
يضيف ألجار قائلاً: "كانت أخطاء المترجم شائعة إلى درجة تجعل إعادة النظر أمراً ضرورياً، وقد نتج عن إعادة النظر هذا أني اكتشفت أخطاءً كثيرة أخرى. وغالباً ما خلط كلمات متشابهة إلى حد كبير مع بعضها البعض وفشل في فهم بنية اللغة العربية، ولجأ أحياناً إلى تخمين واضح عندما واجهته جملة أو عبارة بها إشكال".
ويعجب من أن الأخطاء الفادحة التي تفسد ترجمة هاردي استمرت كلها تقريباً من دون أن تكشف. ويستثني من هذا الغفلة "تعليق متحفظ قدمه وليم شيبرد في مقالة قيّمة عن العدالة الاجتماعية في الإسلام" نشر سنة 1992م.
يعلل حامد ألجار وقوع أخطاء جمّة في ترجمة هاردي وفق الترجيح الآتي: " وهذا قد يعود إلى أن الترجمة قد عملت بالتعاون مع سيد قطب نفسه. وإذا كان ذلك صحيحاً، فإما أن تكون معرفة سيد قطب بالإنجليزية لا توازي مهمة الترجمة، أو أنه وثق بمعرفة هاردي باللغة العربية إلى درجة أن اقتنع باستعراض سريع لها ".
ويجمل رأيه بترجمة هاردي بعبارة موجزة هي: أن هذه الترجمة تبدو أثناء قراءتها جيدة أحياناً على نحو خادع، وصحيحة ولبقة في الوقت نفسه.
ثم يشرح بعد ذلك ما فعله في إعادة الترجمة، فيقول: " لقد عدلت الترجمة بأكملها لكي أصحح كل الأغلاط الجسيمة في المعاني. كما أن إعادة النظر مرة أخرى بشكل شامل لجعل الكلمات والبنية تعكس بشكل أقرب إلى ما هو موجود في النص العربي، كان – بالطبع – ممكناً ".
وعرض وهو يشرح ما فعله في إعادة الترجمة، للصعوبات التي واجهته في أداء المهمة التي ندب نفسه لإنجازها. هذه الصعوبات بحسب ذكره لها هي:
1- أن كتاب (العدالة الاجتماعية في الإسلام) خرج في عدة طبعات مختلفة لم تكن بالضرورة مطابقة تماماً لبعضها البعض. وينبِّه إلى أن هذا الأمر على نحو عام، لم يلفت الانتباه. ويستثني من ذلك مرة أخرى وليم شيبرد الذي وصف مقالته – كما مرّ بنا – بالقيّمة.
2- تم طبع الكتاب سبع مرات على الأقل، لكن ليس من المؤكد أن كل نشرة كانت طبعة مختلفة. لأن كلمة طبعة قد تعني نسخة وقد تعني أيضاً طبعة منقحة.
3- لم يتسنى لي سوى الحصول على الطبعة / النشرة الخامسة الصادرة في القاهرة بتاريخ 1377هـ/1958م، وهي بالتأكيد حتى لو أخذنا بعين الاعتبار أخطاؤه في الترجمة – تختلف كثيراً عن الطبعة الأولى التي استخدمها هاردي.
4- هناك فقرأت بأكملها في طبعة هاردي ليست موجودة في طبعة 1377هـ/ 1958م، والتي أضيف إليها مواد لم تكن موجودة في الطبعة الأولى. وفيما إذا كانت تلك التغييرات قد علمت للطبعة الخامسة أو بتاريخ سابق، فهذا أمر لم يمكنني التحقق منه.
وبعد ذكره لهذه الصعوبات ذكر الفروقات التي وجدها ما بين الطبعة الأولى والطبعة الخامسة (1377هـ/1958م) التي استند إليها في مطابقة ما ترجمه هاردي مع النص الأصلي. هذه الفروقات التي ذكرها هي:
1- في الطبعة الأولى – طبعة هاردي كما يسميها – نقاش مسهب حول بابي (المصالح المرسلة) و (سد الذرائع) وحول الجفول الذي بدا على القوات العربية في مواجهة الوحشية والفضائع الصهيونية في أثناء حرب فلسطين الأولى. وفي الطبعة الخامسة هذا النقاش محذوف منها.
2- في الطبعة الخامسة توصيات مفصلة عن تدريس التاريخ الإسلامي ودور الأدب في التعليم. وفي الطبعة الأولى لا يوجد شيء من هذا.
3- الأحاديث التي تستخدم للاستدلال في مختلف المواضيع ليست متطابقة تماماً في هاتين الطبعتين.
يقول عقب ذلك: " بناءً على المقارنة بين الطبعة الأولى والطبعة السابعة يشير وليم شيبرد إلى أن التغييرات تعكس اتجاه سيد قطب نحو ما أسماه (الإسلام الجوهري الجذري). هذا الاتجاه سببه التأثير الأيديولوجي لمولانا المودودي من ناحية والأحداث الآخذة في الظهور في مصر من ناحية أخرى".
ويرى حامد ألجار أن تحليل شيبرد قد يعكس المسافة التي قطعها سيد قطب بين الطبعة الأولى والطبعة السابعة ولكن لا يمكن القول بذلك فيما يتعلق بالطبعة الخامسة والتي اضطر لاستخدامها بهدف تصحيح ترجمة هاردي.
ويختم شرحه بما فعله بصدد إعادة الترجمة بالقول: " أما فيما يتعلق بالفروق الموجودة بين الطبعة الأولى والخامسة فإنني امتنعت عن إضافة المواد الموجودة فقط في الأخيرة وحذف مواد موجودة فقط في الأولى معتقداً على يقين بأن الطبعة الأولى لها منطقيتها وقيمتها الوثائقية".
ما تقدم هو نقل للفقرات الأخيرة من مقدمة حامد ألجار لكتاب (Social Justice in Islam by Sayyid Qutb–Translated by John B. Hardie، Translation Revised and Introduction By Hamid Algar) الصادر سنة 2000م. والكتاب عبارة عن ترجمة معدلة لترجمة جون ب. هاردي لكتاب سيد قطب (العدالة الاجتماعية في الإسلام) المنشورة سنة 1953م بواشنطن. يتضمن مقدمة تقع في سبعة عشر صفحة، تفضل الأستاذ أحمد الشنبري مشكوراً بترجمتها لي وترجمة بيانات نشر الطبعة الأولى لترجمة هاردي وتصديره للترجمة، كما ترجم لي فقرات من كتاب جيمس هيوراث دن: (Religious and Political Trends Modern Egypt الاتجاهات الدينية والسياسية في مصر الحديثة)، الصادر سنة 1950م. وفقرات من كتاب وليم شيبرد: (Sayyid Qutb and Islamic Activism: a Translation and Critical Analyses of Social Justice in Islam) سيد قطب والحراك الإسلامي: ترجمة وتحليل نقدي لكتاب العدالة الاجتماعية في الإسلام) الصادر سنة 1996م. هذه الفقرات وبيانات النشر، كنت بحاجة إلى ترجمتها إلى العربية لكتابة مراجعة نقدية لمقدمة حامد ألجار عن تاريخ سيد قطب وكتابه (العدالة الاجتماعية في الإسلام) في القسم الأول من البحث.
تقدم على الفقرات الأخيرة من المقدمة التي نقلتها، تقديم لمحة عن حياته الشخصية والتعليمية والوظيفية والأدبية والسياسية والدعوية منذ ولادته (1906م) إلى سنة إعدامه (1966م). وعرض لعلاقة الإخوان المسلمين بالضباط الأحرار في مرحلتي التحالف والصراع. ووقوف عند كتابه:(العدالة الاجتماعية في الإسلام) وكتابيه الآخرين:(في ظلال القرآن) و (معالم في الطريق) وتلمس لتأثير الكتاب الأول في كتب إسلامية تالية هي:
(اشتراكية الإسلام) لمصطفى السباعي، (كيديلان سوسيال دلم إسلام) للمفكر الاندونيسي هامكا، (اقتصادنا) لمحمد باقر الصدر، وتأثيره في خطب عالم ديني ناشط سياسياً في إيران، هو أبو القاسم كاشاني.
من هو حامد ألجار؟
قبل الاسترسال في الملاحظات النقدية لحامد ألجار، لنسأل من هو هذا الرجل؟
أميل إلى أن حامد ألجار اسم غير معروف بالقدر الكافي في العالم العربي. فالمعرفة به تقتصر على بعض الأكاديميين العرب الذين لهم صلة أكاديمية ببعض الجامعات الأمريكية وعلى بعض المثقفين العرب المهتمين بالثورة الإيرانية وآخرين من المتحمسين لها وأنصارها.
يعود السبب في ذلك أنه لم يترجم من أعماله إلى العربية سوى نزر قليل وأنه ليس له حضور في الصحافة والفضائيات العربية.
[caption id="attachment_55238292" align="alignright" width="243"]

في حدود إطلاعي لم يترجم من كتبه وأبحاثه سوى هذه الأبحاث :
الأول، (الإسلام كأيديولوجيا: فكر شريعتي) نشر في مجلة (المسلم المعاصر)، سنة 1983م عدد 34. ويظهر أنه مقدم ضمن ندوة، لأن المجلة ذيلته بنشر نقاشات حول البحث وردود صاحب البحث على المناقشين (شاما صديقي، إقبال عصرية، فريد شيال، يحيى الساعي، وحيد منير، الدكتور سلمان (!)) لكن من دون بيانات عن اسم الندوة ومكانها واسم رئيس الجلسة الذي يشار إليه بهذا الاسم وكان يشارك بالنقاش، واسم مترجم البحث والنقاش.
الثاني ، (الإمام الخميني 1902 – 1962م، سنوات ما قبل الثورة)، وقد ترجم هذا البحث الذي هو عبارة عن سيرة شخصية للإمام الخميني وأبحاث أخرى، إلى العربية محروس سليمان سنة 2000م في كتاب عنوانه (الإسلام والسياسة والحركات الاجتماعية). وأساس هذا الكتاب أبحاث قدمت إلى مؤتمر جامعة كاليفورنيا الذي عقد في بيركلي سنة 1981م. ونشر في كتاب بالإنجليزية سنة 1988م، وقام بتحريره وكتابة مقدمتين له أدموند بيرك وإيما لابيدوس.
