الاقتصادات الضخمة تتكاتف في مواجهة فيروس كورونا.. ماذا عن مصر؟

اجتماعات طارئة وخطط إنقاذ..

قادة الاقتصادات الرئيسية لمجموعة العشرين يعقدون قمة طارئة عبر الإنترنت في 26 مارس، لمواجهة الركود الناجم عن فيروس كورونا (غيتي)

الاقتصادات الضخمة تتكاتف في مواجهة فيروس كورونا.. ماذا عن مصر؟

* السادات: حكومات الاقتصادات الضخمة ترصد أرقامًا فلكية لمواجهة أزمة فيروس كورونا، ولا بد من إسقاط الديون الخارجية عن مصر
*رئيس حزب الإصلاح والتنمية: الآمال معلّقة على سيناريو مشابه لما حدث عام 1991 حين تم إسقاط نصف الديون الخارجية عن مصر
* الدين الخارجي لمصر ارتفع 18 % على أساس سنوي إلى 109.3 مليار دولار في نهاية سبتمبر 2019
* تقرير للبنك الدولي يتوقع سداد مصر لمبلغ 9.7 مليار دولار خلال فترة لا تتجاوز 3 أشهر من بداية العام

لندن: في وقت تحارب فيه الاقتصادات الضخمة وتسعى بكل مواردها لرسم خطط تحمل بلادها إلى برّ الأمان في ظل تفشي فيروس كورونا المستجد، وبعد اجتماع قادة مجموعة العشرين واتفاقهم على تقديم مساعدات للدول الأعضاء خوفًا من شبح ركود اقتصادي عالمي يلوح في الأفق، يطفو السؤال: ماذا عن الاقتصادات المُنهكة أصلاً قبل كورونا؟
قادة مجموعة العشرين عقدوا قمة طارئة عبر الفيديو بتاريخ 26 مارس (آذار)، اتفقوا فيها على التزامهم بمواجهة تداعيات فيروس كورونا المستجد بجبهة موحدة، وتعهدوا بضخ 5 تريليونات دولار في الاقتصاد العالمي للحد من تبعات الإجراءات المتخذة حول العالم لاحتواء الوباء. واتفق الرئيسان: الروسي فلاديمير بوتين، والأميركي دونالد ترامب، خلال محادثة هاتفية على «العمل بشكل وثيق خلال قمة مجموعة العشرين» لمكافحة وباء كوفيد-19 ومعالجة الأزمة الاقتصادية الناجمة عن إجراءات الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي ومنع السفر التي اتخذت للحد من تفشي الوباء، واقترح الرئيس الروسي خلال قمة الرياض الافتراضية تعليق العقوبات الاقتصادية المفروضة على كثير من الدول، من بينها بلاده التي يرزح اقتصادها منذ 2014 تحت عقوبات غربية بسبب النزاع في أوكرانيا.
وتركّزت المحادثات على كيفية حماية أهم اقتصادات العالم من تبعات الإجراءات المتخذة لمنع انتشار الفيروس، بينما يلوح في الأفق شبح ركود اقتصادي في ظل تعليق رحلات الطيران وإغلاق المراكز التجارية وحظر التجول، وقال قادة الدول في بيانهم الختامي: «تتطلب عملية التعامل معه (الفيروس) استجابة دولية قوية منسقة واسعة المدى مبنية على الدلائل العلمية ومبدأ التضامن الدولي. ونحن ملتزمون بشدة بتشكيل جبهة متحدة لمواجهة هذا الخطر المشترك». وأضافوا: «نقوم بضخ أكثر من 5 تريليونات دولار في الاقتصاد العالمي، وذلك كجزء من السياسات المالية والتدابير الاقتصادية وخطط الضمان المستهدفة لمواجهة الآثار الاجتماعية والاقتصادية والمالية للجائحة».
ثم أعادو الاجتماع يوم الثلاثاء 31 مارس (آذار)، وأبدى حكام البنوك المركزية في دول المجموعة استعدادهم لضخ 160 مليار دولار، ضمن إجراءات مواجهة تداعيات تفشي فيروس «كوفيد-19». وأكد المجتمعون، توافقهم على تقديم خريطة طريق لمكافحة كورونا في 15 أبريل (نيسان) المقبل.
وفي هذا السياق دعا صندوق النقد الدولي قادة الدول العشرين إلى دعم مطالبته بتجميد ديون الدول الفقيرة، بينما حثّت منظمة الصحة العالمية دول مجموعة العشرين على تقديم الدعم «للبلدان منخفضة ومتوسطة الدخل».


