان محافظا للقنيطرة خلال حرب 1967. وهو من أعلن سقوط القنيطرة بيد إسرائيل، بصفته محافظًا لها، عبر بيان تلاه على الإذاعة السورية في 5 يونيو (حزيران) 1967، أي قبل سقوط المدينة الفعلي بيد قوات الاحتلال الإسرائيلي بطلب من صديقه وزير الدفاع آنذاك حافظ الأسد، الذي أصدر عقب البيان أمرًا للقوات السورية المتمركزة قرب بحيرة طبريا بالانسحاب، ما أدى إلى مقتل عدد كبير منهم، وهرب خدام حينها من القنيطرة مستخدمًا سيارة أجرة وترك سيارة المحافظ الرسمية أمام مبنى المحافظة لتستولي عليها إسرائيل بعد احتلال القنيطرة.
بعد انقلاب حافظ الأسد في العام 1970 وتسلمه السلطة، كافأ صديقه عبد الحليم خدام بتعيينه وزيرا للخارجية ونائبا لرئيس الوزراء وكان خدام رأس حربة في الدفاع عن نظام حافظ الأسد وتثبيت حكمه، وعمل على تلميع صورة النظام دبلوماسياً أثناء مجزرة حماه الشهيرة عام 1982.
أصبح نائبا لرئيس الجمهورية في العام 1984. وصار من أقرب المقربين من حافظ الأسد، وكان خدام مبعوث الأسد الخاص إلى لبنان، فتسلم الملف من العام 1975 حتى العام 1998، حيث نقل الأسد الملف إلى ابنه بشار الذي عاد من لندن بعد وفاة باسل شقيقه الأكبر في 1994.
عبد الحليم خدام وأبناؤه تورطوا بإدخال النفايات النووية السامة إلى سوريا ودفنها في البادية، هذا الملف الخطير الذي لم يفتح به أي تحقيق حقيقي حتى بعد إعلان خدام انشقاقه، ليس لعدم كفاية الأدلة، بل لأنها تمت بعلم وموافقة حافظ الأسد، فمكاسب خدام كانت مادية، بينما كانت غاية الأسد كما يذكر أحد المطلعين على الملف توطيد العلاقة مع المخابرات الإيطالية على خلفية الصراع مع منظمة التحرير الفلسطينية، فالمخابرات الإيطالية كانت تربطها علاقات وطيدة مع منظمة التحرير والجبهة الشعبية بقيادة جورج حبش، وكان آنذاك الصراع على أشده بين النظام السوري والفلسطينيين.
حمل لقب الرئيس السوري لأقل من أربعين يومًا بعد وفاة رفيقه حافظ الأسد، حيث تسلم مهام الرئاسة مؤقتاً حسب الدستور الذي يكلف بموجبه نائب الرئيس بتلك المهام، فكانت أبرز مهماته آنذاك إصدار المراسيم التي قضت بانتقال سلس للسلطة في سوريا من حافظ الأسد إلى ابنه بشار الأسد، ووفقاً للدستور السوري لا يجوز تعديل الدستور من دون موافقة رئيس الجمهورية، وباعتبار رئيس الجمهورية مات فإن نائب الرئيس لا يحق له توقيع قانون تعديل الدستور طبقا للقواعد العامة، إلا أن خدام قبل بالتوقيع على التعديل الدستوري وعرف لاحقا أن المقابل كان نقل أمواله وأموال عائلته إلى الخارج.
أبقى بشار على خدام كنائب لرئيس الجمهورية، إلا أن دوره في الحياة السياسية بدأ يتقلص شيئا فشيئا إلى أن تقدم باستقالته من منصبه كنائب للرئيس في يونيو (حزيران) 2005 خلال المؤتمر العام لحزب «البعث»، ولكنه احتفظ بمنصبه كعضو في القيادة المركزية لـ«البعث». ليخرج بعدها إلى لبنان ويغادر من مطار رفيق الحريري الدولي إلى منفاه الباريسي، ويعلن في مقابلة تلفزيونية في سبتمبر (أيلول) من العام نفسه انشقاقه عن النظام ويتهمه باغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري.
أكثر من 35 عامًا أمضاها عبد الحليم خدام في السلطة، كان خلالها الخادم الوفي لحافظ الأسد وشريكه في أغلب الجرائم التي ارتكبها النظام السوري في الداخل السوري وفي لبنان، ورأس حربة النظام في الصراع مع الإخوان المسلمين، ومع أي شخص أو مجموعة يُشك بولائها المطلق لحافظ الأسد شخصيا، فحتى رفاق الأمس بالحزب والحكم أمضوا ما تبقى من حياتهم في المعتقلات بعد وصول حافظ الأسد إلى السلطة، ومع ذلك كان يرى خدام نفسه معصومًا عن الخطأ، فهو الذي «لم يخطئ طيلة حياته السياسية».
ومن المفارقات في حياة خدام بعد خروجه من سوريا، أن عمله المعارض اقتصر على التحالف مع جماعة الإخوان المسلمين وتشكيل ما سمي بـ«جبهة الخلاص» في العام 2006 والتي فرط عقدها بعد انسحاب الإخوان منها في العام 2009 وتعليق جميع أنشطتهم المعارضة للنظام بحجة مقاومة إسرائيل.
شارك خدام بعشرات الحوارات الإعلامية والتلفزيونية من باريس، وكان يصب جام غضبه على بشار الأسد مع محاولات تبريرية ودفاعية عن حقبة حكم حافظ الأسد، تلك الحقبة التي أسست لكل ما هو دموي ومظلم في سوريا. كانت مشكلته الأساسية هي إبعاده عن مركز صنع القرار في سوريا بشار الأسد، وهو الذي رأى في نفسه الأحقية في الحكم من الولد القادم حديثًا من لندن.
لا تكفي هذه السطور لتعداد ما ارتكبه عبد الحليم خدام من آثام بحق سوريا والسوريين، وبحق لبنان واللبنانيين.
لقد مات الرجل الثاني في سوريا في ظل حكم حافظ الأسد ولم يعتذر من الشعب السوري، لم يعتذر عن شراكته مع حافظ الأسد، لم يعتذر عن قتلهم بالنفايات السامة، لم يعتذر عن اعتقالهم وتعذيبهم في المعتقلات، لم يعتذر عن دوره في توريث سوريا إلى الابن، مات من كانت قضيته شخصه ولم تكن له أي قضية مشتركة مع عذابات السوريين قبل انطلاق الثورة السورية وبعدها، فلا عجب أن لم ينعه إلا أعداء الأمس، حلفاؤه لاحقاً في «جبهة الخلاص»، أي الإخوان المسلمين.

font change