أما الثالث فهو عن ( الوهابية..بحث نقدي).
وقبل هذين البحثين، كان قد شارك بمحاضرة في الملتقى العاشر للفكر الإسلامي عنوانها (الجهاد: أبعاده الروحية والسياسية والاجتماعية في حياة الفرد والمجتمع) منشورة في كتاب صادر سنة 1976م عن الشؤون الدينية بالجزائر.
لذا أرى أنه من المستحسن قبل الشروع في نقاش مقدمته أن أعرّف القارئ العربي به تعريفاً مختصراً.
حامد ألجار: أستاذ مرموق في قسم دراسات الشرق الأدنى بجامعة كاليفورنيا – بيركلي. وقد بدأ التدريس في هذا القسم منذ منتصف ستينيات القرن الماضي. مختص بالآداب الفارسية والعربية والتركية. له كتب وأبحاث في التاريخ المعاصر لإيران وتركيا ودول البلقان وأفغانستان. يولي للمذهب الشيعي والصوفية، وبخاصة الطريقة النقشبندية، في دراساته اهتماماً كبيراً. حصل في السنوات المتأخرة على دكتوراه فخرية من جامعة طهران التي ترجع صلته بها إلى السنوات الأولى من ستينيات القرن الماضي، حيث نال منحة من هذه الجامعة في طور إعداده لرسالة الدكتوراه ومكث فيها ما يقرب من ثلاث سنوات.
عاد إلى جامعته، جامعة كيمبرج، سنة 1963م، لاستكمال تحضيره لأطروحة الدكتوراه التي كان موضوعها: (الدور السياسي لعلماء الشيعة في القرن التاسع عشر) والتي دافع عنها سنة 1965م. بعد حصوله على درجة دكتوراه راسل جامعة الملك سعود بالرياض من أجل أن يتعين مدرساً فيها لكنه لم يأته رد منها يفيد بالموافقة أو الاعتذار. حرّك رغبته في التدريس بهذه الجامعة، شعور عاطفي روحي، حيث كان يريد أن يعمل في أقرب مكان للأماكن المقدسة في مكة والمدينة. وحين لم يأته – بعد مضي شهرين – رد من جامعة الملك سعود، راسل جامعة كاليفورنيا، فتم قبوله فوراً للتدريس فيها.
يتقن حامد ألجار اللغة الفارسية واللغة العربية واللغة التركية القديمة والتركية الحديثة، وعدداً من اللغات الأوروبية، إضافة إلى لغته الأم، اللغة الإنجليزية.
هو أمريكي الجنسية، بريطاني الأصل. اعتنق الدين الإسلامي في شبابه. وهو شيعي المذهب *. وقد تسمى بحامد بعد إسلامه، ولم أتمكن من معرفة اسمه قبل إسلامه. وربما اختار هذا الاسم لمحبته وإعجابه بالإمام أبي حامد الغزالي الذي ألّف كتاباً عنه.
تربط حامد ألجار صلة شخصية بالإمام الخميني منذ أن كان في منفاه بباريس. وقد ترجم مختارات من كتاباته وخطبه إلى الإنجليزية في كتاب عنوانه (الإسلام والثورة). وهو من المناصرين الأشداء – ولا يزال – للثورة الإيرانية.
من كتبه: (الدين والدولة في إيران: 1785 – 1906م)، (جذور الثورة الإسلامية في إيران)، (ميرزا مالكوم خان: دراسة في السيرة الذاتية في الحداثة الإيرانية)، (الصوفية: المبادئ والتطبيق)، (السنة: جوانب الإلزام والقدوة فيها)، (المسيح في القرآن)، (سورة الفاتحة: مؤسسة للقرآن)، (الوهابية بحث نقدي)، (السنة: بوصفها أنموذجا إلزامياً يحتذى). وله محاضرات ودروس دينية محضة يعنى بها عادة رجال الدين والوعاظ الشيعة ألقاها ومايزال يلقيها في جامعة كاليفورنيا – بيركلي.
مترجم كتاب سيد قطب اسم مجهول.. و جامعة رثة!
نبتدئ النقاش بتوجيه ملحوظات نقدية أساسية للفقرات التي نقلناها بنصها تقريباً، من مقدمة حامد ألجار فيما سبق، الملحوظات هي، كالتالي:
- لم يعرّف حامد ألجار بصاحب الترجمة الأولى، جون. ب. هاردي. وكان يجب عليه أن يفعل ذلك. لأن هذا الاسم اسم مجهول حتى لدى الأوساط الأكاديمية المعنية للدراسات الشرقية والغربية. ولا يتوفر عنه سوى معلومة يتيمة هي: أنه أستاذ في جامعة هاليفاكس بكندا. وهذه المعلومة التي تتردد في كتابات بعض الذين أرّخو لسيد قطب مستقاة من رسالة منه حينما كان في أمريكا لصديقه الناقد أنور المعداوي ومن خبر نشر ضمن أخبار في زاوية (الكشكول) في مجلة الرسالة.
- كان من المفترض به أن يزود القارئ بنبذة عن المجلس الأمريكي للجمعيات الثقافية الذي نشر الترجمة. ويوضح كيف تعرّف هذا المجلس على كتاب (العدالة الاجتماعية في الإسلام)، وعلى مؤلفه سيد قطب. إن إيضاح هذا الأمر مهم، فسيد حينما كان في أمريكا كانت بعثته لتعليم اللغة الإنجليزية وتلقي دورة تدريبية في التربية وأصول وضع المناهج. وفي حالته يكون الطريق إلى المجلس والطريق إليه غير سالك في بلد كأمريكا هو قارة بالمعنى الحقيقي وليس المجازي. كما كان من المفترض به أن يتلمّس السبب الذي جعل المجلس يختار هذا الكتاب ليترجم وما الهدف كان من ذلك؟ ولماذا أختير أستاذ في جامعة لاهوتية رثّه وقتذاك كجامعة هاليفاكس، لم يتم الاعتراف بها إلا قبل سنة واحدة من نشر الترجمة، هذه السنة هي سنة 1952؟ ولِمَ لمْ يختر أستاذ في جامعة في إحدى المدن الأمريكية التي يتردد سيد على جامعاتها ومعاهدها؟
وكان يجب عليه أن يفحص رواية سيد قطب التي صور فيها أمر ترجمة كتابه بأنها مجرد مبادرة تمت من قبل أستاذ في جامعة كندا، ويتحقق منها، إذ كيف لأستاذ بالصفة التي ذكرناها آنفاً عنه وعن جامعته، يعلم بأمر كتاب حديث الصدور في مصر ثم يحصل عليه ويقرأه ثم يعلم في وقت وجيز بأن صاحبه في أمريكا ثم يراسله لأخذ إذنه في ترجمته ويوافق سيد على ذلك، علماً بأنه لم يكن مستقراً في مدينة واحدة، فلقد كان ينتقل بين فترة وأخرى من مدينة وولاية إلى مدينة وولاية أخرى!
كما كان يجب عليه أن يفحص ويتحقق من رواية أخرى مصدرها أخوه محمد قطب والتي أدلى بها لصلاح دحبور( وهو نفسه :صلاح عبد الفتاح الخالدي) في كتابه: (سيد قطب الشهيد الحي).
[caption id="attachment_55238293" align="alignleft" width="300"]

رواية أخيه محمد قطب تقول: " إن أحد الأساتذة الإنجليز الذين التقى سيد بهم في أمريكا والذي عرف فيما بعد عنه، أن أحد رجال المخابرات البريطانية عرض عليه – إغراءً له – أن يترجم كتابه الجديد: (العدالة الاجتماعية في الإسلام) إلى الإنجليزية، مقابل عشرة آلاف دولار. ولكن سيد قطب رفض العرض " وقد زاد عليها الخالدي أنه " أعطى الكتاب إلى المجلس الأمريكي للدراسات الاجتماعية (!) ليترجم مجاناً، حيث قام بترجمته المستشرق يوحنا (!) (جون. ب. هاردي) الأستاذ بجامعة هاليفاكس بكندا".
- رسالة سيد قطب إلى صديقه الناقد أنور المعداوي التي أخبره فيها بمكاتبة أستاذ في جامعة هاليفاكس بكندا له يستأذنه في ترجمة كتابه للغة الإنجليزية وموافقته على ذلك، يرجع تاريخها إلى 6 مارس 1950م، وصدور الترجمة كان في سنة 1953م. ويعني هذا أن العمل على الترجمة استغرق ما يقرب من الثلاث سنوات. وهذه السنوات تعد سنوات طويلة في ترجمة كتاب من الحجم المتوسط. هذا الأمر غفل حامد ألجار عن البحث فيه. ومحل البحث فيه: هل التأخر في الترجمة سببه بطء شديد في عمل المترجم أم أن الجهة التي كانت وراء الترجمة كانت تبحث عن طريقة ملائمة للنشر ترفع الشبهة عن الترجمة وعن سيد قطب؟!
- مثلما خلت مقدمته من تطرق للظروف والملابسات الغامضة التي أحاطت بترجمة الكتاب ومن أية معلومة عن المترجم وجهة النشر، فقد خلت من أية معلومة عن نسخته بالإنكليزية: هل تم طبعها طبعة واحدة أم أكثر؟ ما عدد نسخ الطبعة الأولى؟ هل كانت وفيرة أم محدودة؟ هل كان يحال إليها في الكتب التي ألّفت بالإنجليزية من قبل أمريكيين لاهوتيين وعلمانيين في خمسينيات وستينيات والمنتصف الأول من سبعينيات القرن الماضي - أي قبل صعود موجات التطرف الإسلامي – سواء في الحديث عن النظام الاجتماعي في الإسلام أو في مطارحات سجالية مع الشيوعية، وذلك بمعزل عن الحديث عن الإسلام وعن مجتمعاته؟
هذه المعلومات وغيرها مفيدة وهامة لصلتها المباشرة بعملية استجلاء تلك الظروف والملابسات الغامضة بكتاب مفصلي في حياة سيد قطب الفكرية. ومفصلي في تاريخ الفكر الإسلامي الحديث والحركات الإسلامية المعاصرة في العالمين العربي والإسلامي.