 

محمد أنور السادات رئيس حزب الإصلاح والتنمية
 


 
حملة مصرية لإسقاط الديون الخارجية
أزمة زعزعت اقتصادات ضخمة، لا بد أنها تشكل تهديدًا لاقتصاد مثل اقتصاد مصر. أزمة تزيد من ثقل الضغوط على معظم القطاعات المصرية كالسياحة والتجارة، في وقت كان قد شهد فيه الاقتصاد نموًا وارتفاعًا في احتياطات النقد الأجنبي وانتعاشًا أعقب قرضًا من صندوق النقد الدولي، كما سعت فيه القاهرة إلى دفع عجلة الاستثمار الخاص.
من رحم هذه الأزمة، أطلق رئيس حزب الإصلاح والتنمية محمد أنور السادات حملة طالب فيها بإسقاط الديون الخارجية عن مصر، كمبادرة لمساعدة الجمهورية للتماسك في وجه أزمة فيروس كورونا.
وجاء في البيان:
«تابعنا ما انتهت إليه اجتماعات قمة دول مجموعة العشرين وأيضًا القرارات والإجراءات الصادرة من أغلب الحكومات والبنوك المركزية في الدول الأوروبية وأميركا بشأن تقديم حزم مالية وحوافز اقتصادية للمساعدة في مواجهة تداعيات وآثار فيروس كورونا على صحة وسلامة مواطنيهم والاقتصاد العالمي بصفة عامة.
وأعتقد أننا في مصر ومعنا كثير من الدول النامية في أشد الحاجة إلى التحرك الفوري لتقديم وتسويق مقترح عاجل بشأن إعفائنا من جزء كبير من ديوننا الخارجية.
«لقد رأينا ورغم الثراء الفاحش والتقدم العلمي والتكنولوجي في أغلب الدول الغنية عجزها وعدم استطاعتها مواجهة أو وقف انتشار المرض، ولم ينفعها ترساناتها العسكرية ولا النووية التي تنفق عليها المليارات سنويًا».
«المجلة» كان لها حديث مع السادات، شدّد فيه على حاجة مصر إلى دعم خارجي، في وجه أزمة شلّت اقتصادات ضخمة ورصدت حكوماتها «أرقامًا فلكية» لاحتواء الآثار الكارثية، الأمر الذي يجعل مصر في مأزق حقيقي، تحتاج فيه إلى الدعم من الدول العربية والمؤسسات الدولية، وهو ما أكده تقرير لصندوق النقد الدولي: «من المرجح أن يؤثر فيروس كورونا على الاقتصاد المصري نتيجة لتراجع نشاط السفر والسياحة وانخفاض تحويلات العاملين في الخارج وتباطؤ الأعمال الداخلية نتيجة لجلوس المواطنين في البيت».
وأوضح السادات أن حملته تقوم على دعوة المجتمع الدولي وأعضاء مجموعات دول العشرين والثماني مع مؤسسات وصناديق التمويل الدولية لاعتماد هذا الإعفاء، نظرًا لتأثير الفيروس على عدة أصعدة كالصحة والاقتصاد والمجتمع ككل، ما يستحيل معه التعافي بسهولة وتحقيق أهداف وخطط التنمية المستدامة 2030 التي أقرتها الأمم المتحدة والبنك الدولي والتي سينتج عن التأخير في تنفيذها فقر ومرض وجريمة.
تقرير لشركة سي آي كابيتال حول التأثيرات الاقتصادية المرتقبة لفيروس كورونا على الاقتصاد المصري، افترض سيناريو سلبيًا يتمثل بـ«انخفاض عائدات السياحة بمقدار يتراوح بين 2.5 إلى 3 مليارات دولار في الربع الثاني من عام 2020. إلى جانب خروج المزيد من استثمارات المحافظ الأجنبية، لتسجل نحو 8 إلى 10 مليارات دولار، وذلك في الفترة من 20 فبراير (شباط) حتى الآن، بجانب ذلك انخفاض محتمل في الاستيراد، وبالتالي تراجع منحنى التكلفة».