يخبرنا حامد ألجار، فيما يتعلق بالفروق الموجودة بين الطبعة الأولى والطبعة الخامسة التي اعتمدها في الترجمة، أنه امتنع عن إضافة المواد المزادة في الطبعة الخامسة إلى الطبعة الأولى وحذف مواد كانت موجودة في الطبعة الأولى. لأنه على يقين بأن الطبعة الأولى لها منطقيتها وقيمتها الوثائقية.
وكان يجب أن يكون على يقين أيضاً، فيقدم وصفاً لما أسماه بطبعة هاردي، لأنها هي الأخرى تعد وثيقة تاريخية.
- أرجع حامد ألجار الأخطاء الفادحة في ترجمة هاردي إلى أن هذا قد يعود إلى أن الترجمة قد عملت بالتعاون مع سيد قطب. وقد كان يجب عليه امتثالاً لمقتضيات الأمانة، أن يذكر أنه في أحد الأغلفة الداخلية للكتاب، وجّه المجلس الأمريكي للجمعيات الثقافية لسيد قطب شكراً وعرفاناً لتعاونه في الترجمة عوضاً عن صياغة عبارة موهمة، توحي بأنه يطرح احتمالاً من عندياته. ويحق له بعد أن يفعل ذلك أن يطرح ذلك الاحتمال الذي قال فيه: " وإذا كان ذلك صحيحاً، فإما أن تكون معرفة سيد قطب بالإنجليزية لا توازي مهمة فحص الترجمة، أو أنه وثق بمعرفة هاردي باللغة العربية إلى درجة أنه اقتنع باستعراض سريع لها ".
ويجدر التنويه هنا بأن الوحيد ممن كتبوا عن سيد قطب الذي ذكر تلك المعلومة هو شريف يونس في كتابه (سيد قطب والأصولية الإسلامية) الذي هو في الأصل أطروحة ماجستير قدمها في كلية الآداب بجامعة عين شمس. فلقد أشار في هامش ص 69 إليها بأنه " يتصدر الكتاب شكر لسيد قطب على تعاونه في ترجمة عمله".
ظلم وليم شيبرد وأجحف بحقه
- خص حامد ألجار وليم شيبرد في مقدمته بالإشارة في موضعين. وفي موضع ثالث أورد استدراكاً مفاده أن تحليله اعتمد الطبعة السابعة ولم يتسنى له مثله الحصول على طبعة أقدم كالطبعة الخامسة (1958م) التي استخدمها هو لتصحيح ترجمة هاردي. مقالة شيبرد التي أحال إليها ثلاث مرات والتي وصفها بالقيّمة، منشورة – كما تبين قائمة مراجعه – في مجلة ألمانية هي: Die Welt ctes Islam سنة 1992م تحت عنوان (The Development of the thought of Sayyid Qutb as reflected in earlier and later Editions of Social Justice in Islam)
تطور فكر سيد قطب المبكر والمتأخر، كما ينعكس في كتابه: (العدالة الاجتماعية في الإسلام).
وكان يجب عليه أن يكون واضحاً مع القارئ، فيحيل إلى كتابه: (Sayyid Qutb and Islamic Activism: A Translation and Critical analysis of Social Justice in Islam) سيد قطب والحراك الإسلامي: ترجمة وتحليل نقدي لكتاب سيد قطب: العدالة الاجتماعية في الإسلام) الصادر سنة 1996م، قبل كتابه بأربع سنوات، عن إي جي. بريل – ليدن، الذي ضم فيه تلك المقالة التي طورها، إلى إعادة ترجمة لكتاب سيد قطب التي سبق فيها ألجار المتحفظ مثله على ترجمة هاردي. إن ألجار لو فعل ذلك، لفهم القارئ مبرر استدراكه المفاجئ بعد إشادتين أحدهما كانت مجانية، ولجازت عنده المفاضلة أو المقارنة بين عمله وعمل شيبرد.
ثم إن استدراكه أو مأخذه على تحليل شيبرد المكتوب في سنة 1992م، ينسحب عليه هو أيضاً. فهو اكتفى بالحصول على الطبعة الخامسة (1958م) ولم يجِّد في الحصول على الطبعة الأولى مع أنها متيسرة لمن يجد في طلبها. لقد كان يلزم حامد ألجار لكي تكون ترجمته دقيقة أن يحصل على الطبعة الأولى ويعتمد عليها في الترجمة. لأن سيداً في طبعات تلتها كان يعدل في الصياغة أحياناً لا لضرورة وإنما رغبة في التجويد والإتقان.
قلت عن أحد الإشادتين أنها مجانية، لأن شيبرد لم يكن الاستثناء الوحيد الذي عرف أن سيد قطب أحدث تغييرات في كتابه (العدالة الاجتماعية في الإسلام)، فبعض الذين كتبوا عنه بالعربية أشاروا إلى هذا الأمر. كما أنها معلومة شائعة لدى التيارات الإسلامية عن هذا الكتاب.
وقد أشار أبو الحسن الندوي في كتابه: (شخصيات وكتب) إلى شيء من هذا فقال: " أحدث تعديلاً فيما كتبه عن سيدنا عثمان وظهر في الطبعات الأولى في كتابه، وحذف بعض العبارات كما يظهر من المقارنة بين الطبعات الأولى والأخيرة ".
والحق استناداً إلى الطبعة الأولى التي بين يدي والطبعات اللاحقة لها أنه من هذه الناحية فعل أكثر من هذا، فلقد خفف بعض العبارات وبعضها الآخر حذفها، المتعلقة بأبي سفيان بن حرب ومعاوية بن أبي سفيان ويزيد بن معاوية وبني أمية.
إن شريف يونس في كتابه: (سيد قطب والأصولية الإسلامية) قدم ملاحظات هي أوفى من ملاحظات حامد ألجار، فيما يتعلق بالفروقات ما بين طبعات كتاب (العدالة الاجتماعية في الإسلام) لأنه جدّ في الحصول على الطبعة الأولى وعلى الطبعات التي تلتها.
يقول شريف يونس: " وقد اعتمدت هذه الدراسة على ثلاث طبعات، هي الطبعة الأولى الصادرة عام 1949م، والطبعة الثالثة الصادرة عام 1952م، والطبعة الشرعية السابعة الصادرة عام 1981م، والتي أعتقد بناءً على شواهد داخلية، أنها إعادة طباعة للطبعة السادسة التي نقحها سيد قطب وفقاً لأفكاره الجديدة الواردة في كتابه: (معالم ي الطريق) بعد خروجه من السجن ". هامش ص 117.
[blockquote]

الضعفاء هم الضعفاء، هم الذين تنازلوا عن أخص خصائص الإنسان الذي كرَّمه الله حين تنازلوا عن حريتهم الشخصية في التفكير والاعتقاد والاتجاه، وجعلوا أنفسهم تبعًا للمستكبرين والطغاة، دانوا لغير الله من عبيده واختاروها على الدينونة لله، والضعف ليس عذرًا بل هو الجريمة، والقوة المادية لا تملك أن تستعبد إنسانًا يريد الحرية ويستمسك بكرامته.. من ذا الذي يملك أن يجعل أولئك الضعفاء يدينون لغير الله، والله هو خالقهم ورازقهم؟.. فهم ضعفاء.. لا لأنهم أقل قوة مادية من الطغاة.. إنما هم ضعفاء لأن الضعف في قلوبهم وفي نخوتهم وفي اعتزازهم بأخص خصائص الإنسان.. إن المستضعفين كثرة، والطواغيت قلة؛ فمن ذا الذي يخضع الكثرة للقلة؟ إنما يخضعها ضعف الروح وسقوط الهمة وقلة النخوة والتنازل عن الكرامة.. إن الطغاة لا يملكون أن يستذلوا الجماهير إلا برغبة هذه الجماهير، فهي دائمًا قادرة على الوقوف لو أرادت، فالإرادة هي التي تنقص هذه القطعان!.. إن الذل لا ينشأ إلا عن قابلية للذل في نفوس الأذلاء! وهذه القابلية هي التي يعتمد عليها الطغاة!" (الظلال: 2096).[/blockquote]
ويقول معلقاً على تغير إستراتيجية سيد قطب الإسلامية ما بين الطبعة الأولى (1949م) والطبعة الشرعية السابعة (1981م): " اتساقاً مع هذا التحول، فقد حذف سيد قطب من الطبعة السادسة (المتداولة الآن) من الكتاب، كل ما اقترحه في الطبعة الأولى – وحتى الثالثة على الأقل – من تشريعات لتحقيق العدالة الاجتماعية على الطريقة الإسلامية، وكذلك كل مخططات توجيه الثقافة ". هامش ص 241 .
إن في الإفادة الأخيرة إجابة عما تردد ألجار في البت فيه، حينما قال: أنه لم يمكنه التأكد من أن التغييرات قد عملت للطبعة الخامسة أو بتاريخ سابق. فبحسب إفادة شريف يونس أن التغييرات بدأت من الطبعة الثالثة.
ولعل أول من أشار إلى التغييرات هو عبد الله الخباص في كتابه: (سيد قطب الأديب الناقد) الصادر سنة 1983م، حيث أخبرنا في هذا الكتاب بأن سيد قطب طبع الكتاب عدة طبعات، منها الطبعة المنقحة عام ألف تسعمائة وأربعة ستين (1964م) حيث عدل سيد بعض أفكاره الواردة في الطبعات السابقة، كما أضاف إلى الكتاب فصل (التصوير الإسلامي والثقافة الذي نجده في كتابه (معالم في الطريق)" ص 316 .
ولقد عرف وليم شيبرد ما تمت الإشارة إليه في كتابه (سيد قطب والحراك الإسلامي: ترجمة وتحليل نقدي ... إلخ)، ففي كتابه هذا اعتمد الطبعة السادسة (1964م)، وأشار إلى الاختلافات الأساسية عن الطبعات السابقة، في الحواشي والملاحق.
إن حامد ألجار أجحف في حقه وظلم كتابه. ففي هذا الكتاب – كما توحي بعض عباراته – رجع إلى الطبعة الأولى والثانية والثالثة والرابعة والخامسة والسادسة وطبعات دار الشروق الأولى للكتاب (1972م + 1974م) وقام بمقارنات دقيقة بينها.
إن دراسته التي جعلها مقدمة لترجمته أجود من مقدمة حامد ألجار التي – على قصرها - تعج بالأخطاء الكثيرة.
يذكر وليم شيبرد في معلومة لافتة أن " من بين 1663 فقرة في آخر طبعة من الكتاب (يقصد آخر طبعة في حياته، وهي طبعة 1964م التي نشرت قبل إعدامه بسنتين) نجد أن 442 فقرة فقط لم تتعرض للتغييرات منذ الطبعة الأولى والكثير منها اقتباسات من القرآن والمصادر ".
ولا أستبعد أن حامد ألجار تعمد في استدراكه على وليم شيبرد ألا يذكر سنة صدور الطبعة السابعة التي اعتمد عليها في دراسته الأولية المنشورة سنة 1992م، مع ذكره لسنة صدور الطبعة الخامسة التي اعتمد هو عليها في ترجمة كتاب سيد قطب. لقد فعل ذلك ليخلط الدارسين بينها وبين ما يسمى بالطبعة الشرعية السابعة الصادرة عن دار الشروق في تاريخ متأخر (1981م)، بينما هي صادرة في تاريخ متقدم. هذا التاريخ هو 1967م من غير ذكر لجهة النشر.
ومع تثميني لدراسة شيبرد إلا أنها لم تسلم من الوقوع في هفوات من مثل قوله عن الطبعة الأولى: " ترجمت إلى الإنجليزية منذ سنين (هاردي 1950 + 1970م) وكانت واسعة الانتشار في استخدام الباحثين لها منذ ظهورها". والصحيح أنها ترجمت إلى الإنجليزية سنة 1953م. وطبعت الترجمة طبعة ثانية سنة 1953م، وطبعت طبعة ثالثة سنة 1955م. هاتان الطبعتان تمتا بعد أخذ الإذن من سيد قطب. هذا إضافة إلى الطبعة التي ذكرها شيبرد طبعة (1975م والتي رأيتها على موقع الأمازون ولم أتمكن من معرفة رقمها.
[caption id="attachment_55238301" align="alignleft" width="300"]

وقد وقع في الخطأ في قوله: أن الطبعة تمت سنة 1950م، بسبب أنه لا يوجد فيها تاريخ النشر. لكننا نعرف من خلال مقالة محمود محمد شاكر النقدية الثالثة والرابعة عن الكتاب ومن خلال مقالة عز الدين إسماعيل التي تناولت الكتاب بالنقد أنه طبع سنة 1952م. فهذه المقالات كتبت بمناسبة صدور طبعته الثانية.
كما أن قوله - وهو يفسر الاختلافات البيّنة بين الترجمة الإنجليزية لكتاب سيد قطب وبين النص العربي المتداول -: افترضت عند بدأت لأول مرة ألاحظ الاختلافات بأنها صورة عامة كانت بسبب أن الترجمة الإنجليزية كانت من طبعة عربية مبكرة وثبت لي ذلك مؤخراً بعد الفحص"، قول غير دقيق. فالترجمة الإنجليزية اعتمدت – على وجه الحسم – على الطبعة الأولى. وأعزو عدم حسمه لهذه المعلومة إلى اضطراب في معلومة في الكتابات العربية عن دار النشر التي صدرت عنها الطبعة الأولى للكتاب وإلى بيانات النشر الموجودة في الكتاب الذي ترجمه هاردي إلى الإنجليزية. وهو ما سأتحدث عنه في القسم الثاني من البحث.
- يقول حامد ألجار: أن الكتاب طبع سبع مرات على الأقل. وهذه المعلومة غير صحيحة. فالكتاب طبع أضعاف هذا الرقم. وعلى وجه الدقة نحن لا نعلم الرقم الصحيح لطبعاته. فهناك طبعات لا يوجد عليها اسم دار النشر ولا تاريخ الطبعة وهي صادرة قبل أن تتملك دار الشروق حقوق نشره.
السحار والغزالي سبقا سيد قطب وأخطاء أخرى
- يرى حامد ألجار أن كتاب (العدالة الاجتماعية في الإسلام) هو " أول ما صدر من مجموعة من الأعمال المكرسة لنفس الموضوع. وتبعه كتاب آخر هو (اشتراكية الإسلام، للمؤلف مصطفى السباعي أحد قادة فرع الإخوان المسلمين في سوريا". ويرى أن هذا الكتاب " مماثل في المحتوى لعمل سيد قطب بالرغم من أن عنوانه يوحي بمخالفته لإصرار سيد قطب على أن الإسلام فريد ومستقل كنظام اجتماعي اقتصادي ويتحدى كل المقارنات مع الأيدلوجيات الأخرى".
الرأي الأول غير دقيق، فمن بين الأعمال الإسلامية المكرسة لهذا الموضوع في مصر كتاب لعبد الحميد جودة السحار عنوانه (أبو ذر الغفاري صاحب رسول الله: مصدر يبحث الاشتراكية في الإسلام) صدر سنة 1943م، وقدم له حسن البنا، وكتابان لمحمد الغزالي صدر الأول (الإسلام والأوضاع الاقتصادية)، سنة 1947م والآخر (الإسلام والمناهج الاشتراكية) سنة 1948م. ويذكر شريف يونس في كتابه (سيد قطب والأصولية الإسلامية)، أن سيد قطب في مجلة (الفكر الجديد)، في يناير سنة 1948م عرض وعلق على الكتاب الثاني، وأشار إلى سابق احتفائه بالكتاب الأول دون إشارة إلى مكان النشر. ولم يستطع – كما قال – التوصل إلى المقال الأول. هامش ص 114.
وفي الطبعة الأولى من كتاب سيد قطب (العدالة الاجتماعية في الإسلام) نجد أن هذين الكتابين من بين قائمة مراجعه. وهي القائمة التي أسقطها في طبعات لاحقة. أما الرأي الثاني، فلقد احتذى فيه بالدارس الإيراني أحمد عنايت في كتابه (الفكر السياسي الإسلامي المعاصر) أو هو أخذه عنه. فأحمد عنايت لا يرى أن هناك فروقاً جوهرية بين أفكار سيد قطب في كتابه (العدالة الاجتماعية في الإسلام) وأفكار السباعي في كتابه (اشتراكية الإسلام)، رغم إقراره أن أصولية سيد قطب مختلفة كثيراً عن أصولية السباعي. إن حامد ألجار استل رأي أحمد عنايت بمعزل عن تعرضه، تعرضاً تفصيلاً للفروقات ما بين الكتابين. فأحمد عنايت صنف كتاب السباعي ضمن الرواية الرسمية أو الحكومية للاشتراكية وصنف كتاب سيد قطب ضمن الرواية الأصولية للاشتراكية، وهناك صنف ثالث أسماه بالرواية الراديكالية للاشتراكية. ولم يُطلع ألجار القارئ على خلاصات منها. وللإطلاع عليها أنصح القارئ بالرجوع إلى فصل أسمه بين الاشتراكية والإسلام (274 – 319)، في هذا الكتاب المرجعي.
إن عمل السباعي (اشتراكية الإسلام)، يندرج ضمن السياق الذي جاء فيه كتاب الغزالي وضمن سياق مقالات سيد قطب الإصلاحية الاجتماعية التي كان ينشرها في مجلات، منها: الرسالة والبلاغ الأسبوعي والمقتطف ومجلة الشؤون الاجتماعية *. وذلك قبل إصداره كتاب: (العدالة الاجتماعية في الإسلام)، حينما كان يقول باشتراكية الإسلام. وكتاب سيد قطب كان تنظيراً إسلامياً اجتماعياً اقتصادياً عاماً بينما كان كتاب السباعي بحثاً فقهياً في هذه المسألة.
كما لا يمكن إغفال إن الكتابين يعبران عن موقفين – إلى حد ما – متضادين، فكتاب السباعي صدر في عهد بداية دولة الوحدة ما بين مصر وسوريا، وكان بمثابة دعم ونصرة لتطبيق النهج الاشتراكي في مصر، وهذا ما جعل الكتاب يطبع بمطبعة الشعب الحكومية بمصر مرتين لا يفصل بينهما سوى وقت قصير، ويوزع على نطاق واسع، ويحظى مؤلفه بجائزة الدولة التشجيعية من قبل المجلس الأعلى للعلوم والفنون والآداب سنة 1960م. أما سيد قطب فقد أحدث تغييرات فيما تلى الطبعات الأولى من كتابه متراجعاً عن ما كان قرره سابقاً من حق الجماعة في تحديد الملكية الفردية، تعبيراً عن معارضته لجمال عبد الناصر، من جهة، واستغراقا في فكر المودودي الذي تأثر به على نحو متدرج، فلم يؤيد سياسة التأميم التي أيدها بقوة مصطفى السباعي وسوغها فقهياً. على عكس المودودي الذي كان يرفض فكرة التأميم بشكل حاد ونهائي.
وينبغي أن نشدد على أن كتاب السباعي الذي كان نص محاضرة ألقاها على مدرج جامعة دمشق سنة 1959م، (وطبع في كتاب بمطبعة الشعب الحكومية في ذات السنة، وطبع طبعة ثانية في مطلع سنة 1960م زاد فيها)، يعبر عن توجه أصلي عند مؤلفه. فهو كان يقول باشتراكية الإسلام قبل سنوات من قيام ثورة يوليو 1952م. وكان عضواً في الجمعية التأسيسية سنة 1949م التي كانت تسمى الجبهة الاشتراكية الإسلامية المكونة من ثلاث جمعيات دينية هي: (الإخوان المسلمون) و(الجمعية الغراء) و(جمعية الأنصار) ولكن هذا الأمر لا ينفي أن اشتراكية عبد الناصر تبنّت هذا الكتاب واستفادت منه استفادة كبرى *.