وعليه توقّع السادات مأزقًا أمام القطاع السياحي المصري مع نهاية العام، نتيجة وقف نشاط السفر والسياحة في دولة تعتمد اعتمادًا كبيرًا على هذا القطاع.
ولفت السادات إلى أزمة متوقعة في إيرادات قناة السويس، لأن تراجع حركة التجارة العالمية قد يلقي بظلاله على إيرادات القناة التي بلغت خلال الربع الأول من العام الجاري 1.43 مليار دولار في مقابل 1.384 مليار دولار خلال نفس الربع من 2019 بنمو قدره 3.2 في المائة.
تجدر الإشارة إلى أن الدين الخارجي لمصر ارتفع 18 في المائة على أساس سنوي إلى 109.362 مليار دولار في نهاية سبتمبر (أيلول) 2019. بنسبة 30 في المائة منه إلى المؤسسات الدولية، و21 في المائة إلى الدول العربية. وفيما يتعلق بجدول مدفوعات خدمة الدين الخارجي، كان قد توقع تقرير للبنك الدولي سداد 9.771 مليار دولار خلال فترة لا تتجاوز 3 أشهر من بداية العام، موزعة بواقع 584 مليون دولار على الحكومة العامة، و2.868 على البنك المركزي المصري، و3.25 مليار دولار على البنوك بخلاف المركزي، و3.1 مليار دولار على باقي القطاعات.
ولدى سؤاله عن احتمالية القبول بأنصاف الحلول، كتمديد آجال الاستحقاق للديون الخارجية أو خفض فائدة الاقتراض بدل إسقاط الديون الخارجية، أكد أن ذلك «أضعف الإيمان»، لكنّه عاد وأكّد أنه متمسّك بمطالب مسح ولو نصف الديون عن البلاد، مستشهدًا بحادثة مماثلة عام 1991 حين ساهمت مصر في حرب تحرير الكويت، وتم إسقاط نصف الديون الخارجية الرسمية المستحقة لدول نادي باريس، فيما تمت إعادة جدولة النصف الثاني، وأبدى السادات تفاؤلاً بحدوث سيناريو مشابهًا، فيه دعم من جانب الدائنين بلا استثناء، لتخفيف عبء سداد الديون عن كاهل مصر.
الجدير بالذكر أنه، وقتها، تم إسقاط نحو 43 مليار دولار ديون على مصر خلال عام 1991. بعد أن تجاوزت 50 مليار دولار، مكافأة لمصر على مشاركتها في حرب تحرير الكويت مع التحالف الدولي في الحرب على العراق بزعامة الولايات المتحدة الأميركية. وقررت دول عربية عدة (السعودية والكويت والإمارات وليبيا) خلال تلك الفترة إلغاء ما لها من الديون على مصر بنحو 7 مليارات دولار، كما قررت الولايات المتحدة إسقاط 6.7 مليار دولار ديونا عسكرية على مصر بفائدة مرتفعة خلال ذلك الوقت.
وأكد السادات أنه في حال حدوث ذلك، فإن مصر ستكون أكثر جاهزية واستعدادًا وأكثر تركيزًا على مواجهة أزمة الفيروس، والخروج منها بسلام، أما في حال لم تحصل مصر على المساعدة المنشودة، فـأكد أن مصرّ بلا شكّ ستكون مستعدة للأسوأ، وأنها ستكون جاهزة لتخطي الأزمة ولو بخطوات متثاقلة. وأشار السادات إلى أن أزمة الفيروس زائلة، لكن تبعاتها لن تزول في حال لم يتم التخطيط للقادم بشكل جيّد، والخوف الحقيقي هو «ما بعد الأزمة»، الأمر الذي يحتاج بالتأكيد إلى إسقاط الديون الخارجية عن مصر.
وفي معرض حديثه عن البيان والحملة التي أطلقها، أكد السادات لـ«المجلة» أن لديه خطة عمل مع ممثلي المجتمع المدني والأحزاب للضغط في سبيل تحقيق هذه المطالب، معتبرًا أن من واجب المجتمع المدني البدء بالعمل مع قاعدة شعبية، ليمهّد العمل والتحرك أمام الحكومة.

font change