وينبغي أن نذكر أن للسباعي موقف من الاتحاد السوفيتي مختلف عن موقف سائر الإخوان المسلمين في مصر وغيرها من البلدان العربية، إذ كان موقفه موقفاً إيجابياً. وللسباعي موقف شهير في المؤتمر الإسلامي المسيحي الذي عقد في بحمدون سنة 1954م، وكان الداعي والراعي له (جمعية أصدقاء الشرق الأوسط) الأمريكية، قال فيه: أن ظاهر المؤتمر محاربة الشيوعية، وباطنه الالتفاف على قضايا العرب والمسلمين، ولاسيما قضية فلسطين. وشكك في أهداف المؤتمر لأن الداعين إليه، هم (جمعية أصدقاء الشرق الأوسط) التي أعلن تحفظه عليها وعلى أنشطتها. هذا الموقف أعجب الشيوعيين اللبنانيين. وكتب الكاتب اللبناني الماركسي جورج حنا مقالة حيّا فيها السباعي بسبب موقفه هذا الذي صُنف عند الشيوعيين بأنه موقف سياسي تقدمي.
تصديق أكاذيب الإخوان المسلمين
هذه هي الملحوظات النقدية الأساسية للفقرات المنقولة من مقدمة حامد ألجار. أما ما لم يتم نقله منها، فلقد وقع فيها في أخطاء تقتضي التصحيح، وسأورد كل خطأ بحسب ترتيب وروده في المقدمة.
الخطأ الأول: أن أعمال سيد قطب الأولى (المبكرة) ... جعلته مقرباً من الشخصيات القيادية الأدبية المصرية كعباس محمود العقاد (توفي 1944م) وطه حسين (توفي 1973م).
تعليق: إن سيداً عرف العقاد حينما انتقل إلى القاهرة لإكمال دراسته وكان حديث السن. فلقد عرّفه به خاله أحمد حسين عثمان الذي أقام عنده، وكان صديقاً للعقاد.
الخطأ الثاني: وبعد أن أكمل درجة الماجستير في التعليم في جامعة شمال كولورادو في جريلي، تخلى سيد قطب عن فكرة إمكانية البقاء في أمريكا للحصول على الدكتوراه وعاد إلى مصر عام 1950م.
تعليق: لا يحمل سيد قطب درجة ماجستير، وبعثته إلى أمريكا لم تكن لإكمال الدراسات العليا، وإنما كانت بعثة تدريبية من قبل وزارة المعارف لتعلم اللغة الإنجليزية والتخصص في التربية وأصول المناهج.
هذا الخطأ سبق أن صححه عبد الله الخباص في كتابه (سيد قطب الأديب الناقد) الصادر سنة 1983م. وهذا الكتاب كان من بين مراجع ألجار. ويظهر أنه غفل عن الالتفات إلى تصحيح هذا الخطأ الموجود عند بعض من كتبوا عن سيد قطب. ومما يلفت النظر أن هذا الخطأ لا يقتصر ارتكابه على حامد ألجار، فهو شائع في أكثر من دراسة غربية عن سيد قطب!
[caption id="attachment_55238302" align="alignleft" width="300"]

الخطأ الثالث: ظهرت ميول سيد قطب بشكل واضح ومتزايد نحو الإخوان المسلمين منذ أن شهد الحماس الشديد في أمريكا الذي استقبلت به أخبار اغتيال مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في فبراير 12/1949م.
تعليق: أصل هذا الرواية سيد قطب، وأشاعها الإخوان المسلمون، وقد صدقها كثيرون ممن هم من غير الإخوان المسلمين، وسنتطرق لزيفها عندما نتناول علاقة سيد قطب غير الودية بحسن البنا وبجماعته الإخوان المسلمين في فترة من حياته.
وللإنصاف فإن هذا الخطأ لا يختص به حامد ألجار، فلم يسبق لي أن قرأت لكاتب فحص تلك الرواية المزعومة التي أسلكها ضمن تكاذيب الإخوان المسلمين وتكاذيب سيد قطب.
الخطأ الرابع: بدأ سيد قطب يكتب في مجلات الإخوان المسلمين مثل (الرسالة) و (الدعوة) و(اللواء الجديد).
تعليق: مجلة (الرسالة) ليست من مجلات الإخوان المسلمين، فهي مجلة أدبية ثقافية غير حزبية يملكها الأديب أحمد حسن الزيات. وكان سيد قطب ينشر فيها قصائده ومقالاته منذ فترة مبكرة من حياته، ترجع بداياتها إلى مطلع ثلاثينيات القرن الماضي.
كذلك مجلة (اللواء الجديد)، هي ليست – أيضاً – من مجلات الإخوان المسلمين، فهي لسان الحزب الوطني الجديد الذي أنشأه فتحي رضوان سنة 1944م، وأنشأ معه تلك المجلة في هذه السنة. وهذا الحزب وهذه المجلة دعوة لإحياء مبادئ الحزب الوطني القديم الذي أنشأه مصطفى كامل.
أرجع خطأ حامد ألجار هذا إلى أنه قرأ بتسرع عبارة واردة عند أحمد الموصلي في كتابه (الفكر الإسلامي المعاصر، بحث مقارن لمبادئ الأصوليين والإصلاحيين) – الذي هو من بين مراجعه – ففهمها على نحو خاطئ. تقول العبارة: " عند عودته إلى مصر كتب قطب في مجلة الإخوان، الدعوة، وفي مجلات أخرى، كالرسالة واللواء الجديد ". ص 27 .
الخطأ الخامس: مع أن الانقلاب – يقصد انقلاب 23 يوليو 1952م – كان له شعبية واسعة وأن القائمين به أسموه " ثورة "، برغم غياب المشاركة الشعبية الواسعة إلا أن الضباط الأحرار كان يعوزهم قاعدة سياسية منظمة لهم، ولذا لجأوا إلى الإخوان المسلمين حيث لبعضهم علاقة بالمنظمة، لتجبيش الدعم الشعبي الفعال.
تعليق: لم يسم القائمون على هذا الانقلاب انقلابهم ثورة، فلقد كانوا يسمونه الحركة المباركة. وتسميته بالثورة جاءت من قبل مثقفين كمحمد فريد أبو حديد وطه حسين وراشد البراوي وسيد قطب الذي ألحّ أكثر من غيره على هذه التسمية وغالى في تمجيد حركة الضباط الأحرار.
الخطأ السادس: كان سيد قطب أحد الأعضاء الكبار في الإخوان المسلمين الذين تعاونوا مع الضباط الأحرار ... وبعد شهر من الانقلاب ألقى سيد قطب محاضرة حول (التحرير الفكري والروحي في الإسلام) وذلك في نادي الضباط في القاهرة، وكان عبد الناصر من بين الحضور.
تعليق: في تلك الفترة لم يكن سيد قطب من الإخوان المسلمين، فهو انضم إليهم في منتصف سنة 1953م. وفي جملة حامد ألجار السابقة وجمل أخرى تلتها يقدم سيد قطب على أنه جزء من الإخوان المسلمين الذين – كما قال – رفضوا في البداية احتواء عبدالناصر لهم عن طريق إعطاء مناصب وزارية لبعض قيادييهم، وكانوا على قدر من الحصافة لمقاومة الذوبان الكلي في الهيكل الجديد للحكومة الناصرية.
هذا التقديم خاطئ من أكثر من جهة، ويدل على أنه لا يعرف أن سيداً في تلك الفترة كان محسوباً على الضباط الأحرار لا على الإخوان وأن اختلافه مع الضباط الأحرار في فترة تالية كان لأسباب هي غير أسباب اختلاف الإخوان معهم. ويدل أيضاً على أنه غير ملم بتفاصيل التحالف والصراع ما بين ضباط الثورة والإخوان المسلمين ومجرياته ومسببات الصدام الفعلية من جهة، ولا ملم بالانشقاقات المتوالية عند الإخوان المسلمين التي حصل اثنان منهما في السنوات الأولى لثورة يوليو من جهة أخرى.
الخطأ السابع: حدث في الإسكندرية في 23 أكتوبر 1954م، ما يبدو أنه كان محاولة غير ناجحة لاغتيال عبد الناصر، ولكن هناك دلائل تشير إلى أن ما حدث كان بتدبير عبدالناصر نفسه. كان الرجل الذي قيل أنه أطلق الرصاص محمد عبد اللطيف – والذي كان عضواً في الإخوان، كان معروفاً لدى عبد الناصر كماهر في الرماية، ولذا فمن المعقول أن يكون عبد الناصر قد أوكل إليه محاولة الاغتيال واثقاً من أنه عمداً لن يصيب الهدف، وأعدمه لضمان سكوته.
تعليق: يميل ألجار هنا إلى ترجيح رواية الإخوان المسلمين بأن حادث المنشية كان مدبراً وتمثيلية بحسب ما يقول الإخوان المسلمون لكن الموازنة ما بين رواية الإخوان المسلمين عن هذا الحادث والوثائق المتعلق بها تؤكد أنه غير مدبّر وليس تمثيلية. ولعل أفضل دراسة تاريخية وثائقية حسمت الجدل حوله، وأثبتت أنه حقيقي هي دراسة المؤرخ عبد العظيم رمضان – الذي كان خصماً لدوداً للناصرية –: (الإخوان المسلمون والجهاز السري).
وقد لا يعلم حامد ألجار أنه حصل تطور يهز من شأن رواية الإخوان المسلمين بخصوص حادث المنشية في السنوات الأخيرة، هذا التطور هو شهادة فريد عبد الخالق – أحد قدامى الإخوان وأحد قيادييهم – بأن محاولة الاغتيال كانت صحيحة، وأنه علم هو وبعض قيادات في الإخوان بها قبل حصولها، وحاولوا منعها لكنهم فشلوا.
[caption id="attachment_55238303" align="alignleft" width="300"]

أما محمود عبد اللطيف الذي قال عنه ألجار أنه عضو في الإخوان المسلمين، فهذه ليست صفته، فصفته الحقيقية، أنه عضو في النظام الخاص أو الجهاز السري في الإخوان المسلمين.
الخطأ الثامن: قيل إن إطلاقه كان بسبب سوء حالته الصحية المستمرة، إضافة إلى شفاعة الرئيس العراقي.
تعليق: لم يكن الإفراج عن سيد قطب في أواخر الشهر الخامس من سنة 1964م بسبب سوء حالته الصحية المستمرة، وإنما بسبب شفاعة الرئيس العراقي الذي كان ينتمي أصلاً إلى الإخوان المسلمين في العراق، وكان معجباً بتفسير سيد قطب (في ظلال القرآن) وبكتاباته الإسلامية. وقد قبل عبد الناصر شفاعته لأنه كان موالياً له. وبما أن سيد قطب أفرج عنه قبل أن يتم مدة عقوبته بـ" عفو صحي " ومعه يوسف هواش لم يكن من المنتظر أن يقال أنه أفرج عنه بـ"شفاعة" من الرئيس العراقي عبد السلام عارف.
الخطأ التاسع: إنه من الممكن أن الحكومة أطلقته لكي تهيئ الظروف لإعادة القبض عليه ومحاكمته والتخلص النهائي منه.
تعليق: تفسيره هذا الذي صاغه على وجه الاحتمال، تفسير قال به بعض الإخوان المسلمين وقسم من إعلامهم في العالم العربي على وجه القطع، ومن أبرز من قال به زينب الغزالي التي كان لها دور أساسي في تنظيم 1965م السري المسلّح الذي كان قائده سيد قطب بعد الإفراج عنه، وكان قبل الإفراج عنه موجّهاً فكرياً له وحسب، من داخل السجن.
تقول زينب الغزالي في كتابها (أيام من حياتي): انتقلت إلينا أخبار بأن إخراج الإمام سيد قطب من السجن تخطيط من المخابرات ليسهل اغتياله، وأن في خطة الاغتيالات القضاء على عبد الفتاح عبده إسماعيل ... وقد تأكدت لدينا الأخبار بأن المخابرات الأمريكية والمخابرات الروسية ووليتهم الصهيونية العالمية قد قدموا تقارير مشفوعة بتعليمات لعبد الناصر بأخذ الأمر بمنتهى الجد للقضاء على هذه الحركة الإسلامية".
هذا هو التفسير بتمامه وكماله الذي أخذ به ألجار مجتزأً ليمنحه وجاهة ما، ولم ننقُص منه سوى قولها – والحاجة لا تنسى أبداً نفسها –: أنه سبق خروج سيد قطب بشهور، محاولة اغتيالي التي لم تنجح، حين انقلبت بي عربتي إثر اصطدامها بعربة أخرى. وكان الحادث مدبراً من مخابرات جمال عبد الناصر لاغتيالي وتواتر الأخبار تؤكد ذلك. وكذلك قولها بعد أن ساقته: أصبحوا يتوهمون أن هناك حركة فكرية يقودها سيد قطب في داخل السجن، وتقودها وتعمل على تنفيذها جماعة من الإخوان المسلمين، على رأسها الشهيد عبد الفتاح إسماعيل وزينب الغزالي خارج السجن.
يحتاج ألجار إلى أن يحدِّث معلوماته، فتنظيم 65 الذي كانت بداياته عفوية سنة 1957م عند شباب الإخوان المسلمين ممن كانوا خارج السجن، وكانوا ينتمون إلى محافظات ومدن مصرية شتى، والقائم على فكرة اغتيال عبد الناصر واغتيال قيادات أخرى في نظامه، وتدمير منشآت حيوية كبرى في مصر، والمأذون له بالعمل من قبل المرشد حسن الهضيبي رغم معارضة بعض قيادات الإخوان المسلمين الذي كانوا في السجن والذين كانوا يرون أنه في حالة كشفه سيؤخر الإفراج عنهم، هو من بين أمور كان الإخوان المسلمون ينكرونها، وصار بعض منهم في السنوات الأخيرة يعترفون بها مع استمرار إدانتهم لعبد الناصر ولنظامه. وهناك كتاب اسمه (الإخوان وعبد الناصر: القصة الكاملة لتنظيم 1965م) لأحمد عبد المجيد أحد قياديي التنظيم، وهو ممن لم يبدل في فكره ولم يغيّر فيه. هذا الكتاب وكتاب آخر لصهره السابق علي عشماوي (التاريخ السري لجماعة الإخوان المسلمين) أحد قياديي التنظيم والذي قدم اعترافات كاملة حين اعتقل، يعدان – إضافة إلى محاضر التحقيق مع سيد قطب وقادة التنظيم – مراجع أساسية عن التنظيم.
هذا التنظيم الذي احتل فيه سيد قطب دور المنظر والموجه السياسي والفكري، وتالياً القائد الفعلي بعد الإفراج عنه، والذي كان مدعوماً من إخوان الخارج، يعتبر الأساس والمنطلق لحركات العنف التي تتوسل بالإرهاب لتحقيق أهدافها في العقود الأخيرة من القرن الماضي وسنوات القرن الحاضر.
الخطأ العاشر: كانت المحاكمة في أساسها محاكمة كتاب والأفكار التي يحتوي عليها...
تعليق: إعدام سيد قطب كان بسبب تأليف كتابه (معالم في الطريق) زعم أطلقه الإخوان المسلمون وغير الإخوان المسلمين من الليبراليين. فالكتاب طبع أكثر من مرة وكانت هناك تقارير وتوصيات من جهات أمنية تطالب بمنعه وعبد الناصر كان في البداية يرفض ذلك.
إن تكرر ورود اسم الكتاب في محاكمة التنظيم، سببه أن الكتاب كان المرجع الفكري للتنظيم وكان أعضاء التنظيم من سنوات وقبل أن يجمع في كتاب يتدارسونه بوصفه كراساً حزبياً، وكانت مسودات فصوله تهرّب إليهم، بحسب إتمامها، فصلاً ففصل.
ولو أن السلطات المصرية تعلم بأمر التنظيم وصلة سيد قطب به ما كانت لتفرج عنه.
الخطأ الحادي عشر: حكمت السلطة في شهر مايو، سنة 65، على سيد قطب بالإعدام مع ستة من كبار أعضاء الإخوان المسلمين، بمن فيهم الهضيبي. ثم تم تغيير حكم الإعدام بالسجن مدى الحياة على أربعة من المتهمين ولكن سيد قطب واثنين من رفاقه، وهما محمد يوسف هواش وعبد الفتاح إسماعيل تم إعدامهم شنقاً في القاهرة بتاريخ 29 أغسطس سنة 1966م.
تعليق: كل الذين حكم عليهم مع سيد قطب في قضية تنظيم 65 سواء بالإعدام أو بالأشغال الشاقة أو بالأشغال الشاقة المؤبدة ليسوا من كبار الإخوان المسلمين، بل هم من صغارهم ومن مغاميرهم ومن مجاهيلهم، كما كانوا في معظمهم شباناً.
وسيد قطب نفسه لم يكن من كبار الإخوان المسلمين، لأنه ليس عضواً في مكتب الإرشاد ولا في الهيئة التأسيسية، ولا هو من قدامى الإخوان المسلمين، رغم أهميته بوصفه أقوى منظر وأعمق مثقف انضم لجماعة الإخوان المسلمين منذ نشأتها إلى يومنا هذا. فالمنصب الذي كان يشغله قبل سجنه سنة 1954م، هو مسؤول قسم نشر الدعوة في المركز العام للجماعة، ورئيس تحرير جريدة (الإخوان المسلمون). وهذا المنصب منصب متوسط وليس منصباً قيادياً.
الوحيد الذي كان من كبار الإخوان المسلمين في هذه القضية، هو حسن الهضيبي والذي هو من كبارهم بحكم المنصب الذي يتولاه، وهو منصب المرشد العام للجماعة لكن لم يصدر عليه – كما وهم ألجار – حكم بالإعدام. فلقد " صدر عليه الحكم بالسجن ثلاث سنوات. وأخرج لمدة خمسة عشر يوماً إلى المستشفى، ثم إلى داره، ثم أعيد لإتمام مدة سجنه التي تم تمديدها بعد انتهاء المدة حتى تاريخ 15 أكتوبر 1971م، حيث تم الإفراج عنه". موقع (الإخوان المسلمون).
إن الذين نفذ فيهم حكم الإعدام هم: سيد قطب قائد تنظيم 65 ونائبه محمد يوسف هواش وعبد الفتاح عبده إسماعيل صديق زينب الغزالي الحميم وخفّف عبد الناصر حكم الإعدام عن آخرين من قادة التنظيم، كعلي عبده عشماوي وأحمد عبد المجيد عبد السميع، وصبري عرفه الكومي ومجدي عبد العزيز متولي إلى أشغال مؤبدة لصغر سنهم ولأنه لم تكن لهم سوابق سياسة كالثلاثة الذين تم تنفيذ حكم الإعدام فيهم.
الإخوان لم يحدوا من انتشار الشيوعية في مصر
الخطأ الثاني عشر: من الملفت للنظر أن إعدام سيد قطب حدث بعد فترة قصيرة من رحلة إلى موسكو ... والملفت للنظر – أيضاً – أن تأثير الإخوان بشكل عام وسيد قطب على الخصوص كان سبباً حائلاً دون انتشار الماركسية في مصر.
تعليق: إن استحضار التفسير التام والكامل الذي نجده عند زينب الغزالي – أحد أعضاء تنظيم 65 الأساسيين، يُفسد على حامد ألجار تفسيره المجتزأ. ففي تفسيرها أن القبض عليها وعلى التنظيم وإعدام سيد قطب ويوسف هواش وصديقها الحميم عبد الفتاح إسماعيل تم بتعليمات أولاً من المخابرات الأمريكية ومن المخابرات السوفيتية ثانياً ومن وليتها الصهيونية العالمية ثالثاً!
[caption id="attachment_55238306" align="alignright" width="264"]

إن هذا التفسير العجيب والعجائبي، نلقاه عند عدد من كتبة الإخوان المسلمين، وربما استمده ألجار من كتاب يوسف العظم (الشهيد سيد قطب: حياته ومدرسته وآثاره) ومن كتاب صلاح الخالدي (سيد قطب الشهيد الحي) اللّذين كانا من بين مراجعه المكتوبة باللغة العربية، ولم يأخذه مباشرة من كتاب (أيام في حياتي) لزينب الغزالي. ثم اجتزأه ليمنحه – كما قلنا سابقاً – وجاهة ما.
ولمن يهمهم التأصيل، أقول أن هذا التفسير – على نحو رباعي – يتكرر عند سيد قطب حتى في الانشقاقات ما بين الإخوان المسلمين التي أنهكتهم قبل أن ينهكهم عبد الناصر وأرهقهم استمرارها بعد أن زج بهم في المعتقلات. تفسير سيد قطب ذو الأركان الأربعة يقوم على أن أمريكا والصليبية الغربية والصهيونية (أو اليهودية العالمية) والشيوعية متآمرين على الإخوان المسلمين وعليه شخصياً لأنه كشف مخططاتهم التآمرية، ولأنه مفكر إسلامي أصيل!
هذا ما يمكن التعليق به على القول الأول. أما التعليق على القول الثاني، فهو على النحو الآتي:
لم يكن للإخوان المسلمين بشكل عام وسيد قطب على الخصوص تأثير في عدم انتشار الماركسية في مصر خاصة في عقدي الخمسينيات والستينيات لأسباب عملية وسبب فكري.
ذلك أن عبد الناصر ونظامه قبل تبنيه لون من الاشتراكية وبعد تنبيه مزيد من الاشتراكية كان معادياً للشيوعية. وكانت التنظيمات الشيوعية في عهده محظورة. كما أنه زج بالإخوان والشيوعيين في السجون.
قد لا يعرف حامد ألجار أن في مصر في العهد الناصري إدارة اسمها مكافحة الشيوعية تابعة لجهاز الاستخبارات كان أول رئيس لها حسن التهامي، أحد الضباط الأحرار. وتلاه في رئاستها ضابط مشهور عند الشيوعيين هو اللواء حسن المصيلحي لأنه عنى بمطاردتهم ومكافحة الشيوعية.
ومن الأسباب العملية التي تحول دون أداء الإخوان المسلمين وسيد قطب الدور الذي زعمه لهم ألجار، أن حركة حدتو الشيوعية والحزب المصري الشيوعي تمكنا من إنشاء جبهة وطنية مكونة من الشيوعيين ومن بعض الإخوان المسلمين وبعض الوفديين على مستوى الطلاب تطالب بإسقاط حكم الجيش. وقد وصل الشيوعيون إلى مستوى معين من التنسيق والتحالف مع الإخوان المسلمين.
وفي ظل هذا التنسيق والتحالف أعلن المرشد حسن الهضيبي موقفاً جديداً من الشيوعية. فالشيوعية – حسبما قال – لا تقاوم بالعنف والقوانين. وأنه لا مانع لديه من أن يكون للشيوعيين حزب ظاهر، والإسلام كفيل بضمان وسلامة الطرق التي تسلكها البلاد".
وفي ظله أيضاً، اشترك الإخوان في توزيع منشورات الحزب الشيوعي المصري التي تدعو إلى إسقاط حكم الجيش واشتركوا في مظاهرات الشيوعيين لإسقاط حكم العسكر سنة 1954م.
إن العقوبة التي تلقاها سيد قطب وهي سجنه خمسة عشر عاماً، أثر حادث المنشية، كانت بسبب تحريره نشرة سرية عنوانها (الإخوان في المعركة) والتي كانت تطبع في مطابع الحزب الشيوعي المصري السرية، تتهم عبد الناصر ونظامه بالعمالة للاستعمار الغربي وتعريض البلاد لمخاطر الحرب العالمية الثالثة المتوقعة، وعقد معاهدة سرية مع إسرائيل، واتهام الضباط بسرقة أموال الشعب، وعبد الناصر بتأثيث بيته بمفروشات من القصور الملكية المصادرة عن طريق لجنة جرد القصور. وبسبب هذه المنشورات السرية تعرض سيد قطب في بداية سجنه سنة 1954م، لتعذيب شديد، إذ أن فيها حتى عند بعض قيادات الإخوان المعتدلة، اتهامات جاوزت الحد، وبعض منها يعلمون أنها غير صحيحة. وحين اعترضوا اتهمهم الهضيبي ومعه سيد قطب بمهادنة السلطة. أما الإخوان المسلمون الذين لم يفضوا تحالفهم مع السلطة ولم يقطعوا تعاونهم معها، فهم بحسب تقرير اجتماع ما بين الحزب الشيوعي المصري بقيادة الدكتور فؤاد مرسى ورسول الإخوان المسلمين، سيد قطب، ممثلاً لجناح الهضيبي: " نفر من الإخوان الخونة الذين يسيرون وفق خطط الاستعمار".
إن هذا الدور الذي افترضه ألجار لتأثير الإخوان وسيد قطب في التسبب بعدم انتشار الشيوعية بمصر ليس صحيحاً في عهد عبدا لناصر، وصحيح – مع إضافة أسباب عديدة – في عهد السادات.
أما ما قبل الثورة، فلقد كان لهم إلى حد ما، هذا الدور في الأوساط العمالية، وإلى حد ما أيضاً في الأوساط الطلابية الجامعية وما قبل الجامعية لكن مع ملاحظة أن تركيزهم الأساسي كان منصباً على تنافس وصراع عملي مع أحزاب سياسية لم تكن يسارية ولا شيوعية.
إننا لو تأملنا في حيوات عدد من المثقفين المصريين، الأكاديميين وغير الأكاديميين قبل الثورة وفي أثناءها لوجدنا أنهم في بداية حياتهم كانوا إخواناً مسلمين ثم تحولوا إلى اليسار. ولا نجد العكس إذا ما تأملنا في حيوات الإخوان المسلمين، إذ لا نجد فيهم قبل تلك الفترة وفي أثناءها من كان يسارياً في سابق حياته أو من هو قادم من تجربة ثقافية مغايرة تماماً لتجربتهم. الاستثناء في هذا كان سيد قطب، القادم من تجربة أدبية ثقافية رومانتيكية.لم يكن فيها علمانياً صرفاً ولا من دعاة الثقافة الغربية على نحو واضح، رغم غرامه بالقراءة في أدبياتها المترجمة إلى العربية.
السبب الفكري الذي يفسر الملحوظة السابقة، أن مؤلفات الإخوان المسلمين في الثلاثينيات والأربعينيات، ابتداءً من مؤلفات المرشد والمؤسس الأول، هي مؤلفات هزيلة على مستوى الفكر الديني الإسلامي وعلى مستوى المعاصرة، قالباً ومضموناً. ولم يكن بوسعها – نظراً لهذه العلة المزدوجة – أن تزاحم أو تنافس لا الفكر الليبرالي المصري المستظل بنظرية القومية المصرية، ولا المؤلفات الإسلامية التي كتبها علماء الأزهر وأكاديمييه وكتبها آخرون من ذوي الاتجاه الإسلامي العام ومن أصحاب الاتجاه الليبرالي. ناهيك عن أن تكون مؤهلة لمقارعة الفكر الماركسي.
ثم مع حصول تطور ما في هذه المؤلفات الهزيلة في أواخر الأربعينيات، كما في كتابي الغزالي: (الإسلام والأوضاع القانونية) و(الإسلام والمناهج الاشتراكية) اللذين كتبهما بلغة ثورية مشبوبة واستلحق الاشتراكية فيهما بالإسلام، لم يكن لهما في طبعتيهما الأوليتين ولا مع إعادة طباعتهما في سنوات الخمسينيات والستينيات تأثير يذكر سوى التأثير الذي جعل سيد قطب يكتب كتابه (العدالة الاجتماعية في الإسلام) والذي كان له منذ أول صدوره تأثيره في بعض الضباط والأحرار حينما كانوا تنظيماً سرياً. وتأثيره في جماعة الإخوان المسلمين. لكن سيد قطب حينما ألّف كتابه هذا متأثراً بكتابي الغزالي لم يكن يسارياً ولم يكن مثل الغزالي منضوياً في جماعة الإخوان المسلمين ولا معبراً عن فكرهم السياسي والاجتماعي.
ولا يسعنا – بمناسبة الحديث عن كتابي الغزالي – إلا أن نقرر أن حظيهما كان عاثراً، فلقد اكتسحهما في البداية كتاب سيد قطب ثم طغى عليهما كتاب السباعي الذي كان هو المعول عليه والمرجع الذي يعتمد عليه للقول باشتراكية الإسلام في العهد الناصري.
الخطأ الثالث عشر: وبالرغم من تجربته الشخصية في السجن، نجد أن الهضيبي كتب ما يمكن وصفه بنقض لكتاب سيد قطب (معالم في الطريق) أسماه (دعاة لا قضاة). أشار في كتابه إلى أن الجاهلية هي ظاهرة تاريخية حصرية وليست ظاهرة تاريخية متجددة. ولذا فهي ليست قابلة لنعت مجتمع مسلم معاصر، بالجاهلي.
تعليق: كشف اللواء فواد علام وكيل جهاز مباحث أمن الدولة الأسبق في كتابه: (الإخوان المسلمون وأنا) أن كتاب (دعاة لا قضاة) المنسوب للمرشد حسن الهضيبي ليس له. وأن الكتاب ورائه مباحث أمن الدولة. وأنه تم إعداده بواسطة بعض علماء الأزهر. وأن الذين شاركوا في إعداده إلى جانب علماء الأزهر بعض المعتقلين من الإخوان المتعاونين مع هذا الجهاز. (راجع قصة هذا الكتاب والأسباب التي دعت إلى تأليفه وكيف تمت نسبته إلى الهضيبي في كتاب فؤاد علام المشار إليه آنفاً، ص 209، 210، 211، 212).
وسأخصص مقالة مستقلة أذكر فيها شواهد، تثبت أن الكتاب لم يؤلفه الهضيبي.
الخطأ الرابع عشر: Qutb. Muhammad، Sayyid. Al-Shahid Al-Ghazali. Cairo. 1974.
محمد قطب: سيد قطب، الشهيد الغزالي، القاهرة، 1974م.
[caption id="attachment_55238296" align="alignright" width="290"]

تعليق: لا أخفيكم أني أمضيت يوماً أو بعض يوم لفك شفرة عنوان هذا الكتاب. لعلمي المسبق أن محمد قطب لم يخص أخيه سيد قطب بتأليف كتاب عنه. وأنه لا يعرف له كتاب صادر في منتصف السبعينيات. ثم ما علاقة عنوان الكتاب الأساسي (سيد قطب) بعنوانه الشارح (الشهيد الغزالي) الذي هو أساساً عنوان مغلوط. فالإمام أبو حامد الغزالي مات ميتة طبيعية ولم يغتل، ليحكم له بالشهادة.
الكتاب بعدما فككت شفرة عنوانه عرفت أن المقصود به كتاب (سيد قطب: الشهيد الأعزل) لمحمد علي قطب. وهذا الكتاب هو الكتاب نفسه الذي كان نشره في الستينيات تحت عنوان (سيد قطب أو ثورة الفكر الإسلامي)، مع بعض الإضافة اليسيرة، وإعادة نشر مقالة لمحمد قطب شقيق سيد كان كتبها في مجلة (الشهاب) – كما ذكر ذلك صلاح عبد الفتاح الخالدي – لتكون بمثابة مقدمة للكتاب.
محمد علي قطب – بصرف النظر عن التصحيف الذي وقع في كتابة اسم كتابه باللغة الإنجليزية – يجب ألا يكتب اسمه بطريقة ثنائية. لأن ذهن القارئ، سينصرف مباشرة إلى شقيق سيد قطب، محمد. أحسب أن حامد ألجار كتب اسمه بطريقة ثنائية اتباعاً لأحمد موصلي في كتابه (الفكر الإسلامي المعاصر، دراسات وشخصيات، سيد قطب، بحث مقارن لمبادئ الأصوليين والإصلاحيين) الذي هو أحد مراجعه المكتوبة باللغة الإنجليزية. فأحمد موصلي – ولعله الوحيد في ذلك – كتب اسمه بطريقة ثنائية.
ويحسن بي - نظراً لأنه يتعمد أن يوقع القارىء في ارتباك بين الاسمين، فيعتقد القارىء أنه من آل قطب وأنه مصري - أن أعرّف به.
محمد علي قطب (أو القطب كما هو اسم عائلته الرسمي): لبناني صيداوي. من أتباع دعوة الإخوان المسلمين في لبنان. درس في الأزهر. وتعرف على سيد قطب شخصياً في أثناء دراسته في مصر. مكث في مصر مدداً طويلة في فترات متقطعة. ربما لأنه متزوج من مصرية. اشتغل بالتدريس، متوفٍ من سنوات قريبة.
مكثر في تآليفه. ولعل أشهرها (يهود الدونمة) و (مذابح وجرائم محاكم التفتيش في الأندلس) و(خبز وحرية) و(مسلمات مؤمنات) و(دليل الحيران في تفسير الأحلام).
ولزيادة التعريف به. أذكر أنه هو أبو الممثلة راندا، زوجة المخرج عادل عوض، ابن الممثل الكوميدي الراحل محمد عوض.
نختتم مراجعتنا للمقدمة بتوجيه ملحوظة، أراها أساسية.
هذه الملحوظة الأساسية، هي أن حامد ألجار في مقدمته اكتفى برواية الإخوان المسلمين عن سيد قطب وعن تاريخهم وصدّق هذه الرواية ذات الطابع الدعائي، المحشوة بالمبالغات التي تتضمن قدراً من حكايات مخترعة وحزمة من العبارات الملفقة. وأهمل كلياً الرواية الرسمية في عهد عبد الناصر. ولم يلتفت إلى كتب آخرين من اتجاهات أخرى، قدمت سياقاً مختلفاً لهذه الرواية، وناقشت ما في محتواها من تدليس وزيف. ولا إلى كتابات تمثل، من ناحية معلوماتية وأخرى تحليلية، مرحلة متقدمة ومتطورة في الدراسات المقدمة حول فكر سيد قطب وتحولاته وتاريخه.
إن يكن حامد ألجار مؤمناً بالرواية الإخوانية ومصدقاً لها أشد التصديق، أمر سائغ ومفهوم ولا عُجب فيه لكن ما هو غير سائغ وغير مفهوم وعجيب – كل العجب – أن غيره من غربيين كثر، هم أيضاً أسيروا الرواية الإخوانية، وتشملهم تلك الملحوظة التي نبهت عليها، رغم أنهم ليس مثله مسلمين، وليسوا مثله متشيعين سياسياً وعقدياً لإسلام سيد قطب وإسلام الإخوان المسلمين وإسلام الثورة الإيرانية.
الهوامش:
* وفق خبر نشر في مجلة (الرسالة) سنة 1951م، هذا نصه: " قرر المجلس الأمريكي للدراسات الاجتماعية ترجمة كتاب (العدالة الاجتماعية في الإسلام) للأستاذ سيد قطب إلى اللغة الإنجليزية، ونشره في أمريكا للتعريف بسياسة الإسلام الاجتماعية، وسيقوم بترجمته المستشرق يوحنا (!) (جون ب. هاردي) الأستاذ بجامعة هاليفاكس بكندا". يذكر صلاح عبد الفتاح الخالدي – صاحب أكثر من دراسة عن سيد قطب – اسم المجلس على هذا النحو من دون النص على اسمه باللغة الإنجليزية. ويترجمه شريف يونس في كتابه (سيد قطب والأصولية الإسلامية) إلى المجلس الأمريكي للمجتمعات المتعلمة. عندما أخبرت أحمد الشنبري مترجم النصوص الإنكليزية المستخدمة في البحث قال: الترجمة الأولى ترجمة خاطئة والترجمة الثانية ترجمة حرفية، والأقرب للصحة ترجمته بالمجلس الأمريكي للجمعيات الثقافية وليس المجتمعات المتعلمة. لأنه اتحاد فيدرالي يضم سبعين مؤسسة فكرية ذات مستوى عال متخصص في مجال العلوم الإنسانية، وقد ذكر لي أنه تأسس سنة 1919م.
* في النقاش الذي أشرت إليه سلفاً، في مجلة المسلم المعاصر، أشار في خاتمة نقاشه الذي كان فيه يُعلى من شأن أفكار علي شريعتي أن لديه عديداً من التحفظات على الكثير من أفكاره وإن إحداها مشتق من حقيقة أنه سني، في حين أن علي شريعتي كان من الشيعة. ويستفاد من هذه الإشارة على أنه في إسلامه تحول من السنية إلى الشيعة.
* راجع هذه المقالات في كتاب: المجتمع المصري، جذوره وآفاقه، إعداد وتقديم آلان روسيون.
* راجع دفاع الدكتور عدنان زرزور في كتابه (مصطفى السباعي، الداعية المجدد) عنه إزاء مؤخذات الإسلاميين على كتابه (اشتراكية الإسلام). ومما يجدر ذكره أن الهيئة العامة لقصور الثقافة بمصر طبعته طبعة ثالثة هذا العام، وكان قد طبع قبل سنوات قليلة من قبل دار الوراق والمكتب الإسلامي في عنوان مختلف عن عنوانه الأصلي، فبعد أن كان عنوانه (اشتراكية الإسلام)، أصبح عنوانه (التكافل الاجتماعي).
سيد قطب إبراهيم:
وُلد سيد قطب إبراهيم في قرية "موشه" التابعة لمحافظة أسيوط في صعيد مصر عام 1324هـ الموافق 9-10-1906م، ودخل المدرسة الابتدائية في القرية عام 1912م، حيث تخرّج فيها عام 1918م، ثم انقطع عن الدراسة لمدة عامين بسبب ثورة 1919م.
وفي عام 1920م سافر إلى القاهرة للدراسة، حيث التحق بمدرسة المعلمين الأولية عام 1922م، ثم التحق بمدرسة "تجهيزية دار العلوم" عام 1925م، وبعدها التحق بكلية دار العلوم عام 1929م، حيث تخرج فيها عام 1352هـ - 1933م حاملاً شهادة الليسانس في الآداب.

عُيِّن بعد تخرجه مدرسًا في وزارة المعارف بمدرسة الدوادية بالقاهرة، ثم انتقل إلى مدرسة دمياط عام 1935م، ثم إلى حُلوان عام 1936م، وفي عام 1940م نُقل إلى وزارة المعارف، ثم مُفتشًا في التعليم الابتدائي، ثم عاد إلى الإدارة العامة للثقافة بالوزارة عام 1945م، وفي هذا العام ألّف أول كتاب إسلامي وهو "التصوير الفني في القرآن"، وابتعد عن مدرسة العقاد الأدبية.
وفي عام 1368 هـ - 1948م، أوفدته وزارة المعارف إلى أمريكا للاطلاع على مناهج التعليم، ونظمه، وبقي فيها حوالي السنتين، حيث عاد إلى مصر في عام 1370هـ 1950م، وعُيِّن في مكتب وزير المعارف بوظيفة مراقب مساعد للبحوث الفنية، واستمر حتى 18-10-1952م حيث قدَّم استقالته.
عمل "سيد قطب" في الصحافة منذ شبابه، ونشر مئات المقالات في الصحف والمجلات المصرية كالأهرام والرسالة والثقافة، وأصدر مجلتي "العالم العربي" و"الفكر الجديد".
ترأس جريدة "الإخوان المسلمون" الأسبوعية عام 1373هـ - 1953م وهي السنة التي انتسب فيها إلى الإخوان المسلمين رسميًا، وكان قبل ذلك قريبًا من الإخوان، متعاونًا معهم.
قُدم للمحاكمة يوم 22-11-1954م، وحكمت عليه المحكمة بالسجن لمد خمسة عشر عامًا، وأُفرج عنه بعفو صحي عام 1964م.
وفي عام 1965م اعتُقل، ثم حُكم عليه بالإعدام فجر يوم الإثنين 13 جمادى الأولى 1386 هـ الموافق 29 أغسطس 1966.